بدا الموقف المصري تجاه التصعيد الأخير في فلسطين مغايرًا بشكل أكثر إيجابية في بعض التفاصيل عن السنوات السابقة. وهي واحدة من المفارقات التي رأى فيها متابعون حُسَن استخدام من القاهرة لورقة سياسية فاعلة على الصعيد الإقليمي يمكن أن تمتد آثارها الإيجابية لملفات أخرى لعل أهمها مسألة سد النهضة، فضلاً عن كونها ورقة جماهيرية تحشد خلفها اصطفافًا شعبيًا نادرًا خلال السنوات الماضية.
التعاطي المصري مع الأحداث الفلسطينية الأخيرة تجسّد في تحرك دبلوماسي لإحداث اختراق يُسفر عن وقف العدوان الإسرائيلي. توازى مع مساعدات عينية لأهالي غزة واستقبال مصابي القطاع في المستشفيات المصرية. فضلاً عن خطاب إعلامي رسمي وشبه رسمي داعم للحق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وساخط على نقيضه.
ورغم أن الحضور المصري لم يكن غائبًا خلال السنوات الماضية عن المسألة الفلسطينية، لكنه اكتسب زخمًا مكثفًا في الأحداث الأخيرة. لاسيما إذا ما قورن بمواقف بقية الدول العربية؛ باعتباره مغايرًا، وبدا حتى في الخطاب الفلسطيني الذي أشاد بالإجراءات المصرية.
خطاب إعلامي
وتغيّر الخطاب الإعلامي الرسمي في مصر إيجابيًا مع أحداث فلسطين الأخيرة، مع ثبات خطابها الشعبي الرافض للاحتلال والتطبيع نهائيًا. ولاحظ المتابعون للتغطية الإعلامية المصرية جانبا إيجابيا، أظهر ضراوة العدوان الإسرائيلي على غزة. كما نقلت الصحف الرسمية وشبه الرسمية بعضًا من إنجازات المقاومة في ردها على العدوان.
https://www.youtube.com/watch?v=0jjFxZKzFl8
تحرك دبلوماسي
في خضم ذلك تحركت القاهرة سواء مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني أو على المستوى الدولي، لخلق هدنة، لم تتضح معالمها بعد. ومع بداية الصعيد انتقل وفد مصري إلى فلسطين لعرض مقترح بوقف إطلاق النار لكنه فشل في الحصول على موافقة الطرفين.
بعدها انخرط وزير الخارجية المصري سامح شكري في اتصالات دبلوماسية مع أطراف دولية لفرض هدنة. ومساء الإثنين نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله قال إن مصر كانت على الأرجح الوسيط الأكثر فاعلية بين إسرائيل وحركة حماس في غزة.
تضامن إنساني
وعلى المستوى الإنساني أبدت مصر موقفا داعما للجانب الفلسطيني، من خلال نقل مساعدات غذائية ودوائية إلى قطاع غزة. بالإضافة إلى فتح المعبر الحدودي لعبور العالقين، ثم لاحقًا نقل المصابين للمستفيات المصرية.
ووضعت مصر خطة صحية لمعالجة جرحى القصف الإسرائيلي على غزة، تضمنت مستشفيات في شرق البلاد والقاهرة الكبرى. كما وفرت معدات وأجهزة وسيارات إسعاف وأطباء على مدار الساعة.
ونقلت وزارة الصحة دعمًا لمديرية الشؤون الصحية بشمال سيناء والإسماعيلية، من خلال دفعة استثنائية من أدوية ومستلزمات الطوارئ، تكفي للتشغيل لثلاثة أشهر، كما رفعت حالة الطوارئ في بنوك الدعم بالعريش والإسماعيلية.
سد النهضة
متابعون ربطوا بين الموقف المصري ومسألة سد النهضة، من خلال ممارسة القاهرة ضغطًا على إسرائيل المتواجدة في قلب المشروع الإثيوبي.
في الساعات الأولى من أحداث فلسطين صدر عن الخارجية الأمريكية بيان طالب بضرورة عودة مفاوضات سد النهضة “على وجه السرعة”. البيان الأمريكي كان يحذر من عواقب قرارات قد تشكل اضطرابًا في المنطقة. هذا المعنى القريب من حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي عقب فشل الجولة قبل الأخيرة من المباحثات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا.
استدل البعض على هذا التكهن بأن مصر ترد على دور مستتر لعبته حكومة الاحتلال في ملف سد النهضة. لكن هذا الدور بدا واضحًا عبر تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، قال فيها إن بلاده من الممكن أن تبيع الطاقة الكهربائية والمياه الفائضة عن حاجتها لأي طرف – بما في ذلك إسرائيل- وهو ما ألقى الضوء على نيات تل أبيب في هذا الصدد.
كما تحدثت وسائل إعلام عبرية عام 2019، عن حالة توتر بين مصر وإسرائيل على خلفية نشر الأخيرة منظومة الصواريخ Spyder-MR حول سد النهضة.
اصطفاف داخلي
كما أن الداخل المصري كان بحاجة لقضية محورية تخلق اصطفافًا شعبية خلف النظام؛ وهو ما يمكن أن يتحقق عبر القضية الفلسطينية. بدا ثمار تلك المحاولة من خلال تعليقات سياسيين مؤيدين ومعارضين جميعها تشير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى هذا الاصطفاف.
خط أنابيب عسقلان.. وحركة التجارة البترولية بقناة السويس
التكهنات ربطت أيضًا بين تدمير المقاومة الفلسطينية خط أنابيب عسقلان، وما أثير بشأن تأثيره على حركة التجارة البترولية بقناة السويس.
وخلال الأشهر الماضية، أثير حديث عن تعاون إماراتي إسرائيلي بشأن خط الأنابيب هذا. لكن قناة السويس قالت إن نسبة تجارة النفط الإماراتي تمثل نحو 0.7% من إجمالي حركة تجارة النفط المارة بالقناة.
وتسبب صاروخ من قطاع غزة بأضرار ضخمة في خط الأنابيب. وأظهر مقطع فيديو تداول، ألسنة اللهب تتصاعد من خزان وقود كبير بالقرب من مدينة عسقلان.
https://www.youtube.com/watch?v=ShHVzRuToRc
الدكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية يرى أن الإعلام المصري بكثافة وراء خطبة الشيخ أحمد عمر هاشم، التي بدت أنها إشارة رسمية. لكنه رأى أن “المساعدات الإنسانية وفتح المعبر أو استقبال المصابين، هو أمر إنساني تقوم به أغلب الدول”.
وأضاف أن الحضور المصري يؤكد إمكانياتها وقدراتها على توظيف المشهد كي يمكن القول للأمريكيين إن مصر لديها إمكانيات كبيرة ومن مصلحتها التنسيق معنا.
لذلك يرى أن “مصر لديها دور كبير في المشهد السياسي والملفات الإقليمية وتطويرها وليست مجرد رد فعل”. وقال إن الحضور المصري يعني أنها تمتلك “رد فعل جيد ولا تقف وننتظر حتى يتحرك أحد”.
