وافق مجلس الوزارء على سريان التغيرات الجديدة على الحد الأدنى للأجور، بدءًا من يوليو المقبل، وفق قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وفي منتصف مارس الماضي، رفعت الحكومة الحد الأدنى لأجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة إلى 2400 جنيه. ليصل إجمالي الزيادات على الأجور إلى 37 مليار جنيه، بعد عامين من الزيادة الأخيرة التي جرت عام 2019.
غير أنّ مختصين يرون عوارًا في تلك الخطوة على مستويين، الأول يتعلق بقياسات مستوى المعيشة، والثاني يتعلق بالطبقة العاملة نفسها.
الحد الأدنى والتضخم
في الأول يرون أن الزيادة لا تتناسب والتغيرات الاقتصادية التي طرأت خلال العامين الماضيين، وتركت ندوبًا اجتماعية ومستوى فقرٍ مرتفع. وخلال العامين (قبل وباء كورنا) ارتفع معدل التضخم إلى 12%، والفقر 29%.
المستوى الثاني يتمثل في تجاهل قواعد الحد الأدنى لرواتب الطبقة العاملة في القطاع الخاص والقطاع غير الرسمي. وتصل نسبة موظفي الدولة إلى 25% تقريبًا من إجمالي العمالة في عموم القطاعات بالدولة.
عن فلسفة الحد الأدنى للأجور، يلفت إلهامي الميرغني الباحث الاقتصادي والعمالي، النظر إلى الفجوة بين مستوى التضخم الذي تجاوز 35% وبين الحد المعلن الذي لا يتناسب ومعيشة أسرة مكونة من 4 أفراد.
يشير إلهامي إلى أن خط الفقر المحدد وفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بواقع 735 جنيهًا للفرد شهريًا. وبالتالي فإن الحد الأدني لدخل الأسرة المكونة من 4 أفراد يجب ألا يقل عن 2942 جنيه شهرياً وفقا لأسعار 2017.
وفق معدلات التضخم خلال السنوات الأربع (منذ 2017)، فمن المفترض أن يكون حد الفقر للأسرة حاليًا عن 3825 جنيها شهرياً. لذلك يقول إلهامي إن تحديد 2400 جنيه كحد أدني للرواتب، يعني أن كل أصحاب هذا الحد تحت خط الفقر.
العمالة غير الحكومية
المسألة الثانية لقصة الحد الأدنى للأجور المتعلقة بتجاهل العاملين غير الحكوميين، يعني خروج أعداد مهولة من تأمين حد أدنى للحياة. لذلك يطالب طلال شكر النقابي العمالي بضرورة أن يشمل الحد الأدنى لدخل جميع العاملين بأجر وليس فقط القطاع الحكومي. بالإضافة إلى العامل الذي لا يحمل مؤهلاً أو خبرة.
وأشار شكر، في تصريح لـ”مصر 360″، إلى وجود قصور في التطبيق، باختصاص جزء من الطبقة العاملة في حد أدنى للأجر. كما يشير إلى عدم تناسب الأجور المعلنة مع التضخم وارتفاع الأسعار.
وطالب بضرورة دراسة سلة السلع بواقعية، وحسب معايير منظمة العمل الدولية. ولفت إلى أن وقف التعيينات منذ سنوات جعل هناك أعداد مهولة في السلم الوظيفي خارج جميع القرارات التي تعلنها الحكومة.
أما العاملون أنفسهم، فيرون خللاً في فلسفة الحد الأدنى للأجور بمصر، باعتبارها لا تخضع لمعايير اقتصادية أو معيشية قبل إقرارها.
أحد العاملين بالقطاع الطبي يقول لـ”مصر 360″ إن مبلغ 2400 جنيه، لا تكفي لإعالة نفسه، فضلاً عن تكوين أسرة. ولفت إلى أن التضخم وزيادة الأسعار تلتهم أيّ زيادة في الأجور.
الأمر نفسه بالنسبة لإحدى العاملات في قطاع التعليم، التي تقول إن قطاع التعليم من أقل القطاعات من حيث مستوى الأجور. ولفتت إلى أن رواتبهم ومكافأة الامتحانات ما زالت تحتسب على أساسي 2014، في حين أن المستقطعات تحتسب على أساسي 2021.
فلسفة الحد الأدنى وبدايته
“فكرة الحد الأدنى للأجور تعود إلى العهد الملكي”، يلتقط إلهامي الميرغني خيط الحديث مرة أخرى. ويبدأ سرد أول حد أدنى للأجور، وتطور الفكرة وآليات تحديدها.
يقول إلهامي إن “مصر عرفت سياسة الحد الأدنى للأجور عام 1942 عندما صدر القانون رقم 358 لسنة 1942 بإصدار أمر عسكري يلزم أصحاب الأعمال بصرف علاوة غلاء معيشة للعمال بالإضافة إلي أجورهم، بحيث لا تقل عن الحدود التي قررتها الحكومة لموظفيها وعمالها”.
بعدها توالى إصدار قوانين لتحديد الحد الأدنى للأجور منذ عام 1942 وحتى القانون رقم 53 لسنة 1984. وتضمن القانون رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة والقطاع العام إلى 35 جنيهًا شهرياً.
لكن بعد ذلك ظلت مصر تفتقد إلى آلية تحديد الحد الأدنى للأجور حتى صدر قانون العمل رقم 12 لسنة 2003. ونصت المادة 34 من القانون على أن “ينشأ مجلس قومي للأجور برئاسة وزير التخطيط يختص بوضع الحد الأدنى للأجور بمراعاة نفقات المعيشة. وإيجاد الوسائل والتدابير التي تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار”، يواصل إلهامي التوضيح.
ويختص المجلس بوضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية بما لا يقل عن 7% من الأجر الأساسي لاشتراكات التأمينات الاجتماعية. لكن ظل هذا النص معطلاً ولم يعقد المجلس إلا اجتماعين فقط قبل ثورة 25 يناير.
معركة قانونية
بعد العام 2011، والذي سبقته حركة احتجاجات عمالية، تولى فريق قانوني رفع قضية الحد الأدني للأجور واستطاع انتزاع حكم لصالحه.
ونص حكم محكمة القضاء الإداري – الدائرة الأولى في الدعوى رقم 21606 لسنة 63 ق، على أن “الأجر العادل للعامل، وبغض النظر عن الخلاف حول تحديده من مفهوم اقتصادي، يجب أن يضمن الحياة الكريمة للعامل ولأسرته التي يعولها. فكل من يعمل يجب أن يعيش حياة كريمة هو وأسرته من عائد عمله بمراعاة قيمة العمل الذي يقوم به، وبما يتناسب مع الظروف الاقتصاديه للمجتمع”.
وتابع إلهامي: “اختلال هذه المعادلة يكشف عن خلل اقتصادي واجتماعي. ولا سبيل إلى تحقيق الأجر العادل إلا بضمان حد أدني لأجور العمال”.
وأضاف أن العامل هو الطرف الضعيف في علاقة العمل وحمايته واجبة. وطالب بضرورة “ضمان حد أدني للأجور، يضمن الحياة الكريمة للعامل ويتناسب مع ظروف المعيشة والارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات”.
المجلس القومي للأجور معطل
وشدد على أن “المجلس القومي للأجور لا يزال معطلاً، ولا يقوم بدوره المحدد في القانون. بل يجرى الاعتداء على اختصاصاته في مشروع قانون العمل المتداول فى البرلمان”.
أما عن الحد الأقصى، فقد صدر القانون رقم 242 لسنة 2011 بتحديد الحد الأقصى للأجور بـ35 ضعف الحد الأدنى. ثم القانون رقم 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، بمبلغ 42 ألف جنيه شهرياً. ولم يستثني من أحكام القانون إلا ممثلي السلك الدبلوماسي والقنصلي.