يعكس مشهد الإفراجات المتتالية عن سجناء الرأي في مصر خلال الفترة الأخيرة، حالة تفاؤل بشأن انفراجة حقيقية في هذا الملف، يحوم حولها التخوف من كونها مجرد تحركات محدودة يبقى عمرها قصيرًا.
غير أن الإفراج عن صحفيين وسياسيين خلال الأشهر الماضية، تزامن مع ظهور مبادرات تدعو للحوار المجتمعي من أشخاص معروفين بقربهم من دائرة صنع القرار، ما يبعث بصيص أمل بخروج المزيد من سجناء الرأي خلال الفترة المقبلة.
قطار الإفراجات
أفرجت السلطات المصرية عن الصحفية سلافة مجدي وزوجها الصحفي حسام الصياد، بعد قضائهما نحو 18 شهرا خلف القضبان، بعدما ألقت القبض عليهما في نوفمبر عام ٢٠١٩، في أحد المقاهي بمنطقة الدقي، على خلفية التظاهرات التي دعا إليها المقاول المصري محمد علي.
وفي 27 نوفمبر 2019، جرى التحقيق معهما في نيابة أمن الدولة العليا بتهم “المشاركة في جماعة إرهابية” و”نشر أخبار وبيانات كاذبة” وتم حبسهما احتياطيا. وفي 30 أغسطس 2020، حققت نيابة أمن الدولة العليا مع سلافة، ووجهت إليها عدة اتهامات تضمنت “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”ارتكاب جريمة من جرائم التمويل” و”نشر أخبار كاذبة” من داخل محبسها، وقررت حبسها احتياطيا بعد انتهاء مدة سجنها في القضية التي تعود لعام 2019، بحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
وجاء الإفراج عن الزوجين، بعد يوم واحد من الإفراج عن الصحفي البارز ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود، نفاذًا لقرار النيابة العامة بإخلاء سبيله. وذلك على ذمة القضية المتهم فيها بـ”مشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أهدافها عن طريق بث ونشر أخبار كاذبة”، والتي تحمل رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
وقبلها بأسبوع أطلق سراح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حازم حسني، عندما أخلت نيابة أمن الدولة العليا سبيله في القضية 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، ولكن تحت الإقامة الجبرية في منزله كأحد التدابير الاحترازية.
وكان حسني محبوسًا في السابق احتياطيًا على ذمة القضية 488 لسنة 2019، وحاصل على قرار من غرفة المشورة بمحكمة الجنايات بإخلاء سبيله. وقبل ساعات أعلن أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية استقالته المسببة من عمله في جامعة القاهرة، لخوض معركة رد اعتبار وحيدا.
إخلاءات أخرى
وقبل هذه الإخلاءات، أفرج عن الصحفي مصطفى صقر مؤسس شركة بيزنس نيوز، في اتهامه بنشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل والانتماء لجماعة إرهابية. وفي مارس قررت نيابة أمن الدولة إخلاء سبيل الصحفي “إسلام الكلحي” بتدابير احترازية، على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة.
وفي 6 أبريل الماضي قررت الدائرة الثالثة جنايات إرهاب القاهرة إخلاء سبيل البدري عرفة محمد، ومحمد أحمد طاهر، اللذان كانا محبوسين احتياطيًا على ذمة القضية 488، بحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
وخلال الشهر الجاري أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إخلاء سبيل الناشط السياسي إسلام عرابي. وفي مارس 2020 تقرر إخلاء سبيل حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة على ذمة القضية 488 لسنة 2019.
مظاليم وسط البلد
ما زاد من مساحة الأمل، وجعل الكثيرين يتوقعون انفراجة في ملف السجناء السياسيين، القرار القضائي الذي سبق تلك الإفراجات في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”مظاليم وسط البلد“، حيث فوجئ الجميع بعد مرور سبع سنوات ببراءة 128 شخصًا من مجموع المتهمين في القضية البالغ عددهم 227 شخصًا.
القضية المقيدة برقم 291 لسنة 2014 جنح عابدين، ورقم 12096 لسنة 2014 جنايات عابدين، ورقم 1561 لسنة 2014 كلى وسط القاهرة، تعود إلى أحداث إحياء الذكرى الثالثة لثورة يناير2014، أمام نقابة الصحفيين ومحيط وسط البلد، حين جرى القبض على مشاركين وإحالتهم إلى النيابة العامة، ثم إلى المحاكمة.
المجتمع المدني والتمويل الأجنبي
وعلى مستوى الأحكام القضائية أيضًا أصدر قاضي التحقيق المنتدب لقضية التمويل الأجنبي للمجتمع المدني رقم 173 لسنة 2011، قرارًا مؤخرًا يُبرئ ساحة 20 منظمة وجمعية وكيانًا، وما يترتب على القرار من آثار منها رفع أسماء من تضمنهم القرار من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، وقوائم المنع من التصرف في أموالهم سواء السائلة أو المنقولة.
احتفاء والدعوة بالمزيد
الكثير من النشطاء استقبل تلك التطورات بحفاوة كبيرة، داعين إلى الإفراج عن باقي المحبوسين على ذمة قضايا سياسية سواء صحفيين أو نشطاء. كما قرأ البعض تلك التطورات بأن هناك تغيرًا في سياسات الحكومة المصرية تجاه ملف المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين، وربما يكون هناك بصيص من الأمل في التراجع عن الملاحقات الأمنية واتهامات العمالة والخيانة.
مناشدات وحملات حقوقية
تزايد الأمل، وخرجت حملات حقوقية ودعوات من أهالي المسجونين السياسيين الموجهة بشكل أساسي إلى السلطات المصرية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومن بينها مناشدة الفنان المصري أحمد صادق للرئيس عبد الفتاح السيسي الإفراج عبر مواقع التواصل للإفراج عن ابنه مجدي المعتقل منذ 25 شهرًا، وبالفعل أطلق سراحه في اليوم الأولى من شهر رمضان الجاري.
كما تفاعلت منظمات حقوقية مع الحراك الجاري وأطلقت منظمة العفو الدولية ضمن 74 حقوقية -غير حكومية- دعوة للسلطات المصرية بالإفراج الفوري ودون قيد أو شرط، عن الباحث البالغ من العمر 29 عامًا أحمد سمير سنطاوي. الباحث المعتقل تعسفيًا منذ 1 فبراير 2021، بجانب ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وحيادية وشفافة وفعالة فيما قاله سنطاوي حول تعرضه للإخفاء القسري وسوء المعاملة على أيدي قوات الأمن عقب اعتقاله.
بخلاف ذلك تستمر منذ أشهر حملات تدوين ومناشدات أطلقتها أسرة وأصدقاء أيمن موسى بعد سبع سنوات ونصف سنة قضاها داخل السجن، رغم الإفراج عن أغلب أقرانه في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أحداث الأزبكية”، في حين صدر بحقه حكم قضائي بالسجن المشدد 15 سنة و5 سنوات مراقبة.
إزاء ما سبق، رأى محامون وحقوقيون بصيصًا من الأمل يمكن أن يقود لتغييرات محتملة في ملف المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، ومزيد من الإفراجات خلال الفترة القادمة، خاصة مع تصريحات رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب السابق علاء عابد، الذي قدّر عدد المحبوسين السياسيين حتى 2018 ما بين 25 لـ 30 ألف سجين.
مجموعة الحوار الدولي
في الوقت نفسه، أعلن رئيس حزب الإصلاح والتنمية النائب أنور السادات عن إطلاق مبادرة مجموعة الحوار الدولي تحت شعار لأجل الوطن “بالمنطق والحكمة .. وبالدليل والبرهان”.
وعرفها السادات بأنها “مبادرة مصرية تقوم بجهود وطنية مخلصة تضم عددًا من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني، وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ مهتمين بقضايا الوطن في السياسة والاقتصاد والحقوق والحريات، وتهدف لبناء جسور الثقة مع الشركاء والأصدقاء الدوليين في كل القضايا والموضوعات محل الجدل والخلاف.
ورقة الدبلوماسية الشعبية
هذا التطور يعتبره البعض يشير إلى استعداد الحكومة المصرية لتفعيل ورقة الدبلوماسية الشعبية لتخفيف الضغوط عليها في ملف الحريات وحقوق الإنسان، وربما لاستشعارها بأن المشاورات والردود الرسمية لم تلقَ نتائج مرجوة، ما جعلها تنتهج طرقًا أخرى من خلال استعداد عدد من الدبلوماسيين والنواب والشخصيات السياسية القيام بجولات خارجية قريبًا في سبيل شرح وجهة نظرها وإجراء حوارات مع مراكز أبحاث ووسائل إعلام ونشطاء في المجتمع المدني، خاصة بعدما واجهت القاهرة انتقادات شديدة خلال الفترة الماضية في مجال حقوق الإنسان.
الشخصيات التي تضمها المبادرة تضم أسماء يغلب على سمتهم الانتماء الحزبي أو كونهم شخصيات قريبة من الحكومة، ومن أبرز الأعضاء: السفيرة مشيرة خطاب كممثلة للمجتمع المدني، والنائب أشرف ثابت عضو مجلس الشيوخ والقيادي بحزب النور السلفي، والنائبة سحر البزار وهي عضو مجلس النواب ووكيلة لجنة العلاقات الخارجية به، وعضو بحزب مستقبل وطن.
لكن السادات قال في تصريحات متلفزة إن جميع الأسماء المنضمين للمبادرة مهتمين بالتقارير الحقوقية الخاصة بمصر وقضية الحريات، وتسير جهودهم بالتوازي مع جهود الدولة. لكن نجاح المبادرة يظل متوقفًا على وجود تحوّل في المشهد السياسي يلحظه المهتمون بالمجال الحقوقي.
تحركات سابقة
وكان للسادات خلال الفترة الماضية تحركات وتدخلات للإفراج عن محتجزين ومحبوسين احتياطيين على ذمة بعض القضايا، من سياسيين وصحفيين ونشطاء في المجتمع المدني ومهتمين بالشأن العام عموما. وأبرزهم أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية، بسحب ما أعلنت المبادرة حينها.
وعندما جرى تحريك ملف الصحفيين المحبوسين قبل انتخابات نقابة الصحفيين الشهر الماضي، أسفرت الجهود التي قادها ضياء رشوان، الذي يرأس أيضًا الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، عن إخلاء سبيل ثلاثة صحافيين آنذاك بتدابير احترازية هم مصطفى صقر وحسن القباني وإسلام الكلحي، ليرتفع العدد حاليًا بعد إخلاء سبيل داود وسلافة والصياد إلى ستة صحافيين.