سواء كان متهمًا بالتآمر على البلد أو قائدًا لمحاولة تصحيح، يبقى الأمير حمزة بن الحسين بطلاً لرواية لم تنته في الأردن. الحراك الممتد منذ أمس السبت ينقسم نصفين، الأول يحمل اتهامات رسمية للأمير حمزة باعتباره رأس الحربة لما سمته الحكومة “محاولات زعزعة استقرار البلد” وهو ما يقرأه البعض على أنها محاولة انقلاب على حكم أخيه غير الشقيق الملك عبدالله.

النصف الثاني من الرواية يجعل الأمير حمزة (البالغ من العمر 41 عامًا) قائدًا لمحاولة تصحيح في حراك ضد الفساد، مستندين إلى أحاديث بدت متزايدة على لسان الأمير الشاب خلال الفترة الماضية عندما علت لهجة انتقاده للنظام.

الأمير حمزة ضاعف من انتقاداته للسلطة أمام عدد من أصدقائه والدوائر الضيّقة التي وضعه فيها الملك عبدالله. كثرة اسيتاء حمزة تجاه الوضع الحالي جعلته قريبًا من صوت الشارع الذي كان أقرب إليه من السلطة.

اتهامات رسمية: الأمير حمزة مرجِع التآمرين

أمس السبت بدأ كل شيء، حين أعلنت السلطات الأردنية اعتقال شخصيات بارزة من بينهم الشريف حسن بن زيد ورئيس الديوان الملكي السابق باسم إبراهيم عوض الله لـ”أسبابٍ أمنيّة“. كما جرى الحديث عن وضع الأمير حمزة قيد الإقامة الجبرية رغم النفي الرسمي، لكن الأول سرّب مقطعا مصورا إلى شبكة “بي بي سي” يتحدث عن تقييد حركته وفصل وسائل الاتصال عنه.

لدى تلك النقطة كان الحديث يدور في الأوساط السياسية عن محاولة انقلاب يقودها الأمير حمزة رفقة شخصيات بارزة في دولاب الحكم حاليا، وقتها أعلنت السلطات الأردنية أنّ ثمة مؤامرة تحاك ضد البلد بدعم أطراف خارجية وأنها بصدد تحديد كافة الأطراف والسيطرة على الموقف.

بعد ظهر اليوم خرج وزير الخارجية أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي ليقول إن السلطات سيطرت على كل شيء وأن محاولة “زعزعة الاستقرار تم وأدها في مهدها”.

حديث وزير الخارجية بقدر غموضه عن طبيعة التحركات الخارجية للدوائر القريبة من الأمير الشاب أو الأطراف الخارجية التي قال إنها متورطة في دعم هذه التحركات، حمل رسائل غير مباشرة بخصوص الأمير حمزة.

الوزير قال إن الأمير حمزة كان على علم بكافة التحركات التي قامت بها دوائر محيطة به، من خلال التواصل مع أطراف خارجية للاتفاق على توقيتات معينة لتنفيذ المخطط. بل امتدت الاتهامات للحديث عن مكالمة هاتفية وصلت لزوجة الأمير حمزة من جهة خارجية عقب عمليات الاعتقال تعرض على الأسرة طائرة جاهزة تنقلهم خارج البلاد فورا.

حديث الوزير كان عن اتصالات وترتيبات لساعة الصفر، غير أنه أفصح سواء بقصد أو بدون قصد عن حالة تململ بدت منذ فترة لدى دائرة الأمير حمزة، حيث قال وزير الخارجية إن الأجهزة الأمنية تحركت عندما تحول الحديث عن أهداف ومخططات إلى ترتيب توقيتات زمنية.

هذه النقطة تحديدا اعتبرها نشطاء تعبر عن معرفة السلطة مسبقا بحالة الاستياء التي كانت تسطير على الأمير ودائرته، وقالوا إنها تتقاطع مع تطلعات شعبية لتحسين أحوال المواطنين ومواجهة الفساد.

هنا بدا الأمير حمزة وفق حديث السلطة أنه طرف تفاوضي على ما يحدث، وهو ما ظهر من حديث الوزير بأن المحاولات لا تزال جارية لحل الأزمة في إطار الأسرة الهاشمية، أو وفق البروتوكولات العائلية

إزاء ذلك فإن الأمير الشاب متورط في “مؤامرة” وفق وزير الخارجية، لكنه لم يُعامل معاملة الـ16 شخصًا الذين جرى اعتقالهم أمس، بل إن الوزير قال إن رئيس هيئة الأركان توجه إلى الأمير حمزة للحديث عن تطويق الأزمة غير أن الأخير تعامل بسلبية مع المسؤول العسكري، وفق الوزير.

هنا بدا الأمير حمزة وفق حديث السلطة أنه طرف تفاوضي على ما يحدث، وهو ما ظهر من حديث الوزير بأن المحاولات لا تزال جارية لحل الأزمة في إطار الأسرة الهاشمية، أو وفق البروتوكولات العائلية.

الواضح من حديث الحكومة والمصادر الأمنية والسياسيين أن الأمير حمزة بات رأس حربة الآن في مواجهة حراك ضد السلطة سواء كان انقلابا بمفهوم المتابعين أو حراكا شعبيا ضد الفساد بمفهوم النشطاء.

النقطة الأخرى التي لفتت الانتباه في حديث الحكومة، قولها إن الأمير حمزة بث رسالتين أمس السبت لتشويه الحقائق، وهذه هي النقطة السياسية الوحيدة في خطابها تجاه الأمير حمزة، نظرا لأن الأخير كان يتحدث بالأمس عن تفكيك الوطن وبيع مقدراته وفساد أصاب أركانه.

“أمير القلوب” في مواجهة الفساد

الفصل الثانية من الرواية في الأردن، تضع الأمير حمزة قائدًا لحراك وإن كان غير منظم، باعتباره معبرًا عن مشاعر جماعية تجاه السلطات هناك.

تعليقات كثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تعلن دعمها للخطوة التي قادها الأمير الشاب، وتعتبره محركًا تجاه التصحيح، كما انبرى الكثيرون يدفعون باتجاه أن حمزة هو صوت مكتوم بدأ يتصاعد من الطبقة الغاضبة من الفساد.

البعض نشر مقاطع قيديو للأمير الشاب وهو يتحدث عن ملفات وقضايا عربية، من بينها حديثه عن الهوية العربية، متساءلين: “هل يُعقل أن تكون له نشاطات تُوظف تمس أمن الأردن واستقراره وهو بهذا الوعي والرقي”، واستمر الدعم المرفق بوسم حمل اسم #امير_القلوب.

https://twitter.com/Nyctophil_0/status/1378663974347083779?s=20

التعليقات الكثيرة التي جاءت داعمة للأمير تعتبره داعما للاستقرار وليس كما تدعي السلطات مهددا لأمن البلاد. كما جاءت التعليقات مدعومة بمواقف الرجل السابقة وكيف يمكن أن يكون مشروعا لمستقبل الأردن.

https://twitter.com/Abora779/status/1378606983742373889?s=20

البعض قال في سياق تعليقه على ما يجرى بأن “حكي الأمير عن الفساد معناها الموضوع  كبير وبحاجة لوعي.. بحاجة الكل يكون صاحي وواعي”.

أما الأمير حمزة نفسه، فخرج منذ الأمس مرتين في رسالتين جرى تسريبهما إلى وسائل الإعلام، عندما علّق على بيان رئيس الأركان الذي طُلب منه فيه “التوقف عن تحركات توظف لاستهداف أمن الأردن”، لينفي وجود “أي أجندة خارجية أو مؤامرات من خلف الكواليس ويقول إنها أكاذيب الهدف منها التغطية على ما قال إنه تراجع في الوطن كل يوم” حسب تعبيره.

وفي حديث آخر تحدث الأمير حمزة عن عن تفكيك الوطن وبيع مقدراته، وأن ما يجرى هو محاولة تشويش بادعاء مؤامرات خارجية. ولفت إلى اعتقال عدد من أصدقائه ومعارفه وسحب حراسته وقطع خطوط الاتّصال والإنترنت عنه، مؤكداً أنه لم يكن جزءاً “من أيّ مؤامرة أو منظّمة تحصل على تمويل خارجي”، لكنّه انتقد “انهيار منظومة الحوكمة والفساد وعدم الكفاءة في إدارة البلاد” ومنع انتقاد السلطات.

الملكة نور تصلي لينجو ولدها من “الافتراءات”

وسط هذا الضجيج خرجت الملكة نور، والدة الأمير حمزة لتصف الاتهامات الموجهة لنجلها بـ”افتراءات”، قائلة إنها “تصلي لتسود الحقيقة والعدالة لجميع الضحايا الأبرياء”.

والملكة نور (أمريكية الجنسية) هي الزوجة الرابعة والأخيرة للملك حسين الذي توفي في 1999.

الأمير حمزة الحسين ووالدته الملكة نور
الأمير حمزة الحسين ووالدته الملكة نور

الأمير حمزة أقرب إلى العشائر والناس منه إلى السلطة التي همشته عمدا، وجرى إبعاده تدريجيا عن دوائر الحكم، حتى بات واحدًا من الناس، لكن دمه الملكي أنقذه من ليلة الاعتقالات، فكما هو معروف لا يُسجن أمير من الأسرة الحاكمة لكن يتم تهميشه.

فرصتا الحكم الضائعتين

والأمير حمزة هو الابن الأكبر للملك الراحل حسين من زوجته الملكة نور، وسمى الملك عبد الله الأمير حمزة وليا لعهده عام 1999 بناء على رغبة والده الراحل، لكنه أرسل له خطاب تنحية في 2004 ليسمي ابنه الأمير حسين وليا للعهد.

كانت هذه الفرصة الثانية الضائعة للأمير حمزة للوصول إلى عرش المملكة، حينها أبلغه الملك عبدالله في رسالة لم تكن وجها لوجه، بأنه أعفاه من منصبه لأنه ولاية العهد “الرمزية” تُقيِّد حريته وتمنع تكليفه بمهام هو أهل لها.

أما الفرصة الأولى حين توفى والده الملك حسين في فبراير/ شباط 1999، كان حمزة أصغر من أن يخلفه. فتولى العرش عبد الله، الابن الأكبر للملك حسين من زوجته الثانية الأميرة منى.

ربما لم ينس الأمير حمزة الموقفين، الأول حين حُرم كرسيِّ والده، والثاني حين أخبره أخوه غير الشقيق بأن ترك المنصب خيرٌ له.

الأمير حمزة متهم بالانقلاب على الملك عبدالله
الأمير حمزة متهم بالانقلاب على الملك عبدالله

ما مصير حمزة؟

إزاء ما سبق بات من غير المعروف أن كان حديث وزير الخارجية بشأن تحويل المعتقلين إلى محاكم أمن الدولة سيشمل الأمير حمزة الذي أغلق الباب أمام رئيس الأركان أمس، أم أن “الأمير لا يُسجن” نظرية لا تزال قائمة في الأردن.