طرح تعيين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مبعوثا جديدًا في منطقة القرن الأفريقي، تساؤلات حول الهدف وراء الخطوة في منطقة تعج بالأزمات. وفيما يراها مراقبون محاولة أمريكية لاستعادة النفوذ في القارة السمراء، يتساءل آخرون عن دورٍ محتمل لحلحلة أزمة بالمنطقة.
وقررت إدارة جو بايدين تعيين الدبلوماسي وكبير المستشارين السياسيسين السابق للأمين العام للأمم المتحدة، جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا للقرن الإفريقي. فالتعويل كبير على اختراق أمريكي لحالة عدم الاستقرار في القارة خاصة الحروب الأهلية والأزمات الإنسانية في منطقة الشرق وحوض النيل.
في بيان لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن أول أمس، تحدث عن مهام المبعوث الجدي. وذلك عندما قال: إن “مبعوث القرن الأفريقي سيعمل على قضايا إقليم تجراي والخلاف بين السودان وإثيوبيا وملف سد النهضة”.
وفقاً لموقع الأكاديمية الدبلوماسية الأمريكية، فإن فيلتمان الذي يتحدث العربية، عمل رئيسياُ للشئون السياسية في الأمم المتحدة من 2012 حتى 2018. كما ساهم في رسم سياسات المنظمة والإشراف على جهود الوساطة في النزاعات الإقليمية.
خطوة أمريكية لاستعداء النفوذ في أفريقيا
في بداية حكمه تعهد بادين بالتقارب مع القارة الإفريقية وتحقيق الشراكة من أجل إنهاء النزاعات والصراعات المحلية. وذلك خلافاً لإدارة ترامب التي تجاهلت الانخراط في قضايا القارة.
تعهدات بايدين بالتقارب والتنسيق مع أفريقيا جاءت في رسالته لقمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة. وقتها أكد حرص إدارته على ملفات تغير المناخ وتعزيز الديمقراطية وحقوق الأقليات وحماية اللاجئين ومكافحة فيروس كورونا. فضلاً عن تشجيع الاستثمارات الأمريكية في القارة، وهو ما فسره مراقبون بانفتاح دبلوماسي قوي لإدارة بايدن نحو القارة الإفريقية.
الرسالة الأولي لبادين أمام زعماء القارة كشفت عن مدخل جديد للعلاقات الأمريكية الأفريقية بعيداً عن التنافس الدولي نحو القارة السمراء. ولم تضع واشنطن نفسها في مقارنة مع التواجد الصيني أو الروسي أو الشرق أوسطي في بلدان إفريقيا. وذلك من خلال تأسيس شراكة وعلاقات تعاون جديدة مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والتي طالما تركز عليها أمريكا في إطار دعم الشراكات الشعبية من أجل تعزيز الديمقراطية والمشاركة المدنية ومكافحة الفساد.
وبدأت توجهات إدارة بايدن نحو إفريقيا في إطار التعددية وليست الشراكات مع دول بعينها. ظهر ذلك في رسالته الأولى للاتحاد الأفريقي. وقتها بدا الخطاب كأنه موجه في إطار دعم جهود المنظمة الإقليمية في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية المختلفة.
مراقبون يرون تعيين واشنطن مسؤولين خدموا في إفريقيا خلال فترتي حكم أوباما وكلينتون بداية لدور أقوى لواشنطن. لاسيما في قضايا الأمن والحكم الرشيد وحقوق الإنسان بالقارة.
أمريكا وسد النهضة
فور تولي إدارة بايدن، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في فبراير الماضي أنه سيتم مراجعة السياسة الأمريكية بشأن سد النهضة. كان الحديث يدور عن تقييم الدور الذي يمكن من خلاله تسهيل التوصل لحل بين البلدان الثلاثة. وبعدها رفعت واشنطن تعليق المساعدات الأمريكية إلى إثيوبيا وعدم ربطها بالصراع في ملف سد النهضة.
كما أوفد بايدن النائب الديمقراطي بمجلس النواب كريس كونز، إلى إثيوبيا ومصر والسودان للاطلاع على مواقفها بشأن خلافات سد النهضة. غير أنه لم يعلن عن أي مواقف واضحة لحسم الخلاف عدا تصريحات بدعم الحوار والتفاوض من أجل التوصل لحلول توافقية.
تصرف ترامب
وخلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب كانت للولايات المتحدة مواقف داعمة لمصر في ملف سد النهضة. وذلك رغم عدم الإعلان عن الموقف خلال رعاية واشنطن للمفاوضات التي انتهت دون التوصل لاتفاق بمشاركة ورعاية البنك الدولي.
الدعم الأمريكي لمصر في ملف السد وصل إلى الحد الذي عبر فيه ترامب عن أحقية مصر في ضرب السد عسكرياً. وقتها استند ترامب إلى استمرار التعنت الإثيوبي في إدارة ملء وتشغيل السد دون رعاية مصالح مصر والسودان.
وقال ترامب في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك خلال تطبيع العلاقات السوادنية الإسرائيلية: “الوضع خطير للغاية لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد، وقد قلتها، وأقولها مجددا وبصوت عال وواضح، سوف يفجرون ذلك السد”.
مواقف واشنطن غير مؤثرة
رغم الموقف الأمريكي الداعم للمصالح المصرية خلال إدارة ترامب، لكنه لم ينتج مواقف قوية لإحداث التأثير المباشر على القرار الإثيوبي. بيد أنها أوقفت بعض المساعدات لإثيوبيا. لكن ظل الموقف الدولي في مجلس الأمن والأمم المتحدة حياديا دون انحياز لأي طرف.
الانحياز المعلن لترامب أيضًا لم يكن في صالح القاهرة دائما. ذلك أن تصريحاته حول إمكانية استخدام مصر للقوة العسكرية، استغلتها إثيوبيا ضد مصر بشأن التحريض على الحرب في المنطقة.
وقتها قالت إثيوبيا إن مصر وأمريكا يهددان السلم والأمن، من خلال استدعاء السفير الأمريكي في أديس أبابا وإبلاغه رسالة رسمية. فضلاً عن أن هذه التصريحات زادت الموقف الإثيوبي المتعنت. وهو ما بدا من تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بأن “الإثيوبيين لم يركعوا أبدا طاعة لأعدائهم، وإنه لن يمنعهم أي زلزال من استكمال بناء السد”.
لا دلائل على اختراق محتمل للأزمة
ورغم المؤشرات التي تظهر قدرًا من اهتمام إدارة بايدن بملف سد النهضة. إلا أنه لا توجد أي دلائل لإمكانية اتخاذ الإدارة الأمريكية إجراءات حاسمة لتهدئة التوتر ودفع الأطراف للتفاوض. وذلك بمقارنة المواقف المعلنة من قبل إدارة ترامب. فضلاً عن محاولة إدارة بايدن الحفاظ على التوازن في علاقتها مع مصر وإثيوبيا دون إبداء انحياز لأي طرف حتى الآن.
ولا يعول المتابعون لملف سد النهضة في مصر كثيراُ على مواقف حاسمة من واشنطن تجاه إثيوبيا خاصة مع تصاعد التوتر. وذلك مع شروع إثيوبيا في إجراءات الملء الثاني لبحيرة السد من دون اتفاق وفشل جميع المساعي الدبلوماسية لعودة التفاوض. ويظهر ذلك من خلال عدم التوافق على أجندة للحوار حيث ترفض أديس أبابا التوقيع على أي اتفاق قانوني ملزم بشأن ملئ وتشغيل السد قد يحرمها من استغلال مياه النيل في مشروعات مستقبلية.