في منتصف أبريل الماضي، أفرجت السلطات المصرية عن الصحفية سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد والصحفي خالد داوود. وقبلها أُفرج عن آخرين منهم: أستاذ العلوم السياسية حازم حسني، والباحث والصحفي هشام جعفر، وعدد كبير من الشباب.
هل تكفي هذه الإفراجات لتغيير أوضاع حقوق الإنسان؟
كانت هذه الإفراجات مشجعة على الذهاب بعيدًا في ملف حقوق الإنسان، وبدت أمام جملة من المطالب الأخرى بداية مبشرة. تزامنت معها ولحقت بها خطوات وُصفت بالإيجابية لفتح حوارٍ جاد مع الحكومة،
في هذه الأثناء تعكف الحكومة على إعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، اتصالاً مع المراجعة الدورية الشاملة التي أجريت في 2019، وهو ما يُعوّل عليها حقوقيون لإعادة النظر في ملف حقوق الإنسان.
وفي سبيل ذلك، أعلنت 5 منظمات حقوقية هي: المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قائمة تضم 7 إجراءات وصفتها بـ الضرورية والمحددة والعاجلة من أجل وقف التدهور غير المسبوق الذي تشهده مصر في أوضاع حقوق الإنسان على مدى الأعوام الماضية.
الخطوات السبعة
وتمثلت الخطوات السبع في المطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية بالآلاف بسبب نشاطهم السلمي، وإنهاء الحبس الاحتياطي المطول ومفتوح المدة ووقف “تدوير” السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون.
كما جاء المطلب الثالث للمنظمات رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور والمستخدمة في تعطيل كافة الحريات الأساسية وحقوق المحاكمة العادلة.
وتضمنت المطالب تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها.وكانت منظمة العفو الدولية كشفت في تقريرها السنوي حول عقوبة الإعدام الصادر الأسبوع الماضي أن عدد عمليات الإعدام المسجلة في مصر ازداد ثلاثة أضعاف في عام 2020. هذا الرقم جعلها في المرتبة الثالثة عالميا كأكثر الدول تنفيذاً لعقوبة الإعدام بعد الصين وإيران.
كما طالبت المنظمات بإنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني.
وأنهت المنظمات مطالبها برفع الحجب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية والتي تجاوز عددها 600 موقع محجوب بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي.
المنظمات الخمسة اعتبرت الخطوات السبعة تمثل الحد الأدنى من الإجراءات القابلة جميعًا للتنفيذ الفوري، بل إن تنفيذ هذه الخطوات السبعة الأولى من عدمه هو الاختبار الحقيقي لجدية أي تعهدات رسمية تتردد في الآونة الأخيرة حول إصلاحات أو “انفراجة” في الملف الحقوقي.
ودعت المنظمات المصرية الخمسة جميع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والأفراد والجاليات المصرية في الخارج والهيئات الإقليمية والدولية إلى تبني هذه الخطوات السبعة بوصفها مطالب الحد الأدنى واجبة التنفيذ فورًا، على أن تتبعها بطبيعة الحال إجراءات وإصلاحات وخطوات أخرى لا بديل عنها لوقف الانتهاكات المنهجية لحقوق المصريين.
سبق هذا التحرك مبادرة اخرى أطلقها النائب السابق محمد أنور السادات في نهاية مارس لبناء الثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
مجموعة الحوار الدولي
مبادرة السادات التي جاءت تحت شعار لأجل الوطن “بالمنطق والحكمة.. وبالدليل والبرهان”، وعرفها بأنها “مبادرة مصرية تقوم بجهود وطنية مخلصة تضم عددًا من ممثلي الأحزاب والمجتمع المدني، وأعضاء من مجلسي النواب والشيوخ مهتمين بقضايا الوطن في السياسة والاقتصاد والحقوق والحريات”.
وأكد السادات أن المبادرة اجتهاد من مجموعة تمثل أطيافا سياسية ومجتمعية بدأت في التشاور منذ نحو شهرين، المهتمين بالتقارير الحقوقية الخاصة بمصر وقضية الحريات، وتسير جهودهم بالتوازي مع جهود الدول، وتهدف لبناء جسور الثقة مع الشركاء والأصدقاء الدوليين في كل القضايا والموضوعات محل الجدل والخلاف.
وأشار السادات إلى أن المبادرة لاقت ترحيبا من قبل أجهزة الدولة، وهذا أمر مهم وباعث على الأمل، نظرا لأن الأطراف المشاركة ضمن المبادرة ينتمون إلى جهات مختلفة.
توصيات “دام”
قائمة المطالب التي طرحتها المنظمات تأتي استكمالا لمبادرات وتوصيات حقوقية متعلقة بالقضايا ذاتها، فقبل أيام أصدر مركز “دام” ورقة موقف بعنوان”15 توصية تمنع تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة” تضمنت وقف الحبس الاحتياطي المطول الذي تلجأ إليه النيابة العامة والمحاكم والالتزام بالتعديلات الواردة بموجب القانون 143 لسنة 2006.
ورقة “دام” اقترحت تكوين لجنة قضائية تقوم بإصدار قرارات الإفراج تباعًا وعلى دفعات بما يتناسب، وتصنيف المحبوسين احتياطيًا على أن تشمل من هم على خلفيات سياسية وجنائية، وهو ما يحل جزءًا كبيرًا من أزمة تكدس السجون.
كما قدم المركز ذاته توصيات أخرى متعلقة بملف المجتمع المدني، من بينها تطبيق القانون رقم 149 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، بما يراعي حرية العمل الأهلي في مصر، ويحترم متطلبات الأمن القومي، ويحقق المعايير الدولية لحرية العمل الأهلي، والتوقف الفوري عن الملاحقة والاستهداف الأمنيين للمنظمات الحقوقية المصرية العاملة في الداخل والمبادرة بإطلاق سراح المحبوسين احتياطيًا من المواطنين/ات على خلفية نشاطهم داخل هذه المنظمات.
الحد الأدنى من الإجراءات
ومن جانبه، اعتبر حسام بهجت، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن هذه المطالب السبعة تمثل من وجهة نظرهم الحد الأدنى من الإجراءات التي يمكن تنفيذها فورا في حال توافر إرادة سياسية لإحداث أي تغيير في السجل الحقوقي المصري الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق من التردي وأصبح محل إجماع على إدانته من قبل أصدقاء النظام الحاكم قبل خصومه.
بالنسبة لبهجت، فإن قرارات إخلاء السبيل التي ضمت صحفيين ونشطاء قضوا أعواما في السجون لا تشي بأي انفراجة، إذ يعتقد أنه إذا اعتمدت السلطة الإفراج عن المحتجزين بهذا المعدل سنحتاج ٤٠ سنة لحين خروج كل المحبوسين بتهم سياسية ظلما.
مطالب ملحة ومشروعة
تنفيذ المطالب السبعة المعلن عنها لا يحتاج سوى لقرار يثبت جدية الدولة في الحديث عن انفراجة محتملة، وفقا لجمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
ويضيف عيد لـ”مصر 360″ أن تلك المطالب ملحة ومشروعة وتعد دليلا على وجود أي إرادة سياسية في إصلاح حقيقي ووقف التدهور الحاد في الوضع الحقوقي وحريات المجتمع.
وتواجه الحكومة انتقادات لاذعة في ملف حقوق الإنسان، ففي مارس الماضي دعت 31 دولة بينها الولايات المتحدة، مصر، إلى رفع القيود عن الحريات والتوقف عن “اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى”. لكن مصر اعتبرت هذا البيان استجابة لضغوط مجموعات ممولة تعمل بشكل عدائي ضد مصر، انطلاقًا من تواجدها في جينيف وبروكسل.
وعن تخصيص تلك المطالب الـ 7 كمطالب أولى، لفت عيد إلى أن الموقعين راعوا أن تكون مطالب ملحة ويمكن تحقيقها في حال توافر الجدية في أقل من يوم وبإجراءات سريعة.
اقرأ أيضًا.. الإفراج عن سجناء الرأي في مصر.. انفراجة حقيقية أم تحركات محدودة؟
أول خطوة حقيقية
أما الحقوقي نجاد البرعي، فاعتبر هذه الخطوة أول مبادرة حقيقية من منظمات مصرية في الداخل تتقدم بمطالب بأكملها يمكن التفاوض حولها ومناقشتها.
ويضيف البرعي، في تصريحات خاصة، أن تلك خطوة إيجابية ومسؤولة من المنظمات لا يمكن الاختلاف عليها وإن تم الاختلاف يجوز النقاش حولها، مشيرا إلى أنه لأول مرة تمد المنظمات يد التعاون وعليها التفاوض والنقاش مع الحكومة التي يجب أن تتلقي مع أصحابها.
تدور هذه الأحاديث في وقت تعكف وزارة الخارجية على الانتهاء من إعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان الجاري إعدادها منذ فترة عبر لقاءات يشارك فيها عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان على مدار الأشهر الماضية، من أجل الوصول إلى صيغ جديدة لحلحلة الملف الحقوقي في مصر.
وبحسب البرعي أيضا، سيكون من المناسب عند إعلان الاستراتيجية أن يصاحب ذلك أو يسبقه حركة إفراجات واسعة عن عدد كبير من المحبوسين احتياطيا، للمساهمة في الترويج بشكل أسرع للاستراتيجية، ويعطي إشارة على تحول لافت في موقف الدولة فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
مستعدون للنقاش واقتراح آليات تنفيذ
حسام بهجت أيضا يبدو منفتحا على كل الأفكار ويرحب بفتح قنوات التواصل مع الحكومة للاستماع لأية مقترحات، مشيرا إلى استعدادهم ليس فقط للنقاش ولكن لاقتراح آليات تنفيذية لتحقيقها بل والمساعدة في تنفيذها. أما الشيء الوحيد غير المطروح للنقاش على لائحة بهجت هو المطالب نفسها لأهم يعتبرونها الحد الأدنى بالفعل من الخطوات المطلوبة.
ويلفت بهجت إلى أنه سيتم الإعلان عن أي خطوة تمثل تعاطيا إيجابيا من أي جهة مع الخطوات السبعة المطروحة.
لم يصدر أي تعليق حكومي أو نيابي بخصوص هذه المطالب رغم مرور قرابة الـ24 ساعة، حتى أن النائب طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، رفض التعليق على هذه المطالب.