أحيا ملايين الأقباط اليوم ذكرى “الجمعة العظيمة” أو “جمعة الآلام” أو “جمعة الصلبوت” وفقًا للعقيدة المسيحية. هو يوم صلب ودفن فيه المسيح وهو يوم الجمعة الذي يسبق عيد القيامة المجيد، وتستمر الصلوات طوال اليوم دون توقف. كما يرتدي الشمامسة الزي الجنائزي مرددين الألحان الحزينة.
تسمى “الجمعة العظيمة” بعدة أسماء أخرى، منها “جمعة الآلام” أو “جمعة الصَّلَبُوتِ” هو يوم احتفال ديني بارز في المسيحية. كما أنه عطلة رسمية بمعظم دول العالم.
ويرجع الأساس الاحتفالي لهذه المناسبة إلى الأناجيل. واستنادًا إلى إنجيل يوحنا، فإن صلب يسوع تم على الأرجح يوم الجمعة. وفصلّت الأناجيل أخبار وتفاصيل القبض على السيد المسيح ومحاكمته وتعذيبه وصلبه ومن ثم موته ودفنه التي تستذكر في هذا اليوم.
تقاليد الجمعة العظيمة.. صوم وألحان حزينة
وتعتبر المناسبة يوم صوم إلزامي للمسيحيين. واللون التقليدي هو الأسود أو الأرجواني في التقليد السرياني والقبطي، أو الأحمر في التقليد اللاتيني الروماني.
وتبدأ في الكنيسة الكاثوليكية من منتصف ليل الخميس وحتى ظهر يوم الجمعة. أو حتى السادسة من مساء الجمعة كما في الكنيسة القبطية والبيزنطية، وتكون الوجبات اللاحقة نباتيّة وغير مطبوخة وغير محلاة.
وفي مصر تشتهر تلك المناسبة للأقباط بأكلتي (الفول النابت والطعمية). وفي سوريا ولبنان يعد طبق يدعى “الحر والمر” لمناسبة الجمعة العظيمة. وهو عبارة عن سلطة خضار يضاف إليها زيتون إضفاءً لنكهة من المرارة تيمنًا بالمسيح الذي ذاق المر على صليبه وفق رواية العهد الجديد.
في الكنيسة الكاثوليكية وعند انتصاف النهار يتم الاحتفال برتبة درب الصليب، وهي استذكار لأربعة عشرة مرحلة قضاها يسوع تبدأ من محاكمته وصولاً إلى دفنه، وتلحق في كل مرحلة تأملات وترانيم خاصة. رتبة درب الصليب تقام أيضًا في يوم الجمع خلال فترة الصوم إلزاميًا واختياريًا في أيام الجمعة خارج زمني الميلاد والقيامة.
عادات اجتماعية في الجمعة العظيمة
ترتبط الجمعة العظيمة بسلسلة عادات اجتماعية تختلف بين البلدان. ففي سوريا ولبنان ترتدي النساء ثيابًا سوداء كحِدادٍ، وتبثّ مكبرات الصوت ترانيم مثل “اليوم علّق على خشبة” و”أنا الأمّ الحزينة”.
وفي الفيليبين تغلق أغلب المحال التجارية، وتتوقف المبادلات التجارية والحفلات في هذا اليوم. في حين يقوم بعض الشبّان كما في دول أمريكا الجنوبية والدول الكاثوليكية تمثيلاً حيًا لدرب الآلام.
وفي إسبانيا تُقام مسيرات الجمعة العظيمة في كافة أنحاء المملكة، وأبرزها المسيرة التي تقام في مدينة إشبيلية. أما في القدس يتم الاحتفال بدرب الصليب بحسب مواقعه التقليدية في المدينة القديمة بدءًا من قلعة أنطونيا وحتى كنيسة القيامة.
وتعرض برامج تلفازية حول حياة وآلام يسوع في كافة دول العالم المسيحي، فضلًا عن ترانيم تتعلق بالمناسبة. في الدول ذات الثقافة البروتستانتية يؤكل كعك خاص في المناسبة. فضلًا عن إغلاق المحال التجاريّة خاصًة محال بيع الكحول ويتم إيقاف كافة البرامج الكوميديَّة في الإذاعة والتلفاز.
وكجزء ملحق من الصوم الكبير و”الأزمنة المحرمة” فلا يحلّ للمسيحين الزواج أو العماد خلال يوم الجمعة العظيمة. كما لا تجوز المظاهر الاحتفالية.
أحداث صلب المسيح وتعذيبه وفقا للإنجيل
ويحيي الأقباط ذكرى هذا اليوم بمنازلهم في ظل إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا الذي دفع الكنائس لإغلاق أبوابها منعًا للتجمعات. وطبقا للأناجيل، شهد اليوم الأخير في حياة المسيح تقديمه إلى المحاكمة التي استمرت نحو 18 ساعة على مرحلتين وأمام سلطتين. وخلال 6 جلسات مختلفة، إذ خضع لـ3 جلسات أمام محكمة دينية يهودية، و3 جلسات أخرى أمام محكمة سياسية رومانية. وحكم بجلد المسيح 39 جلدة وموته صلبا، وكان ذلك في عهد الحاكم الروماني بيلاطس البنطي.
وبحسب الأناجيل، خرج المسيح حاملاً صليبه من دار الولاية، وهي قلعة أنطونيا بالقدس إلى تل الجلجثة. ولم يستطع أن يكمل الطريق بسبب الآلام التي ذاقها نتيجة الجلد بالسوط الثلاثي، وما استتبع ذلك من إهانات وتعذيب من قِبل الجند الرومان، كوضع تاج من شوك على رأسه، فسخّر له سمعان القيرواني لمساعدته على حمل الصليب.
وفي الجلجثة، صُلب المسيح بحسب الاعتقاد المسيحي مع لصين، ورفض أنّ يشرب خلا ممزوجا بمر لتخفيف الآلام التي يعانيها. في حين وضعت فوقه لافتة تتّهمه بوصفه “ملك اليهود”، واستمرّ نزاع المسيح على الصليب 3 ساعات. وفصّلت الأناجيل أحداثها، كالحديث مع اللصين المصلوبين معه، وحواره مع أمه ويوحنا الإنجيلي، واستهزاء المارة به، واقتسام الجند لثيابه. وأخيرا موت المسيح، الذي تزامن مع حوادث خارقة في الطبيعة، إذ أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل.
وقبل بداية المساء من يوم الجمعة وهو بداية سبت اليهود، أنزل المسيح عن الصليب، بناءً على طلب يوسف الرامي. ودفن في قبر جديد في بستان الزيتون، وكان بعض النسوة اللاتي تبعنه حتى الصليب ينظرن موقع دفنه أيضا، ليكنّ فجر الأحد أولى المبشرات بقيامته، بحسب رواية العهد الجديد.
البابا تواضروس: الصليب معنى وروح وحياة
من جانبه، ترأس قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية صلوات الجمعة العظيمة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
وقال البابا في عظة القداس: “جاء المسيح لكي يحل مشكلة الخطية التي تطيح بالإنسان بعيدًا عن الله ولذلك الصليب في هذا اليوم هو الحل الوحيد. مؤكدًا أن “بولس الرسول قال كيف ننجو إن أهملنا خلاصا هذا مقداره”.
وأوضح البابا أن “الصليب أداة ومعنى وحياة فقد كان أداة للإعدام ويمثل عارًا حيث تنتهي به حياة المجرمين. ولكن المسيح حوّله من هذا العار إلى الفخر وصار الصليب هبة وعطية للإنسانية. ولذلك نقول في القداس (يعطى عنا خلاصا) وهي الهبة التي منحها المسيح لكل إنسان”.
وأضاف البابا: “الصليب يمثل معنى الانطلاق والحرية، فالإنسان البعيد عن الصليب مكبل بالخطايا التي تربطه وتعطله عن فهم معاني السماء. فالصليب الذي تصلون من أجله اليوم هو معنى الحرية والانطلاق من أسر الخطايا”.
ووصف البابا تواضروس الصليب بالحياة الذى يقيم الإنسان من القبر ويصنع له عرس فرح. وأضاف: “نصلي بالطقس الحزايني ونرتدي ملابس حزينة ولكن هذا الحزن أخذه المسيح على الصليب وحوله إلى عرس وفرح”.
أما في الكنيسة الأسقفية فترأس الدكتور منير حنا رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية اليوم صلوات خدمة الجمعة. وصلى بطقس يحتوى أربعة عشر مشهدًا لرحلة صلب المسيح. يتضمن المشهد الأول قراءات عن مشهد بستان جثسيمانى وصلاة، ثم المشهد الثانى قراءات عن خيانة يهوذا ولحظات تأمل صامتة مع كلمات ترنيمة خاصة من فريق الترانيم وصلاة.
أما المشهد الثالث به قراءات تحكي إدانة المجمع ليسوع وتأمل. ثم المشهد الرابع قراءات عن إنكار بطرس ليسوع وصلاة اعترافية. والمشهد الخامس قراءات حول محاكمة يسوع أمام بيلاطس إذ تستمر مشاهد رحلة الصليب حتى المشهد الرابع عشر وهو وضع يسوع فى القبر.
وأكد أن كل المشاهد تبدأ بالقول: “أيها المسيح نحن نسبحك ونباركك، ويرد الشعب: لأنك بصليبك المقدس قد فديت العالم. ويُختتم المشهد بترديد الشعب: قدوس الله، قدوس القوى، قدوس الحي الذي لا يموت، يارب ارحمنا”.