جددت السلطات المصرية إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر اعتبارًا من الأحد. بينما قررت إحالة حوادث السكة الحديد والعاملين المتسببين فيها إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك لأول مرة في تاريخ القضاء. الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة نحوة إضعاف ثقل مصر السياسي أمام العالم. خاصة على مستوى ملف حقوق الإنسان.
قانون حالة الطوارئ
القرار يستند إلى القانون رقم 162 لسنة 1958 المعروف بقانون حالة الطوارئ. بحيث يكون لرئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام. ومن هذه التدابير على وجه الخصوص الأمر بمراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان ومصادرتها. وبشكل عام فإن هذا القانون يمنح السلطة التنفيذية نفوذًا متعاظمًا لمواجهة حالات الطوارئ.
وتنشأ على أثر الطوارئ محاكم أمن الدولة العليا. وتكون معنية بنظر عدد من القضايا وفقًا لقرار يصدره رئيس مجلس الوزراء. وفي حالة إلغاء فرض حالة الطوارئ تتوقف المحاكم تمامًا. كما لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة عن محاكم أمن الدولة. ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية.
وتنص المادة الثانية من القرار على أن تتولى القوات المسلحة والجهاز الشرطي اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد. إلى جانب حماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين. فيما تقر المادة الرابعة من القرار بمعاقبة كل من يخالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه بالسجن. كما يسمح القرار بتفعيل حالة الطوارئ لأجهزة الدولة بحظر التجمعات والتظاهرات، إذا ثبتت خطورة قد تمس الأمن الوطني أو تهدد استقرار الدولة بوجودها.
حالة الطوارئ.. كلاكيت 17 مرة
هذا هو التمديد السابع عشر منذ قرار إعلان حالة الطوارئ في عموم البلاد الصادر في أبريل عام 2017. وتنص اللائحة الداخلية لمجلس النواب على ضرورة موافقة ثلثي أعضاء المجلس على فرض أو تمديد حالة الطوارئ في غضون سبعة أيام من صدور القرار. وقد وافقت اللجنة العامة بالمجلس على القرار. وأعدت تقريرًا لعرضه على الجلسة العامة للمجلس صباح اليوم الثلاثاء.
وكان من المعتاد تمديد حالة الطوارئ منذ 2014. ولكن في بعض المناطق فقط مثل سيناء.
ويسمح الدستور المصري بفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وبتجديدها لمدة ثلاثة أشهر أخرى، لتصبح المدة الإجمالية ستة أشهر فقط. لكن عادة ما يترك فاصل زمني بعد كل مدة قد يكون يومًا واحدًا أو عدة أيام، قبل أن تعيد فرض حالة الطوارئ من جديد، في تحايل على الدستور.
العهود الدولية وحقوق الإنسان
تعد قوانين الطوارئ من الانظمة الاستثنائية المحددة في الزمان والمكان. تفرضها الحكومات لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءًا منها. ويكون ذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد.
وفي التشريعات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع نص يؤكد على ضرورة وأهمية تحديد الحالة في المكان والزمان، وتقيد بشروط حازمة، للحد من العسف التي قد تمارسه السلطات العرفية أو التنفيذية أو الإدارية، إزاء هذه الحالة. كما أن مخالفة هذه الشروط تضع الحكومة تحت طائلة البطلان وفقدان المشروعية والخضوع للمساءلة القانونية والمحاسبة القضائية. لأن حالة الطوارئ حالة استثنائية وتشكل خطرًا جديًا على حريات المواطنين وكرامتهم.
وتضمن المعاهدات الدولية في نصوصها عدم التعرض للتعذيب والمعاملة اللا إنسانية أو المشينة والعقوبة. إضافة إلى حقه بعدم التعرض للاسترقاق والرق. فضلاً عن عدم التعرض لحرية الفكر والدين وغيرها من الحقوق التي لا يمكن تعطيلها في حالة الطوارئ.
هل عجزت الحكومة عن إدارة البلاد بالقوانين الطبيعية؟
نهج قانون الطوارئ هذا كان السمة الأهم في حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. يقول المحامي الحقوقي مايكل رؤوف: “عشنا لأكثر من 27 عامًا تحت حكم استثنائي، وكما تقول النكتة من كان ملازم أصبح لواء، ولم يعلم من القانون سوى الطوارئ. والآن بعد الثورة وعلى مدار سنوات، تعجز الإدارة المصرية عن حكم البلاد بالقوانين الوضعية الطبيعية. رغم حالة الاستقرار النسبية”. متسائلاً: “مالحجة؟”.
اعتبر مايكل أن الاستمرار في إعلان الطوارئ يقلل من ثقل مصر السياسي أمام العالم. خاصة على مستوى ملف حقوق الإنسان، الذي تتعامل مصر فيه باستهتار واضح. مشيرًا إلى خسارة الثقل السياسي هذا تتضح في الموقف الدولي غير المساند لقضية سد النهضة على سبيل المثال.
ويرى الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني أنه لايمكن الاستمرار على نهج الطوارئ كآلية دائمة لحكم البلاد. وبما يتيح الاعتداء بشكل سافر على الحريات، ويفشي روح الاستبداد. أما مايكل رؤوف فيضيف بأن البلاد تحتاج إلى تشريعات طبيعية محددة المعاني وغير مخالفة للدساتير التي تنص في معظمها على حرية التعبير. فيما تمنع قوانين الطوارئ الاجتماعات والتظاهر ولو بشكل سلمي.
تحميل العمال فشل الحكومة في إدارة السكك الحديدية عبر الطوارئ
وعلى إثر إضافة العاملين المتسببين بحوادث السكة الحديد المتصاعدة خلال الفترة الأخيرة إلى قانون الطوارئ، قال الباحث الميرغني إن هذا القرار يحمل العاملين مسؤولية عقود من الفشل والفساد داخل إدارة السكك الحديدية نفسها. مضيفًا أنه في حين لايتساوى العمال “الغلابة” مع الوزراء والمحيطين بهم في المرتبات والمميزات، تحملهم الإدارة مسؤولية كافة الحوادث التي لايكون سببها على الأغلب العمال المباشرين مثل السائق أو العطشجي. وإنما فساد العقود والمرافق غير المطابقة للمواصفات.
منذ عامين صرح وزير النقل والمواصلات المصري كامل الوزير، إن الوزارة تستهدف الحصول على قروض خارجية تصل إلى 20.6 مليار دولار بحلول منتصف عام 2023. ذلك في إطار خطة تطوير مرفق السكك الحديد. وخلال العام 2020 -2021 حصلت مصر على تمويل قدره مليار دولار.
يضيف الميرغني إن مثل هذه القوانين غير الطبيعية (الطوارئ) تشعر العاملين بالتهديد الدائم، وغياب الاستقرار في بيئة العمل. حيث يبقى العامل مهددًا بالمحاكمة العسكرية، والإلقاء خلف القضبان، دون مراجعة. فيما طالب بالكشف عن الفساد الكبير الذي ينخر هيئة السكك الحديدية. مستطردًا: “يجب مراجعة إدارة العقود وحريقها الأخير، ففي فساد التعاقدات حل لكثير من المعضلات، بدلاً من التضحية بالعمال”.
وهو أيضًا ما يتفق معه مايكل رؤوف الذي يشدد على أن محاسبة المخطئ والمتسبب في حوادث السكة الحديدية أمر يجب أن يتم عبر القوانين الطبيعية. الممكنة التنقيح والتعديل بما يناسب الوضع الحالي. بدلاً من الاستمرار في حالة الاستثناء التي لم نعد نشعر معها كمواطنين بالأمان.
استمرار حالة الطوارئ تهديد لبيئة الاستثمار
في السياق ذاته، اعتبر رؤوف أن حالة الطوارئ هي في مجملها تحايلاً على الدستور الذي نص على تمديدها لمرة واحدة. مضيفًا أن الاستقرار الحقيقي يتطلب قوانين طبيعية تشعر المواطنين بالأمن، وتساهم في خلق بيئة استثمارية صحيحة.
وعلى وقع الاستثمار، يلفت الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني إلى أن إعلان حالة الطوارئ بمثابة اعتراف من الدولة للعالم بأن الأوضاع غير مستقرة داخل البلاد. وعلى هذا فهم غير مدعوين دائمًا لجلب أموالهم داخل البلاد.
واستدرك إلهامي: “لا يعرف الاستثمار ورأس المال العاقل طريقًا للبلاد غير المستقرة سياسيًا وأمنيًا”. مضيفًا: “استمرار الوضع الحالي يحجب الفرص عن مشروعات كثيرة، فلمصلحة من؟”.
وتابع إلهامي: “فرضت علينا حالة الطوارئ المفروضة منذ العام 2014، نوعية معينة من الاستثمارات الخارجية، متمثلة في الشركات العاملة في البترول، والغاز، والعقار، وهي نوعية الاستثمارات الاقتصادية التي تستطيع العمل تحت ضغوط القوانين غير الطبيعية لكن في الوقت نفسه هي استثمارات تأخذ وتستفيد من موارد الدول، بأكثر مما تمنح من فرص اقتصادية”.
ولقد كانت مصر من بين الدول التي طلبت المساعدة من صندوق النقد الدولي، في أعقاب جائحة كورونا خلال العام الماضي. وبحسب الخبراء تواجه البلد تباطؤًا اقتصاديًا واضحًا، إلى جانب تأثير الوباء على ميزان المدفوعات، وسط توقعات بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. وعادت معدلات البطالة إلى مستواها السابق قبل خمس سنوات لتصل إلى 12٪ تقريبًا بعد أن وصلت إلى 8٪ في عام 2019، كما خسرت مصر أغلب دخلها من السياحة.