ترك فيروس كورونا ندوبًا في كل مكان، لكنه يبقى أكثر خطورة في أماكن العمل. ذلك أن آثاره لا تكتفي بالأجساد التي تكافح لمقاومته لكنه يطال أيضًا مصادر الرزق محدثًا آلاما مضاعفة في البنيان الأسري.
اليوم يصادف الذكرى العالمية بالسلامة والصحة المهنية. منذ اعتمدت منظمة العمل الدولية في 2003 الثامن والعشرين من أبريل يومًا لإحياء ذكرى ضحايا الحوادث المهنية.
العدوى في أماكن العمل
تزامنًا مع هذه الذكرى ثمة قصص عديدة لضحايا جائحة كورونا في أماكن العمل. ومن بين هؤلاء “أحمد” الذي يتلقى حاليًا علاجه بعد إصابته بالفيروس، عندما انتقلت إليه العدوى داخل أحد مستشفيات العزل.
حاول أحمد أخد احتياطاته والتدابير الاحترازية على محمل الجدية، نظرا لمسؤوليته عن أسرة صغيرة. وفي ذلك يقول: “كنت واخد احتياطاتي وملتزم بالتعقيم ولكن إجهاد العمل ربما كان المدخل إني أصيب بفيروس كورونا”.
يركز اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل لهذا العام على التصدي للأمراض المعدية، لا سيما جائحة كورونا. يأتي ذلك إدراكًا للتحدي الكبير الذي تواجهه الحكومات، وأرباب العمل، والعمال، وكافة المجتمعات في أرجاء العالم في مكافحة جائحة كوفيد-19.
منظمة العمل الدولية قالت إن جائحة كورونا سلطت الضوء على مخاطر مكان العمل التي يواجهها الموظفون الذين يحتاجون إلى حماية أكبر بكثير للقيام بوظائفهم بأمان.
وفاة 7 آلاف عامل صحي منذ بداية الجائحة
ولفت تقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية، إلى أن 7 آلاف عامل صحي لقوا حتفهم منذ بداية الجائحة. في حين أن 136 مليونا من العاملين في مجال الرعاية الصحية والاجتماعية معرضون لخطر الإصابة بفيروس كورونا من خلال عملهم.
ويعود الاهتمام بالعمل وأهميته إلى عام 1919 عندما جرى تأسيس منظمة العمل الدولية، ونظمت اتفاقيات تهتم بالعمال وحقوقهم. وكان تخصيص يوم عالمي للصحة والسلامة في مكان العمل أحد أهم إنجازات المنظمة لتذكير العالم بأهمية الصحة في مكان العمل.
ويشير تقرير منظمة العمل الدولية الصادر بعنوان: “توقع الأزمات والاستعداد لها ومواجهتها: فلنستثمر الآن في أنظمة سلامة وصحة مهنية قادرة على مواجهة الأزمات”. ثم ينتقل التقرير للحديث عن ضغوط الصحة العقلية المرتبطة بالجائحة. فقد أبلغ واحد من كل خمسة من العاملين في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم عن أعراض اكتئاب وقلق.
وقال غاي رايدر، المدير العام للمنظمة العمل الدولية: “سيتطلب التعافي والوقاية سياسات وطنية أفضل وأطر مؤسسية وتنظيمية مدمجة بشكل صحيح في أطر الاستجابة للأزمات”.
مُفتشة السلامة الصحية في مرمى كورونا
وللحفاظ على تدابير السلامة الصحة في أماكن العمل، عملت رضا مفتشة التمريض. بدأت بأحد مستشفيات العزل لمتابعة أطقم التمريض والعمال للتأكد من اتباعهم الإجراءات الاحترازية وتدريبهم عليها مسبقا. لكنها تعود إلى منزلها وبداخلها شعور بالقلق على أسرتها ونفسها لانتقال العدوى لهم.
تقول رضا: “بعد أن انهيت عملي بأحد مستشفيات العزل بالصعيد، عدت مرة أخرى للقاهرة للعمل في أحد المستشفيات بالهرم والتي تستقبل أيضًا حالات كورونا. وأخشى في الوقت الحالي على والدتي لأني أعود يوميا إلى المنزل”.
إيجابيات وسلبيات العمل عن بعد
قطاعات الصحة والرعاية ليسا الوحيدين اللذين أثبتا أنهما مصدر لتفشي مرض كوفيد -19. إذ تأثر العديد من أماكن العمل، بالنظر إلى العمل في بيئات مغلقة أو قضاء وقت على مقربة من بعضهم البعض. بما في ذلك أماكن الإقامة المشتركة أو وسائل النقل.
وعلى الرغم من أن العمل عن بعد كان ضروريًا للحد من انتشار الفيروس. فقد طمس أيضًا الخطوط الفاصلة بين العمل والحياة الخاصة، مما زاد من الضغط النفسي على الناس.
وأفاد 65% من الشركات التي شملتها دراسة استقصائية أجرتها منظمة العمل الدولية والتي ركزت على السلامة المهنية، بأنه كان من الصعب الحفاظ على معنويات العمال أثناء العمل عن بعد.
وذكر التقرير أن الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر غالباً ما تجد صعوبة في تلبية المتطلبات الرسمية للسلامة في العمل. وذلك يرجع إلى أن الكثير منها يفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع التهديدات التي تشكلها الجائحة.
أما الاقتصاد غير الرسمي، فقد حذرت وكالة الأمم المتحدة المعنية بالعمل من الاستمرار في العمل رغم القيود المفروضة على الحركة. وتعتقد أن الكثيرين من بين 1.6 مليار عامل في العالم في هذا القطاع، خاصة في البلدان النامية، لم يستجيبوا للإغلاق.
وأدى ذلك إلى تعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس، ومعظمهم لا يحصلون على الحماية الاجتماعية الأساسية، مثل الإجازة المرضية أو الأجر المرضي.
يعزز اليوم العالمي السنوي للسلامة والصحة في مكان العمل الوقايةَ من الحوادث والأمراض المهنية على الصعيد العالمي. فهو حملة لزيادة الوعي الهدف منها تركيز الاهتمام الدولي على حجم المشكلة وكيفية خلق وتعزيز ثقافة الصحة والسلامة التي يمكن أن تساعد في الحد من عدد الوفيات، والإصابات المرتبطة بمكان العمل.
مخاطر كورونا.. العمال في الخطوط الأمامية
بينما يتأثر الجميع بجائحة COVID-19، يقف العمال في الخطوط الأمامية. هذا هو السبب في جعل شعار اليوم العالمي للعمال لعام 2020 “أوقفوا الوباء في العمل”. وهو أيضًا يوم 28 أبريل لدعم جميع العمال، وإحياءً لذكرى المتوفين، أو المعوقين، أو المصابين.
وفقًا لتقديرات جديدة لمنظمة العمل الدولية، يبدو أن عدد الحوادث والأمراض المرتبطة بالعمل، والتي تودي بحياة أكثر من مليوني شخص سنويًا، آخذ في الارتفاع بسبب التصنيع السريع في بعض البلدان النامية.
كما يشير تقييم جديد لحوادث وأمراض مكان العمل إلى أن خطر الإصابة بالأمراض المهنية أصبح إلى حد كبير أكثر انتشارا. إذ يمثل 1.7 مليون حالة وفاة سنوية مرتبطة بالعمل، ويتجاوز الحوادث المميتة بمقدار أربعة إلى واحد.
وأشارت منظمة العمل الدولية في أحدث تقديراتها إلى أن هناك حوالي 268 مليون حادث غير مميت في مكان العمل سنويا. إذ يتغيب الضحايا عن العمل لمدة ثلاثة أيام على الأقل، بالإضافة إلى 160 مليون حالة جديدة من الأمراض المرتبطة بالعمل.
وقالت منظمة العمل الدولية إن حوادث أماكن العمل والأمراض، مسؤولة عن فقدان حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وذلك سواء على هيئة تعويضات أو غياب عن العمل.
الأمراض الأكثر شيوعًا في أماكن العمل
تتمثل تلك الأمراض في السرطانات الناتجة عن التعرض لمواد خطرة، وأمراض الجهاز العضلي الهيكلي، وأمراض الجهاز التنفسي، وفقدان السمع. هذا بالإضافة إلى أمراض الدورة الدموية، والأمراض المُعدية الناجمة عن التعرض لمسببات الأمراض.
وفي البلدان الصناعية، مع انخفاض الوفيات الناجمة عن حوادث العمل، تتزايد الوفيات الناجمة عن الأمراض المهنية، لا سيما مرض الأسبستوس.
على الصعيد العالمي، الأسبستوس وحده مسؤول عن 100 ألف حالة وفاة مهنية سنويًا. وفي القطاع الزراعي الذي يوظف نصف القوى العاملة بالعالم، يتسبب استخدام مبيدات الآفات في 70 ألف حالة وفاة بالتسمم سنويا. هذا فضلا عن ما لا يقل عن سبعة ملايين حالة من الأمراض الحادة وطويلة الأجل غير المميتة، بحسب منظمة العمل.
قطاع البناء
وعن صناعة البناء، أفادت منظمة العمل الدولية بوقوع حوالي 60 ألف حادث عمل مميت سنويا بأنحاء العالم في هذا القطاع. كما أشارت إلى حدوث وفاة واحدة كل 10 دقائق، ويقع نحو 17% من حوادث أماكن العمل المميتة في هذا القطاع.
ويواجه عمال البناء أيضًا عددًا من المخاطر الصحية، بما في ذلك التعرض للغبار المحمّل بالأسبستوس والسيليكا والمواد الكيميائية الخطرة. وتماشيا مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتوصياتها وإرشاداتها يشير التقرير إلى الحاجة إلى تحسين التخطيط، والتنسيق فيما يتعلق بمعالجة قضايا السلامة، والصحة في مواقع البناء. فضلًا عن زيادة التركيز على الحد من اعتلال الصحة والأمراض المرتبطة بالعمل.
قرارات مصرية
وعلى الصعيد المصري، أصدرت وزارة القوى العاملة، قرارًا ينظم عمل النساء ليلاً، وحظر تشغيلهن في الأعمال التي تعرض حياتهن للخطر. فضلاً عن عمل المرأة أثناء فترة الحمل والرضاعة.
مثلت مواد هذا القرار انتصارا للمرأة، فقد حذر بغلق المنشات كليا أو جزئيًا أو إيقاف الآلات لحين زوال سبب الخطر. وذلك في حال عدم التزام المنشأة وفروعها باتخاذ الاحتياطات والاشتراطات المقررة لدرء الخاطر الناجمة عن العمل.
ونصت المادة الأولى من القرار رقم 43 لسنة 2021 على أنه: “لا يجوز تشغيل النساء في العمل تحت سطح الأرض في المناجم والمحاجر أيًا كان نوعها، وكافة الأعمال المتعلقة باستخراج المعادن والأحجار من باطن الأرض”.
كما نص القرار رقم 44 لسنة 2021، بشأن تشغيل النساء ليلا، بناءً على طلبهن- العمل أثناء فترات الليل في أي منشأة أيًا كان نوعها على أن تتخذ بشأنهن التدابير اللازمة لحماية صحتهن ومساعدتهن على أداء مسؤوليتهن العائلية وتلقي الرعاية الصحية لتجنب المشاكل الصحية المرتبطة بالعمل.