لا تزال كقبور متناثرة في الصحراء المصرية شرقًا وغربًا، تحصد الألغام المنتشرة بمنطقة الساحل الشمالي وسيناء أرواح المواطنين المسالمين منذ ما يقارب الثمانين عامًا. وفي عام 2005 أعلنت الأمم المتحدة الرابع من أبريل يومًا دوليًا للتوعية بالألغام والمساعدة في الأعمال المتعلقة بمكافحته.
منطقة الألغام على الساحل الشمالي لمصر مدينة العلمين (90 كم غرب الإسكندرية)، ترجع إلى أكتوبر 1942. وهو تاريخ معركة العلمين الثانية خلال الحرب العالمية الثانية، بين قوات الحلفاء بقيادة الماريشال البريطاني برنارد مونتغومري، وقوات المحور بقيادة إيرفين روميل.
وتعد العلمين الثانية أحد المعارك الحاسمة في هزيمة هتلر وحلفائه من دول المحور. ولكن منذ هذا التاريخ فإن قرابة 2680 كيلومتراً مربعاً من أراضي الساحل الشمالي الغربي لمصر لا تزال ملغمة.
وتتمركز وحدة متخصصة من سلاح المهندسين التابع للجيش المصري بالقرب من العلمين. وتقوم بعمليات مسح لكشف الألغام إلى جانب المساعدات الدولية التي قُدمت لنزع الألغام في المنطقة. ومع ذلك لا زال الأمر يشكل خطرًا على السكان وعائقًا أمام التنمية.
الأبرياء يدفعون ثمن التقصير
ومؤخرًا انفجر لغم من مخلفات الحرب، أسفر عن إصابة طفل خلال رعيه الإبل مع والده جنوب مدينة مرسي مطروح. وتسبب الحادث في بتر يده اليمني، وإصابة وجهه بإصابات مختلفة.
وكان عبدالله عمر عبدالعال رئيس جمعية الناجين من الألغام بمطروح قال إن الألغام لازالت تحصد أرواح الأبرياء وتصيبهم بالعجز. ولفت إلى أن الطفل المصاب يخضع للعلاج حاليًا في المستشفي، حتى تماثله للشفاء التام.
توقف أنشطة التوعية بمخاطر الألغام
اللافت أن عبدالعال أكد إغلاق الدولة لمكتب الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي التابع لوزارة التعاون الدولي بمطروح. كما توقف برامج التوعية بمخاطر الألغام والتي كانت تجرى على مستوى مطروح في المدارس والقرى والنجوع والوحدات الصحية.
وأشار إلى زيادة معدلات الإصابة خاصة بين الأطفال في قرى مطروح، الأمر الذي يشكل خطورة على أرواح المواطنين، الذين يسكنون هذه المناطق خلال توجههم للمدارس أو ممارسة أنشطتهم الزراعية أو رعي الأغنام والإبل.
إحصائيات وخسائر باهظة
بحسب الهيئة العامة للاستعلامات، خلفت الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين وحتى حدود مصر الغربية حوالي 17.5 مليون لغم. وتحتل هذه الألغام مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة. كما خلفت الحروب المصرية الإسرائيلية ما قرب من 5.5 مليون لغم فى سيناء و الصحراء الشرقية .
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود حوالي 21.800 مليون لغم بعدما كان 23 مليون لغم في الصحراء المصرية. ومنذ عام 1995 أزالت مصر ما يقرب من 1.200 مليون لغم فقط.
وتعوق الألغام بمنطقة سيناء مشروعات التنمية السياحية بشواطئ البحر الأحمر وسيناء، نتيجة ارتفاع تكلفة المشاريع بتلك المناطق. وذلك نظرًا لارتفاع تكاليف تطهيرها من الألغام.
كما تؤدي الألغام لإعاقة عمليات التنمية الصناعية وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة. فضلاً عن عمليات التنمية الزراعية في بعض مناطق سهل الطينية وبالوظة وشمال سيناء إلى جانب صعوبة التنقيب عن النفط.
وفي الصحراء الغربية ومنطقة العلمين تعوق الألغام استصلاح وزراعة مساحات شاسعة من الأراضى رغم توافر المياه اللازمة. إضافة إلى تعطيل إقامة مشروعات التنمية في الساحل الشمالي وبعض مناطق مرسى مطروح .
وزارة التعاون الدولي تؤكد أن المناطق التي لا تزال تحتوي على ألغام تتركز بدرجة كبيرة في مدينة العلمين وإلى الجنوب منها. وذلك يجعل بعض المناطق غير صالحة لأي مشاريع تنموية.
تكلفة إزالة الألغام
بحسب الخبراء، فإن تكلفة إزالة الألغام تبلغ أضعاف تكلفة زراعتها، ومع عدم وجود خرائط محددة تزداد صعوبة نزع الألغام. وتتخوف الدول المتورطة من الإعلان عن مسؤوليتها عن زرع الألغام؛ خوفاً من مطالبتها بتعويضات.
ويُكلِّف زرع اللغم 33 دولارًا تتكلف إزالته من 300 إلى 1000 دولار. كما تشير تقارير دولية إلى أن أكبر تحدٍ أمام جهود إزالة الألغام هو تكلفتها العالية، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على اقتصادات الدول التي تنتشر بها. وبحسب الأرقام، فإن 78% من ضحايا الألغام حول العالم من المدنيين، وهو ما يستوجب تعزيز الجهود الدولية لإزالتها .
ورغم استمرار نزع الألغام حول العالم، تشير التقديرات إلى أنه مقابل إزالة 100 ألف لغم سنوياً يزرع حوالي مليوني لغم. ويفترض أنه في حال بقيت جهود إزالة الألغام على حالها ولم تُزرع ألغام جديدة سيستغرق التخلص من جميع الألغام الأرضية النشطة في العالم 1100 عام، وذلك وفقاً لتقرير نشره موقع Minesweepers المتخصص عام 2013.
جهود أممية نحو عالم خالٍ من الألغام
وفي اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش: “في يومنا هذا الذي يوافق اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام، نتأمل في ما حققناه في سبيل التوعية بالأخطار التي تشكلها الألغام الأرضية. ونلتزم مجددا بغايتنا المنشودة في هذا السياق وهي الوصول إلى عالم خالٍ من الألغام.”
في العام الماضي، واصلت جهات أممية جهود المسح والإزالة والتدريب للقضاء على خطر الألغام الأرضية والذخائر المنفجرة.
كما تقدمت الأمم المتحدة للتخفيف من خطر الأجهزة اليدوية المنفجرة، وعززت من الشراكات القائمة وبذلت جهودا في إقامة شراكات جديدة.
وعام 2021، تشير الأمم المتحدة إلى تواصل العمل في ظل تحديات كوفيد -19، لتنمية قدرات الشركاء الوطنيين،.كما تواصل الجهات المعنية بالأعمال المتعلقة بالألغام جهودا في التكيف مع التغييرات.