قبل أيام نادت منظمات حقوقية بإنقاذ المحامي المحتجز محمد رمضان حتى لا تتكرر مأساة الراحل شادي حبش. لكن سرعان ما تكرر الأمر بانضمام مهندس البترول الشاب علاء خالد إلى ضحايا السجون .
أمس أعلن المحامي محمد محمد رشوان وفاة علاء خالد، صاحب الـ 23 عامًا، داخل محبسه بسجن طرة. والذي كان محتجزًا على ذمة القضية 260 لسنة 2021 أمن دولة طوارئ.
علاء خالد، هو أحد مشجعي النادي الأهلي، ألقي القبض عليه في فبراير الماضي. ووجه إليه اتهام بالانضمام لجماعة إرهابية هي “ألتراس أهلاوى”، والاشتراك فى تجمهر مكون من أكثر من 5 أفراد.
الواقعة جاءت على خلفية تشجيع فريقهم قبل سفره لبطولة كأس العالم للأندية في قطر، وإحياء ذكرى شهداء مذبحة بورسعيد. وقتها رفع المتظاهرون لافتة قماشية دوّن عليها عبارة “على العهد باقون”.
الوفاة الرابعة في 10 أيام
وأعلن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، (منظمة مجتمع مدني مصرية)، وفاة الشاب علاء خالد في سجن طرة بسبب الإهمال الطبي الممنهج بحقه رغم أنه كان مريضاً بالقلب.
وبهذا يعد خالد رابع حالة وفاة في سجون الاحتجاز الرسمية ومقارها في مايو الجاري فقط. كما أنه الحالة رقم 19 منذ مطلع العام الجاري 2021.
“كل من يقبض عليه أو يُحبس أو تقيد حريته بأي قيدٍ، تجب معاملته بما يحفظ كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهُه ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا ولا يكون حجزه ولا حبسه إلا في أماكن لائقة إنسانيا وصحيّا وخاضعة للإشراف القضائي، ومخالفة شيء من ذلك جريمةٌ يعاقب مرتكبُها وفقًا للقانون”. الدستور المصري
فماذا بعد؟
في ديسمبر الماضي، نقلت صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن تقرير حقوقي سويسري أن عدد من ماتوا بمراكز الاحتجاز المصري ارتفع خلال عام 2020 إلى 100 شخص؛ ليرتفع عدد الوفيات بالسجون إلى أكثر من 1000 سجين منذ عام 2013؛ لأسباب بينها التعذيب والإهمال الطبي.
الطبيبة والحقوقية، ماجدة عدلي، مديرة مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب ترى في وفاة الشاب علاء خالد داخل محبسه، حدثًا مهمًا لفتح النقاش حول مستوى الرعاية الصحية بالسجون. وقالت: “ليست الحالة الأولى، نتمنى أن تكون الأخيرة”.
ولكن في ظل الإهمال الصحي، وسوء الرعاية الصحية، تزداد أعداد ضحايا السجون. إذ تضيف: “كان من المعروف لدى سلطات الاحتجاز الأوضاع الصحية لعلاء؛ كونه يعاني من مرض القلب، ومع ذلك لم يتم الإفراج الصحي عنه”.
وتشير عدلي إلى الشهادات السابقة حول الأوضاع الصحية التي تصل النديم. ولفتت إلى تباطؤ القائمين على السجون في الاستجابة للحالات المرضية، بينما يتبارى السجناء في الاستغاثة بهم. وغالبا ما يتم معاقبتهم، ونقلهم من عنابرهم على سبيل العقاب إلى التأديب، بما فيهم المريض. وتتكرر حالات الوفاة بشكل ممنهج، كما في حالة الشاب شادي حبش، الذي وافته المنية قبل أن يتم إسعافه.
تجاهل المطالبات الحقوقية
والعام الماضي توفي شادي حبش بسجن طرة، بعد أكثر من عامين على اعتقاله بسبب مشاركته في إعداد أغنية سياسية ساخرة. وقتها قال نشطاء حقوقيون إن صحة شادي تراجعت بشدة وأن “استغاثات زملائه لإنقاذه، لم تلق استجابة من إدارة السجن”.
ماجدة أيضًا لفتت إلى تجاهل السلطات الأمنية المطالبات الحقوقية المحلية والدولية، بتحسين الأوضاع الصحية للمحتجزين. كما لا تستجيب لرجاء ذويهم بنقلهم للمستشفيات، خاصة في حالات أمراض الكبد والكلى، والأورام التي يراها المعنيين ليست ذي شأن.
وأشارت الطبيبة أيضًا إلى ظروف الاحتجاز نفسها غير الإنسانية، حيث تتكدس الزنازين بالغة الصغر بأعداد غفيرة من المحتجزين. إلى جانب الإضاءة الضعيفة، ودورة مياه وحيدة للجميع، بينما تتكدس الأغراض الشخصية على الحوائط. وكل ذلك يعد بيئة مثالية لانتشار أي عدوى فيروسية، أو ميكروبية، وهو ما أثير خلال وباء كورونا.
وضع صحي مزرٍ
وتضيف أن رد السلطات جاء بمزيد من التعنت في إدخال المطهرات، والأدوية بشكل غير مفهوم. وفي حين تكررت المطالبات بالإفراج عن المحتجزين الذين تجاوزوا الحد الأقصى (عامين)، تهرع السلطات إلى السماح ببعض الزيارات الحقوقية النادرة. وخلال تلك الزيارات يظهر السجن بشكل مثالي، فيما يتم توزيع الملابس الرياضية على المساجين.
وتتكرر شكاوى الأهالي من المعاناة التي يلاقونها خلال الزيارات، والتعامل السيئ معهم، ومع أغراض المحتجزين التي كلفتهم من جيبهم الخاص، ما يفوق طاقتهم. فيما تؤكد شهادات السجناء السابقين تدني مستوى العناية الصحية، والانتهاكات المستمرة بحقهم.
“تنكيل وعقاب شباب الثورة” هذا ما رأته ماجدة في الإهمال، والانتهاك الممنهج ضد محتجزي الرأي، لرفعهم راية محاربة الفساد. ودللت على ذلك بالإخفاء القسري للشباب، وتدويرهم على القضايا، ومنع الزيارات عنهم، مع كل قضية جديدة، يعيشون مستقبل مجهول. ينطبق الأمر نفسه على كل معارض للرأي الرسمي، أو منحاز للفقراء، أو حتى رفض التنازل عن أراضٍ مصرية استراتيجية، تخص الأمن القومي، على حد قول عدلي.
المعايير الدولية
وطالبت الطبيبة المعنية بملف التعذيب، بتطبيق المعايير الدولية التي تخص الحد الأدنى لظروف الاحتجاز، من حيث المساحة، والتهوية، والنظافة. إلى جانب عدد دورات المياه المناسب، وكذلك العناية الصحية، والفحوصات، والإفراج الصحي عن أصحاب الأمراض الخطيرة.
ورغم تواضع المطالب إلى الحد الأدنى الخاصة بالمعايير الدولية لظروف الاحتجاز، تؤكد ماجدة بالتوازي استمرار المطالبات بحرية التعبير. وتابعت: “يجب ألا يتم محاكمة الرأي الآخر بسيف الاعتقال، أو الإخفاء، والتعذيب، والإفراج عن كافة المحتجزين، التي تسميهم الجهات الرسمية مساجين”. وكذلك “إسقاط التهم الملفقة التي تتشابه جميعًا، وإن اختلفت أرقام القضايا، والوجوه”.
قبل أن تتكرر المأساة افرجوا عن رمضان
قبل رحيل خالد بيوم، أدانت منظمات حقوقية، في بيان، منع الرعاية الصحية عن المحامي الحقوقي محمد رمضان المحبوس احتياطيًا في سجن طرة، على ذمة القضية 467 لسنة 2020. وهي القضية التي تم تدويره إليها، في أعقاب احتجازه عامين على ذمة قضية سابقة.
وحملت المنظمات الموقعة وزارة الداخلية المسؤولية الكاملة عن سلامة رمضان، والذي تعرضت حالته الصحية إلى تدهور مستمر منذ بداية حبسه احتياطيًا في عام 2018. إذ يعاني من مشكلات صحية في القلب وضغط الدم والركبتين.
وشكا رمضان، الشهر الماضي، من شعوره بآلام مستمرة في الركبتين، إلى حد عدم قدرته على الجلوس أو الحركة بشكل طبيعي. ولكن لم تمكنه إدارة السجن من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، فكرر طلبه بالكشف الطبي.
“يرسل السجناء إلى السجن كعقاب وليس من أجل العقاب”
مفوض السجون البريطاني الكسندر باترسون
ويقول حقوقيون إن الضباط المسؤولين عن السجن قرروا التنكيل بمحمد رمضان، عقابًا على تكرار طلب الكشف الطبي. حيث جرى نقله من العنبر المحتجز فيه إلى عنبر آخر سيئ التهوية، باﻹضافة إلى منع الزيارة عنه لمدة شهرين.
وألقي القبض على رمضان بالإسكندرية، ديسمبر عام ٢٠١٨، على خلفية نشره صورة شخصية مرتديًا “سترة صفراء” على صفحته في “فيسبوك”. وقررت النيابة حبسه في اتهامات منها “الانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة”، على ذمة القضية رقم ١٦٥٧٦ لسنة ٢٠١٨ إداري المنتزه.
وبعد عامين من حبسه احتياطيًا، قررت غرفة المشورة المنعقدة بمحكمة جنايات الإسكندرية إخلاء سبيل محمد رمضان، في ٢ ديسمبر عام٢٠٢٠. إلا أن وزارة الداخلية لم تخل سبيله، إلى أن تم عرضه في ٨ ديسمبر، على نيابة أمن الدولة العليا. والتي قررت حبسه على ذمة القضية رقم ٤٦٧ لسنة ٢٠٢٠ حصر نيابة أمن الدولة العليا.
تشابهت الاتهامات والحبس واحد
تشابهت الاتهامات الجديدة مع القديمة، أضيف إليها محضر تحريات أمنية يزعم نشره رسائل من محبسه تهدف لزعزعة الاستقرار. وظل رمضان قيد الحبس الاحتياطي من خلال قرارات تجديد حبس ورقية دون حضوره من محبسه.
وبحسب بيان المنظمات أصيب رمضان بقصور في الشريان التاجي، وهو محبوس على ذمة القضية الأولى، بسجن برج العرب. وارتفاع ضغط الدم كذلك.
ومنذ بداية العام الجاري، وفي أقل من أربعين يوماً، توفي سبعة سجناء نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة. أربعة منهم توفوا خلال 72 ساعة فقط.
وشهدت الأيام الأربعة الأولى من فبراير الماضي ، أربع وفيات داخل السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، كلّها لمصابين بفيروس كورونا.
حينها علقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان بالقول: “تكتم مريب من وزارة الداخلية، وصل إلى حدّ إيداع اثنين من المتوفين في ثلاجات الموتى من دون إعلام أسرتيهما، واكتشاف الأهالي بالصدفة وفاتهما من المعتقلين الآخرين”.
وأشارت إلى “التغاضى عن الظروف القاسية التي يعيشها المعتقلون، والحالة المزرية للسجون ومقار الاحتجاز بدون توفر مرافق مناسبة للحياة الآدمية. أو توفر الحدّ الأدنى من الرعاية الصحية اللازمة لهؤلاء وسط تكدس كبير يفوق الطاقة الاستيعابية للسجون كافة”.