ما العمل ؟ (الحلقة الأخيرة)
أخطر ما يوجهنا في قضية سد النهضة، هو ما تحاول أن تفعله إثيوبيا ضاربة عرض الحائط بكل المعاهدات والقوانين الدولية، وهي تهدف من بناء السد إلى تحقيق هدفين هما:
أولاً – تحويل النيل الأزرق من نهر دولي إلى بحيرة إثيوبيا.
ثانياً – التحكم في كميات المياه التي تصل إلى دولتي المصب السودان ومصر.
اقرأ أيضًا:
سد النهضة| حكايات مما وراء السد (1)
بالنظر إلى الاتفاقيات الحاكمة الموجودة، نجد أن هناك العديد من الاتفاقيات التي تم توقيعها وهي على سبيل المثال لا الحصر، برتوكول روما 1891 بين بريطانيا وإيطاليا، واتفاقية أديس أبابا 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، ومعاهدة لندن بين بريطانيا وبلجيكا 1906، وأيضاً اتفاقية 1929 بين مصر وبريطانيا، واتفاقية 1932 بين مصر وبريطانيا، واتفاقية 1959 بين مصر والسودان. إضافة إلى الاتفاقية الخاصة باستخدام المجاري المائية في الأغراض الملاحية والتي أقرتها الأمم المتحدة عام 1997 وقد وقعت عليها مصر والسودان ورفضت إثيوبيا التوقيع.
يوجد عدد من المفاهم القانونية الهامة عند تناول قضية سد النهضة وحقوقنا المائية منها:
الأمن المائي
يعتبر مفهوم الأمن المائي أو “الأمن القومي المائي” أحد أبعاد الأمن القومي، وذلك لما يمثله من أهمية في تنمية واستدامة الحفاظ على كيان الدولة. لذلك اتجهت العديد من الدراسات لتعريف مفهوم الأمن المائي على أنه :احتياجات الفرد المائية على مدار العام، وهو ما عرف بـ”حد الأمان المائي، وهو متوسط نصيب الفرد سنويا من الموارد المائية المتجددة والعذبة في الاستخدامات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. وحدد هذا النصيب عالميا بمقدار 1000 متر مكعب للفرد/ سنة؛ وإقليميًا هنالك آراء تذهب حتى 500 متر مكعب للفرد/سنة.
اقرأ أيضًا:
سد النهضة| حكايات مما وراء السد (2)
العدالة المائية
إن العدالة المائية مفهوم واسع يصعب تعريفه بشكل دقيق لكنه يستند إلى:
- الآليات الملائمة للاستفادة بإنصاف من المياه العابرة للحدود.
- عدم تعريض المياه لقوي العرض والطلب؛ لأنها مورد اجتماعي وليس اقتصاديًا.
- مراعاة قواعد العدالة والإنصاف بين جميع المنتفعين لتحقيق المصالح المتناقضة.
- أن تتضمن مفهوم التنمية المستدامة لحفظ حقوق الأجيال القادمة من المياه.
- اعتبار المياه أحد عناصر الأمن الإنساني لأنه ضروري للبقاء.
( د/ ناصر السر ناصر محمد – سد النهضة الإثيوبي: وضعه القانوني، وأثره على الأمن القومي في حوض النيل – مجلة السودان العدد السابع – سبتمبر 2016 م – صفحة 3 )
مبدأ عدم الإضرار
يعتبر مبدأ عدم الإضرار من المبادئ الجوهرية في مجال استخدامات مياه الأنهار الدولية، حيث بات مستقراً وتم إقراره في العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، فضلاً عن التطبيقات القضائية له، ومن الثابت أن هناك قاعدة قانونية قديمة استقرت في القانون الروماني نصها: “استعمل ما هو مملوك لك دون الإضرار بالآخرين”، الأمر الذي يدعونا إلى محاولة الوقوف على المفهوم الدقيق لوصف الضرر وبيان الأساس القانوني لمبدأ عدم إحداث الضرر.
اقرأ أيضًا:
سد النهضة| حكايات مما وراء السد (3)
ويعرف الضرر بأنه: “انتهاك لحقًّ قانونيًّ معني. ويعرف أيضاً بأنه: مساس بحق أو مصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون الدولي. وتدخل الدولة في نطاق المسئولية متى تسببت في إحداث الضرر، بحيث يترتب على هذا الضرر إنقاص لنصيب دولة متشاطئة من دول الحوض للمياه، أو ينتج عنه إحداث نقص في كمية المياه المتدفقة نحو بقية الدول المتشاطئة. أو إحداث تأثيرات على نوعية المياه عن طريق صرف الملوثات الطبيعية أو الصناعية في النهر. (الدكتور مساعد عبدالعاطي شتيوي – الضوابط القانونية الحاكمة لإنشاء المشروعات المائية على الأنهار الدولية “دراسة تطبيقية على حوض النيل” – مجلة أفاق أفريقية – الهيئة العامة للاستعلامات)
أهم مبادئ القانون الدولي الداعمة لمصر
وضع القانون الدولي عددًا من المبادئ في القضايا المشابهة لقضية مصر تجاه سد النهضة الإثيوبي، والتي يمكن البناء عليها والاستفادة منها وهي:
التوارث الدولي للمعاهدات
أكدت اتفاقية فينا لخلافة الدول في المعاهدات، والتي تم إقرارها في 23 أغسطس 1978، مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات. واتضح ذلك بداية من الموافقة علي مبدأ توارث وقدسية الحدود وهو ما انتهت إليه الدول الأفريقية بشكل خاص في اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية سابقاً – الاتحاد الإفريقي حالياً – وذلك يشمل التأكيد على شرعية اتفاقيات مياه النيل السابقة والتي تدعي دول المنبع بطلانها وتصر على تغييرها.
الانتفاع المنصف والعادل للمجاري المائية
تدعو مصر إلى إعمال هذا المبدأ عند النظر في مسألة توزيع الأنصبة المائية في حوض النيل، حيث يتعين حصول كل دولة على نصيب عادل ومنصف عند تقاسم مياه النهر، وقد تعرضت المادة الخامسة من قواعد هلسنكي للقانون الدولي لعام 1966 لتحديد ما يعرف بمبدأ الاقتسام العادل والمنصف، وتضمنت أحد عشر مؤشراً إرشادياً في هذا المجال. وقد أكدت اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997على ذلك، وأخذت في الاعتبار عوامل الجغرافيا والمناخ، والحاجات الاقتصادية والاجتماعية والوزن النسبي للسكان الذين يعتمدون على النهر، وهو ما يعد في صالح مصر.
اقرأ أيضًا:
أصابع إسرائيل تعبث في منابع النيل| حكايات مما وراء السد (4)
الحقوق التاريخية المكتسبة
يقوم هذا المبدأ على فكرة مؤداها احترام الكيفية التي جري العمل بها في اقتسام واستخدام مياه النهر الدولي، فيما بين الدول المتشاركة في مجراه، بشرط أن يكون هذا الاقتسام والاستخدام قد جري تطبيقه لفترة تاريخية طويلة إلي الحد الذي تصبح معه حصة المياه التي تستخدمها الدولة واقعاً متواتراً لفترة طويلة دون اعتراض دول النهر، وبحيث تصبح هذه الحصة ذات أهمية حيوية في حياة الدولة المستفيدة.
شرط الإخطار المسبق عن التدابير المزمع عقدها في أي دولة
يعتبر هذا الشرط أحد العوائق الرئيسية في المفاوضات المستمرة بين دول حوض النيل، خاصة المفاوضات التي صدر عنها اتفاق عنتيبي من جانب بعض دول المنبع وحدها. ورؤية مصر بشأن الإخطار المسبق تتحد في أنه يمثل التزاما لدول المنبع؛ لأن دول المصب في حالة القيام بأية مشاريع لن تؤثر على دول المنبع، في حين يحق لدول المصب أن تقلق من مشروعات وأعمال في دول المنبع من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه، وذلك باعتبار أن النيل ليس مجرى لدولة بذاتها، وإنما هو مجرى مشترك بين دول الحوض جميعاً، وهو ما أكدته اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية 1997.
(منتدي البدائل العربي – عادل نبهان النجار – المسألة المائية وسد النهضة الإثيوبي “الإشكاليات وإطروحات للحل – صفحة 4 – 6)
اقرأ أيضًا:
مصر والفقر المائي| حكايات مما وراء السد (5)
ولذلك فإن مقارنة السد العالي بسد النهضة هي مقارنة كاذبة لأن الضرر مختلف. لذلك يوجد في القانون الدولي والسوابق الدولية المشابهة ما يدعم الموقف المصري، ولكن لا نجد مبررًا لاستطالة المفاوضات لأكثر من عشر سنوات، وإتمام الملء الأول والتصميم على استكمال المشروع والبدء في الملء الثاني خلال يولية المقبل، لذلك يبقي أمامنا سؤال المستقبل وهو ماذا نفعل في مواجهة الصلف والتشدد الإثيوبي والتأييد الأفريقي والدولي للموقف الإثيوبي.
ما العمل؟
- مطالبة إثيوبيا بالوقف الفوري لأعمال البناء في السد لحين التوصل إلى اتفاق وتقديم الدراسات اللازمة عن السد، والتأكيد على أن حوض نهر النيل تنظمه الاتفاقيات والقوانين الدولية وهو ليس بحيرة إثيوبية، بل نهر دولي عليه عدد من الدول المتشاطئة.
- رفض أي انتقاص من حصص مصر والسودان المائية والراسخة منذ سنوات والمحمية بالاتفاقيات والقوانين الدولية والسوابق المشابهة في أحواض الأنهار الدولية، واتخاذ كافة الأساليب اللازمة لوقف أعمال بناء السد ورفض التعبئة الثانية، وعدم الصمت حتى تتحول إلى أمر واقع.
- شن حملة إعلامية دولية خلال أسبوعين لتعريف الرأي العام العالمي بعدالة الموقف السوداني والمصري وأطماع إثيوبية الإقليمية في تحويل حوض النيل إلى بحيرة إثيوبية.
- التمسك بالتنسيق التام مع السودان باعتبار سد النهضة قضيتنا المشتركة ودعم كل أشكال التنسيق الداعمة للموقف المشترك في المحافل الدولية ووقف أعمال البناء.
- وقف التعامل مع الولايات المتحدة والبنك الدولي كأطراف ثبت بالتجربة تواطئهم مع الأطماع الإثيوبية، وهم يؤيدون تسليع المياه.
- دعم السودان في مطالبتها باسترداد أراضي بني شنقول المقام عليها السد.
- المشكلة ليست السد بل الثقل السياسي والإقليمي لمصر ومستقبل علاقتها بالمنطقة وبالعمق الإفريقي.
- استخدام كافة الوسائل والأساليب السياسية والعسكرية لوقف الملء الثاني، وإلا نصبح موافقين للمرة الثالثة بعد توقيع اتفاق النوايا في 2015 ثم الموافقة على الملء الأول.
سد النهضة يهدد استمرار الحياة في مصر والسودان ويهدد وضع مصر في المنطقة وثقلها السياسي. وليكن التحرك بحجم الخطر.