دعا مقال نشرته منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” الرئيس الأمريكي جون بايدن إلى وضع سياسة حقوقية على مستوى الشرق الأوسط، تنفيذا لوعده بعودة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية تدعم حقوق الإنسان.
وكان بايدن خلال حملته الانتخابية وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من توليه منصبه، وعد بعودة الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية متعددة الأطراف تدعم حقوق الإنسان، وهي رؤية مهمة للشرق الأوسط، المنطقة التي غالبا ما يزعزعها الاستبداد والفساد وموجات النضال من أجل حماية أفضل لحقوق الإنسان.
وعدَ المقال أيضا بأن المنطقة ستضع رغبة الإدارة الأمريكية على المحك في إعادة تعريف حقوق الإنسان كواحدة من المصالح الأمريكية.
أشار المقال الذي نشرته أيضا منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن بداية بايدن بدت معتدلة، بالتزامن مع خطواته في بدأ تصحيح المسار لبعض الأضرار التي حدثت خلال الإدارة السابقة.
بايدن وتصحيح أخطاء إدارة ترامب
ظهر ذلك في تراجع وزارة الخارجية الأمريكية عن قرار الرئيس ترامب في أواخر عهده بتصنيف جماعة الحوثي المتمردة في اليمن منظمة إرهابية، وهو التصنيف، الذي انتقدته العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، من حيث تهديده الخطير للمساعدات الإنسانية لليمن، التي خلّفت ست سنوات من الصراع فيها “5 ملايين شخص على حافة المجاعة” بحسب الأمم المتحدة.
كذلك علّقت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لدورهما في هذا الصراع المزعزع للاستقرار.
ورفعت السرية عن تقرير استخباراتي حول جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة والذي قُتل بوحشية في القنصلية السعودية بأنقرة عام 2018.
ويرى المقال أن هذه الإجراءات تظهر استعدادا لإدماج قضايا حقوق الإنسان في عملية صنع القرار، لكن حقوق الإنسان بعيدة كل البعد عن كونها مبدأ تنظيميا مركزيا للسياسة الخارجية الأمريكية، على الأقل حتى الآن.
أخطاء حقوقية تخص إدارة بايدن
وبالرغم من البداية المعتدلة لإدارة بايدن، ومحاولتها لتعديل المسار الذي غيرته ادارة ترامب السابقة، إلا أنها لاحقا وبدورها ارتكبت أخطاء تخصها أيضا في المجال الحقوقي.
برز ذلك في الاتفاق على صفقة كبيرة أسلحة لمصر في نفس الأسبوع الذي احتجزت فيه مصر عائلة ناشط حقوقي مصري أمريكي.
إذ أتى الكشف عن هذه الصفقة بعد إعلان محمد سلطان، المواطن الأمريكي المصري الأصل الذي كان مسجوناً، وأطلق سراحه بعد أن تخلّى عن جنسيته المصرية، أنّ أقارب له في مصر تعرّضوا لمضايقات أمنية بسبب رفعه أمام القضاء الأمريكي دعوى يتّهم فيها السلطات المصرية بتعذيبه حين كان مسجوناً.
وأفاد محامٍ لسلطان أن رجال شرطة مصريين يرتدون ملابس مدنية استجوبوا الأحد ستة من أفراد عائلة موكله واعتقلوا اثنين من أبناء عمومته.
كما رفض الرئيس بايدن معاقبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما أظهر تقرير الاستخبارات الأمريكية بوضوح أن بن سلمان “وافق” على قيام موظفين حكوميين بقتل خاشقجي.
وخلال الشهر الجاري، رفعت الإدارة الأمريكية العقوبات المفروضة في عهد ترامب على المدعية العامة لـ”المحكمة الجنائية الدولية” ومسؤول كبير آخر في مكتب المدعية العامة، حيث كانت تشكّل تلك العقوبات عقبة كبيرة أمام قدرة المحكمة على تنفيذ ولايتها الهامة.
وكانت إدارة ترامب قد فرضت هذه العقوبات لإفشال التحقيقات في أفغانستان وفلسطين، غير أن إلغاء الأمر التنفيذي الذي سمح بالعقوبات، صاحب إعلان إدارة بايدن أنها لا تزال تعارض “إجراءات المحكمة الجنائية الدولية” فيما يتعلق بأفغانستان وفلسطين.
إذ فتحت المدعية العامة للمحكمة مؤخرا تحقيقا رسميا في الوضع في فلسطين، والذي يمكن أن يوفر مسارا طال انتظاره لتحقيق العدالة للضحايا.
التغيير ليس سهلا ووقف توريد الأسلحة حل
يشير المقال أيضا إلى أن تغيير المسار بشأن بعض الأفكار الراسخة والتي شكّلت وجهات نظر العديد من المسؤولين المتنفذين وكبار السياسيين حول السياسة الخارجية الأمريكية لسنوات طويلة لن يكون أمرا سهلا.
مع ذلك، للبدء في معالجة الأزمات في المنطقة، سيكون من الأهمية بمكان أن يوضح الرئيس عبر مختلف الجهات الحكومية أن مخاوف حقوق الإنسان ستُعالَج بشكل متّسق وستؤخَذ في الاعتبار على قدم المساواة مع المصالح الأمريكية الأخرى.
كما يمكن أن يساعد وضع مبدأين عريضين في الاعتبار على ربط الرؤية بالواقع. أولا، يجب إنهاء دور الولايات المتحدة في تأجيج الانتهاكات الجسيمة في مناطق الصراع في الشرق الأوسط بشكل نهائي.
وثانيا، يجب دعم الحيّز المدني وحرية التعبير والتجمع في جميع أنحاء المنطقة بشكل قوي وبدون استحياء.
كذلك يجب على الولايات المتحدة ألا تقوم بتزويد الأسلحة التي ستُستخدم لارتكاب جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة بحسب توصية المقال.
وأورد المقال مستوى الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة الإماراتية والسعودية في اليمن على مر السنين، مطالبا الولايات المتحدة بفرض حظر على توريد الأسلحة إلى هاتين الدولتين إلى أن تتحقق من أنهما توقفتا عن ارتكاب تلك الانتهاكات من خلال للتحقيق في انتهاكاتهما المنهجية لحقوق الإنسان.
قيود حقوقية وحيز مدني مفقود
وبخلاف الصراع العنيف، تعاني الشعوب في الشرق الأوسط من مجموعة من القيود الحقوقية ولديهم حيّز مدني محدود لتغيير الوضع الراهن.
وعدد المقال هذه الانتهاكات والتي على رأسها محاكمة وسجن النشطاء بسبب المعارضة السلمية، فالسجن بسبب المعارضة أمرا شائعا.
وفي السعودية، ومصر، وإيران، والإمارات والبحرين. ، تشهد المحاكم في جميع أنحاء المنطقة قصورا فادحا في الامتثال لمعايير المحاكمات العادلة، وهناك سُبُل انتصاف محدودة، إن وجدت، عن الانتهاكات التي يواجهها الأشخاص في النظم القضائية المحلية على حد وصف المقال.
تواجه النساء في جميع أنحاء المنطقة اللواتي يحاولن تغيير القوانين والممارسات التي تحد من قدراتهن، من المضايقات والترهيب والاعتقال.
كما أن لدى معظم دول المنطقة قوانين أحوال شخصية تمييزية لا تمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في الزواج، والطلاق، وحضانة الأطفال، والميراث إلى جانب الحواجز الأخرى القائمة أمام المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع، وينطبق الشيء نفسه على الأقليات العرقية والدينية وكذلك مجتمع الميم في جميع أنحاء دول الشرق الأوسط.
واعتبر المقال أن القضايا سالفة الذكر يجب على الولايات المتحدة أخذها في الاعتبار عند التعامل مع الشركاء في الشرق الأوسط، حيث سيكون الدعم الأمريكي قويا للناشطين في جهودهم الشاقة والمليئة بالمخاطر للحد من هذه الممارسات التعسفية.
كسر عزلة المجتمع المدني ومحاسبة المنتهكين
أوصى المقال بأن تبدأ الولايات المتحدة بإعطاء الأولوية لحماية الحيّز المدني في جميع أنحاء المنطقة.
على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة ويجب عليها محاسبة المسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن يهددون أو يحاكِمون أو يؤذون المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من النشطاء السلميين في جميع أنحاء المنطقة، باستخدام أدوات مثل السياسة المعروفة بـ”حظر خاشقجي” وعقوبات “ماغنيتسكي” العالمية، وذلك بعيدا عن العقوبات القطاعية الواسعة التي تضر الناس في المنطقة.
كما يمكن للولايات المتحدة أيضا المساعدة في كسر عزلة المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة من خلال دعم التعاون الإقليمي والتضامن بين أولئك الذين يعملون في قضايا حقوقية مماثلة، وهو أمر يمكن تحقيقه بمشاركة الولايات المتحدة غير المباشرة، مثل دعم المشاركات الأكاديمية وفضاءات الاجتماع.
اقرأ أيضا:
الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني
ولكن، يجب على الولايات المتحدة كحد أدنى أن تنتقل من التركيز الأحادي على دعم المجتمع المدني في البلدان التي لديها علاقة عدائية مع الولايات المتحدة مثل إيران إلى تشجيع التخطيط لتمكين المجتمع المدني على النطاق الإقليمي.
كما يمكن أيضا تمكين أولئك الذين يعملون على الأرض في هذه البيئات الصعبة للغاية للضغط من أجل تحسين الحقوق في بلادهم حتى يطوروا مبادرات تسعى إلى التغلب على التوترات الإقليمية الحالية.