“ليسوا عرب إسرائيل.. هم فلسطينيو الداخل.. أما عرب إسرائيل فهم الموجودون في البلدان العربية”.. هذه واحدة من التغريدات التي انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي لتصحيح مفهوم خاطئ عن فلسطينيين تعرضوا على مدار 73 عامًا لأشد أنواع الاضطهاد والتمييز والانتهاكات المتعددة، في المقابل أثبتوا بنضالهم موقفًا فلسطينيًا متمسكًا بالأرض على حساب فقدان مقاومات الحياة.
خُدعة المصطلح
فلسطينيو الداخل هم المواطنون الفلسطينيون الذين فُرضت عليهم السيادة الإسرائيلية كسلطة الأمر الواقع في أعقاب نكبة 1948، حين رفضوا ترك قراهم ومنازلهم، لكنهم دفعوا ضريبة باهظة لهذا الموقف وظلوا شتاتًا لا حقوق لهم.
خضعت تسمية هؤلاء لتزييف سياسي متعمد من قبل المجتمع اليهودي ووسائل إعلام إسرائيلية وغربية، أطلقوا عليهم “عرب إسرائيل”، لكن أغلب هؤلاء المواطنين يرفضون التسمية المرتبطة بإسرائيل ويتمسكون بالهوية الفلسطينية، باعتبارهم “عرب 48” أو “فلسطينيو الداخل”، لكن آخرين تماهوا مع الوصف الإسرائيلي.
أول من استخدم مصطلح “عرب إسرائيل” هم اليهود ثم وسائل إعلام عبرية، وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أول من نقل هذا المصطلح على المستوى الدولي. ورغم أن مصطلح “عرب إسرائيل” من المصطلحات الإسرائيلية، يُلاحظ استخدامه من قبل بعض العرب أو حتى الفلسطينيين، وهو انعكاس لحجم تأثير الخطاب الإسرائيلي.
تشير الإحصائيات إلى أن 950 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في الأراضي التي منحت لإسرائيل. وبعد عمليات التهجير؛ تمسّك 156 ألف فلسطيني (أي حوالي 20% منهم) بديارهم ورفضوا التهجير.
غير أن هناك حوالي 1 من كل 4 فلسطينيين من “فلسطيني الداخل” باتوا مشردين داخليًا، فهم الذين تركوا منازلهم خلال الحرب لكنهم بقوا في الأراضي التي أصبحت لاحقًا حدودًا إسرائيلية، حيث رفضت سلطات الاحتلال السماح لهم بالعودة إلى منازلهم التي صودرت، وكذلك ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى.
ثلاث منعطفات.. من التشبُّث بالأرض إلى المقاومة
تاريخيًا مر فلسطينيو 48 بثلاث منعطفات رئيسية، الأول منذ النكبة عام 1948 وحتى عام 1966، حيث فرضت سلطات الاحتلال حكمًا عسكريًا عليهم، فلم يسمح للفلسطينيين بالخروج من مدنهم وقراهم إلا بتصاريح من الحاكم العسكري.
المنعطف الثاني استمر من عام 1966 إلى العام 2000، حيث تمكن فلسطينيو 48 بعد إلغاء الحكم العسكري من الاتصال بالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما شكّل تحولاً في تطلعاتهم وزيادة نشاطهم السياسي، وجرى تشكيل أجسام سياسية واجتماعية، كما شهدت هذه المرحلة مناوشات مع سلطات الاحتلال، لكن أبرزها مقتل 6 فلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية في عام 1976، خلال احتجاج على مصادرة الأراضي وهدم المنازل، وأصبح تاريخ الاحتجاج (30 مارس) احتفالاً سنويا باعتباره “يوم الأرض الفلسطيني“. كما دعّم فلسطينيو الداخل الانتفاضة الأولى وساعدوا الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقدموا لهم المال والطعام والملابس.
المنعطف الثالث والأهم بدأ منذ العام 2000، بعدما برز دورهم النضالي بشكل أكثر وضوحًا، من خلال المشاركة في الانتفاضة الثانية، ثم معركة طويلة النفس مع سلطات الاحتلال للحصول على حقوقهم وانتمائهم إلى شعبهم الفلسطيني في الأراضي المحتلة، ووقف التمييز والعنصرية ضدهم.
هكذا، فإن فلسطينيي 48 الذين رفضوا التهجير رغم النكبة، وبقوا في أرضهم، أصبحوا لاحقًا كتلة مضطهدة داخل الحدود الممنوحة لإسرائيل، ورغم أنهم حصلوا على “الهوية الإسرائيلية” باعتبارها أوراقًا تضمن بقاءهم على قيد الحياة، خاصة أن سلطات الاحتلال قررت في السابق طرد كل من لا يحمل تلك الهوية، لكنّهم بقوا معلقين بين هوية ورقية لا بدون حقوق واقعية، وبين هوية فلسطينية تبقى بكافة مكوناتها في وجدانهم.
التوزيع الديمغرافي
حتى عام 2019، بلغ عدد فلسطيني الداخل 1.8 مليون نسمة، يشكلون حوالي 21% من من سكان الأراضي المحتلة، أغلبهم من المسلمين بواقع 80%، ثم المسيحيون حوالي 11%، والدروز حوالي 9%. كما يعيش حوالي 60% من “فلسطيني 48” في شمال الأراضي المحتلة، فيما يتوزع الباقون بين المثلث، والنقب.
الجنسية واللغة
حصل أغلب هؤلاء، ممن بقوا في مناطقهم أو الذين عادوا إليها قبل صدور قانون عام 1952، على الجنسية الإسرائيلية، باستثناء عشرات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية، الذين لا يزالون يعيشون بصفة “إقامة دائمة”. كما أن اللغة العربية هي اللغة الأم لفلسطينيي الداخل، مستخدمين اللهجة الفلسطينية في العامية.
ضمن محاولات التضييق، مارست السلطات والمؤسسات الإسرائيلية سياسات لتهويد فلسطينيي الداخل من خلال طمس الهوية العربية، ولغتها، لكنهم خاضوا معركة طويلة انتهت بالاعتراف بالعربية لغة رسمية لهم، كما أدخلوا تعديلات على مناهج التعليم، وكان أبرزها “يوم الأرض” التي باتت تدرس في مناهج الطلاب.
مسلمو الداخل
والأغلبية العظمى لمسلمي الداخل، من أهل السنة والجماعة، بخلاف أقلية صغيرة من الشيعة، يتمركز أغلبهم في مدينة حيفا، ويبلغ عددهم حوالي 2.200 فلسطيني. بينما يعيش أغلب المسلمين في الداخلي في المنطقة الشمالية بواقع 35.8%، وفق إحصائية عام 2017.
وتشير الإحصائية إلى أن حوالي 21.8% من المسلمين يعيشون في منطقة القدس، و16.4% في المنطقة الجنوبية، و13.8% في حيفا، و11% في المنطقة الوسطى، و1.1% في تل أبيب.
أما البدو، فيعيش حوالي 50% منهم في القرى غير المعترف بها والبالغة 45 قرية، وهو ما جعلهم الأكثر فقرًا والأقل تعليمًا من بين فلسطينيي 48، كما أنهم يعانون من سياسة تمييز عنصري تنتهجها سلطات الاحتلال ضدهم.
مسيحيو الداخل
أما المسيحيون، الذين يشكلون حوالي 11% من تعداد فلسطينيي الداخل، يعيش أغلبهم في المنطقة الشمالية وحيفا. كما تضم مدينة الناصرة على أكبر تجمع مسيحي فلسطيني، تليها حيفا، كما يسكنون عددًا من قرى الجليل.
ويملك المسيحيون الفلسطينيون في الداخل عددًا كبيرًا من المؤسسات، مدارس ومستشفيات وغيرها، تُصنّف بعضها بأنها الأفضل على مستوى المؤسسات الفلسطينية في الداخل، كما أنهم من بين أكثر المجموعات الفلسطينية تعليماً، وفق بيانات صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية التابعة لسلطات الاحتلال.
يقول 96% من المسيحيين الفلسطينيين في إسرائيل إنهم عرب من الناحية العرقية، وفق دراسة لمركز “بيو” الأمريكي عام 2017. كما أنهم تمسكوا بهويتهم الفلسطينية بخلاف الدروز الذين انخرطوا مع المجتمع الإسرائيلي، هويته وثقافته ووظائفه.
وتشير الإحصائيات إلى أن المسيحيين الفلسطينيين في الداخل يملكون أدنى معدل للفقر وأقل نسبة من البطالة، وأعلى متوسط دخل للأسرة بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وثاني أعلى متوسط دخل للأسرة بين الجماعات العرقية والدينية في إسرائيل.
الدروز
أما الموحدون الدروز فهم يشكلون حوالي 9% من أعداد فلسطينيي الداخل، لكنهم أظهروا اهتمامًا قليلاً بالقومية العربية، وسجلوا غيابًا في القضية الفلسطينية، ولم يشاركوا في أيّ من المناوشات بين الفلسطينيين واليهود على مدار سنوات الاحتلال.
كما أنهم تضامنوا مع الحركة الصهيونية، ونأوا بأنفسهم عن القضايا العربية والإسلامية التي تبناها نظرائهم المسيحيين والمسلمين من فلسطينيي الداخل، وهم بذلك يتماشون مع تعاليمهم الدينية الدرزية، التي تنص على خدمة الدولة التي يعيشون فيها، لذلك تقلدوا وظائف، وخضعوا للتجنيد الإجباري للذكور في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
إزاء ما سبق، كان لدى سلطات الاحتلال مجهود أقل لبلورة هوية منفصلة سمتها الهوية “الدرزية الإسرائيلية”، باعتبار تلك الطائفة أقل تأكيد على هويتهم العربية، وأكثر تأكيد على هويتهم الإسرائيلية، خاصة أن أقلية منهم يعرفون أنفسهم على أنهم فلسطينيين.
الانخراط السياسي والتأثير
انخرط عرب 48 في الحياة السياسية، رغم التضييق الذي يواجهونه باستمرار، وشكلوا ثلاثة أحزاب رئيسية في إسرائيل، هي: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، وهي ائتلاف يضم العديد من المنظمات السياسية بما في ذلك الحركة الإسلامية في إسرائيل.
ورغم أن هذه الأحزاب التي عادةً لا تنضم إلى الائتلافات الحاكمة في إسرائيل، لكنها امتلكت وزنًا سياسيًا مؤثرًا في مفاوضات تشكيل الحكومة خلال السنوات الأخيرة، من خلال تحالفاتها مع أحزاب إسرائيلية غير صهيونية، بل إنها رجّحت كفة بعض الأطراف في كثير من المرات.
في عام 2018، جلس 18 نائبًا عربيًا من أصل 120 عضواً في البرلمان الإسرائيلي، يمثل معظمهم الأحزاب السياسية العربية، وقد استغل هؤلاء النواب عضويتهم في تحركات خارجية، تقول إسرائيل إنها معادية لها.
وأخضعت سلطات الاحتلال بعض أعضاء الكنيست العرب للتحقيق، بتهمة زياراتهم بلدان حددها القانون الإسرائيلي كـ”دول معادية”، بل إن دراسة أجرتها الجمعية العربية لحقوق الإنسان بعنوان “إسكات المعارضة”، رصدت تعرض 8 من تسعة أعضاء عرب في الكنيست بنهاية 2002 للضرب على أيدي القوات الإسرائيلية خلال المظاهرات.
شكل التأثير الواضح للنواب العرب في الكنيست إزعاجًا لإسرائيل، خاصة عندما واجهوا القوانين العنصرية داخل البرلمان، بالإضافة إلى لجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطينيي 48، التي بلورت قضاياهم بشكل فعال على المستوى السياسي.
ومن ضمن الفاعليات التي لجأ إليها فلسطينيو الداخل، تشكيل حركة “أبناء البلد” التي نشأت من تنظيم شباب الجامعات العربية، التي تشارك في الانتخابات البلدية، لكنها ترفض المشاركة في الكنيست، وترفع مطالب سياسية واضحة تتمثل في “عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري الصهيوني وإقامة دولة علمانية ديمقراطية في فلسطين كحل نهائي للصراع الصهيوني العربي”.
فلسطينيو 48 داخل الانتفاضات
إزاء ما سبق، فقد كان لفلسطنيي الداخل دور فعّال وغير متوقع خلال الانتفاضات، لاسيما الاتنفاضة الأولى (1987 – 1993)، التي كان دورهم فيها أسرع من رد فعل منظمة التحرير في تونس، كما سقط من بينهم 13 شهيدًا في الانتفاضة الثانية (2000- 2005).
رصدت تقارير إعلامية آنذاك رد فعل فلسطيني الداخل، الذين شكلوا جزءًا مهما للغاية في الانتفاضة، باعتبار حراكهم أداة لتعرية الاحتلال أمام العالم، لاسيما أنهم اختاروا ما بدا لهم خيارًا سلميًا لدعم الانتفاضية، من خلال تنظيم تظاهرات وحركات إضراب تضامنية، لكن قوات الاحتلال لم تفرق بينهم وبين منتفضي غزة والضفة وغيرها من المناطق.
الدور الحيوي لفلسطيني الداخل في خضم الانتفاضات المتكررة، تجسّد في إرسال مساعدات غذائية وأدوية ومساعدات مالية إلى الفلسطينيين ببقية المناطق. أما النواب العرب في الكنيست فكانت لهم تدخلات عديدة من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، كما نجحوا في استقطاب دعم من بعض فصائل اليسار الإسرائيلي، على مدار عملهم البرلمان لصالح القضية.
واحدة من المواقف التي تظهر دور فلسطيني 48، عندما لجأت القيادة الوطنية الموحدة، (إحدى الجهات التي شاركت في تنظيم الانتفاضة الأولى)، لطباعة المنشورات في مطابع الناصرة أكبر مدينة عربية داخل إسرائيل.
المقاومة الفلسطينية تجد في فلسطيني الداخل متنفسًا للخروج من الحصار الذي يفرضه الاحتلال عليهم، ففي كثير من المرات، وضع فلسطينيو 48 حساباتهم البنكية تحت تصرف منظمة التحرير من أجل تحويل الأموال، وعندما قطعت سلطات الاحتلال الخطوط الدولية لمنع الفلسطينيين من استقبال مكالمات خارجية، أعطى عرب الداخل هواتفهم للفلسطينيين.
هذه المواقف وغيرها، بلورة بشكل أكثر وضوحا، الهوية الفلسطينية لعرب الداخل، وكانت سببًا رئيس في تنكيل أصابهم طوال السنوات الماضية من قبل سلطات الاحتلال، لاسيما مع تحوّل استراتيجيتهم من مجرد التأثير على السياسة الداخلية لإسرائيل، إلى الانخراط تدريجيا في الإدارات، مستندين إلى التيار الشيوعي في إسرائيل وبعض الأحزاب غير الصهيونية.
الإرث الثقافي والحضور الفني
رغم الظروف القاسية التي يعيشها عرب 48، لكنهم تمسكوا بثقافتهم الفلسطينية، وتراثهم التقليدي، فلا تزال النساء الفلسطينيات يصنعن المنتجات الثقافية الفلسطينية مثل التطريز الفلسطيني، كما أن الرقص الشعبي الفلسطيني “الدبكة”، لا يزال من أبرز المعالم الثقافية لدى فلسطينييّ الداخل.
كما لا تزال حيفا والناصرة تشكلان المركز الثقافي والعلمي والأكاديمي لعرب 48، وتشهدان مبادرات لتنشيط الحراك الثقافي داخلهما، وتفعيل مؤسسات ثقافية، من خلال انتشار المقاهي الثقافية والنوادي.
على الصعيد الفني، نشأ جيل جديد من الشباب العربي في إسرائيل الذي حمل على عاتقه مهمة التأكيد على الهوية الفلسطينية من خلال أشكال موسيقية جديدة. وفي مقدمة هؤلاء مجموعة الهيب هوب الفلسطينية “دام” التي بدأت من مدينة اللد، وتعزف موسيقى الراب الغربية على إيقاع ألحان شرقية، وتتناول القضية الفلسطينية وأوضاع عرب الداخل، بالإضافة إلى البطالة والفقر والتمييز الإسرائيلي ضد العرب.
وكان الحضور السينمائي حاضرًا لعرب 48، ومن ضمن أعمالهم فيلم “الجنة الآن” الصادر سنة 2005، وهو من إخراج هاني أبو أسعد، ويحكي قصة آخر 48 ساعة في حياة شابين فلسطينيين يستعدان للقيام بإحدى العمليات الاستشهادية في إسرائيل.
أما السلسلة الدرامية “شغل عرب” التي قام بتأليفها الكاتب الفلسطيني سيد قشوع، فهي من أبرز المسلسلات التي تعالج هوية عرب 48 المعقدة في التلفاز الإسرائيلي.
فقر عربي وسط رخاء إسرائيلي
ظل فلسطينيو الداخل طوال السنوات الماضية، تحت رحمة المّن والتمييز الإسرائيلي، في كافة مجالات الحياة سواء البنية التحتية أو الاحتياجات الأسياسية أو الصحة والتعليم، وهو ما جعل حوالي 53% من الأسر الفقيرة في إسرائيل أسر عربية، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.
وبالنظر إلى أن أغلب العرب في إسرائيل لا يخدمون في الجيش، فإنهم لا يستحقون المزايا المالية مثل المنح الدراسية والسكن القروض، وهو ما جعل 36 بلدة عربية من بين 40 بلدة في إسرائيل تمتلك معدلات بطالة عالية.
وفي حين تصل نسبة البطالة بين اليهود حوالي 6.5%، فإنها تشكل 25% بين مجمل عرب 48. وفي يوليو 2000، اعترفت المحكمة العليا بأن الأقلية العربية تعاني من التمييز، خاصة في مجال التوظيف.
لا تكاد تخلو وسائل الإعلام من أخبار تتناول حالات العنصرية التي يجدها فلسطينيو 48 من المتطرفين اليهود، بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن مصادرة الغالبية العظمى من أراضيهم، وإقامة بلدات يهودية على أراضي بلدات عربية، وآخرها حي الشيخ جراح الذي تريد سلطات الاحتلال تهجيرأهله وإحلال المستوطنين مكانهم.
يمكن للمارين عبر البلدات العربية في إسرائيل معروفة إن كانت مناطق عربية أم مساكن يهودية، من دون لافتات، فلا بنى تحتية ولا تطوير ولا صناعة، وسط تكدس سكاني، وانتشار العشوائيات.
ولم ينجو الفلسطينيون من الحيل الإسرائيلية، التي ترفض منحهم تراخيص بناء، فيلجأون للبناء بدون ترخيص، وبعدما تصدر أوامر بالهدم، لتبقى البلدات العربية أطلالاً من التمييز والعنصرية والاضطهاد، الذي رصدته منظمات حقوقية دولية، وحذرت من استمراره.
رغم كل تلك المحاولات المستمية لتنفير الفلسطينيين من بلداتهم، يرد عرب 48 على السياسات الإسرائيلية بتشبث غير قابل للتفكير بأرضهم ومنازلهم، ويرفضون كل عروض الهجرة التي تقدمها سلطات الاحتلال لهم، مقابل أموال طائلة.
انتهاكات لا نهاية لها
آلة البطش الإسرائيلية تصل لفلسطيني الداخل أسرع من بقية المناطق؛ كونهم تحت رحمتهم وأمام أعينهم، بدا ذلك واضحًا في الأحداث الجارية حاليًا، حيث تجاوز عدد المعتقلين من فلسطينيي 48 الألف شخص.
نهاية الشهر الماضي أصدرت أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرا تحصى فيه انتهاكات إسرائيلية بحق عرب 48 وفلسطينيي الأراضي المحتلة والسكان العرب في القدس الشرقية المحتلة، تمثلت في اتباع سلطات الاحتلال سياستي “الفصل العنصري” و”الاضطهاد” حيالهم.
https://twitter.com/SafaPs/status/1393618956359974913?s=20
التقرير يدعم استنتاجات مماثلة من جماعات حقوقية، ويتزامن مع تصاعد التوتر في الداخل، وفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في “جرائم حرب” في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفيما لا يزال القصف مستمرًا بين الفصائل الفلسطينية وقوات الاحتلال، التي تكثف هجماتها حاليا على قطاع غزة، فإن المدن المختلطة (اللد، والرملة، وحيفا، وعكا، وأم الفحم) مسرحًا آخر لمواجهات بعيدة المدى، عندما يبدأ متطرفون يهود بمهاجمة الفلسطينيون العرب، وتبدأ اشتباكات بين الطرفين تنحاز خلالها قوات الاحتلال لصفوف المتطرفين.
يمكن للمفاوضات الجارية أن تضع حدا للحرب الدائرة في غزة، كما يمكن احتواء الاشتباكات بين المستوطنين والعرب في القدس، لكن الشرار المستمر بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين العرب في المناطق الإسرائيلية، لا يمكن احتواؤه، بالنظر إلى استمرار تفاصيل الحياة اليومية التي تجعل احتكاك الطرفين عرضًا مستمرا، متلازمًا مع كراهية وعنصرية المتطرفين غير المحدودة؛ لأجل ذلك رأى الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين حربًا أهلية في الأفق، فناشد قائلاً: “أرجوكم أوقفوا هذا الجنون”.