أثار تراجع الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو عن قرار تمديد ولايته لعامين، حالة من الارتياح مع الترقب الحذر لدى دول الجوار الصومالي ودول الخليج بشكل خاص التي تراقب المشهد السياسي عن كثب ترقبًا لتأثير تدهور الوضع السياسي والأمني في مقديشو على مصالحهم في القرن الأفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن.
التراجع الذي أجبر عليه فرماجو
ومن المنتظر أن يعلن فرماجو رسميًا من داخل البرلمان الصومالي، تراجعه عن قانون التمديد من أجل حماية الأوضاع داخل الأراضي الصومالية ومنع الانزلاق في أي انقاسمات وتحقيق التوازن في الأسس القانونية للانتخابات المزمع عقدها في سيبتمر المقبل حسب كلمة تلفزيونية للرئيس الصومالي مؤخرًا.
وجاء موقف فرماجو بالتراجع عن تمديد ولايته بعد أعمال عنف واحتجاجات متفرقة تطورت إلى مواجهات مسلحة بين الفصائل المؤيدة والمعارضة لتمديد ولاية الرئيس. بينما لم يحصل الرئيس على أي من الدعم الإقليمي ممثلاً في الاتحاد الأفريقي أو الدولي. فضلاً عن تصاعد الضغوط الداخلية بعد رفض ولايتي جلمدغ وهيرشبيلي الصومالية لتمديد ولاية الرئيس حقنا للدماء ودعوتهم لإجراء الانتخابات التوافقية.
رغم محاولات فرماجو طلب دعم الاتحاد الأفريقي إلا أن مفوضية الاتحاد نددت بقرار البرلمان الصومالي بتمديد ولاية الرئيس ووصفتها بالخطوة الأحادية. محذرة من تأثيراتها على السلام والاستقرار في الصومال. فيما أعرب مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي عن قلقه من التطورات السلبية الناجمة عن قرار التمديد. مؤكدًا دعمه لمحادثات بناءة للتيسير والوساطة بين الأطراف المتنازعة من خلال بعثة أفريقية للتأكد من تنفيذ اتفاق 17 سبتمبر 2020 والذي حظى بإجماع وتأييد الأطراف السياسية في الصومال. وبذلك تطبيق إجراء الانتخابات بشفافية في الوقت المناسب.
بينما لم تعلق جامعة الدول العربية رسميًا على تراجع الرئيس الصومالي. إلا أن مصادر دبلوماسية عربية أكدت ممارسة الجامعة لعدد من الضغوط على الرئيس الصومالي منذ فبراير الماضي وتحذيره من الإقدام على أي قرارات سياسية من شأنها زيادة التوتر والانزلاق في موجات جديدة من العنف.
ودعت الجامعة العربية القيادة السياسية في الصومال إلى الانخراط الفوري. وذلك في حوار شامل من أجل التوصل إلى اتفاق حول آلية إجراء الانتخابات. ونبذ أي دعوات لاستخدام العنف أو التلويح من أي من الأطراف المتنازعة.
الأهمية الجيوسياسية للصومال والتنافس الخليجي
رغم معاناه الصومال تاريخيًا من إرث طويل من النزاعات المسلحة والمجاعات المتكررة ومعاناة سكانه من الفقر. إلا أنه يكتسب أهمية جيوسياسية. خاصة وفقًا لموقعة الجغرافي على البحر الأحمر. ما جعله ساحة للتنافس الدولي والإقليمي وسوق للمساومات وتقاسم النفوذ. وهو ما كان أحد أسباب الهشاشة السياسية وتعدد الصراع والنزاع على الحكم وانتشار المعارضة المسلحة نتيجة تكرار الأزمات الاقتصادية.
وتزداد الأهمية الجيوسياسية للصومال لدى دول الخليج العربي. خاصة مع ارتباط المصالح الأمنية والاقتصادية للخليج العربي بمنطقة باب المندب والبحر الأحمر، والتي تعتبر الممرات البحرية الرئيسية التي تؤمن تصدير 70% من النفط العربي إلى أوروبا وأمريكا. وبذلك تعتبر دولاً مثل السعودية والإمارات منطقة الصومال وشرق أفريقيا امتداد للأمن القومي العربي والخليجي.
وتحظى الامارات والسعودية بالأسبقية في التواجد في منطقة القرن الأفريقي. ليس فقط في إطار العلاقات الاقتصادية والسياسية. بل تعزيز التواجد العسكري في إطار فرض الهيمنة وحماية وتأمين المصالح. وهو ما يظهر في استئثار شركة موانئ دبي العالمية بالتفويض الكامل لإدارة العديد من الممرات البحرية عبر المواني والقواعد العسكرية.
تشارك قطر أيضًا إلى جانب من النفوذ الخليجي في القرن الأفريقي بشكل عام والصومال بشكل خاص. إذ بدأت قطر في تبني عدد من المبادرات الدبلوماسية بالتوازي مع جهود لمنظمات الإغاثة وتقديم المساعدات الإنسانية ودعم التواصل مع مختلف الفصائل الصومالية. بخاصة مع تنامي نشاط الفصائل الإسلامية وتكوين اتحاد المحاكم الإسلامية وترسخ نفوذها في الشارع الصومالي. إلا أن مقاومة التيارات السياسية في المنطقة العربية والقرن الأفريقي منذ ثورات الربيع العربي. فضلاً عن الأزمة الدبلوماسية الخليجية مع قطر كان تحدي كبير أمام استمرار التحالفات القطرية مع دول القرن الأفريقي. وهو ما يمكن رصده في تحول مواقف صناع القرار الأفارقة من قطر في السنوات الأخيرة. إلا أن الموقف الحيادي للصومال من المقاطعة الخليجية لقطر كشف عن استمرار قوة الوجود والتأثير القطري على القرار السياسي للصومال.
الإمارات والسعودية ونهاية ولاية فرماجو
مُنذ اندلاع موجه الاحتجاجات المناوئة لاستمرار الرئيس فرماجو في الحكم في فبراير من العام الجاري بدأت السعودية والإمارات بشكل خاص حملة إعلامية موجهة لممارسة الضغوط ضد تمديد ولاية الرئيس الصومالي. فضلاً عن إطلاق بيانات للشجب والإدانة لممارسات النظام الصومالي والقلق من تدهور الأوضاع نتيجة استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المدنين، حيث دعت وزارة الخارجية الإماراتية الحكومة الصومالية المؤقتة بضبط النفس.
ومنذ نهاية ولاية فرماجو رسميًا في فبراير الماضي نشرت وسائل إعلام إماراتية حملات إعلامية ضد سياسات فرماجو واتمهته بمحاولة السيطرة إلى السلطة وإفشال الوساطات الإقليمية والدولية لإنجاح الحوار الوطني. فيما يرى مراقبون أن دولاً مثل الإمارات ساهمت بقوة في ممارسة ضغوط على الرئيس الصومالي من أجل التراجع عن القانون الذي يسمح له بتمديد ولايته.
مع تولي فرماجو قبل 4 سنوات كان له عدد من المواقف لتقويض تأثير قوى دولية وإقليمية في الصومال. حيث قام بطرد المبعوث الأممي في 2019 بسبب انتقاده لأحداث عنف كانت قد وقعت في جنوب غرب الصومال. وذلك إثر نجاح أحد الساسة الموالين للرئيس الصومالي في انتخابات محلية.
على عكس سياسة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود الذي اتسمت بالتوازن في العلاقات مع المحيط الإقليمي في ظل تصاعد النفوذ الإماراتي في المنطقة، واحتواء المعارضة والفصائل المختلفة لتجنيب الصومال الانقسامات الناجمة عن دعم قوى خارجية لأطراف دون غيرها وما ينجم عنه من تعزيز التوتر والصراعات. إلا أن فرماجو واجه السياسات الإماراتية في بلاده ودخل في مواجهات مباشرة بعد تصاعد التداخل والنفوذ الإماراتي في دعم وتدريب عناصر من الجيش الصومالي وتقوية العلاقات مع الإقاليم الفيدرالية الصومالية دون إشراك الحكومة المركزية في مقدشيو.
النفوذ الإماراتي
كان لزيادة النفوذ الإماراتي في صوماليلاند التي تتمتع بحكم ذاني وتتطالب بالانفصال دون اعتراف الحكومة المركزية في مقديشو، دور كبير في تعزيز الخلافات والتوتر بين الإمارات وإدارة فرماجو التي ظلت تسعى لتحقيق حلم الصومال الكبير. وهو ما عزز المواجهات المباشرة وغير المباشرة بين أبو ظبي ومقديشو والتي ظهرت واضحة في الموقف المحايد الذي اتخذته الصومال في الأزمة الخليجية ومقاطعة قطر.
وتمثلت المواجهة المباشرة بين الرئيس فرماجو والإمارات بعد توقيع اتفاقية ميناء بربرة بين شركة دبي للموانئ العالمية وإقليم صوماليلاند وإثيوبيا، والتي اعتبرها الصومال انتهاكًا لسيادته باعتبار عدم اعترافة بانفصال أو استقلال اقليم صوماليلاند. حيث توجه الصومال بشكوى ضد الامارات في جامعة الدول العربية في 2018. متهمًا الإمارات رسميًا بـ”لعب دور تخريبي في المنطقة”. فضلاً عن إطلاق شكاوى للدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وطالبتهم بالتدخل من أجل وقف الدور التخريبي للامارات في الصومال متهمه إياها بدفع رشاوي لتخريب الخريطة السياسية والعبث في الديمقراطية.
رغم الخلاف السياسي بين الإمارات وفرماجو إلى أن أبو ظبي لم تغب عن المشهد الصومالي. حيث نفذت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برنامج إغاثي لإمداد الصومال بمئات الأطنان من المؤن الغذائية والاحتياجات الانسانية والطبية خلال شهر رمضان وجهت معظمها للأقاليم الفيدرالية.
وفيما عدا بعض المساعدات الإنسانية المحدودة التي قدمتها الإمارات للصومال خلال العاميين الماضيين. باتت العلاقات الدبلوماسية والسياسية في توتر دائم. بينما تراهن أبو ظبي بقوة لاستعادة تواجدها. خاصة بعد تغير الرئيس فرماجو الذي كان سببًا في تعطيل تواجدها ومشروعاتها في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام.
تحديات سياسية وأمنية
إضافة إلى الخلافات حول إجراء الانتخابات بعد تراجع فرماجو عن تمديد ولايته وتوقعات بتصاعد وتيرة الخلافات السياسية بين الفصائل الصومالية المتنازعة، فإن انتهار بعثة الاتحاد الأفريقي أميصوم رسميًا في نهاية العام الجاري سيكون تحد أمني بالغ الخطورة أمام الصومال. وهو بلد لم يعد مستعدًا لتحمل التبعات الأمنية لانسحاب البعثة الأفريقية الأمنية. خاصة مع استمرار التوتر في الجوار الإثيوبي في إقليم تيجراي.
ووفق مراقبون فإنه من المتوقع أن تلعب القوى الفاعلة في الخليج بخاصة الإمارات دور أكبر في التنسيق مع حلفاءها في المشهد السياسي في الصومال. ذلك من أجل ضمان الدعم بمرشح قوى يحمى المصالح الإماراتية داخل السودان. بعد أزاحة فرماجو الذي ظل عقبة في طريق توسع النفوذ الإماراتي في الصومال.