لم تعد مكافحة التغير المناخي رفاهية بالنسبة لكثير من الدول العربية حاليًا، بعدما تفاقمت أضراره الاقتصادية، وباتت مصدر تهديد للخطط المستقبلية لتوفير احتياجاتها الأساسية من الغذاء. العواصف الترابية وحدها تفقد دول العربية نحو 13 مليار دولار سنويًا.
العواصف الترابية وحدها تفقد دول العربية نحو 13 مليار دولار سنويًا بخلاف موجات التصحر الواسعة
تعاني السعودية حاليًا من سلسلة تغيرات مناخية عنيفة يتوقع أن تحمل ضررًا كبيرًا على اقتصادها في المستقبل المتوسط. بينها العواصف الرملية التي تكبد الاقتصاد المحلي مليارات الدولارات وموجات التصحر الواسعة. وتآكل المساحات القابلة للزراعة بالمملكة ذات المساحة الصحراوية الشاسعة.
الشرق الأوسط الأخضر
من هذا المنطلق، أطلقت السعودية مؤخرًا مبادرة لإنشاء خط دفاع كربوني من خلال زرع 10 مليارات شجرة خلال عدة عقود. تتضمن التوسع في تحزيم المدن بالأشجار. وتخفيف انبعاثات الكربون، وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة. لتمثل الطاقة المتجددة نصف إنتاج الكهرباء داخلها خلال 9 سنوات فقط.
واتخذت المبادرة السعودية نوعًا من الإقليمية بعدما أعلنت أنها ستعمل مع دول عربية أخرى على خطة أكبر تتضمن الوصول إلى “الشرق الأوسط الأخضر” لزراعة 40 مليار شجرة أخرى. والتي قال ولي العد السعودي محمد بن سلمان إنه سيكون “أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم”.
كذلك أعلنت مصر ترحيبها بمبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”. وأوضحت أنها تسهم في استعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. بالإضافة إلى تخفيض معدلات الكربون العالمية بنحو 2.5%.
حوالي 90% من مساحة المنطقة العربية ضمن المناطق الجافة وشديدة الجفاف وحوالي 43% منها على الأقل صحاري و72% تحصل على معدل أمطار سنوي أقل من 100 مم
تعد المنطقة العربية واحدة من أكثر مناطق العالم هشاشة في نظامها البيئي. حيث يصنف حوالي 90% من مساحاتها ضمن المناطق الجافة وشديدة الجفاف. وحوالي 43% منها على الأقل صحاري. و72% تحصل على معدل أمطار سنوي أقل من 100 مم، و 18% تتراوح أمطارها بين 300- 100 مم. بينما 10% تتلقى معدل أمطار سنوي أكثر من 300 مم. وهي تعاني من تغيرات سلبية في المناخ أدت لتراجع كميات الأمطار بنسبة تتراوح بين 10% و18%.
معضلة الري في خطة التشجير
لم تكشف الخطة السعودية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي حتى الآن عن كيفية توفير الموارد المائية اللازمة لزراعة 10 مليون مليون شجرة. خاصة أنها تعاني ندرة في الأمطار التي تتروح بين 100 و250 ملم سنويًا. وتعتبر أكبر دول العالم في الاعتماد على مياه التحلية من البحر. وهي موارد تكلفتها عالية جدًا لا يمكن التوسع في استخدامها بالزراعة. لكنها كانت أعلنت في مشاريع أخرى أقل ضخامة مثل مشروع زراعة مليوني شجرة قبل عدة سنوات عن استخدام مياه الصرف المعاد تدويرها.
كذلك قدمت المملكة المشروع ضمن جهود يبذلها العالم لمكافحة التغير المناخي ما يجعله يحظى بإشادة كبيرة من المؤسسات الدولية المعنية بالمناخ. خاصة أن المملكة لا تحتاج أساسًا للطاقة النظيفة في ظل تصدرها الإنتاج العالمي في الوقود الأحفوري. ومتوسط أسعاره الحالية التي تعتبر رخيصة للغاية حال مقارنتها بالعقد الماضي.
تنص الخطة السعودية على أنها تسعى لزيادة حصة الشرق الأوسط من الطاقة النظيفة إلى 7% وتقليل خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%.
مبادرات مستمرة
وزارة البيئة والمياه السعودية أطلقت مبادرة لحملة التشجر والتنمية المستدامة للمراعي والغابات ضمن أهداف رؤية المملكة 2030. لزراعة الأشجار المحلية التي منها شجرة الغاف والمانجروف والطلح والسدر والمرخ والسمر والإثل واللبان العربي والسيال والسلم والأراك بعدد من مناطق المملكة. وكان مستهدفا زراعة 12 مليون شجرة حتى نهاية 2020. لكن لم يتم إعلان العدد الفعلي الذي جرى غرسه حتى الآن.
كما كشفت الرياض عن مشروع مشابه خاص قبل شهور لرفع نصيب الفرد من المساحة الخضراء في المدينة من 1.7 متر مربع حاليًا، إلى 28 مترًا مربعًا بما يعادل 16 ضعفًا عما هي عليه الآن. وزيادة نسبة المساحات الخضراء الإجمالية في المدينة من 1.5% حالياً إلى 9%. بما يعادل 541 كيلومتراً مربعاً. من خلال غرس أكثر من 7 ملايين ونصف المليون شجرة في كل أحياء الرياض وشوارعها.
ميثاق مكافحة التصحر
ووقعت السعودية، إلى جانب 197 جهة، ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة التصحر والتغير المناخي؛ إيمانًا منها بأن تحقيق الاستقرار في موارد الأرض أو ما يعرف بمصطلح (الحيادية في تدهور الأراضي) عامل مهم لتحقيق “الأهداف التنموية المستدامة” التي اعتمدتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015 لحماية الكوكب والقضاء على الفقر بحلول عام 2020.
وتبنت عملاق النفط “أرامكو” هي الأخرى خطة لزراعة 2 مليون شجرة مانجروف بحرية على الشواطئ السعودية لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو أكبر رقم يتم الإعلان عنه منذ بدأت “الرياض” زراعة أولى شتلات المانجروف في عام 1993.
وزارة الصحية السعودية: تلوث الهواء من الغازات المسببة للاحتباس الحراري تقلص متوسط عمر المواطن بمعدل سنة ونصف لكن المخاطر تبدو أكبر بالنسبة للغبار في منطقة تشهد واحدا من أعلى معدلات تركيز الجسيمات في العالم
ووفق دراسات وزارة الصحية السعودية، فإن تلوث الهواء من الغازات المسببة للاحتباس الحراري تقلص متوسط عمر المواطن بمعدل سنة ونصف. لكن المخاطر تبدو أكبر بالنسبة للغبار في منطقة تشهد واحدًا من أعلى معدلات تركيز الجسيمات في العالم التي تقاس بمستويات PM2.5 وPM10. ما يتسبب في وفاة 30 ألف شخص في منطقة الشرق الأوسط.
التكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية
كذلك تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن التكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية والرملية في منطقة الشرق الأوسط تصل إلى 150 مليار دولار سنويًا. ما يعادل أكثر من 2.5% من إجمالي الناتج المحلي لمعظم دول المنطقة. وتسبب مرض الانسداد الرئوي المزمن. ففي الكويت تؤدي العواصف الترابية إلى زيادة بنسبة 8% في إصابات الربو لغرف الطوارئ يوميا وفي قطر يعاني 30% من الربو بعد هبوب الرياح.
يتضمن المشروع السعودي أيضًا إعادة تأهيل حوالى 400 مليون كم من الأراضي المتدهورة، وهو ما يعني زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، ما يمثل 4% من إجمالي مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي.
وتسبب الرعي الجائر في السعودية في فقدان 70% من المراعي، بينما تسبب قطع الأشجار لتحويلها إلى فحم “الاحتطاب” في فقد 120 مليون كم من مساحة الأشجار والشجيرات سنويًا، مع الاستهلاك الجائر للمياه، خاصة أن 79% من مجموع الاستهلاك مياه جوفية غير متجددة.
إحصائيات مفزعة
قـدرت إحـدى الدراسـات حجـم التدهـور الســنوي للغطــاء النباتـي الشـجري نتيجـة احتطـاب أشـجار السـمرفي السعودية بنحـو 376,3 ألف كم من النبات الشـجري. ومن المتوقع أن يصل إلـى نحو 712,13 ألف كيلو. كمـا قـدرت حطـب الغضـا المعروضـة فـي أسـواق المملكـة سـنويًا بنحـو 5,623,4 طـن، أمـا كميـة حطـب الأرطي المعروضـة فـي الأســواق فقــد قــدرت بنحــو 5,188,4 طــن ســنويًا .
وأعلنت السعودية أنها ستبدأ بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى بقية دول المنطقة. لتبني المبادرة الجديدة التي يتوقع أن تجد ترحيبًا كبيرًا على المستوى الرسمي في ظل الواقع الصعب للتصحر وخسائر العواصف الترابية.
وبحسب البنك الدولي، فإن الأراضي الرعوية في الأردن التي تعادل أكثر من 80% من مساحة البلاد تعاني تدهورًا، لدرجة أن الماشية لم تعد قادرة على أن تجد ما تأكله في المناطق الرعوية. كما يزداد تآكل التربة وهبوب العواصف الترابية أثناء فترات الجفاف في منطقة المغرب العربي التي تغطي شمال غرب أفريقيا وتمتد إلى الصحراء الكبرى تدهورًا كبيرًا.
وشهدت سوريا موجات جفاف تسببت آخرها في الفترة ما بين 2010-2007. وكانت الأعنف في قرن كامل تسبت في تشـريد أكثـر مـن مليـون نســمة، .
واقع مصري
كانت مصر من أوائل الدول العربية التي رحبت بمبادرة “الشرق الأوسط الأخضر”، لمواجهة التغير المناخي. خاصة أنها تقع في منطقة شديدة الجفاف الممتدة من شمال أفريقيا وآسيا. ذلك أن الانجراف بالرياح يعتبر من أهم عمليات تصحر الأراضي في مناطق تتجاوز مساحتها 90% من مساحة الدولة في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية وسيناء. خاصة أن هذه المناطق تتميز بهشاشة النظام البيئي وندرة الغطاء النباتي والجفاف الشديد.
وتشير الدراسات إلى أن معدل الإنجراف الريحى في مصر يقدر بحوالى 5.5 طن/هكتار كل عام في مناطق الواحات بالصحراء الغربية. كما يتراوح بين 71 إلى 100 طن/هكتار كل عام في مناطق الزراعة المطرية (الهكتار يساوي 10 كلم)، وفقا لدراسات لوزارة البيئة.
ووضعت مصر قبل سنوات خطة عمل للتشجير والأنشطة الحرجة في مصر تهدف إلى المساعدة في وقف تدهور التربة بفعل التغير المناخي. وإعادة التوازن بين التربة والغطاء النباتي، والحد من تلوث الهواء، وحماية الأراضي الزراعية والمستوطنات البشرية من الفيضانات. وتتولى تنفيذ هذه الخطة وزارات الزراعة والري والهيئة العامة للطرق والجسور ووزارة البيئة والإدارية المحلية.
برنامج تشجير
ويشمل البرنامج العام: زراعة الأشجار حول مصادر المياه العذبة وقنوات تصريف المياه والطرق السريعة والشوارع، وتوسيع مساحة الغابات المغروسة في المناطق المستصلحة حديثًا. كذلك إنشاء الأحزمة الوقائية الخضراء حول المدن الكبيرة والطرق الدائرية، وتثبيت كثبان الرمال فى المناطق الساحلية والأراضي الداخلية. وتحسين الظروف البيئية ومكافحة التصحر.
كما دشنت حملة تعريفية بالعقوبات التي يتضمنها قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994. المعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2009، الخاص بقطع الأشجار والذي يعاقب كل من يتعدى على الأشجار بالقطع. بالحبس والغرامة بمبلغ لا يقل عن 5000 جنيه، ولا يزيد على 50000 جنيه. كذلك مصادرة الأدوات والمعدات المستخدمة في ارتكاب المخالفة.
ويقول الدكتور محمد علي فهيم، مدير مركز تغير المناخ بوزارة الزراعة، إن التغيرات المناخية الحادة تهدد الكثير من دول المنطقة. وتنتج عنها عواصف تترواح سرعتها بين 100 كيلو متر و150 كيلو متر. مع تقلص الفترة الزمنية للربيع، وتحول الرياح الخماسين التقليدية. التي كان يضمها إلى عواصف رملية والحرارة المترفعة ما يهدد المحاصيل الزراعية.
ويحذر فهيم من انتشار ظاهرة التصحر في الأماكن المكشوفة بمصر خاصة في المناطق الحدودية المتمثلة في النقاط الفاصلة بين الوادي والدلتا وبين الصحراء. التي تتراوح مساحتها بين 2 إلى 2.5 مليون فدان من إجمالي 8.4 مليون فدان. التي تسببت في تهديد محاصيل استراتيجية مثل الزيتون والمانجو التي تقلصت إنتاجيتهما بنسبة 50% لزراعتهما في الأماكن المكشوفة. كذلك شدد على ضرورة تكثيف مصدات الرياح التي تحمي المحاصيل من موجات الرياح العنيفة. خاصة في منطقة الصعيد التي أضرت بمساحات من محصول القطن.
ومصدات الرياح عبارة عن حواجز نباتي من الأشجار دائمة الخضرة القابلة للتقليم التي تقلل من حدة الرياح قبل وصولها إلى الحقول. كما تعمل على خفض قيمة التبخر ما يزيد من إنتاجية المحاصيل الزراعية دون الحاجة إلى إنشاء صوبات مكلفة.