بعد محاولات الحكومة المصرية مكافحة الختان منذ التسعينيات حتى 2021، وافق مجلس النواب نهائيًا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتشديد العقوبة على جريمة ختان الإناث.
يأتي ذلك بعد عام على وفاة طفلة جراء عملية ختان، بعد تجريم تلك العادة عام 2008 وتغليظها في 2016 بموجب القانون رقم 78. للسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات لمرتكب جراحة الختان. بينما تكون العقوبة بالسجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو إذا أفضى إلى الموت.
استمر القانون في التداول بين مجلسي النواب والشورى ثم أحالته لمجلس الدولة، حتى رد للمجلس رأي قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروع القانون الخاص بتشديد عقوبة جريمة ختان الإناث.
وبثلثي الأعضاء وافق المجلس على المادة (242 مكرر التي تنص على أن يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئى أو تام أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن سبع سنين أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنين”.
ووفق التعديلات التي حملت عقوبات صارمة، “تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات، إذا كان من أجرى الختان المُشار إليه بالفقرة السابقة طبيبًا أو مزاولًا لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المُشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل عن الموت تكون العقوبة السجن المشدد، لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة.
كما نصت العقوبة على إغلاق المنشأة الخاصة التي جرى فيها الختان، وإذا كانت مرخصة تكون مدة الإغلاق 5 سنوات، مع نزع لوحاتها ولافتاتها، سواء أكانت مملوكة للطبيب مرتكب الجريمة، أو كان مديريها الفعلي عالمًا بارتكابها، وذلك بما لا يخل بحقوق الغير حسني النية.
حمل هذا القرار انتصارًا جديدًا للمرأة، تقول أمل فهمي، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، مضيفة أن جهودها لم تضيع سدى. مشيرة إلى أن الأمر استغرق من المركز ومن القائمين عليه عدة سنوات من النضال من أجل هذه التغييرات، والتعبير بكافة الطرق عن الحاجة الماسة لها”.
وأضافت فهمي، لـ”مصر 360″: “بعد إقرار القانون، لن يمر الأمر دون عقاب بعد الآن، خاصة لأي طاقم طبي سيحاول ارتكاب هذه الجريمة تحت أي ذريعة كاذبة سيتم تجريده من تراخيصه وسيذهب مباشرة إلى السجن، بالإضافة إلى للمنشأة الطبية التي ستوافق على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية”.
اقرأ أيضا:
تدوين” يتصدى لـ “تطبيب الختان” ببلاغ ودراسة عن أفكار الأطباء
في اليوم العالمي لمناهضة الختان.. مشرط “أم سيد” يتجاوز الأوطان
ومن جانبها، اعتبرت الدكتورة مايا مرسي رئيس المجلس القومي للمرأة، تغليظ عقوبة الختان يمثل مرحلة مهمة، ويوما سعيداً على المرأة المصرية.
وقالت مرسي، إن القانون شهد تعديلات بتغليظ العقوبة في عام 2016 ثم تغليظها بشكل أكبر في 2012 مؤكدة أن فيصل العوائد من تعديل القانون يعتمد على التطبيق على الارض ومباشرة فعاليته ورصد الثغرات، مشيرة إلى إنه مع كل تعديل يتم دراسة التطبيق على الأرض ولا يوجد ما يعيب مراقبة الفوائد والثغرات جددرا ع التطبيق.
وأكدت في مداخلة برنامج “كلمة أخيرة” الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي، أنه بالتعديلات الأخيرة تم تعريف الختان بما يتوافق مع التعريفات الدولية الخاصة بتشويه الأعضاء التناسيلة وبالتالي لايمكن التحايل عليها في التعريف، بالإضافة لتشديد العقوبة من الحبس لمدة 5-7 سنوات لتصل إلى سجن مشدد في حال وصل الآمر للوفاة.
وتابعت: “الفكرة أيضًا تعني بداية وجود إجراءات ضد الطبيب الممارس أوالتمريض لتصل العقوبة لعشر سنوات سجن مشدد وقد تصل إلى 15-20 عاماً وهي عقوبات ليست سهلة حيث أننا نتحدث عن جريمة اغتيال للمرأة والطفولة”.
وبالعودة إلى مديرة مركز تدوين، حيث أشارت فهمي إلى أن أهم انتصار لتلك التعديلات هو أن أي طبيب أو زعماء دينيين أو حماة جدد لقيم الأسرة المصرية يدعون إلى تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية أو يشجعونها سيُسجنون مباشرة.
وتقول مدير مركز تدوين، أمل فهمي، إن مصر تعتبر الدولة الأولى التي ترتفع بها نسب “تطبيب الختان” وأكثر من 70% من العمليات تتم على يد الطبيب مستنكرة عدم حصول أطباء قاموا بجريمة الختان على أحكام قضائية تدينهم في الفترة السابقة، سوى طبيب واحد وحصل على 6 أشهر بالسجن، وآخر قد حصل على حكم بالسجن عام مع إيقاف التنفيذ بسبب استعمال القاضي لمواد الرأفة- على حد قولها. وتنتقد فهمي في حديثها عدم تدخل نقابة الأطباء بسحب رخص مزاولة المهنة من هؤلاء الأطباء.
وأشادت مدير مركز تدوين، في تصريحات لـ”مصر 360″، بالتعديلات الأخيرة والتي أضافت تعديل بتحميل المنشأة الطبية التي تجرى بها جريمة الختان المسؤولية، مع حذف عبارة “لأي سبب طبي” باعتبار أن ذلك المدخل الأساسي للقاضاه بعدم الحكم على الطبيب الذي بدوره يقوم بتقديم أسباب طبية لإجراء الختان.
تصل نسبة الختان في محافظات الصعيد 90% من السيدات، وتنخفض في الوجه البحري إلى 15%، وتعتبر القليوبية الأعلى بـ68 %، تصل إلى 35% في القاهرة.
بحسب “اليونيسيف” ينتشر الختان بسبب الموروثات الاجتماعية التي تربط بينه وبين الطهارة والاستعداد للزواج. بينما يرصد التقرير أن نسبة انتشاره في مصر وصلت عام 2000 إلى 97% ثم 92% عام 2015.
ووفق التقرير انخفضت النسبة في مصر إلى 87% عام 2016، قبل أن تصعد مجددًا إلى 91% عام 2017، رغم تبني الحكومة منذ عام 2008 تشريعات عقابية يمكن وصفها بـ”الرادعة”.
وفي نفس السياق، اعتبرت الدكتورة رشا قلج، عضو مجلس الشيوخ تغليظ عقوبة ختان الإناث، بمثابة انتصار جديد للمرأة، لمواجهة أبشع الظواهر الاجتماعية، وانتهاك لحرمة الجسد الذي لا يجوز المساس به في غير دائرة الحق، ما يضر بالصحة النفسية والجسدية للمرأة.
وقالت النائبة، إن أكثر من 132 مليون امرأة وفتاة في أفريقيا خضعن للختان، وفقًا لتقديرات منظمة الصحة العالمية- حوالي مليوني امرأة سنويًا- ولكن حتى الآن، كشفت دراسة في السودان أن البنات الذين يخضعون للختان معرضون لخطر العقم بعد سنوات بسبب العدوى المتكررة، ويأمل الباحثون أن تضيف أدلتهم وزناً قيماً لأولئك الذين يناضلون من أجل حظر هذه الممارسة التي تؤثر على ملايين النساء والفتيات في إفريقيا.
ووفق المسح السكاني الصحي في مصر لعام 2014، تم ختان 92 % من السيدات اللاتي سبق لهن الزواج. في الفئة العمرية 15–49. بينما كان أكثر من نصف السيدات اللاتي سبق لهن الزواج تم ختانهن بين العمر 7 و10 سنوات.”
انتهاك لحقوق المرأة والطفل
“الختان” يجرى دون إرادة الفتاة في أغلب الأحوال، ويعتقد خبراء في قطاع الصحة في شتى أرجاء العالم أن الختان أحد أشكال العنف ضد المرأة وانتهاك لحقوقها الإنسانية. بينما في حالة الأطفال يعتبر الختان انتهاكًا لحقوق الطفل المعروفة دوليًا، بحسب اليونسيف.
أستاذة النساء والتوليد بقصر العيني، أميمة أدريس، اعتبرت الختان “جريمة ضد الإنسانية وليست المرأة فقط”، مشيرة إلى أنه لمن يدعي بأن الختان هو حل للسيطرة على الشهوة مخطئ “الشهوة تبدأ بالعقل والنظر” تضيف الطبيبة.
وأشارت أستاذة النساء والتوليد، إلى ضرورة تعاون المجتمع بأكمله، للتخلص من تلك العادة التي ليس لها علاقة بالدين، مؤكدة أن الجريمة لن تنتهي باعتبارها جناية.
ووفق “اليونسيف” تحتل مصر المركز الرابع عالميًا والثالث على مستوى الدول العربية بنسبة 91% في 2018. كما تحتل الصومال صدارة العالم والدول العربية بنسبة 98%. كما يليها في القائمة غينيا ثم جيبوتي، ثم تأتي مصر وبعدها السودان في المرتبة الثامنة عالميًا والرابعة عربيًا بنسبة 88%.
ورغم تبني الحكومة المصرية منذ عام 2008 تشريعات عقابية لمن يجري عمليات ختان، إلا أن الأرقام مازالت كبيرة”.
اليونسيف” أرجعت ختان الإناث إلى الموروثات الاجتماعية التي تربط بين الختان والطهارة والاستعداد للزواج.
أحميها من الختان
وفي مارس الماضي، أطلقت اللجنة الوطنية للقضاء على الختان برئاسة مشتركة بين المجلس القومي للمرأة و”يونيسف”، حملة لطرق الأبواب بعنوان “أحميها من الختان” في 27 محافظة على مستوى الجمهورية.
وفي بيان للجنة أعلنت فيه أن حملة طرق الأبواب ستتم من خلال فروع المجلس القومي للمرأة بالمحافظات. بهدف نشر الوعي بأضرار الختان من خلال نشر الرسائل الخاصة بالقضاء على الظاهرة، كذلك خلق رفض مجتمعي للثقافات الموروثة والمتعلقة بربط الختان بالدين، وأخيرًا التعريف بالمخاطر الصحية والنفسية لها.
وبحسب قومي المرأة فإن إجمالي المستفيدين من حملة “أحميها من الختان” بلغ العام الماضي 3 ملايين و500 ألف سيدة، كما بلغ عدد مشاهدات الحملة على صفحات التواصل الاجتماعي مليون و802 سيدة، بينما تلقى خط نجدة الطفل بقومي الطفولة والأمومة أثناء فترة الحملة 16 ألف شكوى عن قضايا ختان وعنف ممارس تجاه الأطفال.
تأتي الحملة بالتزامن مع ما شهده اجتماع اللجنة التشريعية بمجلس النواب من اعتراض على تغليظ عقوبة ختان الإناث، وكان من بين المعترضين النائب مصطفى بكري، الذي قال إنه لابد من إجراء حوار مجتمعي لأن الأمر مرتبط بثقافة المجتمع. كذلك عقب على أن هذه العقوبات الجديدة لا يحصل عليها تاجر المخدرات.
ووافقت اللجنة التشريعية بالبرلمان على تعديل قانون العقوبات بشأن ختان الإناث. كما وافقت اللجنة على النصوص المعدلة الواردة من مجلس الشيوخ بشأن مشروع القانون.
مؤسسة المرأة الجديدة أعلنت في بيان سابق أن تجريم الختان نتاج عمل كبير على القضية لكن يظل ينقصه الحماية. بما يشمل تيسير آلية تقديم البلاغات على كل من مارس جريمة تطبيب الختان سواء من أطباء أو مزاولين للخدمة الطبية، فضلًا عن حماية خصوصية البيانات، بجانب وضع آلية تفتيش فاعلة ونافذة من وزارة الصحة تضمن التفتيش الدقيق على المستشفيات والعيادات.
وفي السياق ذاته، ترى نيفين عبيد، الباحثة في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي، أن هناك تحسنا في الملف الخاص بالمرأة ولكن ليس كبيرًا، إذ ترى أن الدولة تغرد منفردة في الملف دون حوار مجتمعي حقيقي أو تدخل الأطراف الأخرى المعنية.
واستشهدت عبيد بما حدث في تعديلات تجريم تشويه الأعضاء التناسلية للنساء. على سبيل المثال التي غاب عنها دور نقابة الأطباء، رغم أن الأطباء طرف أساسين وبالمثل غاب دور المجتمع المدني ككل.