بعد أيام معدودة من فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية التونسية أكتوبر 2019 تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التونسية صورًا لـ “قيس سعيد” أستاذ القانون الدستوري القادم إلى قصر قرطاج الرئاسي “من خارج السيستم / النظام”. وهو يطلب وقوفًا قهوة الصباح في مقهى شعبي بـ “المنيهلة” الحي الذي بضواحي العاصمة. وفي اليوم الثاني لزيارته القاهرة أمس (السبت) تجول في حي الحسين وشارع المعز لدين الله الفاطمي محاطًا بحراسة وحواجز تليق برئيس دولة يقوم بزيارة رسمية. ومن دون أن يتناول القهوة في “الفيشاوي”، أو أي من مقاهي الحي.
لمصر وعاصمتها مكانة لافتة في وجدان “قيس سعيد“، وحتى ما قبل “فخامة الرئيس”. وبالطبع قبل أيضًا وقوفه في قصر الاتحادية الرئاسي بالقاهرة، ملقيًا بيانًا إلى جوار الرئيس عبد الفتاح السيسي مكررًا بنبرة تشديد وفخار مصطلح “القاهرة المعزية”. وهكذا بالإحالة إلى مؤسسها “المعز لدين الله الفاطمي” القادم من مدينة “المهدية” التونسية. وهي بالمناسبة إحالة تترجم ما يشبه العقيدة الراسخة الشائعة عند عموم التونسيين إلى اليوم. فعندما يناكفون أشقائهم المصريين يقولون بأن من بنى مصر/القاهرة تونسيًا وليس حلوانيًا.
ولأن “قيس سعيد” بالأصل أكاديمي ومثقف، فقد استدعى ببديهة حاضرة مفكرنا وأديبنا المصري الراحل “طه حسين” عندما التقيته لحوار صحفي في سبتمبر 2017 . حينها بدا صاعدًا من الظلال نحو الضوء على نحو لافت وغريب، وباتجاه حقل السياسة بلا حزب ولا ممارسة سابقة. وبيننا فنجانان من القهوة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس، قال عندما شاء التعبير والتشبية بشأن نظام حكم اعتبره نقوصًا عن ثورة التونسيين ديسمبر 2010 / 2011: “هو ليس برلمانيًا خالصًا وليس رئاسيًا. هو (بين بين) على حد تعبير المفكر المصري الراحل طه حسين”. وبعدها بنحو عامين، كان لافتًا لصحفي مصري متابع للشأن التونسي أن ينهى المرشح الرئاسي “قيس سعيد” المناظرة التلفزيونية مع منافسه رجل الأعمال “نبيل القروي” رئيس حزب “قلب تونس” قبل ساعات من انتخابات جولة الإعادة 13 أكتوبر 2019 باستدعاء مصري آخر. وكان هذه المرة بالإحالة إلى “عصفور” مخرجنا الراحل “يوسف شاهين”. وهكذا كي يشير الى المواطن التونسي الذي تحرر مع الثورة، ولن يعود للقفص/ لقيود الاستبداد والفساد.
ثلاثة أيام و”التنبير” التونسي
حقًا هي زيارة رسمية لرئيس دولة. وهو هذا الذي أصبح عليه اليوم “قيس سعيد”. لكن لعل هذا الولع الكامن الممتد إلى ماقبل الرئاسة بالقاهرة / مصر / المصريين قد أسهم في أن تستغرق ثلاثة أيام. وهو ما لم يغب عن “تنبير” (لفظة عامية تونسية تمزج بين النميمة والسخرية) مواطنيه تعليقًا على الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وكان “التنبير “بشأن امتداد الزيارة لثلاثة أيام عبر ثلاثة دعاوى ظاهرة:
الأولى أن زيارة الرئيس “سعيد” لطرابلس/ ليبيا في 17 مارس 2021 لم تستغرق سوى ساعات معدودة، حيث بدا وكأنه تجنب النوم لليلة واحدة هناك. وهذا مع مايراه قطاع من الرأي العام التونسي بأنها أهم من زيارة القاهرة، نظرًا لفوائدها الاقتصادية نسبيًا، ولكون ليبيا ما بعد إعادة بناء الدولة سوقًا محتملة واعدة لعمل التونسيين ولمزيد من منتجاتهم وأشغالهم.
والثانية لأن عند التونسيين أزماتهم الداخلية الضاغطة، والتي لا تتطلب غياب رئيس الدولة عنها كل هذه الأيام. فعلاوة على النزاع و”المناكفات” الجارية بين رئيس الجمهورية من جانب ورئيسي البرلمان والحكومة “راشد الغنوشي” و”هشام المشيشي” حول رفض الرئيس “سعيد” السماح لوزراء التعديل الوزاري بحلف اليمين الدستورية أمامه على الرغم من منح البرلمان الثقة لهم منذ 26 يناير 2021 أضيف أيضًا امتناع “سعيد” عن التصديق على تعديل البرلمان لقانون المحكمة الدستورية. وفوق هذا وذاك انشغل التونسيون بقرار حكومة “المشيشي” فرض حظر تجول مبكر بعد إفطار رمضان مباشرة بسبب ارتفاع اصابات وباء كورونا فاستشاطت قطاعات منهم غضبًا. لذا حرص إعلام الرئاسة التونسية على بث مقطع فيديو -وقبل دقائق من التوجه إلى القاهرة- يظهر فيه “سعيد” وهو يطلب من “المشيشي” تأخير موعد سريان الحظر، وهو ما تحقق لاحقًا.
أما الثالثة فتتعلق بتوقيت اليوم الأول للزيارة نفسه. إذ وافق حلول الذكرى السنوية الثالثة والثمانين لعيد الشهداء، حيث واجه المستعمر الفرنسي بالرصاص مظاهرات التونسيين المطالبة بمجلس نيابي (برلمان) في 9 أبريل 1938. لكن الرئيس “سعيد” حرص على إحياء الذكرى مبكرًا وبحضور رئيسي البرلمان والحكومة قبل أن يقلع بطائرته إلى القاهرة. وهذا بعدما ارتفع “التنبير” بين تونسيين، وامتد إلى نشر تعليقات بكثافة على الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية. وهكذا جرى قطع الطريق على سخط تأسس على سابقة غياب الرئيس “سعيد” عن احياء ذكرى عيد الاستقلال في 20 مارس هذا العام.
على أي حال، فقد استثمر الرجل في مناسبة “عيد الشهداء” بأن حمل معه -في واحد من “دروسه التعليمية التربوية”ـ مخاطبًا “الغنوشي” و”المشيشي” رسمًا كاريكاتيريًا يعود لعام 1936 بمجلة “الشباب” التي كان يحررها في منفاه بتونس عبقري العامية المصرية الشاعر والصحفي “بيرم التونسي”. ويظهر هذا الرسم تونس فتاة مريضة ممددة على الفراش وإلى جوارها طيبب يقدم إلى صيدلي “روشتة علاج” مكتوب عليها: “برلمان وطني محترم ووزارة كاملة مسؤولة”. وأضاف “سعيد” في مواجهة رئيسي البرلمان والحكومة الآن: “وكأن الأمر يتعلق بحالنا اليوم”.
حمل استدعاء الرئيس “سعيد” للمصري/ التونسي “محمود بيرم” على هذا النحو في هكذا “تقريظ بالكاريكاتير” عند تونسيين حمولة رمزية تقحم زيارة القاهرة في النزاع و”المناكفات” الجارية مع “الغنوشي” و”المشيشي”. وهذا مع الترويج لتوقعات بالاتجاه إلى التصعيد معهما ومع البرلمان بعد عودته لبلاده. إلا أن نصوص الدستور وتوازنات الواقع المؤسساتي والسياسي والجماهيري بالشارع في تونس تستبعد هذا الربط، ومعه احتمال التصعيد إلى حد “حل البرلمان”. كما لا يجب التغاضى عن كون قطاعات واسعة من الرأي العام في تونس تتجاوز تنوعًا وحجمًا حزب حركة النهضة وأنصاره لاتقبل بشبهات “استقواء خارجي” على هذا النحو.
فيض تعليقات مؤيدة ومعارضة للزيارة
تونس ما بعد الثورة وحرية التعبير والإعلام تترجم نفسها باحتلال زيارة رئيسها للقاهرة الخبر الأخير محليًا وقبل الأنباء الدولية في نشرة الثامنة صباح السبت بالإذاعة الوطنية (تمامًا كالبرنامج العام لإذاعة القاهرة). قبل هذا الخبريتلو مذيع النشرة كما معتبرًا من أنباء يهتم بها المواطن في حياته المعيشية كتطورات وباء كورونا واستعدادات حلول شهر رمضان المعظم. كما يلفت نظر المراقب مساحات الحرية وتنوع الآراء على الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية بمواقع التواصل الاجتماعي إزاء الزيارة. ومن النادر هنا العثور على تعبيرات لعبادة الحاكم الفرد أو امتداح صريح يصف الرئيس قيس سعيد بـ “البطل” و”الزعيم”، أو غيرها من الألقاب والصفات المستهلكة بكثافة في غياب الديمقراطية وتدوال السلطة وحرية الصحافة.
على صفحة رئاسة الجمهمورية التونسية فيض تعليقات مؤيدة وأخرى معارضة للزيارة. من الحجج المؤيدة تلك التي تأمل بتعاون مثمر مع مصر في إعادة إعمار ليبيا. وهناك من يتمنى إلغاء “الفيزا” تأشيرة الدخول بين البلدين وخط بحري ملاحي بينهما. وأيضًا ثمة حجج تدعو للاقتداء بالتجربة المصرية في إزاحة الإخوان المسلمين وإقصائهم واستئصالهم بالمشروعات العملاقة كالعاصمة الإدارية وبمعدل النمو الاقتصادي لمصر. ولا يخلو الأمر من مكايدة “النهضة” وحلفائها على غرار هذا التعليقات: “الغنوشي وجماعته مش باش (لن) يجيهم نوم الليلة”، أو “هز (خذ) الغنوشي في يدك واعطيهولهم”.
وبالمقابل، تتركز الحجج المعارضة للزيارة حول اعتبار الزيارة “خيانة للثورة”، فضلاً عن مهاجمة الرئيس “السيسي” وما يجري في مصر بشأن ملفات الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية. ناهيك عن تلك الحجج التي تذهب إلى اعتبار زيارة الرئيس “سعيد” قبولاً بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، فيما كان قد وصف خلال حملته الانتخابية “التطبيع بالخيانة العظمى”. كما لم يخل الأمر من انتقادات له لأن كلمته المرتجلة في قصر الاتحادية بالقاهرة خلت من أي ذكر عن فلسطين، أو لقيامه بزيارة قبر الرئيس الراحل “السادات” الذي وقع الصلح المصري مع تل أبيب، ولم يتوقف عند زيارة ضريح سلفه “الزعيم عبد الناصر”. وكنت شاهدًا في تونس على مدى نحو العامين بين 16 و2018 على المشاركة اللافتة للأكاديمي “قيس سعيد” في ندوات عدة دعمًا للقضية الفلسطينية.
كما تواترت بصفحة الرئاسة التونسية تعليقات تقلل من جدوى وآثار الزيارة اقتصاديًا ومعيشيًا على الشعب التونسي. ناهيك عن السخرية من صيغة الإعلان التونسي الرئاسي عن نبأ الزيارة قبل القيام بها بيوم واحد، وتحديدًا عبارة: “تعزيز أصول التواصل بين البلدين الشقيقين”. وهذا سواء لجهة اعتبارها “لغة خشبية مكررة” أو مما اعتبره المنتقدون “بالمقابل وبالمخالفة والمقارنة غيابًا للتواصل بين مؤسسات الدولة الحاكمة بتونس.. وبينها وبين الشعب في الداخل”. كما لم تخل الانتقادات من اتهامات بـ “خدمة مصالح فرنسا في ليبيا”، أو بعبارات تشير إلى أولوية العلاقات مع الجزائر وليبيا عن مصر.
وفوق هذا وذاك هناك “تنبير” تونسي عن التوتر الذي يطرأ على علاقات الشعبين بسبب مباريات كرة القدم، أو هذا الذي ينجم عن الحملات التي يشنها بعض الإعلاميين المصريين وبمبالغات على أوضاع تونس التونسيين في فضائيات يجرى استقبالها عندهم. وهذا على نحو يتجاوز الكراهية والتحريض ضد “النهضوين” الإسلاميين مع وصفهم بـ “إخوان تونس” إلى البلد بأسره وتطورها نحو الديمقراطية.
بين النهضة والمرزوقي وعبير موسى
واقع الحال أن حزب حركة النهضة لم يصدر عنه رسميًا أو عن أي قيادة تنتسب إليه تعليقا بالسلب أو الإيجاب بشأن زيارة الرئيس “سعيد” للقاهرة. وهذا موقف تلتزم به “النهضة” وتلزم به قياداتها منذ عهد الرئيس الراحل “الباجي قايد السبسي” الذي زار القاهرة بدوره أكتوبر 2015. وفي المعتاد، تحرص “النهضة” على الالتزام بتجنب تجاوز سقف السياسة الخارجية للدولة التونسية، وما تعتمده من “حياد إيجابي” وتوازنات في علاقاتها إقليميًا ودوليًا. وهذا أمر يتسق مع إدراكها لثقلها في البرلمان ومشاركتها في الحكم والحكومة على مدى سنوات.
ولعل الصوت الأعلى الأبرز بين الساسة التونسيين اعتراضًا وهجومًا على الزيارة قد جاء من الرئيس التونسي الأسبق الدكتور “المنصف المرزوقي”. فقد اعتبرها “خيانة للثورة ولشهدائها في مصر وتونس”، كما قال على صفحته بمواقع التواصل الاجتماعي. ويظل من الخطأ حساب “المرزوقي” على النهضة أو الإخوان المسلمين وما يطلق عليه “التنظيم الدولي” بأي حال. وهو بالأصل سياسي يساري علماني بأفق قومي عروبي من طراز خاص. تحالف مع “النهضة” مرحليًا وبحسابات معقدة مع الاحتفاظ بانتقادات لها وخلافات مبكرة معها. ثم افترقت بينه وبين قيادتها السبل تمامًا اعتبارًا من انتخابات خريف 2014، وبخاصة مع تحالف “الغنوشي” مع “السبسي”. وبدوره كان “المرزوقي” خلال رئاسته قد زار القاهرة يوليو 2012 زمن رئاسة الدكتور “محمد مرسي”، والتقى أيضًا بمعارضي “مرسي” ونقاده ومناوئيه.
على الجانب الآخر، برزت بين أعلى الأصوات المؤيدة والمرحبة بالزيارة على المسرح السياسي بتونس “عبير موسى” رئيسة الحزب الدستوري الحر. وهي المحسوبة بالأصل على معسكر معاداة الثورة التونسية، والمعروفة بالانتماء والولاء للنظام السابق على الثورة. وتشغل “موسى” بكتلتها السادسة في البرلمان 16 من إجمالي 217 مقعدًا، وإن كانت استطلاعات رأي محل جدل تمنحها اليوم المرتبة الأولى في نوايا التصويت لانتخابات تشريعية تجرى الآن وبنسبة تدور حول الثلاثين في المائة.
وعبر استدعاءات إعلامية من القاهرة سعت “موسى” للاستثمار في الزيارة باتجاه ما اعتادته تحريضًا ضد “النهضة” بوصفها “إخوان تونس”، وداعية للاقتداء بالتجربة المصرية في التعامل معهم وحظرهم كما جرى بحلول صيف 2013 وبعده. لكن وفق اعتبارات عدة تحكم السياسية التونسية فإن المساحة بعيدة بين كل من “موسى” والرئيس “قيس سعيد”. فالرجل يظل يجهر بانتمائه وانحيازه للثورة التونسية، ولا يجد وأنصاره في “عبير موسى” ظهيرًا تنظيميًا “لرئيس دولة” مستقل بلا حزب. بل وتناهض أفكاره بالأصل الحزبية والبرلمانية. ناهيك عن أن “عبير” تتقدم بوصفها منافسة للرئيس “سعيد” على قاعدة “شعبوية” أيضًا، وفي استطلاعات رأي بشأن انتخابات الرئاسة المقبلة.
خطاب رئاسي تغيب عنه كلمة “الثورة”
تصرف “قيس سعيد” في سياق زيارته للقاهرة كرئيس دولة يؤدي زيارة رسمية. تجنب التطرق في كلمته بقصر الاتحادية “للثورة”، أو لنزاعات و”مناكافات” داخل بلاده مع “النهضة” أو غيرها. كما لم يسع للترويج لأفكاره المثيرة للجدل بين التونسيين عن إعادة بناء السلطة من الأطراف والمحليات إلى المركز أو تجاوز عصر الأحزاب والبرلمانات القائمة على التمثيل والوكالة. ومع هذا فقد جاء في كلمته بتلميح رسولي عابر مبهم ـطالما يتسم به خطابهـ حين قال نصًا: “نتطلع إلى مستقبل قادم ان شاء الله بفكر جديد ووسائل جديدة، لأننا نسعى لتحقيق أحلام شعبنا في مصر وتونس أن يكون بعدًا إنسانيًا لجملة من القضايا المطروحة. الإنسانية عانت كثيرًا ولابد من استنباط طرق جديدة من المعاناة التي عانتها في القرون الماضية”.
لكنه ـوعلى خلاف زيارته ليبياـ تطرق وبشكل لافت لمخاطر الإرهاب والتطرف، وشدد على أهمية الحفاظ على “الدولة” و”الدولة الوطنية”. إلا أن هكذا إشارات كثيفة يصعب ترجمتها بإحالات مباشرة هجومية إلى الصراعات الجارية بين المؤسسات ورموز السلطة والسياسة داخل تونس. كما يجب الأخذ في الاعتبار أن التعاون بين تونس ومصر ضد الإرهاب والتطرف قائم بالأصل وعلى مستويات عدة، يتقدمها الأمني. وهو مفتوح أيضًا (سياسيا إلى جانب أمنيًا) على التفاعل والتعاون المشترك في الساحة الليبية.
الإشارة الأهم مصريًا عن مياه النيل
لعل الإشارة الأهم والأجدى من وجهة نظر مصرية تتمثل في التفاتة رئيس الدولة التونسية “قيس سعيد” ـومع توقيت زيارته هذاـ إلى ملف مياه نهر النيل وسد النهضة. فتونس الدولة اليوم تحمل صفتين مهمتين بثقل دبلوماسي: الأولى عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي عن المجموعة العربية، والثانية رئاسة تونس للقمة العربية. ولذا تتطلب عبارات رئيس تونس ضمن كلمته المرتجلة في قصر الاتحادية الانتباه، حين قال: “لن نقبل بأي مساس بحقوق مصر في مياه النيل والأمن المائي لمصر”، و”نبحث عن حلول عادلة.. والأمن القومي لمصر هو أمننا.. وموقف مصر في أي محفل دولي سيكون موقفنا”. بل زاد على هذا في ارتجاله لكلمته قوله نصًا: “سيادة الرئيس تحدث عن حلول عادلة، ولكن ليس علي حساب مصر وعلى حساب أمتنا”.
المحطة السابعة بدون قهوة “الفيشاوي”
زيارة مصر هي المحطة السابعة في تحركات الرئيس التونسي “سعيد” خارج بلاده منذ سكنه قصر قرطاج نهاية أكتوبر 2019. ويتعين هنا ـتوقيًا لتأويلات ترتبط بالحملات الدعائية للاستهلاك المحلي هنا وهناكـ الإشارة إلى أنه كان قد زار قطر في نوفمبر 2020، كما استقبل الرئيس التركي “أردوغان” قبلها في ديسمبر 2019. وثمة توقعات في تونس بقرب زيارة قريبة له إلى تركيا، تعقبها أخرى للإمارات.
وعلى هذا النحو، يمكن فهم زيارة “قيس سعيد” رئيس الدولة التونسية للقاهرة، وفي سياق الخطوط العامة لدبلوماسية بلاده القائمة على جملة توازنات، ومعها الحرص على النأي عن محاور إقليمية متصارعة، هي بالأصل آخذه اليوم في الخروج من حالة “الاستقطاب الحاد والمواجهات المفتوحة”. وكما هو يجرى بعد خروج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض في ملفات المصالحة القطرية/الخليجية المصرية وبين القاهرة وأنقرة. كما يتعين على من عرف الرجل قبل بلوغه الرئاسة التونسية خريف 2019 أن يتنبه إلى أن من جاء إليها “من خارج السيستم” ومازال يناوشه بين حين وآخر في لفتات توصف داخل بلاده بـ “الشعبوية” هو أيضًا يتحول بدوره جزءًا من “السيتسم”.
“قيس سعيد” يتصرف وسيتصرف باعتباره “رئيسًا لدولة”. وفي القاهرة أمضى ثلاثة أيام في زيارة رسمية. ولم يشرب قهوة بـ”الفيشاوي” عندما مر بحي الحسين، وقضى وقتًا بمسجده احتفاءً بـ”القاهرة المعزية”.
للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا