لا شك أن موكب المومياوات الملكية، بما تحمله الحضارة المصرية من مكانة عالمية، لم يكن حدثًا عاديًا. خاصة مع ما شهده من تحضيرات وتكلفة إخراج أظهرته بالشكل الذي فرص على الصحافة الدولية وصفه بـ “الاحتفال التاريخي”. والذي شهد نقل مومياوات 22 من أعظم ملوك الحضارة المصرية القديمة، من مقرها السابق بالمتحف المصري إلى متحف الحضارة بمنطقة الفسطاط. في حضور رئيسي الوكالة الثقافية التابعة للأمم المتحدة (يونسكو) ومنظمة السياحة العالمية. لكن يبقى السؤال الأهم حول جدوى هذا الحدث وتأثيره على السياحة والاقتصاد المصري.
موكب المومياوات الملكية.. دعاية سياحية وأثر اقتصادي
يرى باسم حلقة نقيب السياحيين أن “الحدث أسطوري وبمثابة احتفالية تاريخية نجحت فيها مصر رغم أزمة كورونا”. وهو يلفت إلى نقل مراسم الاحتفالية عبر أكثر من 400 قناة ووكالة عالمية، باعتباره أفضل دعاية سياحية وحضارية حققتها مصر في السنوات الأخيرة. مضيفًا أنه “لا شك في أن هذا سيكون له أثر كبير في تنشيط وترويج السياحة بمصر”.
“ذلك الحدث وصل عالميًا إلى منظمي الرحلات السياحية الذين بدأوا في الاستفسار عن محتويات متحف الحضارة تمهيدًا لإدراج زيارته ضمن برامجهم السياحية، المقررة اعتبارًا من شهر مايو المقبل”؛ يقول حلقة. بينما يضيف أن هذا الحدث يمهد بشكل جيد للحدث الأكبر؛ افتتاح المتحف المصري الكبير.
يشير نقيب السياحين أيضًا إلى الأثر الاقتصادي لهذا الحدث، فيقول إن زيادة المعالم السياحية وأماكن الزيارات بمتحق الحضارة ينعكس إيجابيًا على زيادة الليالي السياحية التي سيقيضها السائح بمصر. وهو أمر سينعكس بدوره على زيادة معدل الإنفاق وتعظيم الدخل من العملة الأجنبية. كما أنه يساعد العاملين بالقطاع السياحي ويشجعهم على العمل.
متحف الحضارة.. مستقر المومياوات الملكية
بالقرب من حصن بابليون، يقع المتحف القومي للحضارة المصرية. وهو يطل على عين الصيرة في قلب مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة.
تم وضع حجر الأساس لهذا المتحف في العام 2002 باعتباره أحد أكبر متاحف الآثار في العالم. كما أنه الأول الذي يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية، وفقًا للموقع الرسمي لوزارة السياحة والأثار. ذلك بما يضم من ما يزيد عن 50 ألف قطعة أثرية تحكي مراحل تطور الحضارة منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث.
وقد تقرر أن تعرض مقتنيات هذا المتحف في معرض رئيسي دائم يتناول أهم إنجازات الحضارة المصرية. بالإضافة إل 6 معارض أخرى تتناول موضوعات: الحضارة – النيل – الكتابة – الدولة والمجتمع – الثقافة – المعتقدات والأفكار – معرض المومياوات الملكية.
يتضمن المتحف أيضًا مساحات للمعارض المؤقتة. فضلاً عن معرض خاص بتطور مدينة القاهرة الحديثة. وأبنية خدمية وتجارية وترفيهية. إلى جانب مركز بحثي لعلوم المواد القديمة والترميم.
ومن المقرر لهذا المتحف أيضًا أن يكون مقرًا لاستضافة مجموعة متنوعة من الفعاليات، كعروض الأفلام، والمؤتمرات، والمحاضرات، والأنشطة الثقافية.
موكب المومياوات الملكية.. الحدث المحاصر بكورونا
رغم أنه يصف هذا الحدث بالفرصة الجيدة لتحسين صورة مصر عالميًا، يرى المدير التنفيذي لشركة مصر للسياحة والخبير السياحي سامح سعد، أن الحركة السياحية والثقافية بمصر لن تستفيد كثيرًا بنقل المومياوات. هذا لأنه حدث يأتي في ظل أزمة كورونا وتوقف حركة السياحة عالميًا.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن 102.8 مليون سائح زاروا مصر خلال الـ 10 سنوات الماضية. ذلك بإيرادات سياحية وصلت إلى 84.3 مليار دولار، خلال الفترة من العام 2010 وحتى العام الما 2018-2019.
وكان البنك المركزي المصري أعلن أن السياحة المصرية حققت أعلى إيرادات في تاريخها خلال العام 2019 وتجاوزت 13.03 مليار دولار. بما يفوق أعلى معدلاتها السابقة المحققة في 2010 بـ 12.5 مليار دولار، وبـ 6. 11 مليار دولار في العام 2018.
لكن هذه الإيرادات تراجعت بنحو 69% خلال العام الماضي في ظل جائحة كورونا، التي ألحقت ضررًا شديدًا بالقطاع. في وقت منحت فيه الدولة 58% فقط من الفنادق تصريحًا للعمل وفقا لضوابط جديدة فرضتها الجائحة، وفقًا لتصريحات سابقة لوزير السياحة والآثار المصري خالد العناني.
وفق العناني، فقد بلغ عدد السائحين الذين زاروا مصر نحو 3.5 مليون سائح في 2020. مقارنة بـ 13.1 مليون في 2019.
لذا، يرى سعد أنه كان من الأفضل التريث في نقل المومياوات لوقت آخر. نظرًا لأن أوروبا وفرنسا وألمانيا لا تزال تعاني الإغلاق بسبب كورونا. “كان لابد لهذا الإبداع والإخراج أن يظهرا في وقت يستطيع السياح فيه السفر، حتى لا تفقد مصر زخم الحدث”.
يشير سعد أيضًا إلى أنه كان لا بد من الإعلان عن ذلك الحدث قبله بوقت كاف. ذلك لإعلام رؤساء الدول للمشاركة وإحداث تأثير أكبر. وهو ما يجب تفاديه خلال افتتاح المتحف المصري الكبير.
كذلك، يرى المدير التنفيذي لشركة مصر للسياحة أن الآثار الاقتصادية لهذا الحدث لا يمكن دراسة حاليًا وستبقى معلقة حتى انفراجة -غير معلومة- لأزمة كورونا.
وجبة أثرية دسمة يجب أن تصل للمواطنين
ويصف الباحث التاريخي عبد العزيز فهمي حدث نقل المومياوات الملكية بـ”الوجبة الأثرية الدسمة مكتملة الإخراج والتصوير واختيار الديكور”. مضيفًا أن مصر قدمت السبت مشهدًا يتمتع بتغذية بصرية وسمعية تليق بالحضارة المصرية القديمة وإظهارها أمام العالم بالشكل المناسب.
لكنه أيضًا يلفت إلى ضرورة أن يعقب هذا الحدث توجه حقيقي بالعمل على تقليص الفجوة بين المواطنين والحضارة القديمة. ويشير إلى أهمية أن لا يقتصر استغلال هذا الحدث على الترويج الداخلي فقط، وإنما أيضًا استغلاله داخليًا بتخصيص أيام متحفية مجانية للمواطنين. وكذلك توفير انتقالات مثلما يحدث بدول العالم الأخرى.