بين مؤيد ومعارض وغير مهتم استقبلت الجماعة الصحفية قرار مجلس نقابة الصحفيين الخاص بتشكيل لجنة للمرأة داخل النقابة، وهذا التباين في المواقف وارد فالجماعة الصحفية هي جزء من هذا المجتمع الذي تهيمن عليه ثقافة ذكورية. وتضعهن في أدوار تقليدية ونمطية تحاصر وجود النساء في المجال العام، وثمة اتجاه عام في المجتمع لا يرحب بشغل النساء للمناصب القيادية ومواقع صنع القرار، وهناك اتجاه آخر يرى أن تشكيل لجنة للمرأة هو تقزيم لدورها ومكانتها، وأن تاريخ النقابة حافل بنضال الصحفيات، لكن أصحاب هذا الرأي لم يطرحوا لنا تفسير لماذا رغم نضال الصحفيات الطويل منذ تأسيس النقابة لا ينعكس هذا على تشكيل مجالس النقابة؟، ووصل الأمر أنه على مدى دورات متعاقبة غابت النساء تمامًا عن المجلس!
هذا ما تثبته الحقائق فرغم انخراط الصحفيات في النضال النقابي على مدى 80 عامًا منذ تأسيس النقابة بمرسوم ملكي في 31 مارس 1941، شاركت أربع صحافيات فقط هن نبوية موسى ــ فاطمة نعمت راشد ــ فاطمة اليوسف (الشهيرة بروزاليوسف) ــ منيرة عبدالحكيم، في أول جمعية عمومية لنقابة الصحفيين عقدت في 5 ديسمبر 1941.
فازت أمينة السعيد ــ أول صحفية مصرية ــ بعضوية مجلس النقابة في الدورة (14) عام 1954، واستمرت تسع دورات حتى عام 1962، وشغلت منصب وكيل النقابة ثلاث دورات متتالية، ثم غابت الصحفيات عن مجلس النقابة حتى عام 1967.
وعاد مجددًا في عام 1974 تمثيل الصحفيات بالمجلس على مدى ثلاث دورات (26- 27 -28) بعضوة واحدة على التوالي: نوال مدكور ــ أمينة شفيق ــ فاطمة سعيد.
وارتفع عدد النساء في المجلس إلى ثلاثة عضوات في الدورة الواحدة، على مدى دورتين متتاليتين (29) و(30) حتى عام 1977: أمينة شفيق ــ بهيرة مختار ــ فاطمة سعيد.
ثم انخفض العدد في الدورة (31) عام 1980 إلى عضوتين: أمينة شفيق ــ فاطمة سعيد والتي شغلت منصب أمينة الصندوق.
تراجع تمثيل الصحفيات في المجلس بعضوة واحدة هي أمينة شفيق على مدى ثلاث دورات (32- 33- 34) حتى عام 1985 وفازت سناء البيسي في الدورة (35) عام 1987.
وارتفع مجددًا عدد العضوات في المجلس إلى عضوتين: أمينة شفيق وسناء البيسي في الدورة (36) عام 1989.
ثم فازت أمينة شفيق في الدورة (37) عام 1991 وشغلت منصب السكرتير العام، كذلك فازت عضوتين، أمينة شفيق وشويكار طويلة، في الدورة (38) عام 1993، ثم انخفض التمثيل إلى عضوة واحدة هي أمينة شفيق في الدورتين (39) و(40) حتى عام 1997.
أما خلال أربع دورات خلال الفترة من 1999 حتى 2005، غابت الصحفيات عن المجلس، ثم فازت عبير السعدي في الدورات الأربع (45- 46- 47- 48) من 2007 حتى 2013، وفي الدورة (48) انضمت لها حنان فكري واستمرت الأخيرة حتى الدورة (49) والدورتين (50- 51) المجلس دون نساء إلى لأن فازت أخيرًا دعاء النجار في الدورة (52) عام 2021.
وعلى مدى (52) دورة خلال 80 عامًا لم تفز غير (11) صحفية منهن من شغلت المنصب لدورات عدة متتالية، كما شهد تمثيل النساء صعوداً وهبوطاً بين عدم تمثيلهن أو بين تمثيلهن بأعداد تتراوح بين عضو أو 3 عضوات. بخلاف عشرات الصحفيات الآخريات ممن كان لهن نشاط نقابي بارز ودائم في جميع الأنشطة والمواقف النقابية ومنهن من ترشحن للانتخابات ولم يحالفهن الحظ.
وتعمدت أن استطرد الدورات الانتخابية تفصيلًا لكي تكون الصورة واضحة بالأرقام، أن مع اختلاف الظروف الموضوعية والذاتية التي اجريت فيها الانتخابات على مدى الـ80 عامًا الماضية كان تمثيل النساء محدودًا ولا يعبر عن عدد الصحفيات في الجمعية العمومية ولا دورهن النقابي.
نقابة الصحفيين كغيرها من النقابات المهنية، هي تجمعات للطبقة الوسطى بكل اختلافاتها وتنوعاتها فيوجد بها الاتجاه المحافظ التقليدي، والتنويريين، وهذا يظهر جليًا في جميع الانتخابات فالجماعة الصحافية منهم من ينتخب ابن محافظته، ومنهم من يختار على أساس الانتماء السياسي، ومنهم من يحمل الفكر الذكوري الذي يرفض وجود النساء في مواقع صنع القرار ويري أنها لا تصلح للمناصب القيادية.
وداخل التنويريين يوجد اختلاف في كيفية العمل على قضية تمثيل النساء داخل مجلس النقابة، فمنهم من يرى أن تكافؤ الفرص متاح للنساء ولا يوجد ما يمنع من تمثيلهن ويستشهد دائمًا بالقيادات النقابية ويغفلوا تمامًا تأثير الاختلاف والتنوع الذي أشرت له أعلاه، وأنا اتفق معهم أن هناك تنويريين داخل النقابة، يقبلوا بتمثيل النساء في جميع المناصب القيادية وهناك ناشطات أشرف أني منهن أسهمن في العمل النقابي، لكن ليس مطلوبًا على الإطلاق أن نتباهى بهؤلاء النقابيات فحسب، بينما علينا دور مهم في التعامل مع التحديات التي تواجه الأخريات، منها العمل على تغيير هذه الثقافة الذكورية، وهذا مفهوم طبعًا أنه يجب ان يأتي في اطار سياق عام مرتبط بانتخابات تجرى في مناخ ديمقراطي.
علينا ألا نكتفي بالتباهي بالعشرات من الناشطات ونتسائل ماذا فعلنا أمام أوضاع الصحفيات، أين هن من المناصب القيادية كم عدد رئيسات التحرير، كم عدد العضوات في مجالس إدارات والجمعيات العمومية بالمؤسسات الصحفية، ما هي الآليات التي تتبناها النقابة للعمل مع جرائم العنف الجنسي التي تتعرض لها الصحفيات، هل لدينا آلية ترصد أشكال التمييز على أساس النوع داخل أماكن العمل، هل على أجندة الجماعة الصحفية العمل على صحافة تدمج منظور النوع الاجتماعي في سياستها التحريرية، بالتأكيد حرية الصحافة بدون خطاب تنويري ونسوي تجاه قضايا النساء هي حرية منقوصة.
يؤكد جميع ما سبق ضرورة أن تكون هناك لجنة مرأة، تعمل على هذه القضايا وطرحها كأولوية على أجندة الجماعة الصحفية، لجنة تمد جسور الحوار مع كل مهتم/ة من الجماعة الصحفية من أجل:
– إقرار آلية وسياسة تطبق داخل المؤسسات الصحفية من أجل مناهضة العنف والتمييز على اساس النوع.
– صياغة خطاب داخل الجماعة الصحفية حول أعمال مبدأ تكافؤ الفرص من اجل تمثيل عادل يعبر عن التنوع الحقيقي للجماعة الصحفية
– جلسات نقاش مع المؤسسات الصحفية من أجل تطبيق سياسات تحريرية تراعى النوع الاجتماعي.
– هذا لا يتعارض مع استمرار انخراط الصحفيات في جميع الأنشطة النقابية فما نريده لجنة تعمل بشكل منفتح ليست حراملك للصحفيات بل مجموعة عمل تضم كل من له خبرة وسابق عمل على هذه القضايا وتستعين بمتخصصين من خارج الجماعة الصحفية، لجنة هدفها زيادة دمج الصحفيات وقضاياهن كأولوية في الجماعة الصحفية، علينا أن نبدأ من الآن ويكفي 80 عامًا من حصار لم تفلت منه إلا عشرات الصحفيات.