عاد دير السلطان القبطي بالقدس إلى دائرة اهتمام الشارع القبطي مرة أخرى، بعدما اشتبك عدد من الحجاج الإثيوبيين مع الرهبان المصريين خلال زيارتهم القدس في رحلة التقديس السنوية قبيل عيد القيامة، بعدما حاول أحدهم نصب خيام أمام الدير المصري ورفع علم إثيوبيا عليه الأمر الذى دفع الأنبا انطونيوس مطران القدس والكرسى الأورشليمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية للاعتصام امام الدير، في وجود قوات أمنية إسرائيلية، حسبما كشف مصدر مقدسي.
وذكرت الكنيسة القبطية الرسمية أن الإثيوبيين اعتدوا على الأب انطونيوس الأورشليمي عند محاولته إنزال العلم وقاموا بشتمه و التهجم عليه.
على إثره، دعت السلطات المصرية للتدخل فورا لـإنقاذ الدير المصري من احتلال الأحباش وطمس الهوية المصرية”، مؤكدة أن القضية مصرية سياسية وليست قضية قبطية.
تعود أزمة دير السلطان إلى عصر البابا كيرلس السادس حين استولى عدد من الرهبان الإثيوبيين على الدير المصري بالقدس الذى أهداه صلاح الدين الأيوبي للكنيسة المصرية، ورغم صدور قرارات من المحكمة العليا الإسرائيلية تقضي بأحقية مصر في الدير الأثري إلا ان إثيوبيا تتعنت في تسليمه للكنيسة المصرية التي سلكت كل السبل القانونية والسياسية ولكن دون جدوى حتى أن الدير الأثري قد احتل جانبا من محادثات شكري نتنياهو التي عقدت بين الخارجية المصرية والحكومة الإسرائيلية عام 2016.
تاريخ دير السلطان
يعود دير السلطان إلى عصر صلاح الدين الإيوبى، حيث أهدى هذا الدير للأقباط المصريين تقديرًا لنضالهم معه ضد الاستعمار، وسمى الدير باسم السلطان نسبة إلى صلاح الدين، وعمل الدير على استضافة الرهبان الأحباش بعدما طردتهم الحكومة المحلية فى القدس من أديرتهم وكنائسهم منذ ثلاثة قرون لعجزهم عن دفع الضرائب المُقررة عليهم، فاستضافهم القبط حِرصًا على عقيدتهم، وتوفير السبيل لهم للبقاء فى القدس على أساس أنهم ضمن أولاد الكنيسة القبطية، وخلال القرون الثلاثة حاول الأحباش الاستيلاء على الدير وإخراج الأقباط منه، وكانت محكمة القدس الشرعية تُعيد الحق إلى أصحابه فى كل مرة.
محطات بارزة في أزمة دير السلطان القبطي
في أكتوبر من العام 2018، تسبب سقوط حجر من أعلى الدير في توتر جديد بين الكنيسة القبطية والقوات الإسرائيلية، إذ قدم الأنبا انطونيوس طلبا للبلدية لكي يتم السماح له بترميم الدير ، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي رفضت وأعلنت أنها ستتولى عملية الترميم، فما كان من المطران إلا أن نظم وقفة احتجاجية مع الرهبان المصريين هناك ضد ما وصفه بتثبيت أقدام الإثيوبيين في دير تملكه الكنيسة المصرية”. بعدها عملت قوات الاحتلال الإسرائيلى على استخدام القوة لفض الوقفة وألقت القبض على راهب قبطى تدخلت السفارة المصرية للإفراج عنها، وفقا لما صرح به الأنبا انطونيوس.
دير السلطان القبطى تاريخ من النزاع المصرى الإثيوبى
وأوضح الانبا أنطونيوس أن الكنيسة القبطية تمتلك 23 وثيقة تثبت ملكية دير السطان منذ عام 1680 عاماً، معلقاً: «نحن ندافع عن حقنا ولن نترك المكان أبدا» مضيفا: دير السلطان يدار من قبل الكنيسة الإثيوبية، على الرغم من قرار المحكمة العليا الإسرائيلية منذ عام 1972 بعودة ملكية الكنيسة بالكامل للكنيسة القبطية بما لديها من وثائق ملكية منذ القرن السادس عشر تثبت ملكيتها للمكان. – وفى عام 1971 وقفت الحكومة الإسرائيلية إلى جانب الكنيسة الإثيوبية وسلمتها مفاتيح الدير بما يخالف الوثائق والتاريخ وحكم المحكمة.
أبعاد سياسية وقضائية في ملف الدير الأزمة
ملف “دير السلطان” له بعدين الأول قضائى والثانى سياسى، سارت الكنيسة فى طريق الملف القضائى حتى نهايته وحصلت على حكم نهائى لم يتم تنفيذه، أما الملف السياسى فيتجاوز صلاحيات الكنيسة كمؤسسة دينية، لا يحق لها الاتصال بدولة أجنبية بعيدا عن القنوات الشرعية للدولة المصرية وأهمها وزارة الخارجية.
العلاقات المصرية الإثيوبية المتوترة بسبب أزمة حوض النيل، قد تعجل بفتح ملف دير السلطان مرة أخرى أو أنها قد تؤدي به إلى الظل في زخم تصاعد أزمة النيل.
غير أن الموقف الإسرائيلي المتعنت تجاه الكنيسة المصرية لا يستند إلى أية معطيات سياسية بقدر الانحياز العاطفي الإسرائيلي نحو إثيوبيا من عشرات السنين مقابل العداء العربي حتى وإن غلفته اتفاقات سلام.