شهد موسم دراما رمضان المنتهي تركيزًا من صناع الدراما على الإبهار البصري حتى لو كان مغايرًا للقصة. وذلك صنع عوالم تصويرية غريبة لا ترتبط بالمضمون، بديكورات مصطنعة شديدة الافتعال، وقصور فاخرة مليئة بالتماثيل. أو صناعة أحياء كاملة من أجل التقاط بعض المشاهد فقط.
غرائب “نسل الأغراب“
مسلسل “نسل الأغراب” الذي يدور عن الصعيد مثال صارخ على غياب المنطق بكافة المستويات. بدايةً بالحوار الذي افتقد المنطقية في غالبية جوانبه، وإقحام جمل من أجل ترويجها على السوشيال ميديا، رغم ابتعادها عن المضمون كعبارة “كتّع كسّل كسّح”.
على المستوى الإخراجي، كان العمل مليئًا بالأخطاء. لاسيما تحّيز محمد سامي لزوجته مي عمر؛ كونها الفنانة الوحيدة بالعمل التي تضع “ماكياجًا” كاملاً لتبدو أجمل من الأخريات. ثم مشاهد الطعام التي استخدم فيها أحمد داش وأحمد مالك “الشوكة والسكينة” لتناول “المحشي”، أو العمامات غير المضبوطة في طريقة لفّها.
رسم سامي صورة هوليودية لصعيد مزعوم بقصور ذات قباب زجاجية، يدخلها ضوء الشمس من كل حدب وصوب. بالإضافة إلى معارك ضارية تمتلئ بالضجيج اللفظي لا الاشتباك الفعلى. فضلاً عن أداء تمثيلي يعتمد على “الجعر والنعر”؛ لإثبات الشرور من دون أن تحقق مآربها أو تعادل نظرة واحدة للراحل عبدالله غيث في “ذئاب الجبل”.
ترزي “موسى” يُفصّل بدلة فنية لمحمد رمضان
مسلسل “موسى” هو الآخر يعجّ بالأخطاء، كاستخدام اللغلة الحالية للتعبير عن سوهاج إبان الحرب العالمية الثانية أو قبل ٩٠ عامًا. أو كتابة جمل حوارية ومشاهد على مقاس البطل محمد رمضان تتماشي وكونه “نمبر وان”.
وحسب المسلسل، يأتي رمضان في ثوب الشاب القوي الذي تقع جميع النساء في حبه، ويقاتل ويهزم الجميع سواء كان إنجليزيًا أو فرنسيًا أو قاهريًا أو حتى إسكندرانيًا.
مع طرح برومو العمل، توقع الجمهور أن يرى في موسى “أدهم شرقاوي” جديدًا، يحارب الاحتلال الإنجليزي. ومع استمرار العمل اكتشف المشاهد قصة تقليدية عن الثأر في الصعيد، ملئية بالعنف الذي لم ينتهي عند البشر فقط، امتد إلى الحيوانات أيضًا.
آفة الاستسهال
الحديث عن الأخطاء في دراما رمضان يحتاج إلى كتيب صغير لرصدها وغالبيتها جاءت من آفة الاستسهال. ويكفي التدليل بمشهد شراء محمد رمضان دواء لأمه، فبعدما ألقى الزجاجة على الأرض عندما اكتشاف وفاتها، جاءت فارغة حتي من بعض قطرات المياه.
لا تستغرب كثيرًا إذا وجدت غادة عبدالرازق تضع “ماكياجًا” كاملاً وطلاء الأظافر ومهنتها جزارة، أو أن يكون طاقم بيع “الكوارع والمنبار” من “الموديلز” الجميلات في مسلسل “لحم غزال”، أو أن يتحدث ياسر جلال في هاتف مقلوب لتكون سماعة الأذن أمام فمه في مسلسل “ضل راجل”. أو أن يكون أمين الشرطة في مسلسل “ملوك الجدعنة” بـ4 شرائط بدلاً من 3.
فى غالبية مسلسلات دراما رمضان، جاء الأبطال بابتسامة هوليودية ساحرة، بأسنان بيضاء، آتية على الفور من محل تجميلي. وهي تعطي بدورها ابتسامة لا تتناسب إطلاقًا مع طبيعة الحياة فى ثلاثينات القرن الماضى. أو لأناس قاطنين في أحياء شعبية فقيرة تتبادل شفاههم النرجيلة مع السيجارة.
خيوط اللامنطقية والاقتباس
لا مجال للحديث عن المنطقية في مسلسلات رمضان، فالجمهور عليه المشاهدة صامتًا، دون تفكير لأنه لو فكر فلن يشاهد. فبعد رحلة ماراثونية في مسلسل “لعبة نيوتن” تعرَّض المشاهد لصدمة. وتساءل: ما فكرة المسلسل الذي تحدث في البداية عن حلم الإنجاب في الخارج من أجل الجنسية إذا كان الطفل سيعاد تسجيله بشهادة ميلاد مصرية؟
ورغم حرص يوسف الشريف على تقديم أعمال فنية مبتكرة خارج الصندوق، إلا أنه لم يكن موفقًا في الموسم الرمضاني الأخير، بعدما قدّم قصة شديدة الغرابة، لا يمكن تصنيفها ضمن الخيال العلمي أو الفانتازيا أو حتى الدراما.
يعج المسلسل باللامنطقية والاقتباس، فهو مجرد تجميعة من الأفلام الأجنبية التي تحدثت عن الزومبي. ولكن بطريقة محلية سطحية، لا تتناسب وأجواء كورونا؛ كحديث طبيب في المستشفي عن أن الوباء شيء بسيط سيتم اكتشاف علاج له، وهي حملة حوارية لا تراعي مخاوف العالم الحالية من موجات كورونا المتتالية. أو رجوع طبيب من المعاش ليفرض سطوته على الجميع دون مبرر، أو حتى اكتشاف كيفية العبور بين الموتى الأحياء دون ملاحظتهم بعبوة شامبو معززة بالكرياتنين في اكتشاف شديد الطفولية.
الصراخ الصوتي
وتقول الناقدة ماجدة خير الله إن مسلسل “نسل الأغراب” يعتمد في المقام الأول على الصراخ الصوتي. وهي الوسيلة التي يعتمد عليها العمل لإلصاق تهمة الشر بالأبطال أكثر من التعبير بالقدرات التمثيلية ذاتها للممثلين. وتلك فكرة قديمة اختفت من الدراما منذ قرن تقريبًا. وأوضحت أن الشر يمكن تجسيده بحركات الأعين والوجه دون الحاجة إلى الافتعال المبالغ فيه.
وتقول خير الله، لـ”مصر 360″، إن من بين كثافة الأعمال الرمضانية الأخيرة، ثمة أعمال قليلة جذبت الانتباه. في مقدمتها “لعبة نيوتن” التي تمت كتابته بشكل جيد خاصة تفاصيل الحياة اليومية للشخصيات، والربط الكببير بينها. وأشارت إلى أن فكرة السفر للخارج من أجل الإنجاب جرى تقديها عشرات المرات، لكن المسلسل تميز في التفاصيل.
لا يبتعد الناقد نادر عدلي بعيدا إذا يضع الكثير من الأعمال في قائمة الأسوأ بينها “كوفيد 25” كأسوأ مسلسل، وأمير كرارة وأحمد السقا كأسوأ أداء تمثيلي بين الرجال. بينما تربعت “غادة عبدالرازق” على عرش الأسوأ في الممثلات عن مسلل “لحم غزال”.