حظيت قضايا المرأة باهتمام القائمين على الدراما خلال الماراثون الرمضاني لهذا العام، وإن غاب عنها البعد الثالث في التناول. ولكن يحسب لها الخوض في قضايا لم تكن مطروقة بهذا الشكل من قبل.
حضور قوي للمرأة في دراما 2021 حيث لم تعد تكتفي بدور “السنيدة” أخت البطل “الرجل” الشريرة، أو حبيبته الضحية. وبغض النظر عن الحبكات الدرامية غير المقنعة في أغلبها. كان للدراما الفضل في إشعال وسائل التواصل الاجتماعي بقضايا حرص المجتمع على السكوت عنها لسنوات.
تمثل المسلسلات الرمضانية وجبة درامية دسمة، اعتدنا معها أن تكون مصدر للتأثير الثقافي الاجتماعي. لكن مع بروز نجم التواصل الاجتماعي، استطاع الجمهور فرض قضاياه على كٌتاب الدراما. فأصبحت الرسائل متبادلة، ولكن الود غير موصول.
لم تكن ظاهرة الاحتكار الدرامي التي ترجع إلى قلة عدد الجهات المنتجة، الأساس الوحيد للود غير الموصول. وإن لعبت دورها في ذلك، ولكن أيضًا هناك ما يشبه الاستسهال في التناول. ربما لظروف إنتاجية تتعلق بالوقت، عملت على تسطيح قضايا حساسة بشكل مخل. إذ لم يٌرض الجمهور في أغلبه وظهر في استخدامه لـ”الميمز” والسخرية من الأحداث والشخصيات الدرامية.
الملاحظ الميل الدرامي لتناول قضايا “الترندات” التي خاضت فيها النساء معارك على مدار العام. لكن مع ذلك بدت ضعيفة في عرضها، كما أن بعضها مر مرور الكرام.
الاغتصاب الزوجي و”أنت غبية يا هنا”
طالما كان الاغتصاب الزوجي من القضايا التي رفض الخوض فيها، ارتكانًا على سردية “إن رفضتي دعوتي، تلعنك الملائكة“. ما دعا كثير من النساء للتعايش مع الأمر.
عرضت الدراما لهذا النوع من الممارسات العنيفة عبر أكثر من مسلسل، أبرزها مسلسل لعبة نيوتن. حين واقع “مؤنس” زوجته “هنا” بغير رضاها. وعلى قدر بشاعة المشهد، والرعب الذي شعر به المشاهدون، كان الأمر بمثابة الصدمة.
الصدمة التي أدت إلى شعور كثير من النساء أن الأمر يمسسهن شخصيًا. بينما نزع بعض الجمهور إلى إنكار الأمر، حتى المرأة نفسها. إذ فاجأتها الدراما بأنها ليست ملك يمين الرجل كما هيأ لها عبر سنوات.
تكرر المشهد في “لحم غزال” و ملوك الجدعنة”. لكن يبدو أن المخرج تامر محسن نجح في رسم المشهد بدقة. وقدر الرعب الكامن وراءه، مما خلق الجدل الدائر حول، بالسلب، أو بالإيجاب.
في الوقت نفسه خلقت “هنا” بطلة مسلسل لعبة نيوتن حالة من الجدل عبر حلقات المسلسل. ووقف معها الجمهور عند عدد من القضايا، مثل معركة الطلاق الشفهي التي لخصها الزوج الأول “حازم” بكلمة “بمزاجي”. وهي أحد الميزات التي يمنحها الزواج الموثق، أي الطلاق من طرف واحد.
وعن شخصية “هنا” التي رسمها محسن للجمهور كشخصية ضعيفة متعلمة ولكنها غير مثقفة. تحاول عبر سفرها إلى الولايات المتحدة، وبإنجليزية ضعيفة، إثبات نفسها في مواجهة الزوج الأبوي. ذلك المؤذي نفسيًا النازع إلى السيطرة. ومع ذلك لم يحاول المؤلف انجاح محاولاتها في الاستقلال عن هذا الزوج الضار بالصحة النفسية.
بل مال إلى تكرار الخطأ السابق، وبدلًا من التحرر، كُبلت “هنا” بأغلال جميل “مؤنس” عليها، وتزوجته لتعيش تجربة أسوء. بالإضافة إلى سحب تعاطف الجمهور معها، بعد أن بدت أنها تستغله. وتتحول بشكل غير مفهوم، لشخصية مادية نفعية، تحاول استغلال ثروة زوجها في الترقي الاجتماعي.
هذا التحول في شخصية “هنا” بدوره بدا معه الزوج السابق أخف الضررين. في رسالة مفادها “الأذى اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش”. وأن المرأة الشرقية حمقاء بطبعها مهما مرت من تجارب “وتستاهل اللي يجرالها”.
ولاية المرأة والمرض النفسي الذي تلاعبت بهما “زيزي”
في مسلسل “خلي بالك من زيزي” الذي بدا إجمالًا “أحسن الوحشين” على مستوى قضايا المرأة في الدراما الرمضانية. إلا أن التفاصيل بدت مجحفة وسطحية بحق قضايا مهمة، مثل الولاية التعليمية.
حين تركت والدة الطفلة “تيتو” بلدة زوجها، واتجهت للقاهرة. وعملت على نقل ابنتها من المدرسة بنفسها بكل سلاسة. في غبن وتجاهل واضح لقضية شغلت النساء لعقود، وهي الولاية التعليمية. وكم المشكلات التي تواجهها المرأة في حالة محاولة اتخاذ قرار يخص تعليم أبناءها، حتى في حالة كانت الحضانة ترجع لها.
في القضايا المهدرة أيضًا عرض “ملوك الجدعنة” التحرش كممارسة تطلبها البطلة طمعًا في فضيحة. إذ يضطر الأب لتزويج ابنته من حبيبها، في مساس واضح بمسألة العلاقات الرضائية. وإن كانت هناك علاقة حميمة.
أما شخصية زيزي نفسها فقد بدت أقرب للحماقة، والعصبية منها إلى المرض النفسي. ما يسئ للفكرة ككل. إلى جانب تبرير خيانة زوجها لها في السر بفضل عصبيتها، بدلًا من المواجهة. زاد عنفها من تعاطف الجمهور مع الرجل رغم جبنه، وانانيته حتى مع الحبيبة.
الطلاق الصامت والاستقلال الغائب عن الدراما
ولكن يحسب للمسلسل عرضه بشكل سلس لفكرة الطلاق الصامت، عبر أسرة زيزي وخالتها. التي تحملت لسنوات الزواج بدعوى الحفاظ على استقرار الأطفال. ما أورث الابنة الغضب التي اكتسبته من شعور والدتها الدائم بالحنق. كذلك خالتها التي تحملت رفض زوجها لها نتيجة عدم استقلالها المادي، بل وزواجه من أخرى لسنوات.
ورغم الإشارة إلى أهمية الموقف الاقتصادي للمرأة في اتخاذ قرار الطلاق، إلا أن الأمر لم يعرض بالشكل المُرضي. فبدت مشاكل زيزي، وخالتها المادية ليست ذات شأن، في حين تهدد النساء في مجتمعاتنا مشكلات أكثر حساسية تتعلق بالمأوى والمأكل. خاصة في حال عدم وجود أطفال. حيث لا تشارك المرأة ثروة زوجها حتى لو قضت سنوات عمرها تجمعها معه.
كما تفاجأ الجمهور باستمرار وجود بيت الطاعة في القانون. الذي يحرم المرأة كافة حقوقها في حالة رفضت الرجوع للمنزل جبريا، بوصفها ناشز. لكنه لم يؤكد أن بالامر إهدار لكرامة المرأة، وحقها كإنسان.
ولا نعلم تحديدًا لماذا تغيب فكرة استقلال المرأة عن الدراما؟ رغم منطقيتها في ظل صعوبة الحياة مع الأسرة في حالة زيزي. وفرصة “هنا” الذهبية بوجودها في أمريكا.
زنا المحارم وفتيات التيك توك
وفي بند المسكوت عنه يحسب لمسلسل “لحم غزال” تحرش الأب بابنته. ورغم تناول السينما في السابق على استحياء لقضية زنا المحارم، إلا أن الدراما التلفزيونية طالما تجنبت مثل هذه الموضوعات. بدعوى أنها تدخل البيوت، في ظل حساسية القضية.
ولكن في الوقت نفسه ربط المسلسل بين الضحية المراهقة، وموقع الـ”تيك توك”. للتدليل على فساد أخلاقها نتيجة ممارسات والدها، في تأكيد على الرواية الرسمية في حق بنات “التيك توك”. اللاتي تمت محاكمتهن لمجرد الولوج لهذا الموقع ووصمهن نتيجة صناعة محتوى يخص أجسادهن.
وللأسف في أغلب الأحيان عملت الدراما على تبرير العنف ضد المرأة. كما لم يقتصر الأمر على “لحم غزال”. بينما يصفع البطل النجمة “غادة عبدالرازق” بطلة المسلسل على وجهها، يفاجئ المشاهد بامتنانها لسلوكه. بقولها “القلم دا فوقني”، تكرر الموقف في نفسه في أكثر من عمل درامي، فللعنف دائما مبرراتهعلى شاشة رمضان.
الطاووس و”سامحوني مكنش قصدي”
أما الطاووس الذي تردد انه يجسد واقعة “الفيرمونت” مع اختلاف المعالجة. بدت الحبكة الدرامية مبشرة، عبر بروزة الواقع الطبقي بقوة. إذ يجعل من أجساد النساء الفقراء مباحة لرجال الطبقة المخملية.
وتدور أحداث المسلسل حول تعرض فتاة لحادث اغتصاب على يد مجموعة شباب من أبناء ذوي السلطة والنفوذ. لتلجأ إلى محامي تعويضات لتولي الدفاع عنها.
ومنذ بداية عرضه أثار المسلسل الجدل، بعد عرضها مشهد اغتصاب البطلة، التي رأى فيها المجلس الأعلى للأعلام. مخالفة لقيم الأسرة، وضرورة للتحقيق مع صناعه. بينما اعتبره الجمهور خطوة جريئة لمناقشة قضية حقيقية وظهر الدعم من خلال هاشتاج “ادعم مسلسل الطاووس”.
ولكن جاء مسلسل “الطاووس” دون التوقعات في بعض مناحيه، فبينما عمل على إظهار ضعف نفوس فقراء الحارة الشعبية. واستعدادهم لبيع كرامتهن في مقابل الأموال. كذلك عمل أيضًا على جلب التعاطف مع المغتصبين، وأظهرهم كنادمين على أفعالهم فأحد الابطال يتوب ويتجه إلى الله. بينما يبادر الآخر إلى الانتحار، في حين جسد المسلسل محامي الضحية “جمال الأسطول” كبلطجي، خارج عن القانون.
ومع ذلك يحسب للمسلسل تماسك أوراقه، وخوضه في قضية الوصم المجتمعي للضحية، ومستقبلها المبهم، حتى وإن عمل القانون على إبراء ساحتها.