شرعت الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة، بأكثر من طريقة، في تنفيذ رؤيتها الخاصة بتخفيض عدد موظفيها الذي يتجاوزون الـ6 ملايين إلى 3 ملايين و846 ألفًا و154 موظفًا بحلول عام 2020، بحيث ترفع النسبة من موظف لكل 26 مواطنًا كما هو في 2020 إلى موظف لكل 40 مواطنًا في عام 2030.
ولطالما ردد الرئيس في مناسبات كثيرة أن دواوين الحكومة لا تحتاج إلا مليون موظف فقط من أصل 6 ملايين. كما ذكر أن الجهاز الإداري عيّن مليون شخص في العام 2011 ليس لهم أي دور، وهي التصريحات التي تلقفتها الأجهزة الرسمية والمشرعون كذلك، لتخرج مشروعات القوانين والتعديلات الإدارية شيئا فشيئا للوصول إلى النسبة المرصودة من قبل وزارة التخطيط.
فقبل أيام قليلة، تقدم أحد نواب البرلمان عن حزب “مستقبل وطن”، حزب الأغلبية المعروف بموالاته للحكومة، بمشروع قانون لفصل أي موظف ثبت انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين.
تضمن مشروع القانون سبع مواد، من بينها مادة أقرّت فصل كل موظف أو عامل في الجهاز الإداري للدولة. إذا ثبت باليقين أنه يقوم بإنشاء صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي تحرّض على الدولة ومؤسساتها أو القيادة السياسية. أو أنه ينشر أكاذيب تحرض على أجهزة الدولة.
الحكومة: فصل الموظف المنتمي لجماعة الإخوان ومتعاطي المخدرات
وتبدأ إجراءات الفصل وفق المشروع، بمجرد الشك في انتماء أي موظف إلى جماعة الإخوان. إذ يتم وقفه عن العمل مؤقتًا إلى حين الانتهاء من التحقيق معه.؟ وإجراء التحريات الأمنية اللازمة للتأكد من انتمائه السياسي.
كما تضمّن منع أي من الموظفين العاملين في الحكومة من العودة إلى العمل، بعد انتهاء فترة عقوبته في هذا النوع من القضايا.
يأتي مقترح القانون مباشرة بعدما طلب وزير النقل أمام البرلمان في أبريل الماضي، إجراء تعديل تشريعي على قانون الخدمة المدنية. المختص بتنظيم علاقات العمل للعاملين في الدولة. ليتمكن من فصل ما يقرب من 162 عاملاً، ما بين سائق وموظف، في هيئة السكك الحديدية ثبت انتماؤهم للإخوان. ذلك أثناء طلبات الإحاطة والاستجوابات التي قُدمت أمام البرلمان بعد وقوع حادثين لقطارات راح ضحيتهما العشرات.
وقبل أيام قليلة حسم مجلس النواب، الموافقة المبدئية في المجموع على مشروع قانون مقدم من الحكومة. بشأن بعض شروط شغل الوظائف أو الاستمرار فيها. إذ يقضي بإنهاء خدمة الموظف المتعاطي للمخدرات.
في حين وافق مجلس النواب في مارس الماضي بصورة نهائية، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل أحكام القانون رقم 118 لسنة 1964. الخاص بإنشاء “الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة”.
الحكومة تريد تعديل قانون الخدمة المدنية
استهدف تعديل القانون تفعيل المادة رقم 32 من القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية. إذ تنص على أنه “يجوز بقرار من السلطة المختصة نقل الموظف من وحدة إلى أخرى، إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية. ويكون نقل شاغلي الوظائف القيادية إلى خارج الوحدة بقرار من رئيس الوزراء”.
هذه الإجراءات جميعها تأتي في ضوء التعويل على آلية المعاش المبكر لخفض عدد الموظفين الحكوميين. وحظر التعيينات نهائيًا في الجهاز الإداري، وقصرها على الاحتياجات الفعلية للجهات الإدارية. كذلك الحد من الإعلان عن الوظائف في الحكومة، إلا في حدود الحاجة الفعلية لها. ما تسبب في الاستغناء عن أكثر من مليوني موظف خلال الأعوام المالية الأربعة المنقضية.
التنمية المستدامة ورؤية الحكومة لـ2030
فبحسب تصريحات وكيل لجنة الشئون التشريعية في البرلمان إيهاب الطماوي فإن “تعديل القانون جاء انطلاقًا من رؤية مصر 2030 للتنمية. التي تهدف إلى وجود جهاز إداري كفء وفعال يتسم بالحوكمة”.
ووفقًا لاستراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030)، فإن الحكومة تستهدف خفض عدد الموظفين إلى 3 ملايين و846 ألفًا و154 موظفًا. من خلال رفع النسبة من موظف لكل 12.3 مواطنًا في 2016، إلى موظف لكل 26 مواطنًا في 2020. وصولاً إلى موظف لكل 40 مواطنًا في عام 2030.
اشتراطات صندوق النقد
ويبدو أن حزمة القوانين التي تم إقرارها أو مناقشتها في الفترة الأخيرة تصب جميعها في استكمال خطة الحكومة المصرية. إذ إنها تريد بشكل قاطع تقليص عدد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، في ضوء برنامجها للإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد، خاصة أن القوانين الجديدة الصادرة تفتقد لمبدأ التدرج في العقاب قبل الفصل.
كانت وزارة التخطيط والمتابعة المصرية أعلنت في سبتمبر 2019 وقف التعيينات في الجهاز الإداري للدولة، إلا باستثناء من رئيس الجمهورية. وقتها قالت نائب وزيرة التخطيط، غادة لبيب، إن الموازنة العامة للدولة تتكلف أكثر من 300 مليار جنيه سنويًا لرواتب الموظفين فقط.
مدير المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان شريف الهلالي، يعتبر أن قانون فصل متعاطي المخدرات قرار قاس على العاملين بالدولة في الجهات المختلفة. خاصة أنه لا يحاط بالضمانات ولا يوجد توازن قوى بين العامل والهيئات المختلفة. فضلًا عن أن قانون الخدمة المدنية الذي تم إقراره في 2016 شاهد تراجعات لحقوق المدنية في الدولة. الذي نص عليها القانون السابق الصادر عام 78.
ضرر كبير على أسر العاملين دون ذنب
الهلالي أضاف أن الحديث هنا على أعداد كبيرة للعاملين في الدولة في القطاع العام والخاص لمن يطبق عليهم قانون العمل. بالتالي هذا الإجراء سيؤدي بضرر كبير للأسر العاملين دون ذنب. فضلًا عن أن هناك مواد في القانون تُتيح ذلك فيما يتعلق بفقدان اللياقة الصحية للعاملين. وبالتالي الاتجاه المتسرع بالفصل الفوري والمباشر.
كما أشار إلى أن الأمر يأتي في سياق توجه الدولة لتقليص عدد العاملين فيها. كما أن به جزء بالوصول إلى تقليص العدد تنفيذًا لشروط صندوق النقد الدولي. لافتًا إلى أن هناك مرافق لها لوائحة الخاصة مثل مرفق السكة الحديد. لكن أيضًا إذا رغب في علاج الظاهرة لابد من معالجتها في حدودها الخاصة. مثل وضع تعديلات في لائحة هيئة السكة الحديد بما يفيد بوجود ضمانات لا يتم شمل كل العاملين في الدولة وفقًا للمذكرة الخاصة للتعديل. بما في ذلك العاملين في القطاع الخاص. مؤكدًا أنه لا يقف ضد القانون ولكن لابد أن يتم إحاطته بكل الضمانات ووجود توازن للعاملين في الجهات المختلفة.
الأمر لم يعد في يد المدير المباشر
يعلق الدكتور وليد مدبولي، خبير الإدارة والتخطيط والاقتصاد على تعديلات قانون التنظيم والإدارة. إذ قال إن النقل لن يكون بقرار فردي أو مركزي وإنما سيخضع لعدة جهات منها وزارة المالية ورئيس مجلس الوزراء. فضلًا عن الجهة الناقلة والموظف ذاته. وبالتالي لن يكون هناك مجال لنقل العامل تعسفيًا أو من خلال إساءة استخدام للسلطة، الأمر لم يعد بيد المدير المباشر.
التعديلات شملت أيضًا المادة (10) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية. والتي تنص على: “تضع كل وحدة خطة سنوية لتدريب موظفيها بكافة مستوياتهم الوظيفية. خاصة عند دخول الخدمة وعند الترقية لدعم المسار الوظيفي. وتتولى لجنة الموارد البشرية اقتراح البرامج والدورات التدريبية واعتمادها من السلطة المختصة وإرسال صورة منها إلى الجهاز”.
بيان مشترك للرفض
مجموع القوانين السابقة جاء بعد سنوات من تطبيق الحكومة قانون الخدمة المدنية الذي تسبب في إعلان 21 نقابة عمالية ومهنية ومستقلة في بيان مشترك. رفضها للقانون، مؤكدة أن القانون يتضمن سلبيات خطيرة ستؤثر في حقوق العاملين في الدولة فيما بعد مطالبين رئيس الجمهورية بإيقاف العمل به.
إذ قال البيان إن القانون الجديد يهتم أساسًا بتقليص حجم الجهاز اﻹداري للدولة وتقليل عدد العاملين به. بجانب أن القانون يخلو من وجود مؤشرات واضحة وحقيقية لقياس الكفاءة. رغم معاناة قطاعات الصحة والتعليم نقصًا في عدد العاملين فيها ما يشير إلى غياب عدالة جغرافية في توزيع العاملين بالدولة.
حيث تشير إحصاءات الجهاز المركزي للتنظيم واﻹدارة، إلى أن 46% من موظفي الدولة يتركزون في محافظة القاهرة وحدها. وهي مركزية كبيرة لم يحلها القانون رقم 18 لسنة 2015 بربط التعيينات بالاحتياجات الفعلية للجهاز الإداري للدولة. أو بفرض أية أداة لتوزيع عادل وكفء للموظفين الحكوميين في الدولة بحسب التقرير الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
موظف لكل 17 مواطنًا في مصر.. وموظف لكل 80 في العالم
ويوضح مدبولي أنه عدد العاملين ليسوا جميعًا على نفس مستوى الكفاءة والخبرة وهذا القرار يساعد على رفع كفاءة العاملين عن طريق التدريب. أما فيما يتعلق بـ”عدم جواز إصدار قرارات بشغل درجات أو وظائف خالية إلا بعد موافقة الجهاز ووزارة المالية. يؤكد خبير الإدارة أن هناك تكتلات ضخمة من الموظفين وبهذا القرار سيحدث إعادة ترتيب للعاملين في الأماكن التي بحاجة إليهم. أي يمكن القول أنه سيتم تغطية الأماكن ذاتيًا.
الجهاز الإدارى للدولة كان يعين موظفًا لكل 13 مواطنًا قبل ثورة 25 يناير، وأصبح حاليًا يوجد موظفًا لكل 17 مواطنًا. ولا يزال لدينا فائض كبير جدًا في الجهاز الإداري للدولة لأن النسبة المتعارف عليها عالميًا موظف لكل 80 مواطنًا تقريبًا. بحسب تصريح رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة.
في المدارس والجامعات.. غياب ضمانات واضحة
في دراسة صادرة عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تمت الإشارة إلى أن القوانين المُنظمة لشئون العاملين بالدولة تتميز بمجموعة من السمات. فمن جانبٍ يغيب عن هذه التشريعات وجود ضمانات واضحة للموظف، فيما يتعلق بحياته الخاصة وآرائه غير المتصلة بنطاق العمل. ومن جانب آخر تناقش أغلب نصوص هذه التشريعات التفاصيل المتعلقة بالمستحقات المالية والإدارية للموظف. مثل الأجر أو الراتب وطرق الندب والنقل وإنهاء الخدمة وغيرها. كذلك يغيب عنها التطرق إلى الحدود، التي يجب أن تقف عندها سلطة الجهة الإدارية.
ويعني ذلك وجود قصور شديد في توافر الضمانات اللازمة لحماية الموظف. فثمة سلطات واسعة يمكن لجهة الإدارة من خلالها أن تُسائل الموظف وتوقع عليه عقوبات شديدة الوطأة. عن أفعال قد تقع خارج إطار العمل ولا تتعلق بالوظيفة أو المرفق. الذي يمارس به الموظف مهامه اليومية. يؤدي ذلك إلى غياب الموازنة بين حرية الموظف وبين سلطة الإدارة في المساءلة وتنظيم المرفق.
من قبل فصلت وزارة التعليم عام 2019، 1070 معلمًا قيل إنهم من أصحاب الأفكار المتطرفة. كذلك فصلت العديد من الجامعات أعضاء هيئة تدريس بإدعاء تورطهم في أعمال عنف. أو الانتماء إلى جماعة إرهابية.
قانون يعيد ترتيب البيت العمالي
نقابيا، يرى مجدي بدوي نائب رئيس اتحاد عمال مصر أن إعادة توظيف العمالة مرة أخرى تأتي أهميتها بوجود أماكن بها كثافة عمالية وأخرى لا. فالهدف من النقل دون توظيف جديد للاستفادة من أكبر قدر ممكن للعاملين. خاصة أنه هناك فترات شهدت تعيين عدد كبير دون جدوى بسبب الانتخابات والاستفتاءات. وبالتالي ذلك القانون -التنظيم والإدارة- سيساهم في إعادة ترتيب البيت العمالي داخل الوظائف الحكومية، وبالفعل سيتم نقل العاملين لسد الفراغات.
في حين اختلف النقابي العمالي صلاح الأنصاري على هذه الرواية شبه الحكومية، قائلًا إنه بموجب قانون العمل يستوجب فصل العامل الذي يثبت تعاطيه للمخدر أو السكر. فوجود قانون خاص لمتعاطي المخدرات هو أمر زيادة عن الحد، ولا يوجد بها انفراد أو تطوير. أما فيما يتعلق بمسودة قانون فصل المنتمين أو المتعاطفين مع الإخوان. فهذا الأمر هو دخول في النوايا ومساعدة لتطويع الموظفين للعمل كمرشدين على أنفسهم.
الأنصاري أضاف أن مجموع هذه القوانين سيساهم في تنشيط العمالة غير المنتظمة مع زيادة نسب البطالة مرة أخرى. ودفع الشباب في مناحي أخرى ما يجب أخذه في الاعتبار. ما يؤكد النية في استخدام هذه القوانين كفزاعة لإنكار الإهمال عن أي مسئول في الدولة.