أرجع المفكر العربي الإصلاحي الكبير عبد الرحمن الكواكبي (1855- 1902) أسباب الانحطاط في دول الشرق إلى الاستبداد السياسي، بأنواعه الكثيرة، ومنها استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، واستبداد المال.. ألخ.
يقول الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: إن الله خلق الإنسان حرّا، قائده العقل، فكفر وأبى إلا أن يكون عبدًا قائده الجهل. ويرى أن “المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، وأن تراكم الثروات المفرطة، مولِّدٌ للاستبداد، ومضرٌ بأخلاق الأفراد، وأن الاستبداد أصل لكل فساد”.
ويؤكد الكواكبي أن فكره قد استقر بعد بحث لمدة 30 عامًا على أن أصل الانحطاط هو “الاستبداد السياسي”، وأنه لا طريق لخروج بلادنا من دائرة الانحطاط إلا بـ”الشورى الدستورية”. فبذلك يتمكن العرب من العبور إلى الدول الحديثة التي تحترم شعوبها.
ويشدد الكواكبي على أن “الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكمًا التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين”، مضيفًا: “أن تفسير ذلك هو كون الحكومة إما هي غير مكلفة بتطبيق تصرفها على شريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمة، وهذه حالة الحكومات المطلقة، أو هي مقيدة بنوع من ذلك ولكنها تملك بنفوذها إبطال قوة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تسمي نفسها بالمقيدة أو بالجمهورية”.
ويشير إلى أن صفة الاستبداد. كما تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولى الحكم بالغلبة أو الوراثة، تشمل -أيضًا الحاكم الفرد المقيد المنتخب متى كان غير مسئول.
كتاب الكواكبي تحول إلى دستور ومرجع لكل الباحثين والداعيين إلى الحرية الرافضين للدكتاتورية والظلم، وكما شرح الكواكبي في مباحث كتابه الاستبداد وأنواعه وصفات الحكومات المستبدة وقدم وصفته للخروج من دائرته، أسس أستاذ الفلسلفة الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في كتابه “الطاغية” لأصول الاستبداد وأسبابه، ومهد للخروج لما اسماه “دائرة الاستبداد الجهنمية”.
لم ينل كتاب الدكتور إمام “الطاغية” حظًا وافر في الانتشار والاشتباك، مقارنة بـ”طبائع الاسبتداد ومصارع الاستبعاد”، فالأخير ذاع صيته نتيجة لعوامل كثيرة، منها ظهورها بعد اغتيال صاحبه، ونشر فصوله أثناء الاحتلال الإنجليزي والفرنسي لمعظم الدول العربية.
في “الطاغية” ضرب إمام بعض الأمثلة لممارسات المستبدين، فقال: «جرت العادة عندما يموت الملك في فارس القديمة أن يُترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون وبغير سلطة تنظم أمور المواطنين، فتعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد.. كان الهدف من حالة الفوضى المتعمدة أو المصنوعة، أنه وبنهاية الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب مداه، يصبح ولاء من يبقى من الناس على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة للملك الجديد حقيقا وصادقا، إذ تكون التجربة حفرت في أذهانهم حالة الرعب التي يكون عليها المجتمع إذا غابت سلطة الملك”.
الدكتور إمام نقل في دراسته “الطاغية.. دراسة فلسفية لصور من الاستبداد السياسي”، أمثلة أخرى لممارسات الطغاة في مراحل مختلفة من تاريخ الشرق، لنشر حالة الاضطراب والفوضى حتى يستجير الناس بما أسماه الفلاسفة الدولة “الحارسة” التي تضمن لهم الأمن والاستقرار.
وضرب أستاذ الفلسفة المصري الذي رحل عن عالمنا قبل عامين في كتابه المنشور عام 1993 مثلاً بما أقدم عليه يزيد ابن معاوية سنة 36 هجرية، عندما فرض هذه التجربة الخبيثة على أهل المدينة، بعد أن تمردوا عليه وخلعوه بسبب إسرافه في المعاصي، فهو رجل ينكح الأمهات والأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمره بقتالهم، فكانت وقعة الحرة الشهيرة تلك النقطة السوداء في تاريخ يزيد، وما أكثر النقاط السوداء في تاريخه، التي قتل فيها خلق من الصحابة ونهبت المدينة وافتض فيها بكارة ألف عذراء.
وكان مسلم بن عقبة المري قائد جيش يزيد يأخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد لمولاه وسماها -أي المدينة- نتنة، ومن قال “أبايعه على سنة الله ورسوله” ضرب عنقه بالسيف.
وبعد أن استباحت جيوش يزيد المدينة ثلاثة أيام وقتلت الكثير من بني هاشم وسائر قريش والأنصار وغيرهم، اتجهت الجيوش إلى مكة فرمت الكعبة بالمجانيق من الجبال حتى انهدمت، وذلك لإجبار الناس على السمع والطاعة وعلى أن يكونوا عبيدًا لفرعون الصغير مع الاعتذار للفراعنة الذين لم يكونوا قط على هذا القدر من العته.
ويقول إمام أن ابن كثير الذي روى تفاصيل ما جرى في المدينة في كتابه “البداية والنهاية”، ورغم اعترافه بأن يزيد كان “إمامًا فاسقًا” إلا أنه كان يعتقد أن “الإمام الفاسق لا يُعزل بمجرد فسقه على أصح قول للعلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة للفتن، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام ونهب الأموال وفعل الفواحش مع النساء”.
ما جرى في فارس وفي المدينة ومكة قبل قرون، لم ينته بتقدم المجتمعات وتأسيس الدول الحديثة، فالطغاة سلسال لا ينتهي، وتشبثهم بمواقعهم يجعلهم يستدعون من تجارب التاريخ أرذلها، فإشاعة الفوضى أو ترهيب الناس من المجهول الذي سيعقب أي حركة تمرد، هي دليل على أن طغاة الشرق الذين عانت بلادهم على مر العصور من التخلف والجهل بفعل استبدادهم، يغرفون من معين واحد.
الدكتور إمام ذهب في دراسته الفلسفية لصور الاستبداد السياسي، إلى أن تخلف المجتمعات الشرقية بصفة خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة يعود أساسًا إلى النظام السياسي الاستبدادي الذي ران على صدور الناس ردحًا طويلاً من الزمن “لا يكمن الحل في السلوك الأخلاقي الجيد، أو التدين الحق بقدر ما يكمن في ظهور الشخصية الإنسانية المتكاملة التي نالت جميع حقوقها السياسية كاملة غير منقوصة، واعترف المجتمع بقيمتها وكرامتها الإنسانية، فالأخلاق الجيدة والتدين الحق نتائج مترتبة على النظام السياسي الجيد لا العكس”.
استعرض المفكر المصري العديد من صور الطغيان، وسلط الضوء على الاستبداد الشرقي الذي “سرق فيه الحاكم وعي الناس عندما أحالهم إلى قطيع من الغنم ليس له سوى وعي ذو اتجاه واحد”.
وقدم الدكتور إمام نماذج لطغاة العرب الذين ينفردون بخاصية أساسية في جميع العصور وهي أنهم لا يعترفوا بالمساءلة ولا المحاسبة ولا الخضوع للرقابة من أي نوع، “الواقع أن الطغيان في أي عصر صفة الحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين.. والحكومة لا تخرج من هذه الصفة ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والمحاسبة التي لا تسامح فيها”.
ومن النماذج التي استدعاها الدكتور إمام لحكام استكبروا على المساءلة والمحاسبة، بل والمشورة أيضًا في تاريخ منطقتنا، ما نقلته كتب التراث عن أن الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي استفسر ذات مرة في عجب “أيمكن للخليفة أن يُحاسَب..؟!”، والسؤال هنا عن الحساب من الله، دع عنك أن يجرؤ البشر على ذلك.
وعندما تولى أبوه عبد الملك بن مروان الخلافة صعد المنبر ليلقي الخطبة الدستورية التي توضح فيها سياسته القادمة، خطب في الناس قائلاً: “والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه”. ثم نزل عن منبره.
وعندما تولى ابنه يزيد الخلافة أتى بأربعين شيخًا فشهدوا له: “ما على الخلفاء حساب ولا عذاب”، وعندما أرسل ابن المقفع للمنصور كتابًا صغير الحجم اسماه “رسالة الصحابة” نصح فيه الخليفة بحسن اختيار معاونيه وحسن سياسة الرعية، عُوقب بتقطيع أطرافه قطعة قطعة لأنه تجرأ على النصح والإرشاد وليس المديح والإشادة .
ويصف ابن كثير المشهد في “البداية والنهاية”، قائلاً: “أُحمي له تنورا، وجعل يقطعه أربا أربا ويلقيه في ذلك التنور، حتى حرقه كله، وهو ينظر إلى أطرافه كيف تقطع ثم تحرق، وقيل غير ذلك في وصف قتله”.
ويرجع الدكتور إمام الانفصام الظاهر جدًا في الشخصية الشرقية إلى “حكم الطاغية الذي يعتمد كما رأينا مرارًا علي مبدأ الخوف وبث الرعب في قلوب الناس، فلا أحد يستطيع أن ينتقد أو يناقش ولا أن يفكر بصوت مسموع، فيلجأ الفرد إلي الرياء والنفاق والتملق في الظاهر، ولا يفصح عما بداخله إلا إذا اختلى بصحبة يثق فيها، وهكذا يعتاد أن تكون له شخصية ظاهرة علنية هي التي تقول نعم بصفة مستمرة، وشخصية خفية مستترة يمكن أن تقول لا في أوقات خاصة!”.
ويرى إمام أن الانقسام في سلوك الفرد وتصرفاته يصبح نمطًا في شخصيته، فتراه، أولاً: يهتم بالشكل دون الجوهر، فيكون تدينه زائفا لا يأخذ من الدين سوي جانبه الظاهري السهل ويترك الجوهر الذي يتجلى في الصدق والإخلاص والأمانة والتعاون والضمير والعدل والإحسان.. . إلخ. وتراه، ثانيًا: يفصل نفسه عن وطنه فالحكومة والشرطة والصحافة شيء، ومصلحته الخاصة واهتماماته شيء آخر. وهذه القسمة راجعة إلي أنه لم يشترك في حكم بلاده، ولا في تشريع القوانين التي يخضع لها، ولا في إعداد الخطة التي يسير عليها.. إلخ، فذلك كله كان متروكا لـ”القائد الملهم”.
ويضيف إمام أن خاصية المحاسبة والمساءلة بالغة الأهمية لأنها «العلامة الحاسمة التي تفرق بين عائلة الطغيان أيا كان أفرادها، وبين الأنظمة الديمقراطية التي يحاسب فيها رئيس الدولة كأي فرد آخر، فلا أحد يعلو على القانون فعلاً لا كلامًا ولا خطابه”.
وهكذا يقترب الطاغية من التأله، فهو يرهب الناس بالتعالي، والتعاظم ويذلهم بالقهر والقوة وسلب المال حتى لا يجدوا ملجأ إلا التزلف والتملق، وعوام الناس يختلط في أذهانها الإله المعبود والمستبدون من الحكام، لهذا خلعوا على المستبد الطاغية صفات الله، كولي النعم، والعظيم الشأن والجليل القدر وما إلى ذلك!.. “فما من مستبد سياسي إلا ويتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله، أو تربطه برباط مع الله، ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله”، بحسب ما دون الكواكبي في كتابه عن نفس الموضوع.
وبذلك يصبح الحاكم هو القاهر الواهب المانع الجبار المنتقم المقتدر الجليل الملك المهيمن المهيب الركن إلى آخر الأسماء الحسنى التي تسمى بها عتاة طغاة الشرق في تاريخنا المعاصر دون أن يجدوا في ذلك حرجًا ولا غضاضة.
ويتناول إمام بالشرح والنقد مصطلح “المستبد العادل” ذلك التعبير الذي استوردته بلاد الشرق من أوروبا القديمة، “المصطلح يدل على التحالف بين فلسفة العدل والسلطة المطلقة الذي به تتم سعادة الشعوب كما حاول أصحابه أن يقنعوا الناس به، وانتقل المصطلح إلى الشرق العربي والإسلامي، إذ أن الشيخ جمال الدين الأفغاني رأى فيه الحل الحقيقي لمشكلات الشرق”.
وبرأي جمال الدين الأفغاني فإن “المستبد العادل يحكم بالشورى”، ويرد في مقال له بـ”العروة الوثقى” على القائلين بأن “طريق الشرق إلى القوة هو نشر المعارف بين جميع الأفراد وأنه متى عمت المعارف اكتملت الأخلاق واتحدت الكلمة واجتمعت القوة”، بقوله: “ما أبعد ما يظنون فإن هذا العمل العظيم إنما يقوم به سلطان قوي قاهر يحمل الأمة على ما تكره أزمانا حتى تذوق لذته وتجني ثمرته”.
ويؤكد الأفغاني على هذا المصطلح في كتابه “الخاطرات” فيقول: “لا تحيا مصر ولا يحيا الشرق بدوله وإماراته إلا إذا أتاح الله لكل منهم رجلاً قويًا عادلاً يحكمه بأهله على غير التفرد بالقوة والسلطان”.
ويدحض الدكتور إمام نظرية الأفغاني وغيره عن “المستبد العادل”، مشيرًا إلى أن المصطلح به تناقض واضح، إذ كيف يمكن لحاكم أن تجتمع لديه صفتان إحداهما تنفي الأخرى!
ويدعو المفكر المصري إلى رفض مصطلح “الطاغية الصالح أو الخير”، ويقول: “أظن علينا رفضه منذ البداية، إذا كانت هناك فكرة واحدة في النظرية السياسية لا خلاف عليها فهي أن الطغيان هو أسوأ أنواع الحكم وأكثرها فسادًا، لأنه نظام يستخدم السلطة استخدامًا فاسدًا، كما يسئ استخدام العنف ضد الموجودات البشرية التي تخضع له”.
ويشدد على أن الاستبداد يهدم الإنسانية، وأن الطغيان يحول البشر إلى عبيد، “إذا تحول الناس إلى عبيد فقدوا قيمتهم فلا إخلاص ولا أمانة ولا صدق ولا شجاعة، بل كذب ونفقا وتملق ورياء وتذلل ومداهنة ومحاولة للوصول إلى الأغراض بأحط السبل، وهكذا يتحول المجتمع في عهد الطغيان إلى عيون وجواسيس يراقب بعضها بعضا، ويرشد بعضها عن بعض، وليس بخاف ما نراه من أخ يرشد عن أخيه، وجار يكتب تقارير عن جاره، ومرؤوس يكتب زيفا عن رئيسه”.
ويرى أن الطاغية مهما أنجز من أعمال ومهما أقام من بناء ورقي جميل في ظاهرة فلا قيمة لأعماله، إذا يكفيه أنه دمر الإنسان، ويتساءل: وماذا أفادت أعمال هتلر وموسوليني؟ وماذا كانت النتيجة سوى خراب بلديهما.
ورغم أن الطغيان ليس ظاهرة خاصة بمنطقة محددة من العالم دون غيرها، إلا أن الدكتور إمام يرى أن الطغيان في الشرق أكثر شمولاً وأشدّ قسوة وأبقى مدى زمنية، “الطاغية في العالم العربي هو الشعب مصدر كل السلطات، وبالتالي فإن أيّ نقد أو هجوم على سياساته هو نقد وهجوم على الدولة بأسرها لأنه هو الدولة، والنقد لا يصدر إلا منه، ولا يمكن لأي شخص آخر ممارسته، إنه يمد الحبل السري إلى جميع أفراد المجتمع فيتنفسون شهيقا كلما تنفس ولا تعمل خلاياهم إلا بأمره”.
وقد ألصق الطغاة بأنفسهم أوصاف “الزعيم الأوحد، الرئيس المخلص، مبعوث العناية الإلهية، والقائد والمعلّم”، فهو “الملهم الذي يأمر فينصاع المجتمع لأوامره، والذي يعبّر عن مصالح المواطنين ويعرفها بصورة أفضل منهم لأنّهم قُصر لم يبلغوا بعد سن الرشد والبلوغ، وكيف يمكن للقاصر إدراك الخطأ من الصواب، والحقّ من الباطل”.
ومن مظاهر التقديس للحاكم عندنا أن تتصدر صوره جميع الصحف وأن تكون تنقلاته وأخباره حتى ولو كانت مما يمارسه رئيس الدولة في حياته الروتينية المألوفة- هي الخبر الأول في جميع نشرات الأخبار ولا بأس من تكرارها في كل نشرة.
ويستخدم طغاة الشرق في العصر الراهن، بحسب ما أورد إمام في كتابه، أحدث تكنولوجيات الغرب المستوردة وعلوم العصر في خدمة آلة القمع والإرهاب، وهنا يمكن القول بتعانق التخلّف الفكري المستوطن -لدى هؤلاء الطغاة- مع التقدم التكنولوجي المستورد في جدلية القمع المنظم ضد الجماهير.
ويشير إلى أن الدراسة المتأنية للواقع التاريخي لما يسمى الدولة الإسلامية يكشف لنا أنها كانت حلقة وسطى بين تاريخنا القديم في الشرق حيث ساده طغيان الحاكم المتأله في مصر وبابل وأشور وفارس.. إلخ، وبين الطغيان الحديث والمعاصر الذي تأله فيه الحاكم أيضًا في هذه البلدان نفسها، وبالتالي فقد ساد الطغيان تاريخنا القديم والوسيط والحديث، ما جعل الطغيان الشرقي نموذجًا أعلى للطغيان، وخلق عند المواطن الشرقي طبيعة خاصة تجعله يستسلم بسهولة لمثل هذا اللون من الحكم بل ويتقبله وأحيانًا يسعى إليه دون أن يجد في ذلك حرجًا ولا غضاضة.
أما عن كيفية تخلص المجتمعات الشرقية من حكم الطاغية، فيقول إمام: “لا سبيل أمامنا سوى حل واحد هو أن نفعل ما فعل الغرب، فنفر منه إلى الحكم الديمقراطي، ونتمسك به ونحرص عليه، وعلينا إدراك أن الديمقراطية ممارسة وإنها تجربة إنسانية تصحح نفسها بنفسها، وبالتالي لابد أن نتوقع ظهور كثير من الأخطاء في بداية المسيرة، لكن ذلك لا يصح أن يقلقنا وليكن شعارنا: إن أفضل علاج لأخطاء الديمقراطية هو المزيد من الديمقراطية. ويضيف «الديمقراطية الناقصة أو العرجاء خير ألف مرة من حكم الطغيان”.
وقبل أن ينهي المؤلف كتابه القيم يقترح حلاً بسيطًا يكسبنا مناعة ضد الطاغية، ويمكننا من الإفلات من قبضته الجهنمية، ويقضي على الانقلابات العسكرية وغير العسكرية التي أصبحت من سمات المجتمعات المتخلفة وحدها. وهذا الحل هو «الشروع في التطبيق الدقيق للديمقراطية، بحيث تتحول قيمها إلى سلوك يومي يمارسه المواطن على نحو طبيعي وبغير افتعال”.