قبل أيام معدودة من انفجار المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها المتاحة على كامل أرض فلسطين التاريخية ضد الاعتداءات والاستفزازات الاسرائيلية انطلاقا من القدس المحتلة بمسجدها الأقصى وحي الشيخ جراح، أوصى تقرير لكبرى المنظمات الأمريكية الدولية لحقوق الإنسان الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” بإصدار بيان رسمي يعرب عن القلق بشأن ارتكاب السلطات الإسرائيلية جريمتي الفصل العنصري و الاضطهاد ضد الفلسطينيين، والمصنفتين كجرائم ضد الإنسانية. كما طالب تقرير منظمة “هيومن رايتس وواتش” المعنون ” تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد” بربط المساعدات الأمريكية العسكرية والأمنية لتل أبيب باتخاذها خطوات ملموسة لإنهاء ارتكاب الجريمتين، وكذا فرض عقوبات على المسئولين الإسرائيليين.
ناهيك عن المطالبة بدعم عملية التحقيق والمحاسبة التي انطلقت من محكمة الجنايات الدولية بقرارها في فبراير العام الجاري مد ولايتها القضائية على الجرائم الدولية الجسيمة المرتكبة في الأراضي الفلسطينية بكاملها بما في ذلك القدس الشرقية، وإعلان مكتب المدعية العامة في هذه المحكمة مارس الماضي فتح تحقيق رسمي في هذه الجرائم.
وتمثل التطورات الجارية حاليا على الأرض ومعها هذا التقرير فرصة للإطلاع على التقدم الذي لحق بخطاب كبرى المنظمات الحقوقية العالمية تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن أن نتخذ تحديدا من ” العفو الدولية” و “هيومن رايتس واتش” نموذجا. وأيضا للوعي بالمسافة بين هذا الخطاب الحقوقي الدولي ومواقف واشنطن الرسمية. على ضوء لحظة الصراع الساخنة الجارية في فلسطين.
إنه “الأبارتهايد” حتى في فلسطين 1948
تقرير “هيومن رايتس واتش” الذي استخدمت نسخته الإنجليزية مصطلح “الأبارتهايد” لوصف سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي يقع في 213 صفحة، ويتأسس على عمل ميداني دام لنحو العامين وجمع شهادات من أربعين مصدرا/ شخصية، فضلًا على دراسات حالة أجريت خصيصًا من أجل التقرير، وتراث وافر من نتائج أعمال منظمات المجتمع المدني والحقوقي الإسرائيلي والفلسطيني الناقد لسياسات الاحتلال العنصرية. وهو يغطي معاناة الفلسطينين ويعترف بوحدتهم كشعب سواء أكان في الضفة الغربية أو قطاع غزة والقدس أي الأراضي المحتلة عام 1967 أو في فلسطين المحتلة مع النكبة مايو 1948 “فلسطينيو 48″ أو اللاجئين في الشتات. ولقد جاءت التطورات الميدانية على الأرض في عموم فلسطين وانتفاض شعبها بكامل مساحتها التاريخية وبعد أيام من اصدار التقرير مصداقا لما رصده ولاستخلاصاته.
وهذا التقرير بشموله وفي تفاصيله يمثل نقلة لافتة في خطاب المنظمة الكبرى الأمريكيية بخاصة و الحركة الحقوقية الدولية عموما باتجاه أخذ السياسات والممارسات الإسرائيلية في سياقاتها ” العنصرية/ الصهيونية/ الإرهابية “، وإن كان لم يجرؤ على استخدام المصطلحات الثلاث هذه صراحة، متجنبا ـ على الأرجح ـ الصدام المباشر مع تراث ثقافي استعماري غربي مازال ثقيل الوطأة داخل مجتمعات هذه المنظمات الحقوقية.
ويقدم تقرير “الواتش” خلفية ثرية بالحقائق لتفسير انتفاض فلسطيني 48 ضد السلطات الإسرائيلية الآن، والتي أضاف اليها العدوان على حرية العبادة بالأقصى وحي الشيخ جراح بالقدس عوامل مساعدة لاشتعال الموقف حاليا. ويلفت النظر إلى أن المشاركة والتصويت في انتخابات ” الكنيست” لا تجعلهم بمنأى عن التمييز المؤسسي المنهجي ضدهم. ففلسطينيو 48 كانوا ومازالوا ولليوم ضحية لمصادرة أراضيهم وهدم منازلهم وحظر ومنع لم شمل عائلاتهم، ناهيك عن أوجه التمييز المتعددة في الخدمات وفرص العمل، وكذا في أسلوب تعامل قوات الأمن معهم. وهذا لكونهم غير يهود. وتنعش “هيومن رايتس وواتش” الذاكرة بحقائق وإحصاءات على هذا التمييز العنصري. وهذا من قبيل أن فلسطيني 48 ( نحو 1,6 مليونا ) يمثلون نحو 19 في المائة من سكان إسرائيل ( فلسطين المحتلة مع النكبة) لكنهم لا يعيشون إلا على 3 في المائة مساحة هذه الأرض.
ويرصد التقرير هدم نحو عشرة آلاف بيت لهم بمنطقة النقب وحدها بين عامي 2013 و 2019، وعدم اعتراف السلطات الإسرائيلية بخمسة وثلاثين قرية في هذه المنطقة وحدها وما يترتب على ذلك من حرمان نحو 90 ألفا من سكان هذه القرى من الكهرباء والمياة ومرافق التعليم وغيرها، وبهدف اجبارهم على ” التهجير القسري”.
اقرأ أيضًا.. المنضدة والميكروباص والحمارة وآخرون| كائنات “كرم صابر” عندما تحكي
وعموما يخلص التقرير إلى اعتماد إسرائيل “نظام مواطنة مزدوج المسارات” لايساوي بين الفلسطينيين واليهود في العديد من أوجه المعاملة، بما في ذلك منح تراخيص البناء ومخصصات البلديات، فمن بين 804 ملايين دولار خصصتها الحكومة الإسرائيلية للسلطات المحلية في إبريل 2020 لمواجهة تفشي وباء “كورونا” كان نصيب بلديات فلسطيني 48 منها 1,7 في المائة فقط. ويقدم التقرير كدراسة حالة مدينة ” الناصرة” كأكبر تجمع لفلسطيني 48، وكيف يجرى خنفه واهماله لصالح انتعاش تجمع يهودي استيطاني مستحدث على مقربة منها يدعى “نتسريت عيليت ” أو الناصرة العليا، ما انعكس على تفاوت فرص التجمعين في المساحات الخضراء وجذب السياحة.
وتعيد “هيومن رايتش وواتش” في هذا السياق اكتشاف التمييز لصالح اليهود الذي تقوم عليه وثائق وقوانين تأسيس إسرائيل وتصريحات قادتها منذ 1948. ويقارن بين الامتيازات السخية الممنوحة للمهاجرين اليهود على حساب الحقوق الأساسية للفلسطينيين ، بما في ذلك انكار حق العودة لنحو 5,7 مليون لاجئ فلسطيني أبناء وأحفاد 700 ألفا اضطروا للهجرة جراء المذابح الصهيونية. كما تنعش المنظمة الحقوقية الأمريكية الذاكرة ـ ووفق تقديرات المؤرخين ـ بأن نحو 350 من أصل 370 بلدة وقرية يهودية أنشأتها الحكومات الإسرائيلية بين 48 و 1953 جرى بناؤها على أراض صودرت من أصحابها الفلسطينيين. كما توثق استنادا إلى تقديرات دولية كون مابين 150 و300 ألف فلسطيني يعيشون إلى اليوم في إسرائيل ( فلسطين المحتلة عام 48) كمهجرين محرومين من أرضهم المصادرة.
الضفة الغربية والقدس والنهم للاستيطان
تقرير”هيومن رايتس وواتش” يخصص جانبا مهما للضفة الغربية والقدس الشرقية بوصفهما أراض محتلة مستهدفة بالاستيطان القائم على ” الأبارتهايد”، وبهدف تغيير التركيبة السكانية لصالح اليهود . وعلما بأن الميزان الديمغرافي يأتي اليوم بحقيقة مفزعة تحسب لها إسرائيل ألف حساب تحت عنوان ” القنبلة الديمغرافية العربية” حيث يتجه إجمالي أعداد الفلسطينيين إلى تجاوز أعدادا اليهود على كامل أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، و بعدما تساوت هذا العام الكفتان للمرة الأولى .. أي 6,8 مليون نسمة لكل منهما.
التقرير ترصد اليوم أيضا 280 مستوطنة أصبحت تضم نحو 600 ألفا بينهم 209 آلاف في القدس الشرقية يتوزعون في الأغلب على 11 مستوطنة منها. ويضيف التقرير ذاته احصاءات أخرى ترسم ملامح نظام ” المعازل/ البانتوستانات” دون ان يستخدم صراحة هذا المصطلح الذي يعود إلى “أبارتهايد” جنوب أفريقيا البغيض. ومن هذه الاحصاءات أن السلطات الاسرائيلية استولت منذ 1967 على نحو ثلث مساحة الضفة الغربية و فصلت الفلسطينيين بها عن بعضهم في 165 جزيرة معزولة بالمستوطنات والجدار العازل و الطرق الالتفافية، وبنحو 600 حاجزا أمنيا ثابتا ومعها 1500 نقاط أمنية غير ثابتة تسمى ” طيارة”. وفضلا عن سيطرة سلطات الاحتلال على سجلات السكان في الضفة والقطاع والقدس ومصادر التزود بخدمات البنية التحتية، تمارس على نطاق واسع هدم المنازل ومصادرة الأراضي والتضييق على الفلسطينيين بالعديد من السياسات والممارسات المتعمدة الممنهجة.
وفيما يخضع الفلسطينيون في عموم الضفة الغربية للحكم العسكري الذي يصادر حقوقهم وحرياتهم المدنية، يعاني فلسطينيو القدس ( نحو 372 ألفا) بدورهم التمييز المشدد. ويخضعون لنظام قانوني مختلف عن اليهود يعتبرهم مجرد ” مقيمين دائمين”، ويمنحهم حقوقا أقل، وحتى مقارنة بالأجانب الزائرين للمدينة. ويوثق التقرير لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلية ألغت بين احتلالها شرقي القدس يونيو 1967 و نهاية عام 2019 الإقامة الدائمة لما لايقل من 115 ألف فلسطيني منها .وفيما كان يشكل الفلسطينيون في عام 2018 نحو 40 في المائة من مدينة القدس بشطريها فإن أطفالهم يشغلون نسبة 77 في المائة بين أقرانهم ضحايا اعتقالات وملاحقات الشرطة من أطفال كل القدس.
ويوثق تقرير “ووتش” حالات عديدة تترجم سياسة طرد فلسطيني القدس من منازلهم ومصادرة أراضيهم على غرار ما هو مستهدف أخيرا مع سكان حي الشيخ جراح وانحياز القضاء الإسرائيلي ضدهم، فضلا عن شبه استحالة حصول الفلسطيني على تصريح للبناء في القدس الشرقية. وفي التوصيات يطالب التقرير الحقوقي الأمريكي بوقف بناء وتوسيع المستوطنات، وتفكيك كل القائم منها، وبإعادة الإسرائيليين المقيمين بها في الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى “داخل حدود إسرائيل المعترف بها دوليًا”.
قطاع غزة الحصار والقتل لا يتوقف
لا يخلي انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة مسئولية تل أبيب كسلطة إحتلال عن معاناة نحو إثنين مليون فلسطيني يكتظون في مساحتها الصغيرة ( 41 في 15,5 كيلو مترا فقط). وهذا وفق تحليل ” هيومن رايتس واتش” للقانون الدولي، ناهيك عن رصدها وتوثيقها لمسئولية الاحتلال عن حصار القطاع والاعتداءات العسكرية الوحشية المتكررة علي سكانه وبخاصة المدنيين وبنيته الأساسية. ويصف تقريرها قطاع غزة بأنه ” سجن بسقف مفتوح”.و فيما تحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي القطاع من اقامة مطار أو ميناء مدنيين وتحاصره بالإغلاق، تمنع عن سكانه الأدوية ومواد البناء وغيرها من الاحتياجات المعيشية الأساسية. كما تسيطر سلطات الاحتلال على سجل سكان القطاع الذي يحدد أهليه سكانه ( ومعظمهم بنسبة 70 في المائة من اللاجئين من بقية انحاء فلسطين) في الحصول على بطاقات هوية، وتحرمهم من التنقل خارجه بما في ذلك لم شمل العائلات مع أهاليهم في الضفة والقدس. كما تحرم الفلسطينين في القطاع من الخدمات الأساسية المعيشية كالكهرباء والمياه النقية، ناهيك عن الحق في التنقل والسفر الذي أشرنا إليه.
وتوثق “هيومن رايتس وواتش” لضحايا آلة القتل العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة. فانطلاقا من عام 2008 أسفرت الغارات والقصف عن مقتل أكثر من ألفي مدني معظمهم في ثلاث عمليات ( حروب ) كبرى، هي 2008/ 2009 و 2012 و 2014 ، استهدفتهم كمدنيين فضلا عن البنية التحتية للقطاع. كما توثق مقتل 218 متظاهرا سلميا بين عامي 2018 و 2020 واصابة مايزيد على الثمانية آلاف منهم بالرصاص الحي قرب السياج الفاصل ( المقصود مسيرات العودة الأسبوعية، وهذا من دون إدعاء اطلاق صواريخ المقاومة على أي نحو كان).
“العفو الدولية” تستهدف المستوطنات بحملات المقاطعة
لعل العام 2017 وبمناسبة نصف قرن على احتلال عام 1967 كان فارقا في تطور خطاب منظمة العفو الدولية ـ ومقرها لندن ـ من الاستيطان الإسرائيلي. وبحلول 7 يونيو اطلقت المنظمة حملة دولية لمقاطعة سلع مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية، وكذا لمنع الشركات في مختلف الدول من العمل في هذه المستوطنات أو الاتجار في سلعها . وجاء ذلك في بيان حمل عنوان :” يجب على الدول حظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية للمساعدة على إنهاء نصف قرن من الانتهاكات ضد الفلسطينيين”. وفي اليوم التالي صدر عن المنظمة ذاتها بيانا يحمل عنوان :” الاحتلال الإسرائيلي: 50 عاما من قمع الفلسطينيين”. انتقد ما وصفه بـ ” تقاعس المجتمع الدولي” تجاه جرائم الاحتلال الاسرائيلي. ودعا هذا البيان إلى تحرك منسق لوقف الاستيطان وإزالة المستوطنات والتصدي لهدم عشرات الألوف من منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم وتشريد مجتمعاتهم بأكملها والاستيلاء على أراضيهم لأغراض الاستيطان. وحذرت المنظمة من أن هذا التقاعس الدولي من شأنه أن يدفع إلى مزيد من تردي أوضاع حقوق الانسان الفلسطيني. وأكدت أن دول العالم ملزمة بموجب القانون الدولي بعدم الاعتراف بالوضع القانوني الناجم عن المستوطنات.
وتراث “العفو الدولية” من حملات وبيانات ونداءات وتقارير ـ حافل بجهد لافت للتصدي للاستيطان سواء على مستوى القضايا والسياسات العامة أو لحالات محددة بعينها . وعلى سبيل المثال فقد حثت في 9 يوليو 2019 موظفي شركة “تريب أدفايزر” العاملة في الخدمات السياحية على الجهر بمعارضتهم لدور الشركة في دعم المستوطنات المقامة على أراضي الفلسطينيين ومقاطعة الترويج لأنشطة جاذبة للسياحة الخارجية إليها، ومع التنبيه إلي الأثر التدميري للاستيطان على الفلسطينيين ولكونه أيضا جريمة حرب وفق القوانين الدولية.
واشتبكت المنظمة الحقوقية الدولية مع وزارة ا لخارجية الأمريكية حين اعتبرت الأخيرة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد الاستيطان الإسرائيلي بمثابة ” معاداة للسامية”. واصدرت ” العفو” لهذا الغرض بيانا في 19 نوفمبر 2020 بعنوان: “هجوم وزارة الخارجية الأمريكية على حركة المقاطعة ينتهك حرية التعبير ويعرض حماية حقوق الإنسان للخطر”. واعتبر البيان أن موقف الخارجية الأمريكية ” بمثابة هدية لأولئك الذين يسعون إلى اسكات ومضايقة وترهيب وقمع المناضلين من أجل حقوق الإنسان في مختلف مناطق العالم”.
وفي تقريرها السنوي عن احوال حقوق الإنسان في العالم عام 2020 ، استخدمت ” العفو الدولية” مصطلح ” التمييز المجحف والممنهج” لوصف ما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، وإن توقف دون استخدام مصطلح ” التمييز العنصري”. وعادت في 9 أبريل هذا العام 2021 لتشن حملة ضد ما وصفته بـ ” التمييز المؤسسي المروع ” الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين بشأن اتاحة اللقاح ضد وباء ” كورونا”.
وعادت المنظمة لتواكب الاعتداءات الأخيرة خلال شهر رمضان على المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وأصدرت تقريرا في 10 مايو الجاري بعنوان: “ضعوا حدا للقمع الوحشي للفلسطينيين الذين يحتجون على التهجير القسري في القدس المحتلة”. وقال التقرير ” أن الإدلة التي جمعتها منظمة العفو الدولية تكشف نمطا مرعبا لاستخدام القوات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة للقوة المؤذية المتعمدة ضد محتجين فلسطينيين هم في الأغلبية سلميين “. ودعت المجتمع الدولي إلى مساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها الممنهجة للقانون الدولي، وهي الانتهاكات التي وصفتها بأنها جرائم حرب وضد الإنسانية. وكانت ” العفو الدولية” قد رحبت في 3 مارس 2021 بإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية ” فاتو بنسودا” فتح تحقيق رسمي بخصوص الوضع في فلسطين والجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي في الأراضي التي تحتلها إسرائيل. واعتبرت المنظمة الحقوقية الدولية هذا التطور انجازا كبيرا للعدالة بعد عقود من عدم المساءلة والإفلات من العقاب، والذي أدى إلى ارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لما يزيد على النصف قرن.
تجاهل رسمي في واشنطن
في 27 أبريل الماضي (2021)، أطلقت “هيومن رايتس وواتش” تقريرها هذا الذي استخدم لأول مرة منذ تأسيسها قبل 43 سنة وصف ” الأبارتهايد” في مواجهة إسرائيل. كما تضمن التقرير اشارات واضحة على خطأ وخطيئة تأجيل حقوق الانسان الفلسطيني والتغاضي عنها بدعوى ” أوسلو” و” المفاوضات ” و” عملية السلام”و”حلول سياسية متوهمة في الأفق”. وإلى اليوم لم يعلق الرئيس الأمريكي الجديد بنفسه ولو بكلمة واحدة على هذا التقرير أوعلى توصيته له باصدار بيان ضد ارتكاب إسرائيل لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد المجرمتين دوليا ضد الشعب الفلسطيني . وبعد أربعة وعشرين ساعة كاملة من إطلاق التقرير سأل صحفي المتحدثة باسم البيت الأبيض ” جين باكسي”عن تقرير “هيومن رايتس ووتش ” هذا فاكتفت بأن قالت في عجال وشبه مستنكرة :” الأبارتهايد ..هذا المصطلح لايعكس وجهة نظرنا..ونحن نناقش العديد من القضايا مع الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك حقوق الإنسان”.
لكن الرئيس “بايدن” الذي ظل صامتا ومنكرا لخطورة ما ورد في التقرير الضافي الموثق لكبرى منظمات حقوق الإنسان الأمريكية والدولية عاد، وبعدما تصاعدت التطورات دامية في فلسطين وسقط نحو مائة من سكان غزة المدنيين وبينهم أطفال ونساء و أقل من عشرة بين الإسرائيليين، ليقول وبنفسه وفيما يعطل انعقاد مجلس الأمن إنه لايرى مبالغة كبيرة في رد إسرائيل على الهجمات الصاروخية. بل وتحدث بنفس لغة سابقيه في البيت الأبيض عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وثمة هنا مسافة واضحة بين واشنطن هذه وواشنطن تلك. وهي مسافة تسمح بالتمييز بينهما. وفي هذه المسافة هناك فرص للجهد والعمل للشعب الفلسطيني وأنصاره. وهذا حتى يصبح بإمكان ” بايدن” أن يستمع لهكذا خطاب حقوقي دولي ويتعلم ـ بعيدا عن شبكات مصالح الليبرالية الجديدة وشركاتها ومجمعاتها الصناعية العسكرية وارتباطات جماعات الضغط الصهيونية ـ أن “حياة الفلسطينيين تهم أيضا”.
شارك الكاتب في كتابة “موسوعة اليهود واليهودية الصهيونية” للراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري الصادرة في القاهرة عام 1999، وبخاصة مداخل الإرهاب الصهيوني والإسرائيلي. وله أيضًا كتاب “رهان المليون السابع: الهجرة الصهيونية حتى 2020″، الصادر من القاهرة عام 2002 ودمشق عام 2006.