“مفيش حد هيغتصب حلاله”.. هكذا يرى الداعية عبدالله رشدي ما يعرف بـ”الاغتصاب الزوجي” الذي شهد مناقشات عديدة الأيام الماضية. وعاد الحديث عنه مجددًا مع عرض مسلسل “لعبة نيوتن” في شهر رمضان الماضي ليعلق رشدي على الأمر في عدة تدوينات.
استشهد رشدي بحديث نبوي يقول: “والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها. حتى يرضى عنها”. كذلك تابع: “مبنتكلمش عن واحدة عندها مرض أو عذر شرعي أو زوجها رجل غير نظيف. أو واحدة مرهقة جسديًا بشكل يجعل العلاقة شاقةً عليها، مبنتكلمش عن كل ده. بنتكلم عن واحدة في ظروف عادية بس بتتمنع علشان معندهاش مزاج أو مش في المود”.
خاطب رشدي الزوجات: “خلي بالك انك كده بتعملي شيئ لا يُرضي الله عنكِ. لذلك إحنا بنرفض مصطلح اغتصاب الزوجة لأن مفيش حد هيغتصب حلاله. لأن الاغتصاب للشيئ اللي مش حلالك. ولأن امتناع الزوجة عن زوجها بدون أعذار صحية أو شرعية أو إرهاق جسدي بسبب عمل المنزل مثلاً تتعسَّرُ بسببه العلاقة. مش شيء متاح في الإسلام أصلًا بل حرام ونشوز”.
رأي رشدي يرفضه قطاع كبير من السيدات اللاتي يرين أن الأمر جريمة لا عقاب لها في القانون المصري وفقًا لما أكده المحامون. في السطور التالية يستعرض “مصر 360” حكايات لسيدات عانين من تلك الأزمة.
الاغتصاب الزوجي.. علاقة تبدأ من “صوت باب الشقة”
تذهب للخلود للنوم، ومع صوت فتح باب الشقة تتعالى معه أصوات دقات قلبها، فتتوقع بعده لقاء بينها وبين زوجها غير محبب لها. يتم دون رضاها كما اعتاد زوجها منذ 3 سنوات، يعاشرها دون موافقتها أو رغبتها. كما يعتبر الأمر حقًا من حقوه وعليها الموافقة، وإن رفضت أو طلبت منه تأخير اللقاء هددها بلعن الملائكة لها.
“مروة” تزوجت منذ 4 أعوام وقالت لـ”مصر 360″ إن الحياة بينها وبين زوجها في البداية كانت عادية، بعد زواج صالونات. وبعد الزواج اكتشفت حبه لممارسة العلاقة الزوجية يوميًا، وفي بداية الأمر لم ترفض. لكن الموضوع أصبح مرهقًا لها. “في الأول مكنش عندي مشكلة وقلت يعني إحنا في أول الجواز وكدة. بس بعد شوية أما بدأت أبقى تعبانة من شغل البيت والحمل. لما بيرجع من شغله بطلب منه نأجل فكان يرفض ويصمم يعمل ده وأنا لازم أوافق”.
زوج “مروة” كان يقالب طلباتها بتأجيل اللقاء الزوجي بينهما حتى تنال قسطًا من الراحة، بتهديد لها بأن ما تفعله يغضب الله وستلعنها الملائكة. كانت تخاف من تلك التهديدات التي كانت ترسب بداخلها أنه ليس من حقها الرفض. مع مرور الوقت ووصولها للأشهر الأخيرة في الحمل وزيادة التعب عليها كان يصر الزوج على طلبه. حتى قالت له ذات مرة إن ما يفعله معها يسمى “اعتصابًا”.
استقبل الزوج عبارة زوجته بسخرية شديدة “فضل يضحك ويتريق عليا، ويقولي هو انت بقيتي تخشي على النت كتير. يعني أيه اغتصاب أنا جوزك وده حقي ومن حقي تسمعي كلامي، وأنا متجوز علشان أنبسط ولا أبص برة”. تعلم الزوجة أن مواقعتها دون رضاها يعد اغتصابًا حتى لو كان الأمر من قبل زوجها. ولكنها لا تستطيع إقناعه بهذا الأمر، فهو يرى أن عليها طاعتها في جميع الأوقات. وهي ترى أن من حقها اختيار الوقت المناسب للعلاقة لأن جسدها ملك لها هي فقط.
منظمة الأمم المتحدة تعرف الاغتصاب الزوجي، بأنه العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر، وهو سلوك ضمن العلاقة الحميمية بين الزوجين. يتسبب في ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي. بما في ذلك الاعتداء الجسدي والعلاقات الجنسية القسرية والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة.
الاغتصاب الزوجي لا يجرمه القانون
لا توجد إحصائيات رسمية بخصوص حالات الاغتصاب الزوجي في مصر. كما لا يوجد قانون يجرّم الأمر. بعكس العديد من الدول.
أصدرت فرنسا عام 2010 قانونًا صريحًا يتعلق بالأعمال المرتكبة بين الأزواج. ويسمح لقاضي شؤون الأسرة بأن يصدر على وجه الاستعجال أمرًا لحماية الزوجة بالإبعاد المكاني للزوج المعتدي على زوجته في 3 جنح من ضمنها الاغتصاب الزوجي. كذلك يعاقب القانون المصري المغتصب بعقوبة تتراوح بين السجن 3 لـ25 عامًا. لكنه لا يعترف باغتصاب الزوج لزوجته.
مروة تكمل في حياتها بعد ولادة طفلها الأول بنفس الشكل الذي تكرهه. أصبحت أوقات اللقاء بينها وبين زوجها أوقات غير محببه لها. لكنها لا تستطيع الشكوى لأحد من أقاربها لأنهم يرون أن من حق الزوج فعل ما يشاء بحسب وصفها. على عكس “أماني” التي قررت المواجهة بعد محاولة زوجها للمرة الأولى اغتصابها دون رضاها. تركت له المنزل وذهبت لأسرتها لطلب الطلاق.
قابلت أسرة أماني طلبها الطلاق بحالة من التوبيخ “أهل ماما وبابا ثاروا عليا لما طلبت ده. وقالوا لي إني اتجننت وإن ده حقه وإزاي أتكلم في الحاجات دي. وطلبوا مني أرجع البيت تاني، ودي كانت الصدمة التانية ليا، اللي هو الأولى صدمتي من جوزي اللي عمل كده فيا. والتانية من أهلي”.
القانون لا يعترف بتلك الجريمة
تواصلت “أماني” مع أحد المحامين وروت له ما حدث، لبحث إمكانية رفع دعوى طلاق، فأخبرها أن القانون لا يعترف بتلك الجريمة. ولا يمكن رفع دعوى بسببها. لكن يمكن رفع دعوى طلاق للضرر، والتي ستأخذ وقتًا طويلًا في المحاكم، لتعود لزوجها وتحاول التحدث معه مجددًا. أخبرته أنه في حال رفضه للطلاق سترفع قضية خلع وتتنازل عن كافة مستحقاتها. وفي النهاية وصلا لاتفاق بتطليقها بعد التنازل عن مؤخر الصداق الخاص بها.
لم توافق أسرة أماني على ما فعلته. لكنها قررت المضي في هذا الطريق “أنا كده راضية عن نفسي أكتر. مستحيل أكمل مع حد عمل فيا كده وشاف إن جسمي ملك ليه ومن حقه. وإن هو بس اللي عنده رغبات لازم يشبعها وأنا لأ ولازم أوافق طول الوقت”.
المحامي الحقوقي علي الحلواني، قال إنه لا توجد مادة في القانون تجرم الاغتصاب الزوجي. محامي الزوجة يضطر دائمًا لرفع قضية طلاق للضرر، ويصبح الأمر في يد القاضي هو من يحدد حجم الضرر ويحكم بوقوع الطلاق أم لا. كذلك أشار إلى أن تلك النوعية من القضايا تستلزم وجود السيدة بشخصها في جميع الجلسات طوال مدة نظر القضية. وهو أمر مرهق لها بجانب التكاليف المادية.
قضايا الطلاق للضرر تمر بنفس مراحل قضايا الخلع وفقًا للحلواني، ولكن الأولى تأخد وقتًا أطول في المحاكم. تتراواح بين 6 أشهر لسنة ونصف السنة. موضحًا أن ما يقرب من 99% من قضايا الأسرة تتم في غرف مشورة وليست في جلسات معلنة. لأنها متعلقة بأمور حساسة كطلب الطلاق للعجز الجنسي، والتي لا يمكن مناقشتها في قاعة أمام الجمهور. فتتم في غرفة مشورة في وجود الزوجة والمحامي والقاضي.
الشرع لا يبيح معاشرة الزوجة دون رضاها
الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، يقول لـ”مصر 360″ إن إجبار الزوجة على العلاقة الزوجية أمرًا ممنوعًا. إذ يؤكد أن العلاقة يجب أن تقوم على تفاهم بين الزوجين. ويمكن للمراة أن ترفض إذا كانت حائض أو مريضة. وللزوجة أعذار عدة من الممكن أن تمنعها من ممارسة العلاقة الزوجية، ولا يمكن للزوج أن يكرهها عليها.
في المقابل وضعت عدة دول تشريعات لمواجهة الاغتصاب الزوجي، وفقًا لما نشره موقع أريج في تحقيق استقصائي له. منها فرنسا التي أصدرت عام 2010 قانونًا صريحًا يتعلق بالأعمال المرتكبة بين الأزواج. إذ يسمح لقاضي شؤون الأسرة بأن يصدر على وجه الاستعجال أمرًا لحماية الزوجة بالأبعاد المكاني للزوج المعتدي على زوجته في 3 جنح من ضمنها الاغتصاب الزوجي. بينما في القانون الأمريكي كانت 50 ولاية والعاصمة واشنطن سنت قوانين ضد الاغتصاب الزوجي، وتساويه ولايات بالاغتصاب من غير الزوج.
المحامي رضا الدنبوقي، مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية. يرى أن الحل لمواجهة تلك الأزمة وضع تشريع عاجل وسريع يناهض تلك الجريمة التي لا يتم الالتفات لها. كذلك أشار إلى أن الاغتصاب الزوجي يمكن إثباته بسهولة من خلال الآثار الموجودة على جسد السيدة. موضحًا أن المركز أن المركز بصدد إعداد مشروع قانون يجرم الاغتصاب الزوجي لتقديمه للبرلمان الحالي. ووفق دراسة تسمى “لا حماية لأحد” سبق إعدادها من قبل المركز، أظهرت أن 10% من النساء المصريات تعرضن ولو لمرة واحدة لاغتصاب زوجي.
مشروع قانون لم يتم
مركز النديم، أطلق مشروع قانون 2005 لكافة أشكال العنف ضد الأسرة، بما فيها العنف الجنسي للنساء المتزوجات وغير المتزوجات أيضًا. المشروع عرّف مواد العنف الجسدي والجنسي وفقًا للاتفاقيات الدولية. وجرى العمل على مشروع هذا القانون حتى عام 2008. كما زار المركز العديد من محافظات مصر لرصد أشكال العنف، وتنظيم مؤتمرات مختلفة. حتى أخذ المشروع صيغته الأخيرة، وقدّم للبرلمان في 2009 لكن دون استجابة. وفي عام 2010 وقع عليه فتحي سرور لدخول لجنة المقترحات بالبرلمان.
الدكتورة ماجدة عدلي إحدى مؤسسات المركز، قالت إن مشروع القانون توقف العمل به، وتم تقديم مشروع جديد في 2013 لمناهضة التحرش. ومنذ الحين لم تتم مناقشة قضية الاغتصاب الزوجي، بالرغم من تقديم العديد من المشاريع للبرلمان. كما تعرضت مادة الاغتصاب الزوجي التي تم الاتفاق عليها في مشروع القانون لانتقادات وسخرية، ووصل الأمر لتقديم أحد المحامين قضية ضد المركز.
وتتفق عدلي في أن قضية الاغتصاب الزوجي من القضايا الحساسة التي لا تفصح عنها النساء بسهولة. إذ يتعامل المركز مع العديد من الحالات لسيدات عدة، يأتين المركز لطلب المساعدة ويشتكين من أزواجهن في البداية لأسباب أخرى. ومع الحديث معها تصل لنقطة الاغتصاب الزوجي التي لا تعترف بها في بداية الأمر، فيفضلن عدم التحدث بها، بسبب الرفض المجتمعي. والخوف أيضًا من العقاب الإلهي الذي يرسخه في أذهانهن الأزواج ورجال الدين.