على مدار سنوات استمر الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم حرب، وممارسة سياسات تمييزية مجحفة، بحق أصحاب الأرض الفلسطينيين. في استنساخ للأبارتهيد في جنوب أفريقيا، أو حتى قضية الهنود الحمر في الولايات المتحدة. دون محاسبة حقيقية على تلك الجرائم.
وخلال أحداث الانتفاضة الأخيرة تخطت قوات الاحتلال كل القوانين المعمول بها، وقصفت المدنيين في مساكنهم الآمنة. فضلًا عن محاولاتها لتهجير السكان الأصليين، الذي تسبب في نزوح الآلاف، وهو ما اعتبرته جهات دولية تهجيرًا قسريًا. في حين اعتبرته لجنة الحريات في نقابة المحاميين تهجير عرقي بحسب عضو اللجنة المحامي ياسر سعد.
لا يخفى أن شرعنة الاحتلال وفرض الأمر الواقع تصاعد بشكل خطير خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وصفقته المزعومة للقرن. ثم أعقبها موجة من التطبيع العربي.
بدا حينها أن الأمر استتب لكيان الاحتلال، فبدأ في وضع خططه الطامحة للتوسيع الرسمي للسيادة الإسرائيلية لتضم غور الأردن. والأغلبية الساحقة من المستوطنات غير القانونية في باقي الضفة الغربية المحتلة. مقابل أراضٍ تقع حاليًا داخل إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين عاث الاحتلال فسادًا وارتكب جرائم جمة، غير أن العديد من الجهات سعت لتوثيق تلك الجرائم. إذ ساهمت ثورة فلسطينيو الداخل، والانتهاكات بحق أهالي غزة إلى إبرازها وخروجها للعلن.
الاحتلال والإخلاء القسري وهدم المنازل
التزامن مع الصفقة المزعومة لوحظ تغيير في اللهجة الحقوقية الدولية تجاه دولة الاحتلال. فتعددت التقارير المنددة بانتهاكات الاحتلال، وخلال العام الماضي مثلًا وثقت لجنة العفو الدولية هدم الاحتلال 848 مبنى سكنيًا أو مستخدمًا لكسب العيش فلسطينيًا في الضفة الغربية. بما فيها القدس الشرقية وتسببت بنزوح 996 شخصًا بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وتذرعت سلطات الاحتلال آنذاك بأن العديد من المباني المهدمة لم تحصل على تراخيص صادرة منها. إذ يستحيل فعليًا على الفلسطينيين الحصول عليها، لتعنت الاحتلال نفسه، أو أنها مبنية في مناطق عسكرية مغلقة. ويُحظّر قانون الاحتلال هذا الهدم إلا إذا كان ضروريًا للعمليات العسكرية.
كذلك هدمت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 6 منازل فلسطينية على سبيل العقاب، تاركة 22 شخصاً بينهم 7 أطفال بلا مأوى بحسب منظمة يتسليم. وتُعدّ عمليات الهدم العقابية عقوبة جماعية، وهي ممنوعة بموجب القانون الدولي.
في الوقت نفسه باشرت المنظمات الاستيطانية بمساندة الاحتلال عمليات إخلاء قسري للفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية. وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية كان هناك في ديسمبر الماضي قضايا إخلاء مرفوعة ضد زهاء 200 أسرة معيشية فلسطينية في الضفة الغربية. بما في ذلك القدس الشرقية، ما يُعرّض 800 راشد وطفل لخطر النزوح. وفق توثيق منظمة العفو الدولية.
وهدمت السلطات الإسرائيلية ما لا يقل عن 29 من المباني السكنية وتلك المستخدمة لكسب العيش. عائدة لمواطنين بدو يعيشون في قرى “غير معترف بها” في النقب. بحسب منتدى التعايش السلمي في النقب، وهو منظمة غير حكومية.
الاحتلال والتهجير العرقي وفرض الأمر الواقع
كان حي الشيخ جراح القشة التي قسمت ظهر البعير. حيث قوبلت محاولات الاستيلاء على منازل الفلسطينيين عن طريق المستوطنين، وبمساندة قوات الاحتلال، بمقاومة السكان. وأخيرًا إعلانهم الإضراب العام.
وفي هذا الصدد يصنف المحامي ياسر سعد التهجير الحاصل بحق السكان بوصفه تهجير عرقي، بديلًا عن مصطلح القسري. معتمدًا في وصفه على المبدأ القانوني الذي يقصر التهجير القسري على السلطات الوطنية. بينما يعد الكيان محتلًا. لذا فإن الوصف بـ”عرقي” هو الأدق، وهو ما يعمل على توثيقه إلى جانب باقي أعضاء اللجنة المنبثقة عن لجنة الحريات بنقابة المحامين.
يؤسس لرأي سعد تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” المعنون بـ “تجاوزا الحد” حيث يشير إلى ارتكاب الاحتلال لجرائم على أساس العرق.
كما يبني التقرير حكمه على أساس اتفاقية الفصل العنصري، وهي التي تصف الفصل العنصري بجريمة ضد الإنسانية. ترتكب لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية عرقية ما من البشر على أية فئة عنصرية “عرقية” أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية.
ويعتمد نظام روما الأساسي للجنائية الدولية تعريفًا مماثلًا. “أية أفعال لا إنسانية، تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه القمع المنهجي والسيطرة المنهجية. من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام.
ومن الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي “الإبعاد القسري”، و”نزع ملكية العقارات”. كذلك “خلق محتجزات ومعازل مفصولة”، وحرمان الناس من “الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية”. وهي عوامل جميعها تتوفر في كيان الاحتلال.
المنازل ملك أصحابها حتى بدون سند ملكية
ومن الناحية القانونية أيضًا يؤكد سعد أحقية الفلسطينيين هذه المنازل، حتى في حال غياب سند ملكية. اعتمادًا على القاعدة العامة التي ترجع حيازة الأملاك للأفراد في حال مكثوا بالمكان أكثر من عشر سنوات.
وحول إنصاف قضاء الاحتلال للمستوطنين، يشرح سعد إلى أن الأمر يتم شرعنته عبر دفع المستوطنين الإرهابيين إلى طرد الفلسطينيين من بيوتهم. بمساندة شرطة الاحتلال لتصبح الحيازة أمر واقع، ثم يذهبون لإثبات ملكيتها قانونًا لفرض الأمر الواقع.
وكانت النقابة أعلنت موقفها المناوئ للاحتلال، والداعم للقضية. تعمل حاليًا على إصدار تقرير لتقصي الحقائق بمعاونة مجموعة من المتخصصين والمعنيين. كما سيتم إصدار كتيب وفيلم يوثق جرائم الاحتلال.
أما سلوك سُبل التقاضي عبر هذه الوثائق دوليًا، قال سعد إن عملية الاستعانة بالمحاكم الدولية تقتضي إنهاء عملية التقاضي بدولة الواقعة أولًا. ثم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتي يجب على الدولة الجانية أن تكون موقعة على الانضمام إليها. وهو مايغيب في حالة دولة الاحتلال، ولكن أيضًا يمكن أن يؤثر الأمر على تنقلات المسؤولين الإسرائيليين في العالم وتقييد حركتهم.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت قرارها باعتبار الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها القضائي. ما يمهد لفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب محتملة فيها عام 2014. ورغم رمزية الإجراء إلا أن للأمر تداعياته العملية هذه المرة.
التمييز جريمة الاحتلال التي لا تغتفر
ميّزت قوات الاحتلال على طول الخط بين فلسطينيي الداخل، واليهود في مجالات التخطيط، وتوزيع الميزانية، والحفاظ على الأمن، والمشاركة السياسية. وبحسب مركز عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية، يملك الاحتلال 65 قانونًا يميز ضد الفلسطينيين.
وبحسب توثيق العفو الدولية أضربت المجالس الفلسطينية المحلية في دولة الاحتلال، احتجاجًا على التمييز في توزيع ميزانية الدولة على المجالس المحلية.
وتعيش الأغلبية العظمى من الفلسطينيين في 3% فقط من الأرض، في حين أنهم يشكلون أكثر من 20% من مجموع السكان. بحسب “هيومن رايتس”. بينما حصلوا على 1.7% فقط من ميزانية الدولة المخصصة للمجالس المحلية.
امتد الاجحاف بالطبع إلى حرمان الفلسطينيين من التعليم متذرعة بقانون الدولة القومية القائم على التمييز المجحف. كذلك أفاد قرار للمحكمة العبرية بأن إنشاء مدرسة عربية في البلدة أو تمويل وسائل النقل لسكانها الفلسطينيين للدراسة في مدارس عربية قريبة يقوّض “الطابع اليهودي” للبلدة.
ولا أدل على التمييز المجحف، من سياسة الاحتلال خلال جائحة كورونا. وانعكاس الوضع الاقتصادي المتدهور على السكان الفلسطينيين دون نظرائهم المحتلين. كما أن جرعات التطعيم من المرض أيضًا اقتصرت على الداخل.
القتل غير المشروع وقصف المدنيين
يتمثل مبدأ التمييز في القانون الدولي بقيام أطراف النزاع المسلح بالتمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين من جهة. وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية من جهة أخرى. على أن المدنيين لا يمكن أن يكونوا عرضة للهجوم الذي ينبغي أن يقتصر على الأهداف العسكرية فقط.
في حين استخدم جيش الاحتلال القوة غير الضرورية والمفرطة خلال عمليات إنفاذ القانون، بما في ذلك خلال عمليات التفتيش، وإلقاء القبض. وعند الحفاظ على الأمن خلال المظاهرات، وخلال قصفه لقطاع غزة بقصف المدنيين في وضح النهار دون إخلاء حقيقي للمباني.
وقُتل المئات من السكان الأصليين بصورة غير مشروعة بالذخيرة الحية أو غيرها من ضروب القوة المفرطة. بينما لم يشكلوا أي تهديد وشيك على حياة أحد. كما ينص القانون الدولي، وبدا أن بعض عمليات القتل غير المشروع كان متعمدًا ما يمكن أن يُعدّ جرائم حرب.
وقصفت إسرائيل برج “الجلاء” في قطاع غزة، الذي يتكون من 13 طابقًا والذي يضم مكاتب إعلامية وشققًا سكنية. على غرار الغارة التي استهدفت برج “الشروق” قبل أيام، وكذلك برج المشتهى.
ووصل عدد الشهداء خلال الاعتداءات الأخيرة إلى 237 فلسطينيًا، منهم 61 طفلًا، و36 سيدة في غزة فقط. كما تجاوز عدد المصابين ألفين مصاب، وهو ما يخالف إعلان جنيف للقانون الدولي.
الحق في التنقل الذي تنتهكه دولة الاحتلال
طبقًا للفقرة 1 من المادة 12 من حقوق الإنسان “يحق للأشخاص التنقل من مكان إلى آخر والإقامة في مكان ما حسب اختيارهم. والتمتع بهذا الحق يجب ألا يخضع لأي غرض أو سبب معين للشخص الراغب في التنقل أو في الإقامة في مكان ما”.
واصلت إسرائيل لأكثر من 14 عامًا، حصارها الجوي والبري والبحري غير المشروع لقطاع غزة مقيدةً حركة الأشخاص والسلع إلى داخل المنطقة وخارجها. وهو ما ظل يُحدث أثرًا مدمرًا في الحقوق الإنسانية لسكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة بحسب منظمة العفو الدولية.
وأوقفت إسرائيل إدخال مواد البناء والوقود إلى غزة على نحو متكرر. فعطّل ذلك محطة الكهرباء الوحيدة في غزة ما أدى إلى مزيد من التخفيض للتيار الكهربائي الذي كان متوفرًا أصلًا حوالي 4 ساعات يوميًا.
كذلك فرضت السلطات الإسرائيلية إغلاقًا بحريًا تامًا، وحصرت بصورة متكررة إدخال السلع بالمواد الغذائية والعقاقير الطبية فقط. ووصلت هذه الإجراءات إلى حد العقاب الجماعي، في وقت ازدادت فيه الإصابات بفيروس كوفيد-19 في غزة.
وتتكرر الوفيات بين الفلسطينيين نتيجة التعنت في إرسال المرضى منهم سواء إلى داخل دولة الاحتلال، أو الخارج للعلاج.
وفي الضفة الغربية، واصل ما لا يقل عن 593 حاجز طرق ونقطة تفتيش فرض قيود شديدة على تنقل الفلسطينيين وحصولهم على حقوقهم. من بينها الصحة، والتعليم، والعمل. كما أن حملة بطاقات الهوية الفلسطينية ممنوعون من استخدام الطرقات التي بنيت للمستوطنين.
التعذيب والاعتقال كأداة للانتهاك
منذ قيام دولة الاحتلال في عام 1948، يُعذِّب الفلسطينيين تعذيبًا ممنهجًا بأساليب متعددة، كما أن الاحتلال من الكيانات التي لم تسن تشريعات محلية تحظر استخدام التعذيب، بل سمحت محاكمُها باستخدام التعذيب في حالات “الضرورة” .
ما مكَّن جهاز الأمن من استخدام التعذيب على نطاق واسع ضد المعتقلين السياسيين الفلسطينيين. وبحسب منظمة العفو الدولية استمر الجنود وأفراد الشرطة، وجهاز الأمن العام التابعين للاحتلال. في ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة ضد المعتقلين الفلسطينيين، مع الإفلات من العقاب.
واشتملت الطرائق التي وردت أنباء بشأنها للمنظمة على الضرب، والصفع، والتكبيل المؤلم، والحرمان من النوم. كذلك استخدام أوضاع بدنية مرهقة، إلى جانب التهديد باستخدام العنف ضد أفراد الأسرة.
كما شاع استخدام الحبس الانفرادي المطول، الذي دام أحياناً طيلة أشهر كعقاب. كما تمنع قوات الاحتلال المساعدة الطبية عن الفلسطينيين الذين أُصيبوا خلال عمليات عسكرية. بالمخالفة لقوانين جنيف التي تنص على حق العلاج للجميع سواء مدنيين وعسكريين.
وخلال الانتفاضة الأخيرة اعتقل الاحتلال خلال شهر أبريل فقط 402 فلسطيني نصفهم من القدس المحتلة. وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان ومركز معلومات وادي حلوة بالقدس. قالوا في تقرير إن من بين المعتقلين الشهر الماضي 61 طفلًا و7 نساء.
ويستخدم الاحتلال قانونًا بريطانيًا قديمًا يتيح لها اعتقال أشخاص دون محاكمة لمدة تتراوح بين 3 و6 أشهر قابلة للتجديد. بحجة وجود ملف سري لهم. ومن الممكن أن يواجه الأسير عشرات المحاكمات دون إخلاء سبيله.