عقارب الساعة تشير إلى الرابعة صباحا بتوقيت القدس، بدأ “بشار” في الاستعداد للذهاب إلى المسجد الأقصى، ما إن سمع نجله “آدم” صاحب الأحد عشر ربيعا تحركات والده في المنزل حتى هرول لإحضار سجادة الصلاة وقبعة تحمي رأسه من درجات الحرارة المرتفعة.
قوات الاحتلال تحاول بشتى الطرق أن تمنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، تتطلع إلى الهويات وتقبل هذا وترفض ذاك، تخفى آدم برفقة والده عن أعين جنود الاحتلال المنتشرين على مداخل مدينته بيت لحم للوصول إلى مدينته المقدسة وأداء الصلاة والاعتكاف فيها.
يروي بشار كيف كانت سعادة نجله بالذهاب إلى المسجد الأقصى ومواجهة شرطة الاحتلال رغم صغر سنه، يقول بشار: “رغم مشقة الطريق كان الوصول إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين زاد “آدم” والتوسل والدعاء لله بأن يبعد انظار شرطة الاحتلال عنه سلاحه، وبعد بضع ساعات من دخولنا آدم بدا سعيدا بالنظر إلى القبة الذهبية تارة ويصور نفسه معها تارة أخرى”.
“كانت سعادته كبيرة، كان يحادثني إن القدس لنا، والأقصى مسرى رسول الله هو مسجدنا، كنت أهدئ من حركته، لم أرد أن يثير أزمة بفرحته الكبيرة طالبته بالهدوء وعدم إزعاج المصلين والمعتكفين” يقول بشار.
تحت شجرة الزيتون
انتهت الصلاة وراح “آدم” يجلس تحت شجرة زيتون مقدسية عمرها أكبر من سنوات الاحتلال، وقضى ساعات العصر في باحة المسجد الأقصى، لم يتعب، كان يقول لوالده هنا الحياة، تناول إفطاره وصلى المغرب وجلس يسبح مستعيناً بأنامله الصغيرة.
عقب انتهاء صلاة المغرب والإفطار، اندلعت مواجهات قرب “باب السلسلة” داخل الأقصى، إذ تعمدت القوات الإسرائيلية استفزاز المصلين، بإغلاق بابي “العامود والسلسلة” وكذا طريق الواد في القدس القديمة، كما عمدت قوات إلى منع الأهالي من الدخول إلى المسجد لإقامة صلاة العشاء والتراويح.
أطلقت قوات الاحتلال الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الصوت، بجانب قنابل الغاز المسيل للدموع ما نتج عنه إصابة أكثر من 200 فلسطيني.
أخذت قنابل الاحتلال المجنونة تحاصر المصلين من كل مكان، في الوقت ذاته هب الشباب المقدسي لنجدة الأقصى.
اندمج آدم مع المصلين المدافعين عن المسجد الأقصى، رشق الجنود بحذائه وانقطع الاتصال مع والده، لم يخف أو يجزع، يقول والده: “واصل المشوار برفقة شباب القدس مدافعا عنها، اتسع صدره لكميات كبيرة من غاز الاحتلال واكتوى جسمه بهراوات الجند، نزفت ساق آدم، جراء اصطدامها بقنبلة ملتهبة أطلقها العدو، وعرض نفسه للخطر أكثر حين اعتلى أحد الاسوار لجلب حجارة للشبان لرشق قوات العدو فيها”.
يقول بشار والده: “بقي آدم في ساحة المواجهة حتى ساعات الفجر الأولى قبل أن يصاب في قدمه شعرت بخوف شديد، تحول فخري بشجاعته وجرأته إلى خوف فور إصابته حملته فوق أكتافي متجها ناحية سيارات الأسعاف، كنت أخشى أن أفقده”.
خلال الأيام القليلة الماضية شهدت القدس أحداثا متتالية تنذر بوقوع كارثة محققة في الطريق، البداية كانت لدى حي الشيخ جراح ومن ثم محاولات منع المصلين من دلوف المسجد الأقصى وأخيرا اقتحام قوات الاحتلال للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين.
وتصدر في الأيام الماضية هاشتاج “أنقذوا حي الشيخ جراح”، مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بجرائم الاحتلال بعد أن قررت محكمة الاحتلال بالقدس جلسة للنظر في قضية 28 بيتا يقطنها ٥٠٠ فلسطيني مهددون بالتهجير وإحلال المستوطنين مكانهم.
ودون المغردون على الهاشتاج،”إذا راح الشيخ جراح راحت القدس”، “الشيخ جراح هي فلسطين”، مطالبين بسرعة التضامن العالم والمجتمع الدولي مع الأسر قبل أن يتم تشريدهم بالشارع.
وعلى خلفية ما حدث، دعت الولايات المتحدة إلى وقف العنف في القدس الشرقية المحتلّة، وحث متحدث باسم الأمم المتحدة إسرائيل على إلغاء أي عمليات إجلاء، وطالب بالالتزام بـ”أقصى درجات ضبط النفس في استخدام القوة” ضد المتظاهرين.
وتصدر في الأيام الماضية هاشتاج “أنقذوا حي الشيخ جراح”، مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد بجرائم الاحتلال بعد أن قررت محكمة الاحتلال بالقدس جلسة للنظر في قضية 28 بيتا يقطنها ٥٠٠ فلسطيني مهددون بالتهجير وإحلال المستوطنين مكانهم.
ودون المغردون على الهاشتاج،”إذا راح الشيخ جراح راحت القدس”، “الشيخ جراح هي فلسطين”، مطالبين بسرعة التضامن العالم والمجتمع الدولي مع الأسر قبل أن يتم تشريدهم بالشارع.
اقرأ أيضا:
حكايات من أرض الشيخ جراح.. الاحتلال يهدد 500 فلسطيني بالتهجير
حراك الشباب المقدسي
يروي “سامر” الشاب المقدسي لحظات اقتحام المسجد الأقصى: “بدأ الاقتحام في تمام الساعة الثامنة مساء، عندما بدأ يتوافد الناس إلى المسجد لاداء صلاة التراويح، ولاحظ البعض محاولات استفزاز قوات الاحتلال، فكانت شرطة الاحتلال تطلع على كافة الهويات وترفض دخول الشباب إلا أن البعض استطاع أن يمر دون أن يلاحظه أحد”.
خلال الفترة الماضية زادة قوات الاحتلال من وتيرة الأزمة سواء في القدس أو قطاع الغزة، خاصة في ظل محاولة مستوطنين تجريد فلسطينيين من منازلهم بحي الشيخ جراح.
يقول سامر: “بدأت المناوشات بسيطة، حيث قوبل المصلين محاولات استفزاز قوات الاحتلال بالتراشق بزجاجات المياه، لكن يبدو أن هذا ما كان تريده قوات الاحتلال، ليبدأ هجوم كاسح على كل المصلين في بادئ الأمر على المسجد القبلي وهو مسجد مقابل للمسجد الأقصى ومن ثم تحول الهجوم إلى باحات المسجد الأقصى وطرد المعتكفين عبر إطلاق قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاط”.
في ذلك الوقت انتشرت الاستغاثات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتقطت مقاطع الفيديو لاقتحام قوات الاحتلال للمسجد دون اعتبار لقيمته الدينية، في المقابل هب الآلاف من الشباب المقدسي لنجدة أقصاهم واحتشد الشباب يواجهون قوات الاحتلال بالحجارة.
يقول سامر: “بدأت المواجهات تحتد، لا نملك سلاح وهم يملكونه نلقي الحجارة ونواجه بصدور عارية ومفتوحة، أصيب الكثير من أبناء القدس، وتم اعتقال عدد آخر كبير، لم تستوعب مستشفيات القدس الأعداد الكبيرة فكان الحل في الهلال الأحمر”.