الكثير من السيدات يرفضن العيش مع أزواجهن، لكنهن في المقابل يكملن حياتهن. إذ يخشين اتخاذ طريق المحاكم الذي لا يأتي دائمًا بنتائج إيجابية في صالح الزوجات. خصوصا في حالة عدم تمتعتهن بمسكن مستقل ومصدر ثابت للدخل، فتستمر الحياة بينهما وتسمى ظاهريًا “زوجية”. هكذا تعيش “سها” وغيرها.
تبلغ “سها محمد” 31 عامًا، متزوجة منذ 6 سنوات، أنجبت طفلة. بدأت الخلافات تدب بينها وبين زوجها، لكنها ليس خلافات عادية بل تراها يستحيل معها الحياة.
“الموضوع مش مشكلات بسيطة ممكن تتحل، لا دي خلافات جوهرية. للأسف مظهرتش غير بعد الجواز والخلفة كمان، وطول السنين دي حاولت أصلح منها بس من غير أي أمل”.
الطلاق بالنسبة لـ”سها” الوسيلة الوحيدة لإنهاء العلاقة الزوجية لاستحالة العشرة، لكن يبدو أن الأمر لا يسير بتلك السلاسة على أرض الواقع.
طلاق أو خلع أو الاستمرار في التظاهر بالزواج
“سها” قالت إنه عند الطلاق تسلك السيدة طريقين. الأول رفع قضية طلاق والتي قد يحكم فيها بعد سنة كاملة. ويصبح الحكم من وجهة نظر القاضي، إما في صالح السيدة أو في كثير من الأحوال ضدها. لكنه الحل الوحيد الذي يضمن لها حقوقها المادية، في مقابل الحل الثاني وهو الخلع.
تضيف “سها”، وهو اسم مستعار أن الطريقة الثانية أسرع لكنها تعفي الرجل من كافة الالتزامات المادية. ما يمثل مشكلة جديدة تواجه السيدات، خاصة لو كن معيلات. فيصبح الحل الثالث أو الخيار الوحيد الاستمرار في تلك الحياة الزوجية رغم رفضها.
علاقة لا يمكنها الاستمرار
ترى “سها” أن علاقتها هي وزوجها لا يمكنها الاستمرار لأنهما مختلفان عن بعضهما البعض. وعندما تحدثت معه في هذا الأمر وطلبت منه الطلاق والانفصال عنه يرفض. “رفض يطلق، وقالي إنه لو مش عاوزاني أخلعني وأتنازل عن كل حقوقي. أنا لا عندي شغل ولا فلوس أصرف منها على بنتي. في نفس الوقت هو قالي إنه ممكن يتجوز عادي لأن الشرع محلل له 4”.
انتهي حديث “سها” مع زوجها برفضه تطليقها، وعليها هي المتضررة المضي في إجراءات الخُلع التي تحرمها من كافة حقوقها. وهو ما لا يتناسب معها لأنها لا تعمل ولا يوجد دخل مادي لها. فلجأت لاستشارة أحد المحامين لإمكانية رفع دعوى طلاق للضرر، وأخبرها أن تلك النوعية من القضايا تأخذ وقتًا طويلًا في المحاكم. كما أنه لا يتم الفصل فيها سريعًا. كذلك الحكم فيها يكون على وجه نظر القاضي، لترضخ في نهاية الأمر للحياة مع زوجها.
“محدش ممكن يتخيل يعني إيه واحدة عايشة بس مع واحد علشان متترميش في الشارع، لا بحبه ولا عاوزة أكما معاه، بس مقداميش أي طريق تاني”.
طريق المحاكم غير ممهد دائما
المحامي محمد حامد، قال لـ”مصر 360″، إن قضايا الخلع تأخذ وقتًا أقل في المحاكم يمكن الحكم في خلال 3 أشهر. في مقابل قضايا طلاق الضرر التي يمكن أن تأخذ من 3 أشهر لسنة في المحاكم، وبعد تلك الفترة من الممكن أن يرفض القاضي الحكم لصالح الزوجة. لأن الأمر يكون تقديري للقاضي نفسه، وهناك العديد من القضاة يتبعون منهجًا ذكوريًا في تقييم تلك القضايا وينحازون للزوج.
وأضاف أنه أيضًا في قضايا النفقة يحدد القاضي المبلغ وفقًا لدخل الزوج المعلن. وهنا يتحايل العديد من الرجال لاستخراج شهادات لتقليل دخلهم حتى يحكم القاضي بنفقة قليلة. من الممكن أن تصل لمئات الجنيهات شهريًا. وفي المقابل لا يمكن للزوجة الاستعلام عن رصيد الزوج في البنك، أو تتبع أرصدته، فلا تسمح لها المحكمة بهذا الأمر.
ويعود الأمر كله لسلطة القاضي التقديرية التي لا تنصف النساء في الكثير من الأحيان.
انحياز للرجل
وتتفق معه المحامية الحقوقية عزيزة الطويل المهتمة بالشأن النسوي في أن هناك قضاه يتعاملون مع قضايا الأحوال الشخصية بانحياز للرجال، وهو ما يبدو واضحا في قضايا النفقة، فلا يحق للزوجة الإطلاع على حسابات زوجها في البنوك لتحديد النفقة، وهنا تلجأ لتقديم طلب للمحامي العام، ومن الممكن أن يتم رفض هذا الطلب، وعند عمل الزوج في القطاع الخاص يصعب تحديد دخله، فيحدد القاضي النفقة على الأساس المعلن فقط من الدخل، كما أنه في الكثير من قضايا الولاية التعليمية يرفض القاضي منح الزوجة التي لا زالت على ذمة زوجها ولاية أطفالها، ويخرج القرار من منظور ذكوري. وتطرح الطويل سؤالا: لماذا ترغب السيدة في ولاية أطفالها وهي على ذمة زوجها؟
عام 2019 شهد توثيق 225 ألف حالة طلاق، بزيادة 24 ألف حالة عما تم إحصاءه في 2018، فهناك حالة طلاق واحدة تقع كل دقيقتين و20 ثانية، وكانت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حذرت من ارتفاع حالات الطلاق خلال العقدين الأخيرين، بين أعوام 1996 إلى 2015، وذكرت أن معدل حالات الطلاق خلال العقد الأول من فترة الدراسة (1996-2005) بلغ 1,1 لكل ألف نسمة من السكان، فيما ارتفع معدل الطلاق خلال العقد التالي (2006-2015) ليصل إلى 1,7 حالة لكل ألف نسمة من السكان.
عودة إلى “سها”
تعيش سها مع زوجها التي ترى أنه لا توجد حياة تجمعهما، كما تعيش إسراء صلاح* أيضا مع زوجها الذي قرر الزواج عليها دون علمها، وعندما اعترضت على الأمر طلب منها خلعه أو تنازلها عن كافة حقوقها “اتجوزنا من 8 سنين وخلفت بنت وولد، ومن سنة وشوية عرفت إنه متجوز عليا، من غير ميرجع لي أو يعرفني ولما واجهته قالي ده حقه، طيب وحقي أنا فين في إني أختار أكمل ولا لأ”.
رفضت الزوجة الاستمرار مع زوجها بعد علمها زواجها مرة ثانية، ورفض هو الآخر تطليقها “رفض يطلقتي وقالي إنه مش هيكلق وقدامي المحاكم ممكن ألجأ لها أو أخلعه واتنازل عن كل مستحقاتي ومستحقات ولادي”، ولا يختلف حال إسراء عن سها، فلا تملك منزلا يمكنها الإقامة فيه، ولا دخل مادي أيضا يمكنها العيش منه.
تقول: “مصاريف الولاد في الشهر بتتخطى الـ3 ألاف جنيه، وأنا مطلبتش منه غير يصرف على ولاده بس وأنا أروح أعيش عند أهلي، بس قالي إنه لو طلقني مش هيصرف على الولاد، وإن اللي عمله ده شرع ربنا وأنا مش من حقي اعترض”.
“مفيش أدامي غير كده”
قبلت إسراء الأمر في النهاية، وقبلت الحياة في منزل زوجها حتى تتمكن من رعاية طفليها “في النهاية مفيش قدامي غير إني أعيش في البيت مع عيالي وأعتبر نفسي متطلقة وخلاص ومتعاملش معاه خالص، منا هعمل إيه لا أهلي يقدروا يساعدوني بفلوس ولا أنا عندي دخل يساعدني أصرف على الولاد اللي ملهمش ذنب يتبهدلوا معايا”.
القصص السابقة، تتفق مع الانتقادات التي شهدها مشروع قانون الأحوال الشخصية، واعتبره البعض ردة للوراء، ولا يحافظ على حقوق المرأة، ومن بين تلك الانتقادات، الحكومة قدمت للبرلمان مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية حفل بعدد من التعديلات الجيدة منها تغيير ترتيب الحاضنين وجعل الأب في المرتبة الرابعة بدلاً من السادسة عشر، ومنها تغريم الزوج الذي يتزوج بأخرى دون إبلاغ الأولى بمبلغ يتراوح ما بين 20 ألف و 50 ألف جنيها يؤديها الزوج للحكومة، أو الحبس ما لايقل عن سنة، وكذا معاقبة المأذون إذا لم يخطر الزوجة الأولى بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول.
ووفق القانون الجديد أيضا فليس للأم ولاية على أطفالها في كل ما يتعلق بالتعليم والصحة والسفر وإصدار الأوراق الرسمية وغيرها من المعاملات التي تلغي تقريباً وجود المرأة في كل تعامل قانوني أو رسمي يتصل بأولادها، وفيما يمكن للأب السفر بأولاده دون إذن من أحد، لا يحق للزوجة أو المطلقة السفر بأبنائها دون الحصول على موافقة كتابية من الزوج.
مأساة متكررة
نفس المأساة تعيشها ريم عادل* كما وصفتها، والتي تزوجت منذ 3 أعوام، وأنجبت طفلها الأول، وبعد الوضع بدأت الخلافات بينها وبين زوجها “الخلافات بدأت بتدخل أهله في كل كبيرة وصغيرة، ومبقاش تدخل ليه حلا لا ده بقى أسلوب حياة ومعاه الحياة بقت مستحيلة”.
حاولت الزوجة التحدث مع زوجها لأكثر من مرة، لتعديل الأمر واستمرار الحياة، ولكن تدخلات الأسرة لم تنته، وهنا أيقنت أن الحياة أيضا انتهت معها، فطلبت من زوجها الطلاق، الذي لم يمانع بشرط الحصول على ابنه.
“وافق يطلق بشرط أدي له الولد، وطبعا ده بعد مرجع لأهله اللي طلبوا منه كده. أنا مقدرش أسيب ابني، ومن حقي اختار الحياة اللي عاوزة أعيشها بعيد عن الخلافات”.
ترى ريم أن القانون لا ينصفها، فمن حقها كالزوج اختيار إكمال الحياة أو نهايتها مع الطرف الآخر مع حفظ حقوقها، بينما القانون لا يطبق بهذا الشكل، فالرجل هو من يستطيع الزواج وأيضًا الطلاق.
“جوزي قالي إنه مش هيطلق غير لو سبت الولد. قلت له إن ده مش قانوني، قالي إن كل حاجة مش قانونية ليها حل وممكن يتحايل على القانون وياخد مني الولد. وأنا مقدرش أعيش من غيره”.
ذهبت ريم لمنزل أسرتها بصحبة طفلها، وهي ما زالت على ذمة زوجها الذي يرفض التطليق رغم الخلافات. الحياة توقفت بينهما على أرض الواقع، ولكنها لا زالت مستمرة على الورق. لا تستطيع هي ممارسة حياتها بشكل عادي خشية الخرمان من طفلها، فتصبح زوجة في علاقة لا ترضيها كما هو الحال لكلا من سها وإسراء.