يواجه العمال على مستوى العالم صراعًا مع الرقمنة التي تزحف على وظائفهم باستمرار. وهي تدفع بتقليص التعامل البشري مع عناصر الإنتاج، لصالح الآلة والميكنة، الأسرع إنتاجًا. خاصةً بعد جائحة كورونا التي دفعت بتقليص أعداد العمالة والموظفين في بعض الإدارات الوظيفية والإنتاجية.
عززت جائحة كورونا من استبدال البشر بالآلات. ووصل الأمر إلى الاعتمادات على الروبوت بديلاً عن أطقم الكوادر الطبية في التعامل مع المصابين. ذلك لغرض تقليص معدلات انتشار العدوى. كما منحت سياسات التناول بين الموظفين تفكيرًا لدى الإدارات بالتخلص من البعض. طالما أن سير العمل لا يتأثر كثيرًا.
يحمل صراع البشر مع التقنية تاريخًا ليس بالحديث. لكن ما استجد هو تسارع وتيرة الرقمنة بصور غير متوقعة. وذلك وصولاً إلى البنوك والعملات الافتراضية والروبوت مذيع النشرات الإخبارية. ما يدفع في النهاية لتقليص عدد العمالة باستمرار لصالح التقنية.
قبل أشهر، أصدرت وزارة شؤون البلدية في الكويت قرارًا بالاعتماد على نظام ميكنة العمل في مختلف القطاعات. ما يساعد في الاستغناء عن عدد كبير من العمالة الوافدة التي تقدر في البلاد بنحو 3 ملايين عامل. في وقت يدور فيه الجدل المحلي عن تحمل نفقات علاج الوافدين من كورونا.
العمالة الزراعية والصناعية والخدمية
يمتد الأمر لأقدم القطاعات إنتاجية. إذ أن استخدام الآلات في الزراعة نتج عنه استغناءً عن قسم كبير من العمالة الزراعية. خاصة العمالة اليومية المسؤولة عن الحصاد. وهو أمر تسبب في تقليص وجود هذا النوع من العمالة وهجرتها بحثًا عن فرص في قطاعات أخرى.
ويشير النظر إلى التحولات في التركيبة القطاعية للعمالة إلى أن وظائف قطاع الخدمات هي المحرك الرئيسي لنمو العمالة في المستقبل. فيما تواصل العمالة في قطاعي الزراعة والصناعة الانخفاض. وهي الفئات غير نظامية تفتقر للإمكانات التي تساعدها في العثور على فرص العمل.
قبل أشهر، أصدرت وزارة شؤون البلدية في الكويت قرارًا بالاعتماد على نظام ميكنة العمل في مختلف القطاعات. ما يساعد في الاستغناء عن عدد كبير من العمالة الوافدة التي تقدر في البلاد بنحو 3 ملايين عامل. في وقت يدور فيه الجدل المحلي عن تحمل نفقات علاج الوافدين من كورونا.
ويعيش نحو 35 مليون عامل أجنبيّ في دول الخليجي، بات مصيرهم على المحك مع خطري الميكنة والتوطين في الوقت ذاته. مع سيادة موجة من حدّة الخطاب المُعادي للعمالة الوافدة وتحميلها انتشار الفيروس بسبب الأوضاع القاسية التي يعيشونها واضطرار عدد كبير منهم للعيش في أماكن مشتركة لتقليل النفقات.
عمالة اعتيادية ستختفي في غضون 10 سنوات
كشفت دراسة استقصائية لهيئة الموارد البشرية الحكومية في الإمارات، اختفاء 65% من الوظائف الاعتيادية الحالية خلال 10 سنوات. ذلك نتيجة لتغييرات جذرية تحدثها الثورة الصناعية الرابعة. واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في سوق العمل.
تقول الدراسة، التي حملت عنوان “مستقبل الموارد البشرية.. المتغيّرات والتوجهات”، إن تقنية الروبوتات والتعلّم الآلي والمنصّات الذكية ستغيّر سوق العمل. كما أن عدد الوظائف التي سيخلقها الذكاء الاصطناعـي ستكون أقل من تلك التي سيتسبب في اندثارها. ما يتطلب إعداد القوى العاملة للتعامل مع التقنيات المرتبطة به وهو أمر شديد الصعوبة.
وتتوقع الدراسة ازدياد اعتماد مؤسسات وجهات العمل على العمالة العارضة والعاملين المؤقتين والعاملين بالتعاقد الحر بنسبة تتراوح بين 6 و10% خلال السنوات الثلاث المقبلة. مرجّحة أن تشهد المؤسسات، التي ستعتمد على هذه الأنواع من العمالة، زيادة في نمو الإيرادات. ما يتطلب منح الأولوية لتحسين مهارات القوى العاملة في الوظائف الاعتيادية.
وتنتهي الدراسة إلى أهمية أن تتخذ المؤسسات نهجًا يركز على السيناريوهات المستقبلية. لتحديد تشكيل القوى العاملة المطلوبة في غضون من خمس إلى ثماني سنوات. كما تخلص إلى ضرورة وضع تصورات لكيفية عمل البشر والآلات معًا ضمن منظومة متكاملة. لدفع قيمة الأعمال والقوى العاملة ذات الكفاءة العالية. مؤكدةً أن تأثير الثورة الصناعية الرابعة يجبر المؤسسات على تشكيل قواها العاملة، بحيث تضم جميع أنواع العمالة، بما في ذلك “الدائمة والمؤقتة” والتعاقد الحر، وأفراد العمالة العارضة، إضافة إلى الآلات والروبوتات.
توسع مستمر
في دراسة لمعهد بروكنجز حول تأثير التكنولوجيا الجديدة على العمالة والسياسة العامة، تبين أن استخدام “الروبوت” آخذ في التزايد والتوسع في دول العالم المتقدم؛ ففي عام 2013، كان نحو 1,2 مليون “روبوت” قيد الاستخدام، وارتفع هذا العدد إلى حوالي 1,5 مليون عام 2014.
وتؤكد الدراسة أن الروبوتات والوكلاء الرقميون قادرة على إزاحة أعداد كبيرة من العمال ذوي الياقات الزرقاء والموظفين على حد سواء – حيث أعرب الكثيرون عن قلقهم من أن هذا سيؤدي إلى زيادات هائلة في عدم المساواة في الدخل جماهير الأشخاص العاطلين عن العمل فعليًا ، والانهيارات في النظام الاجتماعي .
وتردد صدى هذه المخاوف من خلال التحليلات التفصيلية التي أظهرت تأثير الأتمتة (مصطلح مستحدث يطلق على كل شيء يعمل ذاتيًا بدون تدخل بشري) في أي مكان من 14 إلى 54% على الوظائف، وتؤكد أن 54٪ من وظائف الاتحاد الأوروبي مُعرضة لخطر الحوسبة، بينما كشف تحليل معهد ماكينزي العالمي أنه يمكن أتمتة 45٪ من الأنشطة المدفوعة باستخدام” التقنيات المثبتة حاليًا، وأن 30% من” أنشطة العمل “يمكن أتمتتها بحلول عام 2030 ما يؤثر على 375 مليون عامل في جميع أنحاء العالم.
إضافة روبوت واحد لكل ألف عامل قلل نسبة العمالة بمقدار 0.2% مع حدوث تفاوت في الأثر وفقًا للمنطقة.
ووفقًا لدراسة لمعهد “ماساشوستس” عن الفترة من 1990 حتى 2007، أن إضافة روبوت واحد لكل ألف عامل، قلل نسبة العمالة بمقدار 0.2% مع حدوث تفاوت في الأثر وفقًا للمنطقة؛ أي أن كل روبوت إضافي أصبح بديلًا لنحو 3.3 عمال وسطيًا وخفض الأجور بنسبة 0.4%، وباتت أربع صناعات تحويلية تعتمد على توظيف الروبوتات في الولايات المتحدة؛ التي وصلت في صناعة السيارات إلى 38% والإلكترونيات 15% والصناعات البلاستيكية والكيميائية 10%، والصناعات المعدنية 7%.
وظائف مهددة
تقول دراسة لمنظمة العمل الدولية إن نحو 9% من الوظائف في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي معرضة لخطر الأتمتة المرتفع. وهي نسـبة تتـراوح من 12 في المائة في النمسا وألمانيا وإسبانيا إلى نحو 6% أو أقل في فنلندا وأستونيا.
ووفقًا لدراسة نشرتها منظمة العمل الدولية فإن الأتمتـة المحتملة للحرف أي السهولة التقنية تدفع بنحو 47% من الحرف فـي خانـة الخطر المرتفع خلال عقد أو عقدين مقبلين في أمريكا وألمانيـا وفرنسا، وتصل إلى 35% فـي المملكة المتحدة، وفي بلدان رابطـة أمم جنوب شرق آسيا تشير إلى تقديرات أعلى بكثير، إذ تواجه ثلاث وظائف من أصل خمسة خطر عــال من الأتمتة.
على الصعيد المحلي، تزايدت وتيرة الحديث عن ضرورة التطوير التكنولوجي في حديث الحكومة خلال عيد العمال الحالي من أن التغيرات المتسارعة في أساليب العمل وآليات الإنتاج تدفعها إلى المنافسة والمشاركة من خلال التدريب المستمر، لرفع القدرات والاطلاع على تجارب الأمم الأخرى، ومن يريد أن يجد له المكان المناسب في العصر الحديث ينبغي أن يتحلى بأعلى درجات الإتقان والتفاني في عمله ما يتطلب باجتهاد الجميع لاستيعاب ثورة المعلومات والطفرة الهائلة التي يشهدها العالم في الابتكارات وتطبيقات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والميكنة.
ويذكر التقرير الصادر عن القمة العالمية للحكومات بشأن مستقبل الوظائف فى الشرق الأوسط والسيناريوهات المستقبلية لتطور الوظائف وأتمتة القوى العاملة فى المنطقة، والذي شمل تحليلاً لــ6 دول فى منطقة الشرق الأوسط هى: الإمارات والبحرين ومصر والكويت وسلطنة عُمان والسعودية، إمكانية تطبيق نظام الأتمتة فى 48% من الأنشطة القائمة فى سوق العمل المصرية.
وترتبط تلك الأنشطة بـ11.9 مليون وظيفة بدوام كامل، يبلغ متوسط احتمال أتمتة وظائف القوى العاملة الحاصلة على تعليم ثانوي أو تتمتع ببعض الخبرة المهنية 55%، فى حين يبلغ متوسط احتمال أتمتة وظائف الحاصلين على مؤهل أدنى من التعليم الثانوي 50%، وتمثل هاتان الفئتان 57% من القوة العاملة فى مصر، ويقل الأثر بالنسبة للموظفين الحاصلين على شهادة بكالوريوس أو دراسات عليا إلى 22% تقريبًا.