تواجه العمالة المنزلية في مصر التابعة لمكاتب تشغيل أو منصات إلكترونية عددًا من المشكلات في ظل غياب حقوقهم أو قانون يحميهم وينظم عملهم. بالإضافة إلى عدم وجود “محاكم عمالية” متخصصة أو مكاتب تنظر في شكواهم أو تمنع الضرر الواقع عليهم.

عدد كبير من العمالة المنزلية لا يعمل ضمن مكاتب تخديم متخصصة في هذا الشأن. بالتالي لا يتوفر لهم أي نوع من العقود يضمن حقوقهم. خاصة أن هناك أزمة تتعلق بأن العمل داخل المنازل لا يمكن أن يخضع لتفتيش إلا بإذن قضائي.

ووفق الاتحاد العربي للنقابات تباينت تشريعات العمل في البلدان العربية بين دول استثنت عمال المنازل من نطاق تطبيقها. أو دول شملتهم بالتغطية بشكل مباشر في قانون للعمل أو عبر إحالة القانون لنظام خاص صدر لهذه الغاية خصيصًا.

وينص قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، في المادة الرابعة منه على استبعاد عمال الخدمة المنزلية من مظلة الحماية القانونية.

وفي دراسة للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يعد دور 300 مكتب لتوظيف العمالة المنزلية ثانويًا. إذ لا يتجاوز 2.6% من نسبة تشغيل العمالة سواء المقيمات بشكل دائم أو مؤقت. في حين أن 44% من هذه العمالة المنزلية تعمل اعتمادًا على المعارف في الوصول إلى فرص عمل. و30% جيران و15.8% أقارب و7% كانت الظروف الخاصة بكيفية عملهن متباينة.

كما أضافت الدراسة أن الـ300 مكتب، مرخص منها 3 فقط من قبل وزارة القوى العاملة، وفقًا للأرقام الرسمية.

العمالة المنزلية الأجنبية

ورغم محاولات الإحصاء المتكررة، لا يوجد حتى الآن دراسة رسمية يمكن الرجوع إليها بشأن العمالة المنزلة الأجنبية. لأن الفئة محمية وفقًا لقانون عمل الأجانب على عكس العمالة المصرية.

في هذا الإطار قدمت عضو مجلس النواب نشوى الديب، مقترحًا برلمانيًا مع 60 نائبًا آخرين بمشروع قانون لتنظيم العمالة المنزلية. المُقترح الذي أعدته النائبة على مدار العامين الماضيين، ينص على إنشاء إدارة للعمالة المنزلية تابعة لوزارة القوى العاملة.

كما أنه يُلزم مكاتب التشغيل بإبلاغ الجهات المختصة ببيانات العاملين وفتح ملف تأميني لهم تُحصل أمواله من صاحب العمل.

وبموجب مشروع القانون، يُمنع تشغيل أي شخص في العمالة المنزلية إن كان عمره أقل من 18 عامًا، إلا في استثناءات تحددها الجهة المعنية. كذلك بساعات عمل مخفضة وفي حالة مخالفة مكاتب التشغيل هذه المادة تُعاقب بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه. ووفق المشروع أيضًا، تلتزم المكاتب بتوقيع عقود لأي من العمالة المنزلية.

كما تضم مدة العقد والأجر الذي لا يقل عن الحد الأدنى للأجور ونوع العمل وطبيعته. وفي حالة إنهاء العقد قبل مدته استحق العامل تعويضًا يعادل أجر شهر عن كل سنة. بينما حدد المشروع أوقات العمل، بـ6 أيام في الأسبوع، بمعدل 8 ساعات يوميًا. فيما تكون أي ساعة أخرى مقابل أجر إضافي. وأُعطى للعامل الحق في 13 يومًا إجازة سنوية.

كما أن القانون حظر على مكاتب التشغيل الإعلان أو الترويج للعمالة على أساس العقيدة أو الجنس أو اللون أو الإعلان عنها بطريقة مهينة. بينما حُددت المحكمة العمالية باختصاصها للنظر في المنازعات التي تنشأ عن هذا القانون. مع إعفاء العاملين المنزليين من الرسوم والمصاريف القضائية لهذه المنازعات.

ويمكن توضيح أن مشروع القانون الجديد الذي قُدّم للبرلمان تضمن العديد من البنود المهمة. منها أن يكون هناك مكتب شكاوى للعاملين المنزلين. تكون مهمته تلقي الشكاوى والعمل على حل النزاعات أو تحويلها إلى المحكمة. إضافة إلى بنود أخرى عن تجريم عمالة الأطفال، وتنظيم عمل مكاتب التشغيل. كذلك منعها من الاتجار في البشر أو إساءة استعمال العاملين المنزلين.

53 مليون عامل منزلي في العالم.. و10 ملايين طف

ووفق منظمة العمل الدولية يوجد قرابة 53 مليون عامل منزلي في العالم. ويزداد هذا الرقم الذي تشكل النساء نسبة 83% منه في العالم. ويضاف إلى ذلك نحو 10.5 مليون طفل في أنحاء العالم معظمهم دون سن العمل يعملون في المنازل في 2013.

صفحات العمالة أون لاين

مؤخرًا انتشر عدد من التطبيقات الإلكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تخصصت في جلب وتشغيل العمالة المنزلية. وتباينت ردود الأفعال حول تلك الصفحات والتطبيقات بين مؤيد ومعارض.

“مصر 360” تواصل مع القائمين على إحدى تلك الصفحات الذين أكدوا أنه يتم إرسال عامل/ة إلى المنزل. كما أضافوا أنه يمكن أن تعمل من الصباح الباكر حتى الـ11 مساءً. عقب الاتفاق على المهمات التي تقوم بها العاملة والمقابل المادي الذي يترواح ما بين 160 لـ300 جنيهًا في المرة الواحدة.

كما أضاف القائمين على الصفحة، أنه يتم إرسال صورة الصحيفة الجنائية الخاصة بالعاملة وصورة من بطاقتها قبل وصولها إلى المنزل. كذلك يتم إرسال تلك الأوراق قبل وصولها بيوم كامل حتى يطمأن العميل.

وفق المحامي العمالي ياسر سعد، فأن هناك ما يعرف بمصوغات التعيين. منها الصحيفة الجنائية والبطاقة والشهادة الصحية وغيره. وهذا لا يوجد فيه مشكلة. لكن الأزمة الحقيقية بحسب سعد هي ضمان الحقوق، متسائلًا ما الضامن إذا حدث انتهاك أو تحرش أو عدم اتفاق بين مقدم الخدمة وصاحب الطلب. كذلك أين الضمان أن يحصل العامل/ة على حقوقه/ا.

الضامن هنا -بحسب ياسر- هو عقد العمل فقط. كما أضاف أن هذه المكاتب لا تحرر أي عقود للعاملين أو العاملات. كما أنه وطبقًا للقانون لابد أن يكون هناك ضمانة عامة وفقًا لوزارة القوى العاملة. لكن الغالب أن هذا لا يحدث والرقابة ستكون على مكاتب التشغيل فقط دون التطبيقات أو الصفحات الإلكترونية.

“ياسمين” – اسم مستعار- 26 سنة إحدى عاملات المنازل التي تعمل ضمن الصفحات الإلكترونية تقول: “أتلقى طلب العمل من الشركة مباشرة. وليس من العميل. الاتفاق كامل يتم بين أحد موظفي خدمة العملاء في المكتب وبين العميل الطالب للخدمة. وبعد ذلك يتم تبليغي بأن لدي أوردر غدًا أو بعد غد مع المهام التي يجب القيام بها”.

طلبات الزبائن.. تحرش وشتائم

كما أضافت: “في أغلب الأوقات يضيف العملاء طلبات غير متفق عليها أي خدمات زيادة في عملية التنظيف. لكن لا يمكنني أن أؤديها”. كذلك لفتت إلى أن العميل أغلب الأوقات يكون مصرًا على طلبه. “لإما يقدم فيا شكوى أو يعنفني بصوت عالي وأحيانًا شتائم”.

كما توضح: “أكثر ما تقوم به الشركة التي أعمل لحسابها حظر الصفحة الشخصية لبيانات العميل نفسه. في وقت يتحرش فيه بنا الكثير من العملاء أو يشترطون في طلبهم أن تكون العاملة فتاة شابة. وبعض المناطق تكون نائية وصعب الوصول إليها ولكن لا نملك ما يثبت هذه المشكلات”.

تؤكد “ياسمين” أن السبب الرئيسي في استمرارها في هذا النوع من العمل هو عدم وجود فرصة أخرى. كما أضافت أنه رغم  المساوئ وضعف المقابل المادي في ظل حساب الأجر بنسبة 40 إلى 60 مع الشركة. إلا أن العمل مع الشركات يظل الأفضل لأن العملاء يطمئنون للتعامل مع العاملين التابعين للشركات.

يعلق سعد قائلًا: “موضوع العمالة المنزلية غير مفهوم تمامًا. هم منتظمين في قانون التأمينات وقانون النقابات التنظيمية إلا أنه لا يطبق عليها قانون العمل. ورغم أن هناك أكثر من اتفاقية عمل دولية تنظم أوضاعهم وتتحدث عن أحوالهم داخل القانون الوطني لكل دولة. إلا أن مصر ممتنعة عن التصديق عليها حتى الآن”.

كما يضيف أن العمالة الأجنبية منتظمة عن العمالة المصرية حتى في المشروع الجديد وكأن هناك شكل من أشكال استبعاد المصريين دائمًا. كذلك لفت إلى أن وجهه نظر الحكومة هنا أن العمالة هي داخل البيوت وهذه البيوت لها حصانة دستورية. وبالتالي لا يمكن منح مساحات لمكاتب العمل بالدخول والتفتيش عن أحوال العاملين داخل المنازل.

مشكلة المشروع المقدم -بحسب ياسر- هو أن هناك مطالبات كثيرة لتوحيد قانون العمل لضمان المساواة واستبعاد أي شبه غير دستورية. لكننا لا نريد هذا الشكل. لماذا تقرر النائبة أن تخرج عن السياق العام وتقدم مشروع قانون منفرد، وبالتالي لابد من تنظيم العمالة المنزلية كما تنظم “الأجنبية” في القانون.

ضمانات وتقنين أوضاع

ويشير سعد إلى أنه يتم اختيار العمالة الأجنبية وفقًا لمدى الضمانات الموجودة لهم في قانون العمل المصري. التي تختلف حسب الجنسية. فالعمالة الأفريقية ليست كالأسيوية وبالتالي ليست كالعمالة الوافدة من أوروبا.

إجمالًا يرى المحامي العمالي أن الفائدة تعم بقانون موحد ينظم العاملين ويكون هناك مساواة بين المصريين والأجانب. لأن تفتيت المطالب في عدة قوانين خسائرها أكثر من مكاسبها.

وفي هذا الصدد يقول مجدي عبدالفتاح مدير مركز البيت العربي للبحوث إن تقنين أوضاع العمالة المنزلية ومشكلاتها تطلب عددًا من الشروط. أولها تحديد ساعات العمل والأجر العادل وعقود العمل. وبالتالي لابد أن ينطبق عليها قانون العمل ولا يكون هناك قانون خاص بتنظيمها. لا يوجد مبرر لذلك وغير مجُدي، أما قانون العمل الموحد هو الفرصة لكي يتم بعده إنشاء نقابات للعمالة المنزلية تحمي التابعين لها.

كما تابع: “لن يتم استخدام قانون قانون في تحرير المحاضر والشكاوى لذلك لابد أن يكون هناك قواعد قانونية ثابتة. خاصة أنه في ظل جائحة كورونا فقد عدد كبير من العمالة المنزلية مصدر دخلهم ولم يكن هناك أي حقوق تحميهم. فضلًا عن أن الوضع الجندري في المقترح لا يحدد كيف يمكن توفير بيئة عمل آمنة للنساء في المنازل. حيث يختلف وضع السيدة التي تقيم في المنزل عن التي تعمل لساعات محددة وحتى عن طبيعة العمل ذاته داخل المنزل.

الحماية الجندرية

بحسب مجدي تتوقف الحماية الجندرية على وجود ما يٌثبت أن هذه السيدة تعمل في هذا المنزل أو لا. فلو تم الاعتداء عليها مثلًا ما الذي يضمن حقها ويحميها من إدعاءات التي سيتبناها صاحب أو صاحبة المنزل.

أما فيما يتعلق بالعمالة التابعة لصفحات الآون لاين والتطبيقات الخاصة في إرسال العمالة للمنزل. يؤكد أنها لا تخضع لأي شيئ فهي مكاتب تقديم خدمات عمل دون شروط أو بنود توضح النسبة التي يحصل عليها العاملون أو أي سلطة. وهو نوع من أنواع الاتجار في البشر، لأنها غير مبنية على أي شكل قانوني وتختلف من مكتب لآخر.

كمال عثمان خبير تشريعات العمل في الأمم المتحدة سابقًا قال إن مصر لا تمتلك إحصائية دقيقة خاصة بالعمالة المنزلية. نتيجة غياب نصوص قانونية تحمي وتصون حقوقهم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والنفسي. وبالتالي حجم الانتهاكات التي يتعرضون لها كبير للغاية بحسب ما قال.