لم تنته أزمة السفينة البنمية إيفر جيفن بتعويمها في المجرى الملاحي بقناة السويس، إذ تلوح في الأفق أزمة جديدة بخصوص سيناريوهات التحقيق حول الواقعة، والتعويضات المنتظر تحصيلها من وراء الحادث الذي عطل الملاحة البحرية لفترة 7 أيام متواصلة، في ظل غموض موقف مالكي السفينة حتى الآن.
وبدأت هيئة قناة السويس، اليوم الأربعاء، التحقيقات حول ملابسات جنوح السفينة” إيفر جيفن“، بعد مطالبة الهيئة لمسؤولي السفينة بتسليم صندوقها الأسود ووثائقها.
وخاطب رئيس هية التحقيق بهيئة قناة السويس، القبطان سيد شعيشع، الشركة المالكة للسفينة منذ بداية الحادث، بأن يتم التحفظ على المعلومات المسجلة داخل السفينة، لإخلاء مسؤولية الهيئة في حال جرى إتلاف الصندوق الأسود، أو إن كان تالفًا من قبل، أو وقع به أي تلفيات أثناء عملية التعويم. ويعتبر القانون الدولي نتائج رئيس هيئة التحقيق هو الحقيقة فقط.
الصندوق الأسود
“لا تبحر السفينة في حال حدوث عطل بالصندوق الأسود”، طبقا للقانون البحري “solas”، هذا ما يوضحه رئيس هية التحقيق بقناة السويس، مشيرا إلى ضرورة أن يكون الصندوق صالحًا كباقي معدات السفينة مثل الرادار والبوصلة “الجايرو”، وفي حالة العطل لا تسير المركب قبل التصليح.
ويخضع الصندوق الأسود لكشف سنوي، لأهمية المعلومات الـ 14 التي يحتويها، من بينها تسجيل الأصوات، وتسجيل حالة المَكن والجايرو وجهاز السرعة والماكينات وكل ما تحتويه “إيفر جيفن”.
وقال شعيشع، في مداخله هاتفية مع برنامج “تحت الشمس”، إنه طلب من قيادات السفينة التحفظ على تلك المعلومات، ولكن لم يتلقى أي رد.
مطالبات للسفينة
ثماني طلبات تم إرسالها إلى قيادات السفينة، تنوعت بين التعرف على عدد ساعات عمل العمال على السفينة والعطلات التي حصلوا عليها من واقع جوازات السفر وصورة له، وشهادات السفينة، وهي التي تحدد صلاحيتها، وأجهزة الرادار “الماجنترون”، وهو الفيديو الذي يشرح صورة الرادار وتوضيح عدد ساعات العمل وبيان تغيره من عدمه، بحسب رئيس هيئة التحقيق، الذي أكد إن كان معطلا فهو لن يسمح له برؤية سنتر القناة بالتحديد.
وتابع أنه طلب سجل حواث السفينة، والسؤال عن سبب دخولها الحوض هل للصيانة أم للإصلاحات، ومعرفة نوع الجهاز “الصندوق الأسود” لمعرفة مدة التسجيل.
الامتناع عن الرد خلال الفترة الماضية، جعل رئيس هيئة التحقيق يرسل رسائل أخرى استفهامية عن سبب التأخر في الرد، بجانب التقدم بطلب إنذار رسمي بالرد، وفقًا لشعيشع.
صعوبات تواجه التحقيق
خبرة رئيس هيئة التحقيق جعلته يتشكك في موقف السفينة، قائلاً: “من خبرتي هذا ينذر بأن السفينة لديها مشاكل”. وأشار إلى وجود صعوبة في التحقيق خاصة أن مالك السفينة يؤجرها لمصري وهو بدوره يقوم بتشغيل السفينة والخط والتوكيل الملاحي، وهو من تلقى المراسلات، بعدما جرى التواصل مع الشركة المالكة في دبي، وأخلت طرفها.
وأرسل رئيس هيئة التحقيق، للشركة المالكة باتباعه الإجراء القانوني المدني والبحري في تحقيق الحوادث. وأوضح أنه في حالة القانون البحري من الممكن أن ينتهي الأمر خلال 10 أيام، لكن في حالة تنحي المالك عن المسؤولية وعدم المساعدة في تقديم المستندات، فإن الوضع سيكون أمام محكمة مدنية وخبراء ومحامين عامين أو ثلاثة حتى تنتهي المشكلة.
التعويضات الملاحقة للأزمة
وعن التعويضات، أوضح شعيشع أن التعويضات والمطالبات المالية تتوقف على كفاءة التحقيق، فأي مبالغ يتم المطالبة بها تكون تفصيلية، مؤكدا أن التحقيقات ومجراها ستكون معلنة وسيجرى عرض كافة أوجه القصور.
وكانت شركة التي تؤمن السفينة، وهي شركة إنجليزية تسمى “بي آند أي” قد رفضت التعليق لإذاعة “بي بي سي” على ما تردد عن المسؤولية عن الحادث في هذه المرحلة، وطلبت التريث إلى أن تظهر نتائج التحقيقات.
وعن إمكانية مسح محتويات “الصندوق الأسود” بالسفينة، أوضح المهندس وائل قدورة، الخبير في النقل البحري، أن القوانين الدولية تمنع السفينة من فعل ذلك، وإلا تخضع للمسائلة القانونية.
وأضاف قدروة، لـ “مصر 360″، أن هيئة قناة السويس لديها وسائل تحكم السفينة فبإمكانها احتجازها حتى الرد على طلباتها.
وعن التعويضات، لفت الخبير البحري إلى أنه من حق الهيئة الحصول بشكل مبدئي على تكلفة أعمال القاطرت والتكريك. وأضاف أن أصحاب السفن المتعطلة في المجري الملاحي ووصل عددهم إلى نحو 350 سفية يحقلهم الرجوع إلى الشركة المأمنة على السفينة للحصول على تعويضات نتيجة تعطلهم.
وبخصوص اللجوء إلى القضاء المدني، يشير قدروة إلى أنه في حال تقديم الهيئة معلومات إثبات التلفيات والتأثيرات المباشرة على تعطيل الملاحة، يمكن أنيصدر الحكم القضائي بحصول الهيئة على السفينة وحمولتها بالكامل.
القوانين البحرية
و”يجوز الحجز التحفظى على السفينة بأمر من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو من يقوم مقامه، ويجوز الأمر بتوقيع هذا الحجز ولو كانت السفينة متأهبة للسفر”، وفق القانون رقم 8 لسنة 1990 بإصدار قانون التجارة البحرية حتى عام 2020، بشأن الحجز التحفظي.
وتوضح المادة 60 من القانون نفسه أنه لا يوقع الحجز التحفظى إلا وفاء لدين بحرى. ويحدد القانون الدين بحريًا الذي ينشأ عن 19 سببا. من بينها: “رسوم الموانئ والممرات المائية، مصاريف إزالة أو انتشال أو رفع حطام السفينة والبضائع، والأضرار التي تحدثها السفينة بسبب التصادم أو التلوث أو غيرها من الحوادث البحرية المماثلة، والخسائر في الأرواح البشرية أو الإصابات البدنية التي تسببها السفينة أو التي تنشأ عن استغلالها، والعقود الخاصة باستعمال السفينة أو استئجارها، أوالتأمين على السفينة، أوالخسارات المشتركة، وقطر السفينة، أو بناء السفينة أو إصلاحها أو تجهيزها ومصاريف وجودها في الأحواض”.
وعن الحكم نصت المادة 66 على أنه “يشمل بصحة الحجز الأمر بالبيع وشروطه واليوم المعين لإجرائه والثمن الأساسي، ويجوز استئناف الحكم أيًا كان مقدار الدين خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره”.
كما نصت المادة 305 على أن “كل عمل من أعمال الإنقاذ يعطي الحق في مكافأة عادلة بشرط أن يؤدي إلى نتيجة نافعة، ولا يجوز أن تزيد المكافأة على قيمة الأشياء التي أنقذت. وإذا لم تؤد أعمال الإنقاذ إلى نتيجة نافعة التزمت السفينة التي قدمت لها هذه الأعمال بالمصاريف التي أنفقت في هذا الشأن”.
سجل “إيفر جيفن”
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس”، أن الحادث في قناة السويس هو الثاني من حيث ضخامته الذي تواجهه “إيفر جيفن” في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019 اصطدمت السفينة، التي شيدت في 2018، بعبّارة صغيرة راسية في نهر “إلبه” بمدينة هامبورج الألمانية. وبرّرت السلطات الأمر آنذاك برياح قوية، علماً بأن الاصطدام ألحق أضراراً بالغة بالعبّارة.
مسح البيانات غير متاح يدويًا
ويقول اللواء عصام الدين، الأمين العام لاتحاد الموانئ البحرية، إن مسح محتويات الصندوق الأسود يدويًا غير متاح. وفي حالكان هناك عطل توجد سجلات مدون فيها كافة البيانات المتعلقة بالسفينة من المكن للعمال، وهو دليل آخر في إطار التحقيقات.
وعن المصدر الآخر للمعلومات، أشار عصام الدين إلى أن المرشدين الذين كانوا على متن السفينة يعتبرون مصدرًا آخر للمعلومات التي تحيط بالأحداث.
وينص القانون الدولي للإبحار على أن “للهيئة تعويض لأن ما حدث هو خطأ الربان”، وفق اللواء عصام الذي يؤكد عدم معرفة مدى التحقيقات، نظرًا لأمور التفاوض والمماطلة، والتقديرات المالية غير المعلنة؛ لأنه سيتم احتساب كل ما تم لإنقاذ السفينة من أعمال قطر وتكريك واحتساب عدد ساعات تشغيل العمال.