في تمام التاسعة والنصف صباحًا، تحركت سها محب من مدينة المنصورة محل إقامتها لمدينة بلقاس لتلقي لقاح كورونا. وصلتها رسالة الحضور بعد تسجيلها عبر الموقع الإلكتروني بعد ما يقرب من شهرين. ورغم إقامتها في المنصورة إلا أن مكان تلقي اللقاح كان يبعد عن بيتها ما يقرب من نصف ساعة بالسيارة.
وصلت الشابة التي تبلغ من العمر 32 عامًا للمستشفى، وجدتها هادئة لا زحام فيها. دخلت لتوقع إقرار قالت لـ”مصر 360″، إنها لم تمنح وقتًا لقراءته، فقط سألتها الطبيبة إن كانت تعاني من أمراض مزمنة، أو إن كانت حامل أو تفكر في الأمر. “لاقيت الدكتورة أصلًا مخبية الورقة اللي همضي عليها، ومفكرتش تديهاني اقراها، ولما سألتها أنا هاخد تطعيم أيه. قالت الموجود”.
مخاوف التلقيح بأسترازينيكا
رفضت “سها” تلقي اللقاح رغم رغبتها في الحصول عليه. لكنها قالت إنها وجدت أمورًا غير مطمئنة دفعتها للانسحاب وهو ما فعله الكثير من المواطنين. حاليًا يتم التلقيح بلقاح أسترازينكا الذي يسبب مخاوف لدى الكثيرين. بجانب الأعراض الجانبية التي تثير خوفهم أيضًا.
عادت “سها” إلى منزلها، وروت ما حدث لوالدتها التي سجلت أيضًا وتنتظر موعد الحصول على اللقاح ليتغير موقفها. أصبح موقف الأم مماثلًا لموقف ابنتها. كذلك انضم إليهما الوالد الذي رفض في بداية الأمر التسجيل خوفًا من اللقاح.
أسترازينيكا.. وزيرة الصحة تتحدث عن عزوف الأطباء عن تلقي اللقاح
الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، قالت الشهر الماضي، إن 148 ألفًا و987 من الأطقم الطبية، والمواطنين من الفئات المستحقة، تلقوا لقاح كورونا. لكنها لا تخفي أيضًا خوف قطاع كبير من المواطنين وعلى رأسهم أطباء من تلقيه.
ذكرت الوزيرة في مؤتمر صحفي: “لاحظنا عزوف الأطباء عن الحصول على لقاح كورونا. ومن سجل نحو 50% فقط أغلبهم لم يحضر للحصول على اللقاح”. كذلك أشارت إلى أنه لا توجد رفاهية للاختيار بين الأنواع المختلفة للقاحات. مناشدة المواطنين بضرورة الإقبال على الحصول على لقاح كورونا.
لقاح كورونا وانعدام حملات التوعية بـ”أسترازينيكا”
أحمد مراد، طبيب أمراض جلدية، يعمل في أحد المستشفيات الخاصة بالإسكندرية، سجل للحصول على اللقاح بعد تلقي عدد من زملائه. إلا أنه تراجع بعد إصابة أحدهم بالفيروس رغم تلقيه الجرعة الأولى. وعند موعد حصول مراد على الجرعة الأولى، لم يذهب للحصول عليه، لأن اللقاح وفقًا لقناعاته لا يحمي حماية مطلقة من الفيروس. بالإضافة إلى أنها لقاحات ما زالت تحت التجربة. الاهتمام بالإجراءات الاحترازية والتباعد الحل الأسلم لمنع الإصابة بالفيروس.
بالرغم من أن الطبيب يدرك جيدًا أن اللقاحات تأخذ وقتًا طويلًا، ولكل الأنواع أعراض جانبية يمكن اكتشافها فيما بعد. كما أكد أن الأمر “كلام علمي” لا خلاف عليه. إلا أنه خشى على نفسه ولم يذهب لتلقي الجرعة الأولى. لأنه يرى في المقابل أن هناك مخاوف تتردد أيضًا على أسس علمية من مضاعفات اللقاحات ما زالت تحت البحث. بجانب أنه لا يرى حملات توعية كافية تزيل تلك المخاوف من الأذهان.
يقول: “أنا كطبيب عارف ومتأكد أن الموضوع مش سهل، وكل اللقاحات ليها بالفعل آثار جانبية وممكن بعد فترة نكتشف أن في لقاح نوقف استخدامه. لكن في المقابل مفيش حملات توعية للناس العادية اللي محتاجين يطمنوا. محتاجين يعرفوا أكتر عن اللقاحات، أنا بشوف إن حمللات شلل الأطفال فيها توعية أكتر من دي. رغم أن دي المهمة دلوقتي”.
قلة حملات التوعية، ينضم إليها الخوف من أعراض أسترازينكا، لتمثل سببًا من أسباب العزوف عن تلقي القاح. كما حدث مع منير الشافعي البالغ من العمر 68 عامًا. سجل بالفعل، وجاء موعده بمستشفى المنيرة القريبة من منزله، ذهب على أمل الحصول على اللقاح الصيني لأنه أصدقائه حصلوا عليه من قبله. إذ أكدوا له أنه لا أعراض جانبيه له، وأنه الأفضل والأكثر أمنًا، ليجد أنه لا مجال للاختيار. اللقاح المتوفر هو أسترازينكا فقط.
مخاوف من “أسترازينيكا والموت”
رفض الشافعي تلقي أسترازينكا: “مش عايز أموت”، مؤكدًا في حديثه أنه يسبب جلطات ويؤدي للوفاة. كذلك استكمل الذي بناه بناء على أحاديث سابقة مع أصدقائه: “الصيني هو الأحسن وأصحابي اللي أخدوه مشتكوش منه. بس لو أخدت اللقاح ده هموت ولو تعبت مش هلاقي مكان ليا في المستشفيات”.
مخاوف لقاح أسترازينكا ترتبط بتجلط الدم، وهو ما يثير مخاوف العديد من المواطنين ويعزفون عن تلقيه. تلك المخاوف بدأت عندما سجلت أول حالة في أستراليا، لأربعينيّ نُقل إلى مستشفى في مدينة ملبورن إثر إصابته بتجلّط في الدم بعد أيام من تلقّي لقاح أسترازينيكا.
الرجل عانى تخثّرًا في الدم، ونقصًا في عدد الصفائح والخلايا الدموية. بينما قال نائب وزير الصحة في أستراليا إن المحققين لم يؤكدوا حتى هذه اللحظة ما إذا كانت هناك علاقة للقاح أسترازينيكا بالحالة. كذلك رصدت بريطانيا 30 حالة تجلط نادرة في الدم بعد تلقي أصحابها لقاح أسترازينيكا. وأدت حالات مشابهة في بلدان أخرى بينها كندا، وفرنسا، وألمانيا، إسبانيا إلى الحد من استخدام اللقاح.
تطمينات الصحة العالمية بشأن أسترازينيكا
المخاوف التي انتشرت سببت عزوفًا فعليًا للعديد من المواطنين. واستعرضت منظمة الصحة العالمية تقارير عن حالات نادرة من الجلطات المصحوبة بانخفاض الصُّفيحات الدموية. معرفة ما إذا تسبب فيها لقاح أسترازينيكا منذ بدء التطعيم به أم لا.
واستعرضت اللجنة الفرعية في اجتماعها الأخير الذي عُقد في 7 أبريل 2021 أحدث المعلومات الواردة من الوكالة الأوروبية للأدوية. إلى جانب معلومات من الوكالة التنظيمية للأدوية وغيرها من المنتجات الصحية في المملكة المتحدة. وقالت الوزارة إنه بناء على المعلومات الحالية، يُعتبر وجود علاقة سببية بين اللقاح وحدوث جلطات دموية مصحوبة بانخفاض الصُّفيحات الدموية أمرًا غير مؤكَّد. ويلزم إجراء دراسات متخصصة لفهم العلاقة المحتملة بين التطعيم وعوامل الخطر الممكنة فهمًا تامًّا.
وأضافت أنه من المهم ملاحظة أن الأحداث الخاضعة للتقييم، رغم أنها مثيرة للقلق، فإنها نادرة للغاية. إذ أُبلِغ عن أعداد قليلة من بين ما يقرب من 200 مليون شخص تلقوا لقاح أسترازينيكا على مستوى العالم. كما لفتت منظمة الصحة العالمية إلى أنه ينبغي تقييم الأحداث الضارة النادرة التالية للتمنيع في ضوء خطر الوفيات الناجمة عن كوفيد-19. وقدرة اللقاحات على منع العدوى والحد من الوفيات الناجمة عن الأمراض.
الأعراض الجانبية تسبب التراجع
وأوضحت الصحة العالمية أنه من المتوقع والشائع أن تظهر آثار جانبية في غضون يومين أو ثلاثة بعد التطعيم. وغالبية هذه الآثار الجانبية تكون خفيفة وذات طابع مَوضِعيٍّ. ولكن ينبغي للأفراد الذين يعانون من أي أعراض وخيمة –مثل ضيق التنفس، وألم في الصدر، وتورُّم الساق، وألم مستمر في البطن. والأعراض العصبية كالصداع الشديد والمستمر أو عدم وضوح الرؤية، وظهور بقع دموية صغيرة تحت الجلد وراء مكان الحقن. خلال مدة تتراوح تقريبًا بين 4 أيام و20 يومًا عقب التطعيم، ينبغي لهم التماس العناية الطبية العاجلة.
وينبغي أن يكون الأطباء السريريون على دراية بتعاريف الحالات ذات الصلة والإرشادات السريرية للمرضى الذين تظهر عليهم أعراض الجلطة. ومن أجل ذلك، اقترحت اللجنة الفرعية أيضًا انعقاد لجنة من الخبراء السريريين تضم اختصاصي الدم وغيرهم من المتخصصين. لتقديم المشورة بشأن التشخيص السريري والتدبير العلاجي للحالات.
الأثار الجانبية التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية بالفعل، هي التي دفعت “ميرنا علي” التي تبلغ من العمر 38 عامًا عن العزوف عن اللقاح. “أنا خايفة أووي من الأثار دي، ومحدش في المستشفى لما روحت كلمني أو شرح ليا إيه اللي ممكن يحصل. كأنها عملية أتوماتيكية، مفيش كمان قياس ضغط مثلًا أو سكر. لقيت ورقة مفروض أمضي عليها بثبت إن كل حاجة بموافقتي واللي هو محدش شرح لي كل حاجة دي اللي هي إيه. مفيش اختيار، فرفضت ومشيت”.
ما قالته “ميرنا” يتفق مع الحالات السابقة، فمخاوف الأعراض الجانبية التي قد تصل للتجلطات، وعدم الاختيار أو شرح الأثار الجانبية ومخاوف التوقيع. دفعت العديد ممن سجلوا بالفعل للتراجع، وهو ما يفسره الكثير من الأطباء الذين تحدثوا لـ”مصر 360″، أن الأمر أيضًا يرجع لانعدام التوعية. بالإضافة إلى قلة المعلومات التي تنشر عن اللقاحات.
ماذا نعرف عن صلاحية لقاح أسترازينيكا؟
الوضع مختلف عند “عبير سليم” 45 عامًا، التي سجلت بالفعل، وقالت إنها ذهبت لتلقي الجرعة. وفي طريقها كانت تتصفح هاتفها المحمول، لتجد خبرًا حول جرعات ستنتهي صلاحيتها قريبًا من لقاح أسترازينكا في مصر. خافت من الأمر، وفي المستشفى سألت الطبيب هل بالفعل اللقاح ستنتهي صلاحية جرعاته قريبًا. فأخبرها أن الأمر لو كان صحيحًا فهو غير مخيف، فاللقاح آمن، وحتى الآن صلاحيته لم تنته. لكنها قررت التراجع والرفض وعادت للمنزل في النهاية.
تقول: “أنا خفت أوي، خفت ليكون الجرعات الباقية دي مش عارفين يودوها فين وإحنا ناخدها وخلاص حتى لو مش مناسبة لينا. كمان ما هو مفيش أي أخبار بتوضح ده، فقلت أحافظ على نفسي وخلاص”. ويتفق الأمر مع ما أوضحته “مدى مصر” في نشرتها، حول أن هناك توجيهات من وزارة الصحة بتوزيع كل 5 من لقاح أسترازينيكا الإنجليزي مقابل واحد من لقاح سينوفارم الصيني. على عدد من الوزارات والشركات والمؤسسات والجهات الحكومية المختلفة لتطعيم العاملين فيها والمترددين عليها. وذلك بعد أن يتم تسجيلهم داخل مقار تلك الجهات إلى جانب مقار توفير اللقاحات بالمحافظات. دون التقيد بالتسجيل عبر الموقع الإلكتروني الخاص باللقاحات، بحسب مصادر حكومية وطبية تحدثت لها.
ويبدو أن مخاوف اللقاح منتهي الصلاحية ليست في مصر فقط. مالاوي أكدت أنها ستمضي قدمًا في خطط تدمير الآلاف من جرعات لقاح ضد فيروس كورونا منتهية الصلاحية. بالرغم من دعوات منظمة الصحة العالمية والمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض بعدم تدميرها. وجاء ذلك بعد أن حثت منظمة الصحة العالمية ومركز السيطرة على الأمراض في إفريقيا، الدول على عدم تدمير لقاحات مضادة لفيروس كورونا. التي ربما تكون قد تجاوزت تواريخ انتهاء صلاحيتها. قائلة إنها “لا تزال آمنة للاستخدام”. ومع ذلك، أفادت حكومة مالاوي بأن “هذه النداءات جاءت بعد فوات الأوان”.
وأشار المسؤولون إلى أن 16440 جرعة من لقاح “AstraZeneca” المضاد لفيروس كورونا التي انتهت صلاحيتها في 13 أبريل. أزيلت بالفعل من التخزين البارد.
من ناحيته صرح تشارلز موانسامبو، وزير الصحة في ملاوي: “إنه لا بد أن يكون لكل شيئ مصنع تاريخ انتهاء صلاحية لا يمكن استخدامه بعده”. كما أكد أن “تدمير اللقاح منتهي الصلاحية يتماشى مع إرشادات حكومة ملاوي بشأن المنتجات الصيدلانية منتهية الصلاحية”. لافتًا إلى أن “الحكومة ستعلن قريبًا التاريخ الذي ستدمر فيه علنًا اللقاح منتهي الصلاحية في ليلونجوي العاصمة”.