للمرة الثانية، أعلن مجلس الانتخابات الإثيوبي، تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كان من المُقرر عقدها في 5 يونيو المقبل، بزعم وجود أسباب «لوجستية» تمنع إقامة الانتخابات، وسط غضب من المعارضة الداخلية من تلاعب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالمشهد السياسي الداخلي.
رئيسة مجلس الانتخابات الإثيوبية، برتكان مدقيسا، قالت إن قرار التأجيل جاء لأسباب لوجستية من شأنها أن تعيق إجراء الانتخابات في موعدها المقرر سابقا، لافتة إلى أن السبب الرئيسي يتمثل في تأخر تسجيل الناخبين وعدم اكتمال طباعة بطاقات الاقتراع.
وعن موعد الانتخابات الجديد، قالت مدقيسا إن التاريخ المحدد سيتم الإعلان عنه بعد التشاور مع الأحزاب السياسية المختلفة بشأن إجرائها على أن يكون بعد ثلاثة أسابيع من اليوم.
تأجيل جديد
كان من المقرر أن تجري إثيوبيا الانتخابات العامة أغسطس 2020، إلا أنها تأجلت على خلفية انتشار فيروس كورونا واتخاذ الدولة إجراءات احترازية تقف حائلا أمام إتمام الانتخابات.
منذ ذلك الوقت وبدأ الصراعات المسلحة تحتد بشكل كبير وتعود لسابق عهدها، إذ بدأت عمليات عسكرية بين الأقاليم المختلفة، وعمليات القتل المنظم للمدنيين.
تتبنى إثيوبيا نظام الجمهورية البرلمانية الفيدرالية، ويمثل رئيس الوزراء رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية.
تتبنى إثيوبيا نظام الجمهورية البرلمانية الفيدرالية، ويمثل رئيس الوزراء رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية.
وينقسم البرلمان إلى غرفتين رئيسيتين، الأولى تمثل مجلس نواب الشعب وتتكون من “547 نائباً”، والغرفة الثانية هي المجلس الفيدرالي ويمثله “112 عضواً”.
وبحسب مدقيسا التي تشغل منصب رئيسة مجلس الانتخابات الإثيوبية، إن هناك نحو 36 مليونا و245 ألفا و444 ناخبا سجلوا في كشوفات الناخبين، انقسموا إلى 15 مليونا و938 ألفا و213 ناخبا من إقليم أوروميا، فيما سجل نحو فيما 5 ملايين و966 ألفا و662 ناخبا من إقليم أمهرة.
أما إقليم شعوب جنوب إثيوبيا 4 ملايين و854 ألفا و588 ناخبا، فيما وصل عدد الناخبين المؤهلين في إقليم عفار مليون و714 ألفا و989 ناخبا، وإقليم بني شنقول جموز 174 ألفا و768 ناخبا، وإقليم الصومال 3 ملايين و963 ألفا 794 ناخبا، وإقليم هرر 135 ألفا و584 ناخبا، ومدينة دري داوا 177 ألفا و519 ناخبا، وإقليم جامبيلا 326 ألفا و648 ناخبا، وإقليم السيداما مليون و540 ألفا و889.
وأشارت مدقيسا إلى أن نسب تسجيل الرجال بلغت 53.97%، فيما بلغت نسبة تسجيل النساء 45.92%.
لماذا يرغب آبي أحمد في التأجيل؟
تشهد إثيوبيا حالة من عدم الاستقرار على خلفية صراع عرقي بين الأقاليم السبعة التي تضمها، وخاصة إقليم تيجراي ومعاداة آبي أحمد رئيس مجلس الوزراء له.
مع الوقت، فقد آبي أحمد الجاذبية التي حظي بها فور توليه السلطة في إثيوبيا، فبدلا من العمل على تهدئة الأجواء والسير تجاه إجراء عملية سلام شاملة، وجد نفسه في مواجهات عسكرية غاشمة تستهدف المدنيين والقوى المعارضة دون احترام لمواثيق دولية أو قيم ديمقراطية، فنشب صراع مسلح أودى بحياة الآلاف وزاد من قتامة المشهد الإثيوبي الداخلي.
بالتبعية آثر ذلك التحرك على شعبية “آبي أحمد” ووجد نفسه في موقف لا يحسد عليه، ما بين فشل في الاستحقاقات الداخلية سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، فضلا عن خوضه في مناوشات دبلوماسية تنذر بخطورة كبير على المحك.
لذا يسعى آبي أحمد إلى توظيف كافة الأدوات من أجل تثبيت حكمه مستغلا في ذلك القضايا الداخلية والخارجية، من أجل وقف حالة الاستقطاب التي تعمل عليها القوى المعارضة في الداخل الإثيوبي، خاصة لفشله في حسم العديد من الملفات الشائكة التي ظلت عالقة دون وجود حل واضح وحاسم لها.
غير أن سد النهضة كان وسيظل الورقة الأكثر جذبا في الداخل والخارج الإثيوبي، لذا يصر رئيس الوزراء على أن السد ليس مشروعا تنمويا فقط إنما مشروع وطني يستهدف جمع الأقاليم الإثيوبية على قلب رجل واحد، لذا كان الحل يتمثل في الإشارة إلى الأوضاع غير المستقرة سواء في الخارج والتشابك مع قوى إقليمية مختلفة (مصر والسودان) وفي الداخل وما يشهده من صراع مسلح مع قوى معارضة متمثلة في إقليم تيجراي.
تمهيد سبق التأجيل
قبل قرار تأجيل الانتخابات الإثيوبية، بدأ التمهيد على خلفية وجود معلومات تفيد بوجود مؤامرة تستهدف إثارة البلبلة في البلاد وخلق حالة من عدم الاستقرار من شأنها أن تزيد من تأزم الموقف الإثيوبي ويفتح المجال لتدخل أطراف خارجية في تحديد مصير إثيوبيا.
وقبل أيام أماطت المخابرات الإثيوبية اللثام عن مؤامرة استهدفت إفشال الانتخابات العامة، مؤكدة أنها أحبطت ما سمتها مؤامرة لإفشال الانتخابات العامة السادسة، لافتة إلى أنها اعتقلت بالفعل ضابطين سابقين و15 شخصا آخرين ممن ضلعوا في التخطيط للمؤامرة.
وكذا أشارت إلى أن هناك مجموعات سرية داخل البلاد وخارجها يتم التنسيق بينهما من أجل تنفيذ المؤامرة، موضحة أن الأطراف الداخلية كانت بالفعل على اتصال مع أعضاء في الحكومة الحالية.
اقر أيضا:
تقسيم تيجراي” و”ديكتاتور إريتريا”.. ورقة آبي أحمد لاستمالة السلطة في إثيوبيا
الكرسي يلوث السياسي.. آبى أحمد من نوبل للسلام إلى منتهك للحريات
عقوبات تنتظر آبي أحمد!
فور الإعلان عن تأجيل الانتخابات، أصدرت ثلاثة أحزاب معارضة، اثنان ينتمون لإقليم أوروميا، والثالث من إقليم الأوغادين، بيانات رسمية تؤكد على رفضهم لتأجيل الانتخابات ووصفت التمديد بأنه “غير دستوري ويتنافى مع المبادىء الديمقراطية”.
وبدأت بالفعل أحزاب المعارضة في الإشارة إلى الجرائم التي ارتكبها آبي أحمد خلال فترة حكمه وعدم مقدرته على التصدي للتحديات التي تواجه الداخل الإثيوبي وتعديه على القواعد الديمقراطية من أجل تثبيت حكمه.
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن إلغاء قراره بالمشاركة في الانتخابات الإثيوبية، لعدم الوفاء بالمتطلبات المعيارية لنشر أي بعثة مراقبة انتخابية، واستقلال البعثة واستيراد أنظمة اتصالاتها.
وحسب مراقبين فإن “آبي أحمد يفقد شيئا فشيئا الغطاء السياسي الدولي ويعرض نفسه لخطر التعرض لعقوبات اقتصادية من شأنها أن تزيد حالة عدم الاستقرار في الداخل الإثيوبي، إذ خرج وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بيان رسمي يندد بما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان من قبل الجيش الإثيوبي بحق سكان إقيلم تيجراي.
وقال بلينكن: “إن هذا السلوك غير المقبول يعرض 5.2 مليون شخص في المنطقة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية لخطر أكبر، لافتا إلى وجود تقارير موثوقة عن ارتكاب القوات المسلحة الإثيوبية في تيجراي لأعمال عنف ضد المدنيين، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره من الانتهاكات والفظائع لحقوق الإنسان”
يبدو أن الوضع يشي بتغير في التعامل الأمريكي والدولي مع “آبي أحمد” وتحركه من مربع الحاكم الليبرالي الجديد إلى حاكم ديكتاتوري جديد في إفريقيا، وهو ما لوح به البعض من وجود تخوفات من أن تتحول المساعدات الاقتصادية والتعاون على أصعدة أخرى للجانب الآخر المستضعف في إثوبيا والعمل على تقوية شوكة المعارضة الداخلية.