وافق مجلس الشيوخ، أمس الاثنين، بصورة مبدئية على مشروع قانون إصدار الصكوك السيادية، الذي يسد فراغا تشريعيًا مستمرا منذ ثلاث سنوات، حال دون استفادة الخزانة العامة من تلك الآلية التمويلية التي تعتمد عليها اقتصاديات متقدمة حاليا كأحد الوسائل الأساسية للتمويل منخفض التكلفة.
وتعاني الخزانة العامة من فجوة تمويلية تقدر بنحو تريليون جنيه في مشروع الموازنة الجديدة للعام 2021/2022 مقابل 997 مليار جنيه للعام المالي الحالي، موزعة بين عجز الموازنة وسداد القروض، وتعتمد في سدها كالمعتاد على أدوات الدين التقليدية، كأذون وسندات الخزانة، ما يتطلب آليات تمويلية جديدة.
والصكوك السيادية هي أوراق المالية التى تصدرها وزارة المالية، لتمويل الموازنة العامة للدولة وتتسم بأنها متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتعطى لحاملها ملكية حصة فى أصول مشروع محدد أو نشاط استثمارى وتكون قابلة للتداول وفقًا لشروط صيغ التمويل الإسلامى المعتادة.
تحظى الصكوك السيادية كأداة تمويل بدرجة كبيرة من القبول فى أسواق المال فى العالم خاصة الدول الإسلامية، بإجمإلى إصدارات 2.7 تريليونات دولار أمريكى، وتتربعَ ماليزيا والسعودية وأندونيسيا وبريطانيا والإمارات وتركيا والبحرين على رأس الدول الأكثر إصدارًا لها.
ومنذ إقرار القانون رقم 17 لسنة 2018 في مصر الذى ألغى القوانين السابقة المنظمة للصكوك، يوجد فراغًا قانونيًا لايسمح للدولة بإصدار صكوك سيادية، تتوافق مع الشريعة الإسلامية، أو تسمح بالاستفادة من ملكيتها للأصول، وتسعى الدولة حاليًا لتوظيفها في جذب شريحة من المستثمرين لديها تحفظات على الفائدة والعائد التقليدية من الأذون وسندات الخزانة.
وتقوم فلسفة قانون الصكوك السيادية على توفير التمويل اللازم للمشروعات الاستثمارية الجديدة أو إعادة هيكلة المشروعات التابعة للحكومة والمملوكة لها ملكية خاصة لفترة محددة، وكذلك تمويل الموازنة العامة للدولة، ما يجعله تنويعًا لآليات التمويل المتاحة للحكومة وعدم قصرها على البنوك التي كانت الممول الرئيسى للموازنة عبر أذون وسندات الخزانة.
وتكون الصكوك اسمية، متساوية القيمة، ومُبينًا بها عُمر الصك بالجنيه المصري، أو بالعملات الأجنبية، عن طريق طروحات عامة، أو خاصة في السوق المحلي، أو في الأسواق الدولية، كما تعتمد على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة وليس الفائدة الثابتة.
لجنة تقييم
ويقع على عاتق اللجنة العليا للتقييم المكونة من الخبراء المعنيين تقييم حق الانتفاع أو تأجير الأصول التى تصدر الصكوك السيادية بناء عليها، على أن توجد لجنة أخرى للرقابة تتولى: إجازة الأصول محل التصكيك ما يفيد توافقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإجازة نشرة الإصدار وكافة صيغ التعاقدات الخاصة بإصدار الصكوك، والتحقق من استمرار التعامل فى الصكوك السيادية منذ إصدارها وحتى استرداد قيمتها وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، سواء بنفسها أو بناء على التقارير الدورية التى تطلبها من الجهات المعنية.
ونظم مشروع القانون عملية التصكيك وتداول الصكوك، وحقوق مالكيها والالتزامات المقررة شرعا للمنتفع بالأصول المتخذة أساسا لإصدارها، ووضع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد علي خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد على 5 ملايين جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من أصدر صكوكا سيادية أو عرضها للتداول علي خلاف الأحكام المقررة في هذا القانون، ويحكم على الجاني برد قيمة ما حققه من نفع أو خسائر.
وعند نهاية مدة الصك، يسترد مالكه قيمته، وينتهي حق الانتفاع المقرر على الأصول التي اتخذت أساسًا لإصدار الصك ويجوز للجهة المصدرة رد القيمة الاستردادية لمالكي الصكوك السيادية قبل نهاية مدة الصك، وفقًا لنشرة الإصدار.
اقرأ أيضا:
حوار| إلهامي الميرغني: “التخبيط عنوان الاقتصاد المصري”.. والقطاعات تعيش في جذر معزولة
الشورى رفض مساواة طروحات الداخل بالخارج
ورفض المجلس المقترح المقدم من الحكومة على المادة الثامنة من مشروع القانون بشأن معاملة الصكوك الداخلية مثل نظيرتها الخارجية عند القيد في البورصة، وقرر أن يتم قيد ما يتم إصداره من هذه الصكوك في مصر بالعملة المحلية أو الأجنبية بجداول بورصة الأوراق المالية، وحفظها بشركة الإيداع والحفظ المركزي، أما ما يتم إصداره من الصكوك خارج مصر «الصكوك الدولية» بالعملات الأجنبية فيتم قيده بالبورصات الدولية وفقًا للقواعد المتبعة للإصدارات الحكومية الدولية.
ويتم تحديد الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة «ملكية خاصة» التي تصدر على أساسها الصكوك قرار من رئيس مجلس الوزراء، بحيث تكون هناك آلية لتقييم حق الانتفاع بالأصول التي تصدر على أساسها الصكوك أو مقابل تأجيرها لهذا الغرض، ويُحظر استخدام الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة ملكية عامة، أو منافعها في إصدار الصكوك السيادية الحكومية.
ويتم إصدار الصكوك في شكل شهادة ورقية أو إلكترونية بالمواصفات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وتكون اسمية، ومتساوية القيمة، وتصدر لمدة محددة بالجنيه المصري أو بالعملات الأجنبية عن طريق طروحات عامة أو خاصة بالسوق المحلي أو الأسواق الدولية، ومنها المضاربة، والمرابحة، والإجارة، والاستصناع، والوكالة.
الصكوك الحكومية والشريعة الإسلامية
ووفقا لمشروع القانون، سيتم إصدار الصكوك السيادية الحكومية طبقًا لأي من الصيغ المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تقرها الهيئة الشرعية، وعلى أساس عقد شرعي أو أكثر من العقود المطابقة لتلك المبادئ، ويخضع إصدارها، وتداولها واستردادها للضوابط الشرعية والقواعد والإجراءات التي تطبق على التعاملات والتداولات للإصدارات الحكومية من الأوراق المالية وأدوات الدين.
ومن المقرر إنشاء شركة مملوكة للدولة لإدارة وتنفيذ عملية إصدار الصكوك السيادية الحكومية تكون وكيلاً عن حملة الصكوك، على أن يصدر مجلس الوزراء لائحة تنفيذية خاصة بالقانون بعد إقراره بثلاثة أشهر من مجلس النواب.
وقال المحلل المالي نادي عزام إن الصكوك تمثل إحدى الوسائل التي ترتكن عليها الحكومة لتنويع مصادر التمويل بتكلفة أصل لسد احتياجات الموازنة وبهدف احتواء الأثر الاقتصادى والمالى لجائحة كورونا، موضحًا أن إصدارها يكون على أساس الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة وذلك عن طريق بيع حق الانتفاع بهذه الأصول دون حق الرقبة، أو عن طريق تأجيرها.
وخلال مناقشات مجلس الشورى، أثار النائب باسم الخواص تخوفات حول شرائح المستثمرين التي ستسفيد من مشروع الصكوك السيادية وجنسياتهم وانتماءاتهم ونوعيات الطرح التي سيتم استخدامها، وهل ستكون طرحا عاما للجميع أم طرحًا خاصا على فئات بعينها؟
والمقصود بالطرح العام هو قيام إحدى الشركات بطرح جزء من أسهمها للجمهور رغبة منها فى توسيع قاعدة ملكيتها أو زيادة رأس المال، ويتضمن عيوبًا تتعلق بالسماح بدخول المستثمرين الجدد جنبا إلى جنب مع القدامي، ما يضر بمصالح الفئة الأخيرة.
اقرأ أيضا:
“الخروج من المأزق”.. روشتة تعافي الاقتصاد المصري بعد أزمة كورونا
أما الطرح الخاص فيتم قصره على مستثمرين جدد محددين بعناية، وعادة ما يكونوا مؤسسات استثمارية أو أفراد ذوى خبرة فى مجال الاستثمار أو أصحاب ملاءة مالية عالية مع منع المشترين من التصرف فى الأسهم فترة زمنية محددة، ويتسم بمزايا تتعلق بصغر عدد المستفيدين ما يسهل للإدارة التعامل معهم.
لكن عازام قال إنها آلية لا تتضمن أي مخاطرات فالحد الأقصى لمدة تقرير حق الانتفاع بالأصول الثابتة التي تصدر على أساسها الصكوك أو مدة تأجيرها ثلاثين عامًا، ويجوز إعادة تأجير هذه الأصول للجهة المستفيدة، ويحظر الحجز أو اتخاذ إجراءات تنفيذية على الأصول التي تصدر على أساسها الصكوك، مع بطلان أي إجراء أو تصرف مخالف لذلك، ما يجعلها وسيلة آمنة لكل من الحكومة والمستثمر على حد سواء، كما تتضمن لجنة للرقابة كبيرة محملة بالخبرات الاقتصادية والشرعية.,
وتتشكل لجنة الرقابة من رئيس ذي خبرة الاقتصادية وستة أعضاء غير متفرغين بينهم ثلاثة من ذوى الخبرة فى مجال التمويل وعضو قانونى يرشحهم الوزير المختص، واثنان من ذوى الخبرة فى الشريعة الإسلامية يرشحمها شيخ الأزهر الشريف، ويجوز ضم عضو غير مصرى من ذوى الخبرة فى الشريعة يرشحه شيخ الأزهر الشريف، بالتشاور مع الوزير المختص، ومدة عضوية اللجنة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وقراراتها بأغلبية أعضائها وفى حالة تساوى عدد الأصوات يرجح الجانب الذى منه رئيسها لكن لا تصدر قرارات اللجنة إلا بموافقة أحد العضوين المصريين من ذوى الخبرة فى الشريعة الإسلامية على الأقل، ما يمنع الجانب الشرعي حضور قوي داخلها.