استباحة وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل سواء تحت قبة البرلمان أو في المنصات الإعلامية خلال الشهور الماضية، لا يدخل تحت بند ممارسة السادة النواب لحقهم الدستوري في الرقابة والمساءلة، وبالطبع ليس له علاقة بحق النقد وإبداء الرأي المكفول للصحفيين والإعلاميين في الدول الديمقراطية.
يعلم الجميع أن المسار الذي حلم به البعض قبل 10 سنوات تم قطعه بفعل فاعل، فصار أي مسئول في السلطة أيا كان موقعه فوق النقد، فليس من المسموح أن يتعدى السادة نواب المجالس النيابية الحدود المرسومة لهم في التعامل مع السادة الوزراء، فضلا عن أن سقف الحرية التي تجعل من الصحافة عين المواطن على السلطة لامس التراب خلال السنوات القليلة الماضية.
بداية لم أكن يوما من الأيام من المعجبين بوزير الدولة للإعلام السيد أسامة هيكل، ولم أعترف بجدارته بتولي أغلب المناصب التي تولاها ولا يُعرف سبب لمنحه إياها إلا الله والراسخون في السلطة، بدءا من إدارة صالون الأوبرا الثقافي قبل ثورة 25 يناير 2011 وصولا إلى وزارة الإعلام، وأحمله بصفته الرسمية سوء كعضو برلمان سابق ثم كوزير حال مسئولية ما آل إليه حال الصحافة والإعلام.
فالوزير الحالي شارك في عملية حصار الإعلام وتكبيل حرية الرأي والتعبير من خلال موقعه السابق كرئيس للجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، عندما أضفى البرلماني السابق الشرعية القانونية على عمليات الرقابة والحجب والمنع التي تمارسها أجهزة السلطة على المنصات الإعلامية، ومرر وبارك قوانين تنظيم الإعلام سيئة السمعة التي صدرت قبل عامين، والتي شرعنت تغول السلطة على المهنة ومؤسساتها.
ظن البعض أن هيكل سيتحول بعد أن أوكلت له حقيبة وزارة الدولة للإعلام إلى قناة اتصال بين النظام والمسؤولين عن المنصات الإعلامية، يترجم سياسة السلطة وتوجهاتها وينقلها إلى رؤساء التحرير ورؤساء القنوات، ويتابع المحتوى الإعلامي ويقيمه ويختبر درجة تأثيره في الجمهور، ويعمل على إدارة حوار بين الطرفين للوصول إلى حلول تعيد القارئ والمشاهد مرة أخرى إلى منصاتنا.
بعض المصادر أشارت حينها إلى أن هيكل حاول إعادة ترتيب المشهد الإعلامي، ورفع تصورات وتقارير لما وصُف بأنه «عملية إصلاح وتطوير كاملة، تشمل تغييرات في السياسات والأشخاص القائمين عليها»، وطالب بأن يكون له دور واضح في إدارة الملف، وأن تتراجع أدوار من يديرون المشهد حاليًا، لكن يبدو أن تصوراته اصطدمت برغبة «من يعطي الأمر» في استمرار سيطرته على الأمور، ففشلت المهمة قبل أن تبدأ، حينها كان أولى بالوزير أن يعتذر عن الاستمرار في منصبه ويخرج بهدوء، لكنه لم يملك الشجاعة ولا الجرأة الكافية لمثل تلك الخطوة، واختار الاستمرار في منصب بلا صلاحيات ولا نفوذ، وتحمل كل عمليات القصف التي استهدفته.
مع كل ما سبق لا أرى أبدا أي منطق مقبول في تلك الحملة الشرسة التي يتعرض لها هيكل سواء من جانب أعضاء البرلمان أو بعض الدوائر الإعلامية حتى وصل الأمر إلى أن يبث التلفزيون الرسمي للدولة تسجيلا مسربا لوزير الدولة للاعلام.
ليس هذا لآن الرجل لا سامح الله ناجح ومتفوق في أداء مهام منصبه، أو لأنه لا يستحق ما يتعرض له من الهجوم بسبب جدارته وكفاءته، ولكن لأن القضية برمتها تفتقد من وجهة نظري للمنطق.
فالرجل كما أسلفنا مرارا يشغل منصبا بلا صلاحيات حقيقية ولا حتى ورقية، فوفقا لنصوص الدستور والقوانين المرعية لا يملك السيد وزير الدولة للإعلام أي سلطة على التلفزيون والراديو الحكوميين لآن الدستور أعطى هذه السلطة ،على الورق، حصريا للهيئة الوطنية للإعلام. والرجل لا يملك أي سلطة على الصحافة القومية لأنها حصريا وعلى الورق أيضا في يد الهيئة الوطنية للصحافة. أما الصحف الخاصة والقنوات التلفزيونية الخاصة فالسلطة عليها للمجلس الأعلى لتنظيم للإعلام، وحتى الهيئة العامة للاستعلامات تتبع رئاسة الجمهورية، فعلى أي شيء إذن يستوزر هذا الوزير؟، وفي أي شيء فشل؟ وفي أي شيء كان يفترض أن ينجح؟
هجوم حاد على هيكل
قبل أيام نظمت مجلة “روز اليوسف”، اجتماعًا شارك فيه عدد من رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية والخاصة، ومن مقدمي البرامج والكتاب.
وصدر عن الاجتماع “بيانا ناريا” تضمن هجوما حادا على وزير الدولة للإعلام و«محاولاته المتكررة لإشعال الفتنة الإعلامية وضرب مصداقية الإعلام وجره إلى اشتباكات جانبية تضر بالصالح العام، ولا تدرك أبعاد الظرف الوطني الراهن الذي يستدعي تكاتف الجميع والاصطفاف خلف القيادة السياسية؛ لإنجاز المشروع الوطني المصري وتحقيق أهدافه».
وأضاف البيان أن هذه المحاولات بدأت منذ الصيف الماضي، «عندما سعى الوزير إلى تطويع الصلاحيات الدستورية للمجالس والهيئات الإعلامية لإثارة عدد من المشكلات مع قيادة المجلس الأعلى للإعلام السابقة، ثم افتعال أزمة مع نقابة الإعلاميين بتدخله في مجالات عمل النقابة بما يتجاوز محددات منصبه» .
واعتبر المجتمعون في بيانهم- على حد وصفهم- أنه طعن مصداقية الإعلام المصري بكل مكوناته، (المقروء والمسموع والمرئي)، بما يتجاهل السياق السياسي المحدد لطبيعة العمل الإعلامي والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، والتي كانت تستدعي منه أن يكون في طليعة المدافعين عنه، ولا يقف في موقع الخصومة منه.
واستنكر البيان ما وصفه بعدم تحمل الوزير لنقد بعض رؤساء التحرير وقيامه بكتابة عبارات على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي توحي للرأي العام أنه يتعرض إلى مؤامرة؛ «وهو ما استغله الإعلام المعادي لمصر في تشويه سمعة الوطن».
ووجه المجتمعون الشكر إلى مجلس النواب المصري على قيامه بدوره في مواجهة ومحاسبة وزير الدولة للإعلام وإعلان الموقف النيابي بطلب استجوابه، وناشدوا سلطات الدولة المختصة بإقالة وزير الدولة للإعلام وإيقاف هذا المسار غير المعهود بين أحد أعضاء الحكومة المصرية وإعلام الدولة المصرية، وقرروا نشر أخبار وزارة الدولة للإعلام، ووزير الدولة للإعلام بالصفة الوزارية الحكومية دون ذكر اسم الوزير.
قبلها بأسابيع وتحديدا منتصف فبراير الماضي، أوصت لجنة الثقافة والاعلام بمجلس النواب، بمساءلة هيكل، عن الأداء «غير المرضي» له، بعد أن رفضت اللجنة بيانه حول تنفيذ برنامج الحكومة، والذى استعرضه خلال الجلسة العامة للمجلس.
اللجنة قالت في تقريرها إن الوزير وجهازه المعاون لم يحققا الأهداف المرجوة، وأشارت إلى وجود أخطاء مالية وإدارية قد ارتكبت، ومن بينها جمعه بين منصبى وزير الدولة للإعلام ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي والعضو المنتدب، وهو ما يعد مخالفة للدستور.
تواصل الهجوم على هيكل تحت قبة البرلمان ووصل الأمر إلى موافقة النواب على تفويض هيئة المكتب لتحديد موعد لمناقشة استجواب تقدم به النائب نادر مصطفى اتهم فيه وزير الدولة للإعلام بـ«التقصير والفشل فى أداء مهام منصبة المكلف به واستمرار ارتكابه لمخالفات مالية وإدارية بالشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامى بالمخالفة للدستور والقانون».
إذا كان لهذه الحملة التي تستهدف وزير الدولة للإعلام وتتهمه بكل شيء من التربح حتى تنفيذ أجندات جهات معادية للدولة، من فائدة، فربما تكون إقناع أولي الأمر بإلغاء منصب وزير الدولة للإعلام بعد أن أثبتت التجربة العملية أنه بلا أي فائدة، وإلا فليتم تعديل الدستور والقوانين لمنح هذا المنصب ما يحتاج إليه من صلاحيات حتى يمكن محاسبة من يشغله.
وقبل كل ذلك وبعده، فإن ما يثير الدهشة والاستغراب هو هذا الحماس الشديد في محاسبة وزير دولة ربما لا يعلم بوجوده الكثيرون من الشعب، في الوقت الذي يتجاهل فيه نواب البرلمان وقيادات الإعلام ملفات وقضايا تقض مضاجع كل أسرة في مصر تقريبا، وفي مقدمتها ملف التعليم والذي كان يجب أن يكون الأولى باهتمام وحماس النواب والإعلاميين.
لم يقدم النواب الموقرون ولم يبحث الإعلاميون الأفاضل مثلا قرار السيد وزير التعليم بإلغاء امتحانات التابلت للصف الأول والثاني الثانوي والعودة إلى الامتحان الورقي ما ينطوي عليه ذلك من إهدار للمال العام بعد أن وزعت الدولة مئات الآلاف من أجهزة التابلت على الطلاب استعدادا للامتحانات الإلكترونية التي نسبق بها العالم.
ولم يهتم النواب والإعلاميون بحقيقة أنه وقبل أقل من ثلاثة أشهر من موعد امتحانات الثانوية العامة، لا يعرف الطلبة إن كانت ستجري ورقيا أو إلكترونيا، ولا يعرفون شكلها ولا طبيعتها باعتبار الدفعة الحالية هي أولى دفعات التابلت. يتجاهل النواب ومن معهم من الإعلاميين قضية امتحانات الثانوية العامة التي نعرف جميعا أهميتها للمجتمع المصري كله وليس فقط لحوالي نصف مليون أسرة لديها تلاميذ سيخضون هذه الامتحانات، ويهتمون بالهجوم على وزير بلا وزارة ولا صلاحيات ولا نجاح ولا حتى فشل.