تذهب للخلود لنومها، وبعد أقل من ساعة، تستيقظ مفزوعة من نومها بعد كابوس ترى فيه نفسها مصابة بفيروس كورونا. لا تجد أحدًا يسعفها، فتجد في حلمها المستشفيات امتلأت ولا توجد فيها أماكن لاستقبالها.
“صافيناز مسعد” بدأت تتغير أحلامها مع بداية الوباء والإغلاق وحظر التجوال، بجانب مخاوفها من الخروج والالتزام بالإجراءت الاحترازية لتجنب العدوى. ليؤثر الأمر على أحلامها، فبعد أن كانت قليلة الأحلام، أصبحت تراودها كوابيس يومية مرتبطة بالجائحة.
تقول صافيناز، إنها لم تكن من الأشخاص الذين تراودهم أحلامًا يومية. لكن منذ بداية انتشار فيروس كورونا تغير الحال. “أصبحت أري في منامي أحلام يمكن أن يطلق عليها كوابيس. مرة أري أنني أصيب بالفيروس ولا أجد من يسعفني، ومرة ثانية أري أحد من أفراد أسرتي أصيب بالفيروس. أصبحت ساعات نومي لابد أن يتخللها كابوسًا واحدًا مرتبط بالجائحة”.
الأحلام وفترات التوتر والضغوط
تشير راشيل هو، الطالبة في مرحلة الدكتوراه بجامعة ماكماستر الكندية، إلى أنه في الأحوال العادية. من غير المعتاد أن يشهد العالم فترات طويلة تسودها التوترات والضغوط، وتتواصل لشهور أو لسنوات. ومن غير المألوف أيضًا أن يؤثر ذلك، على مجموعات كاملة من البشر، بما لا يُقارن في التاريخ الحديث. كما تقول هذه الباحثة، سوى بما يحدث في أوقات الحروب. فضلًا عن ذلك، لا يخفى على أحد، أن للتوتر والإجهاد المزمنيْن، تأثيرًا كبيرًا على أدائنا لوظائفنا المعرفية.
ويمكن القول، إن الأشخاص الذين يعيشون تحت ضغوط مستمرة، هم الأكثر عرضة لأن تهاجمهم الكوابيس خلال الليل. وأظهرت دراسة أُجريت على تلاميذ في قطاع غزة، تتراوح أعمارهم بين 10 و12 سنة، أن أكثر من نصفهم، يعانون من كوابيس ليلية بشكل منتظم. وأن هذه الكوابيس تحدث في المتوسط، خلال أكثر من أربع ليالٍ أسبوعيا.
وتقول راشيل إن الأطفال يتأثرون بشكل خاص بالضغوط التي تسبب الكوابيس نظرًا إلى أن أدمغتهم، لا تزال في مرحلة النمو، وفقًا لتقرير نشره موقع بي بي سي.
ما تعيشة صافيناز، يمكن ترجمته بأنه انعاكس لما يدور حولنا من أمور على أحلامنا، وهو ما يتكرر مع مراد عيد. لكنه في هذه الحالة تغيرت أحلامه من أحلام عادية، لأحلام غريبة لا يستطيع تفسيرها. “في الماضي كنت أحلم كثيرًا أثناء النوم، واستيقظ لا أتذكر منها شيئًا. لكن في أغلب الأوقات كانت أحلامًا عادية لا أشعر بفزع منها، أو أزمة. لكن في الوقت الحالي أصبحت استيقظ مفزوعًا من النوم. حتى وإن كنت لا أتذكر تفاصيل الحلم، ولكن أتذكر ما يدور حوله الحلم، وهي أمور مرتبطة بالجائحة”.
عمل مراد كطبيب، ووجودة لأكثر من شهرين بأحد مستشفيات العزل، ربما يمون تفسيرا لما يمر به من تغير في أحلامه، وهو أيضا لا ينكر في حديثه تفكيره المستمر في الجائحة والأزمة “أقابل يوميا حالات مصابة بالفيروس، وأسئلة مستمرة حول علامات الإصابة وكيفية التصرف عند الاشتباه في الإصابة، فتغيرت الحياة لتصبح أمورا مرتبطة بالجائحة فقط”.
مشاهد يومية وكوابيس ليلية
يؤكد مراد تأثره بما يدور حوله، وما يراه من حالات مصابة وتوسلات ودموع للبقاء على قيد الحياة. “أقابل يوميًا حالات تتوسل للأطباء لإنقاذها، فيصاب الطبيب بإحساس بالعجز، وتظل تلك المشاهد للمرضى عالقة بذهنه، حتى بعد انتهاء عمله والعودة لمنزله. لتظل تلك المشاهد ملازمة له، حتى أثناء نومه، وتتم ترجمتها في صورة كوابيس”.
جوان ديفيس عالمة النفس الإكلينيكية في جامعة تُلسا الأمريكية، قالت إنه في الوقت الذي يوجد فيه ارتباط وثيق بين المعاناة من الكوابيس والإصابة بأمراض عقلية. فإن بعض الأحلام ذات التأثير القوي التي نراها خلال الليل، تساعدنا على معالجة المشاعر التي ساورتنا خلال الساعات السابقة لذلك. ومن شأن التعرف على الأسباب التي تحول الأحلام المزعجة، إلى كوابيس ليلية، مساعدتنا على معالجة من أصيبوا بصدمات نفسية وعصبية.
ووفقا للأبحاث، فخلال النوم، يعكف المرء على ترتيب ذكرياته عن اليوم السابق، وحفظها. كذلك إعادة استخدام ذكرياته الأقدم من ذلك، أو إجراء تعديلات عليها. ومع أنه يُعتقد أن ذلك يحدث على مدار فترة النوم بأكملها، فإن المرحلة المعروفة باسم مرحلة “نوم حركة العين السريعة”. تلك التي تسبق الاستيقاظ مباشرة، أو تتزامن مع الانغماس في النوم بعمق، تشهد تخزين الذكريات ذات الطابع العاطفي والشعوري أكثر من غيرها. وهي تلك التي تصبح بعد ذلك، المادة الخام لما سنراه في أحلامنا بعد ذلك.
هل لتلك الكوابيس فائدة؟
بالرغم من أن الأحلام السيئة تصيب أصحابها بالفزع، إلا أن تلك الأحلام أو الكوابيس لها فائدة. كما يشرح طبيب الأمراض العصبية والنفسية محمد نعيم، أنها فرصة للتفريغ. حتى يستطيع الفرد إكمال يومه التالي بشكل طبيعي. فتعد تلك الأحلام فرصة للتخلص من المشاهد المؤلمة اليومية، أو المواقف الصعبة. كما يمكن القول على النوم بأنه فترة لنسيان الفرد ما مر به طوال اليوم.
وأضاف لـ”مصر 360″، أنه بعد رؤية حلم مزعج، يصبح الشخص والمنطقة الدماغية مهيئة لمواجهة مواقف الخوف. وأيضًا المواقف الصعبة. وكلما طالت فترة شعور الناس بالخوف خلال الأحلام، يؤدي ذلك لتنشيط أقل للمراكز المسؤولة عن المشاعر لديهم.
ويرى نعيم، أن تلك الحالات لا يجب أن تستعدي الخوف، أو الذهاب لزيارة الطبيب، لأنها مراحل طارئة، لن تلازم الشخص فترة طويلة، ولن تستمر معه. فلا داعي للخوف، ويجب التعامل معها، ومعرفة أنها أمور مرتبطة بالظروف المحيطة، والتفكير فيها، وستنتهي مع نهاية تلك الأزمة.
وفي تقرير أعدته صوفي وينر عنوانه بتفسيرات العلم للأحلام الغريبة والكوابيس جراء تبعات فيروس كورونا نشرته التايم على موقعها. جاء به تعقب بعض الظواهر النفسية بالاعتماد على بعض التغريدات التي تم نشرها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وفيها يتساءل كثيرون عن مآلات الخوف التي تنتابهم جراء أحلام تراودهم حينما يغطون في سباتهم العميق. وكثيرين منهم قالوا إنهم في العادة لا يتذكرون ما جاء في أحلامهم السابقة لكن وبعد أزمة كورونا صار بعضهم يتذكر تفاصيل الأحلام.
مريم مهران، كانت واحدة ممن لا تتذكر أحلامها في الماضي، وبعد الجائحة والخوف منها، أصبحت تتذكر تفاصيل تلك الأحلام كاملة. “ليست كل الأحلام التي أراها مرتبطة بالوباء، ولكن جميعها تأتي في صورة مخاوف على أطفالي، ورؤيتهم يتألمون. أو أصابهم مكروه، فاستيقط خائفة ومتذكرة أيضًا ما دار في الحلم”.
قالت مريم، إنها بعد الاستيقاظ من النوم، تظل لفترة لا تستطيع التفرقة، هل استيقظت من نومها بالفعل، أم مازالت داخل الحلم، وبعد زيادة الأمر. مع زيادة تفكيري به وخوفي على أسرتي وأصدقائي من الإصابة، وجدت العديد من أصدقائي مصابون بحالات مشابهة، ليصبح الوباء ومخاوفه تطاردنا في أحلامنا أيضًا”.