أعلن أحمد الجنزوري نجل كمال الجنزوي، اليوم الثلاثاء، وفاة والده رئيس وزراء مصر الأسبق بعد صراع طويل مع المرض. وذلك بمستشفى القوات الجوية في التجمع الخامس، عن 88 عامًا، عُرف خلالها الرجل بأنه رئيس وزراء كل العصور.
الجنزوري المولود في قرية جروان بمركز الباجور في محافظة المنوفية، في الثاني عشر من يناير 1933، والحاصل على دكتوراة في الاقتصاد من جامعة ميتشجان الأمريكية، شغل منصبي محافظ بني سويف والوادي الجديد في عهد الرئيس الراحل أنور السادات. ثم مديرًا لمعهد التخطيط القومي. وتولى أيضًا وزارة التخطيط.
محطات في حياة الجنزوري
تولي كمال الجنزوري رئاسة وزراء مصر لأول مرة في الفترة من 4 يناير من 1996 إلى 5 أكتوبر 1999. وكان قبلها وزيرًا للتخطيط ثم نائبًا لرئيس الوزراء.
يُنسب أيضًا للجنزوري أنه كان صاحب فكرة الخطة العشرينية التي بدأت في 1983 وانتهت عام 2003، لإنقاذ اقتصاد مصر. وبعدها دخلت مصر مرحلة الانطلاق وتكفلت خططه الاقتصادية برعاية محدودي الدخل والطبقات المتوسطة وثبات أسعار السلع والعملات.
أقيل الجنزوري في العام 1999 وتولى الحكومة بعده عاطف عبيد. فلمع نجم الثاني وبدأ سياسة الخصخصة، بينما عانى الثاني العزلة التي فرضها عليه الرئيس -آنذاك- ووصل الأمر إلى المنع من الحديث للإعلام. وذلك في فترة كان يتم خلالها تهيئة المشهد السياسي لتوريث الحكم لجمال مبارك.
لذلك، فبعد سقوط نظام مبارك في 2011، سارع الجنزوري بالنأي بنفسه عن النظام السابق في عدد من المقابلات التلفزيونية والصحفية. وقال إنه أقيل بسبب خلافه مع الرئيس السابق حسني مبارك عندما رغب أن يمارس دوره الحقيقي كرئيس للحكومة.
وعقب ثورة يناير من العام 2011، كلفه المجلس العسكري الحاكم للبلاد بشغل منصب رئيس الوزراء مجددًا. وهو المنصب الذي استمر فيه من 7 ديسمبر من العام 2011 وحتى 25 يونيو من العام 2012. أي قبل أيام من تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي حكم البلاد.
متهم في توشكى أم نصير للفقراء؟
بينما يصفه فريق بأنه رئيس وزراء الفقراء باعتباره صاحب فكرة الخطة العشرينية التي راعت محدودي الدخل والطبقات المتوسطة وحافظت على ثبات أسعار السلع والعملات، يتهم الجنزوري بأنه كبد مصر خسائرًا مهولة نتيجة تخطيطه السيئ في مشروع توشكى. ذلك وفق عدد من خبراء الاقتصاد، ومنهم المهندس علي عيسى رئيس المجلس التصديري، الذي قال في تصريحات سابقة “الجنزوري دبسنا في مشروع توشكي بصرف 7 مليارات من الجنيهات على إقامة البنية القومية للمشروع”. وهو يرى هذا المشروع فاشلاً أرهق ميزانية الدولة.
طريق كمال الجنزوري
في أواخر عام 2013، أصدر كمال الجنزوري مذكرات بعنوان “طريقي”. حكى في الكتاب: “عندما توليت رئاسة الوزارة، وشهد الجميع لها بالنجاح لمدة أربع سنوات متتالية، واستمع الرئيس إلى البعض فيما أملوه كذبًا، ورغم تأكده بعدم صحته، غضب علىّ غضبة لم تلحق بأى رئيس للوزراء قبلى أو بعدي، وإن لم يحقق في وزارته ما حققته فى التنمية وتطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وإنجاز ما استطعت في مجال العدالة الاجتماعية بشكل أرضى الجميع. وهو الرضا الشعبي الذي كان أول سبب فى عدم رضاه شخصيا، ولعله لم يعلم أن رضا الناس من رضا الله وهو الأهم لدي”.
ذكر أيضًا في كتابه أن زكريا عزمي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الأسبق “كان يضمر له الشر” بسبب أن الجنزوري كان ينجح في استصدار أوامر رئاسية بعيدًا عن تدخل عزمي. لذلك أوصل عزمي للرئيس مبارك أن الجنزوري رفض استقبال رئيس الوزراء إيهود باراك من المطار على غير الحقيقة، فثار الرئيس، على حد قول الجنزوري في كتابه.
حكومة بعد ثورة يناير
شهدت فترة حكومة الجنزوري الجديدة، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، جدلاً سياسيًا كبيرًا خلال أزمة مجزرة بورسعيد، التي راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي. فضلاً عن مشكلات ارتبطت بجماعة الإخوان المسلمين وحزبها “الحرية والعدالة” الذي كان يمثل الأكثرية البرلمانية.
ادعى رئيس المجلس حينها سعد الكتاتني أن كمال الجنزوري هدده قائلاً: “حكم حل المجلس موجود في درج مكتبي”. وهو ما خلق أزمة سياسية كبرى وقتها. لكن ورغم هذه المعارك السياسية فبمجرد إعلان فوز محمد مرسي بمنصب الرئيس، أصدر قرارًا جمهوريًا بتعيين الجنزوري مستشارًا شخصيًا له.
ومع رحيل الإخوان في 2013، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور، رئيسًا مؤقتًا، لم يخرج الجنزوري من المشهد. فتم التصديق على قرار بتعيينه مستشارًا اقتصاديًا لرئاسة الجمهورية. ثم تم الإبقاء عليه في منصبه بشكل شرفي في بداية تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي.
آخر محاولات الظهور السياسي
مارس رئيس الوزراء الأسبق لعبته المفضلة في الاختفاء والظهور في الوقت المناسب. وبعد الإخوان أعلن تأييده لعبد الفتاح السيسي مرشحًا للرئاسة. ثم سعى في انتخابات 2015 إلى تشكيل تحالف للم شمل بعض التيارات الوطنية مع أصحاب المصالح. وقيل -آنذاك- إن من بين الأسماء التي كانت مرشحة لهذا التحالف مشيرة خطاب وزيرة الأسرة في عهد مبارك والعضو في الحزب الوطني، ووزير الخارجية في عهد مبارك أحمد أبو الغيط. لكن هذه المساعي لم تلق تجاوبًا من الأحزاب المتنافسة في ذلك الوقت، ما أفشل آخر محاولاته للظهور السياسي بعد 2013.
ابتعد الجنزوي عن المشهد في السنوات الأخيرة، مكتفيا برحلته الطويلة في دوواين الحكومة، فهو الرجل الذي ارتبط اسمه دائما بالوزارة.