تُشكِّل أحداث تيجراي أزمة معقدة في الداخل الإثيوبي، في ظل رفض رئيس الوزراء آبي أحمد وساطات دولية لحل الخلاف مع الإقليم. وهو ما يطرح التساؤل حول تأثير هذه الأحداث على استقرار البلد، ومن ثمّ مستقبل السلطة الحالية.
تحليل سياسي لوزير الدفاع الإثيوبي الأسبق سيي أبراها هاغوس، خلُص إلى تصور يحل اللغز، باعتبار أن آبي أحمد يتخذ مسارًا لتقسيم التيجراي إلى ثلاثة أجزاء، من خلال خطة عمل مشتركة مع الرئيس الأريتري أسياس أفورقي والنخب الأمهرية.
خطة تقسيم تيجراي
يقول هاغوس، في تحليله الذي نشرته مجلة فورين بوليسي، إن المخطط يستهدف جعل الجزء الأول الجنوبي الغربي تحت سيطرة القوات الأمهرية في ولاية أمهرة الإقليمية، لافتًا إلى أن ذلك يحدث بالفعل حاليًا من نزوح مئات الآلاف من غرب تيجراي فيما وصفته الحكومة الأمريكية بـ”التطهير العرقي“.
أما الجزء الثاني وهو شمال تيجراي الممتد من الحدود الإريترية إلى الطريق السريع الذي يربط أديجرات وشير يخضع لسيطرة المحتلين الإريتريين، الذين يرتدون زي الجيش الإثيوبي. والجزء الثالث المتبقي من تيجراي يترك للإدارة المؤقتة لتيجراي التي نصبها آبي أحمد، وهذه القوى الثلاثة ستتلقى الغذاء والذخيرة والزي الرسمي وشيكات الرواتب من حكومة إثيوبيا.
يعتقد العسكري الإثيوبي السابق، أن هذا السيناريو يُمكِّن أبي أحمد للادعاء بأنه لا يستطيع إجبار الإريتريين على سحب قواتهم، كما طالبت إدارة بايدن أو إجبار ميليشيات الأمهرة على المغادرة. كما يمكنه بعد ذلك أن يدافع عن أن إثيوبيا كبيرة جدًا وضعيفة للغاية بحيث لا تستطيع تحمل العقوبات، مما يهدد ضمنيًا بالانهيار التام إذا لم يتم دعم خطته.
هذا التصور يفسر إلى حد ما، السبب وراء استمرار أزمة الإقليم، رغم تدخل أطراف دولية من أجل حلها، ومن بينهم رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس الذي استخدم نفوذه لحشد موقف دولي يمكن أن ينهي الأزمة من خلال تفاوض بين الحكومة الاتحادية وقادة التيجراي، لكن الأولى شنت هجوما عنيفًا على تيدروس واتهمته بالانحياز للإقليم.
وفي السياق نفسه، سلّط أبراها هاغوس الضوء على خلفيات وأبعاد التدخل الإرتري في إثيوبيا، على خلفية الحضور الطاغي للقوات الإريترية التي تساند نظيرتها الإثيوبية في تيجراي.
وبعد إدانات دولية وحديث متزايد عن ارتكاب القوات الإريترية جرائم حرب وانتهاكات واغتصاب بحق سكان إقليم تيجراي، اعترفت إريتريا للمرة الأولى قبل أسابيع بتواجدها هناك بعد أشهر من نفي تورطها في الحرب.
أقدام أرتيريا في قلب السيادة الإثيوبية
يقول هاغوس إن التحالف الحالي بين رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الأريتري أسياس أفورقي، في قتال جبهة تحرير تيجراي، يحمل أبعادًا أخرى ليس مجرد تعاون لحظي، بقدر ما هو مرحلة لتثبيت أقدام أرتيريا في قلب السيادة الإثيوبية.
يشير الكاتب إلى زيارة السيناتور الأمريكي كريس كونز لأديس أبابا في مارس الماضي. وقتها كان الطلب الأمريكي الأكبر من رئيس الوزراء أبي أحمد هو أن يأمر بسحب القوات الإريترية من منطقة التيجراي.
وبعد أربعة أشهر من إنكار وجود الإريتريين داخل إثيوبيا، اعترف أبي أحمد متأخراً بوجودهم ووعد بطلب انسحابهم. لكن هذا لن يحدث.
رغم ذلك يقول هاغوس، الذي كان عضوًا في القيادة المركزية خلال الحرب الإثيوبية الإريترية 1998-2000، إن مصادره الميدانية أكدت أن أريتريا أرسلت ما لا يقل عن 10 فرق إلى الخطوط الأمامية في الإقليم خلال الشهر الأخير.
انتهاكات وجرائم حرب
واستعرض جملة من الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الإريترية في تيجراي، لافتًا إلى أن “هذا العنف استمر منذ أن التقى كونز بآبي أحمد”.
في أواخر أبريل، كان القتال عنيفًا على ثلاث مواقع في وسط تيجراي، بمشاركة عشرات الفرق الإريترية، التي ارتدت الزي العسكري الإثيوبي لإخفاء هوياتهم، وفق هاغوس الذي كان عضوًا في جبهة تحرير شعب تيجراي.
على الرغم من محاولات الحكومة الإثيوبية منع تداول أي معلومات عن الإقليم إلا أن بعض منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وثّقت أعمال قتل جماعي، واغتصاب، وتدمير عشوائي ونهب للقرى، والمصانع ومراكز العلاج، والمدارس، والمكاتب الحكومية والبنوك في غياب الأمن، وتسببت تلك الأعمال الوحشية في مجاعة بشرية مستمرة.
ونشرت صور على “تويتر” لبيوت ومخازن حبوب محترقة ووقوع أعمال عنف وتخريب في المنطقة، بواسطة القوات الإريترية.
صفقة غامضة
وبناء على ذلك، يلفت هاغوس النظر إلى أن أبي أحمد عقد على ما يبدو صفقة مع الديكتاتور الأريتري أسياس أفورقي لإحداث الفوضى في التيجراي. لكن شروطها غير معلنة.
وعندما كان قائدًا لجبهة تحرير إرتيريا، تعاون أسياس أفورقي مع جبهة تحرير تيجراي لصد هجمات القوات الإثيوبية خلال الحرب التي استمرت حتى عام 1991، وكانت تهدف إلى طرد القوات الإريترية من آخر معقل لها في جبال الساحل.
الحليف والخصم
وقتها كان أبراها هاغوس (كاتب التحليل) رئيس الشؤون العسكرية لجبهة تحرير تيغراي، لذلك يقول: “أعرف أسياس كحليف وكخصم”.
ويضيف أنهما التقيا عدة مرات وكانت تجمعهما علاقة متواترة، استمرت حتى عندما أصبح هاغوس وزيرًا للدفاع، ثم من خلال عمله في القيادة المركزية لإثيوبيا طوال فترة الحرب ضد إريتريا من 1998 إلى 2000.
ويدلل الكاتب على قوة معرفته بأسياس جيدًا، لذلك يقول إن أسياس وآبي أحمد مستمران في زعزعة استقرار المنطقة ما لم يتم تقييد تحالفهما الجديد من خلال الدبلوماسية أو استخدام القوة.
شبكة تجارة غير مشروعة في القرن الأفريقي
ويشير إلى أن أسياس، الذي يترك بلده يعاني من الفقر، يستغل قوته العسكرية لإملاء السياسات الإقليمية وابتزاز الامتيازات الاقتصادية من جيرانه، بالإضافة إلى نشر شبكته للتجارة غير المشروعة في منطقة القرن الأفريقي وخارجها.
ويتحدث الكاتب عن تورط إريتريا العميق في النظام السياسي الإثيوبي، من بينها نشر القوات الإريترية جنبًا مع قوات أمهرة والجيش الفيدرالي على الحدود بين إثيوبيا والسودان (حيث يوجد نزاع إقليمي) والاستخدام المبالغ فيه للقوات الإريترية في القتال ضد جيش تحرير أورومو في ولاية أورميا الإقليمية في إثيوبيا.
هذا التداخل المتزايد والمتشعب للقوات الإرتيرية، يراه العسكري الإثيوبي السابق، يهدد بمزيد من زعزعة استقرار القرن الأفريقي.
تسميم العلاقات الإثيوبية السودانية
بل يقول إن التحالف الإثيوبي-الإريتري تسبب في “تسميم العلاقات الإثيوبية السودانية” من خلال جعل أديس أبابا وأسمرا في مواءمة بخصوص النزاع الحدودي السوداني والجدل الدائر حول سد النهضة.
ويلفت هاغوس النظر إلى الطموح الاقتصادي للرئيس الإريتري الذي كان حاضرًا منذ عقود سابقة، إذ طلب أسياس في أوائل التسعينيات الحصول على تنازلات اقتصادية ونقدية مقابل دعم جبهة تحرير تيجراي.
وقتها، طلب أسياس من إثيوبيا بعدم تحديد سعر صرف للعملة الإريترية مقابل العملة الإثيوبية، ومعاملة الشركات المملوكة للإرتيريين كمعاملة الشركات الإثيوبية، مما يعني أنهم سيعيدون أرباحهم بالعملة الأجنبية حتى لو كان مصدر رأس مالهم إثيوبيًا، وعدد من النقاط الاقتصادية الأخرى.
مطامع أسياس الاقتصادية
هذه المطامع الاقتصادية هي التي كانت وقود الحرب الحرب الإثيوبية الإريترية خلال 1998 وحتى 2000، وليست خلافات حدودية كما راج لها.
يقول العسكري الإرتري إن أسياس غزا “بادمي” عام 1998 لإجبار الحكومة الإثيوبية على الانصياع لرغباته على عكس التصورات الشائعة. كما اعترف بذلك في مقابلة أجريت في نوفمبر 2018 بأن الحرب الإثيوبية الإريترية لم تكن تتعلق بشكل أساسي بنزاع حدودي.
الاستدعاء التاريخي السابق، يستند إليه العسكري الإثيوبي السابق للقول إن تورُّط إريتريا في الحرب الحالية في تيجراي ليس أمرًا حدوديًا أو مصدر قلق للأمن القومي.
ويقول إن التورط الإرتري الحالي فرصة لأسياس لإطلاق العنان لغضبه على عدوه القديم، الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بمساعدة حكومة أبي وميليشيات أمهرة التي تسعى لتحقيق مطالباتها الوحدوية الإقليمية بأجزاء من تيجراي.
وطلب رئيس الوزراء الإثيوبي من إريتريا سحب قواتها من تيجراي، وأعلن عن رؤية “مشتركة للتعاون الاقتصادي”، لكن هذه الخطوة بمثابة غطاء لوجود قوات إريترية في إثيوبيا، من دون تعرض نظام آبي أحمد لعقوبات دولية.
الديكتاتور الإرتري مصمم على تخريب وحكم إثيوبيا
في كل الأحوال، يرى العسكري الإثيوبي السابق أن أسياس وضع حجر الأساس لتحقيق حلم الاستفادة من الاقتصاد الإثيوبي لصالح طموحاته الإقليمية، لكن الإثيوبيين سيكتشفون أن “الديكتاتور الإرتري مصمم على تدمير وحكم إثيوبيا في الوقت نفسه”.