في وقت حصلت فيه المرأة السعودية على حقها في تأجير الغرف بالفنادق دون محرم خلال السنوات الأخيرة، لاتزال الجهات الأمنية السياحية المصرية تتمسك بمنع السيدات دون سن الأربعين من النزول بالفنادق ذات النجمة أو الثلاث نجوم بدون مرافق لها من أقاربها الذكور.

مؤخرا، بادر بعض القانونيين برفع دعوى قضائية أمام الدائرة الأولى للحقوق والحريات، بمحكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة، حملت رقم 48010 لسنة 75 قضائية، ضد كل من رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والسياحة، ورئيسي المجلسين القوميين للمرأة وحقوق الإنسان، ورئيس مجلس إدارة غرفة المنشآت السياحية، بإلغاء القرار السلبي الصادر من المدعى عليهم بعدم التنبيه والتوضيح بأحقية النساء أيًا كانت أعمارهن في الإقامة بالفنادق.

وطالب المحاميان صلاح بخيت، وهاني سامح بإلغاء التعليمات الأمنية، والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والبنسيونات، وجميع المنشآت ذات الصلة، وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاثة نجوم، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجي اللواتي تقل أعمارهن عن 40 سنة، بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور.

كما طالبت الدعوى بإلغاء القرار السلبي الصادر من المدعى عليهم بعدم التنبيه والتوضيح بأحقية النساء أيًا كانت أعمارهن في الإقامة بالفنادق، بما يتضمن إصدار الجهات المعنية تعليمات للفنادق بقبول إقامة النساء المصريات دون تمييز عن الذكور.

واستندت الدعوى على قواعد مكتوبة إلكترونيًا وضعتها بعض الفنادق في مواقع الحجوزات، تقول نصًا بأنها لا تسمح للنساء المصريات أو من الخليج تحت الأربعين بالإقامة لديها. إلى جانب واقعة أخرى جرت في أغسطس الماضي تخص منع بعض عضوات المركز المصري لحقوق المرأة، الذي تديره نهاد أبو القمصان، من الإقامة في بعض الفنادق بالمحافظات، دون مرافق.

وخلال السنوات الأخيرة، ظهر على السطح حكايات كثيرة عن منع الفنادق لاستضافة الفتيات العازبات.

ماذا تقول القوانين؟

لم تكن هناك قوانين أو تشريعات تنظم العمل السياحي في مصر حتى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، حيث كانت تحكمها القوانين العامة مثل القانون التجاري والقانون الجنائي وبعض اللوائح الخاصة بالأجهزة الأمنية.

ومع ارتفاع معدلات الحركة السياحية المطردة إلى مصر وازدياد الممارسات العملية للأنشطة السياحية وتشعبها، برزت الضرورة الملحة لوضع تنظيم قانوني وتشريعي خاص بالعمل السياحي لتنظيم أعماله وأنشطته المتعددة وفرض الرقابة الحكومية عليها، وذلك لحماية السائحين من جهة والحفاظ على صورة مصر وسمعتها كمقصد سياحي له تاريخه وعراقته من ناحية أخرى.

كذلك كان يوجد قانون رقم “1” لسنة 1973 الخاص بالمنشآت الفندقية والسياحية، وكان هو الوحيد للتعامل مع نصه، وكان عليه تعديلات ومنشورات وزارية ورئاسية منشورة في جريدة الوقائع المصرية الجريدة الرسمية للبلاد.

وينص قانون رقم “1” لسنة 1973 المنشآت الفندقية والسياحية على أنه يجب الالتزام بحجز أو تأجير الأسرة الخالية، وكان نص مادته كالآتي: “تلتزم المنشأة الفندقية بالإعلان عن الأسرة الخالية والمشغولة بها في لوحة قسم استقبال النزلاء، وفى هذا الحالة تلتزم المنشأة بحجز الأسرة الخالية بها أو تأجيرها للنزلاء، ولا يجوز لها الامتناع عن ذلك إلا إذا رفض طالب الحجز تقديم الضمانات المطلوبة للمنشأة أو قامت لدى هذه المنشآت أسباب جدية تبرر عدم الحجز أو التأجير لهذا النزيل”.

اقرأ أيضا:

حقوق المرأة.. فنادق محرمة على الفتيات بالإسكندرية

تعليمات الداخلية التي لاسند قانوني لها

اعتبرت الدعوى أن عدم السماح للنساء بالإقامة في الفنادق يعد مخالفة للدستور في مواده 11 و53 اللتين تنصان على المساواة وعدم التمييز، والمادة 62 التي تكفل حرية التنقل والإقامة، وأيضا المواد 161 و176 و309 من قانون العقوبات والتي تنص على عقوبات بشأن أي عمل أو الامتناع عن عمل من شأنه التمييز بين الأفراد أو الإساءة لهم أو الحط من شأنهم.

وتفترض السلطات الأمنية أن الإجراء يأتي بهدف مكافحة الدعارة، والعمل في الجنس، ولكنها في الوقت نفسه تقصر تلك التعليمات على سيدات الطبقات المحدودة الدخل، دون نساء الـ “فايف ستارز”.

وعلى المستوى القانوني أيضا، يؤكد المحامي الحقوقي مايكل رؤوف أن تعليمات الداخلية لا تمت بصلة لواقع رسمي، ولاتملك أي صفة، فهي لاتعد قرارا حكوميا، أو قانون في حد ذاته، ولا يترتب عليها أثرا قانونيا.

وحول الأثر القانوني أيضا يشير رؤوف إلى أن الأثر القانوني غير معروف لعدم قانونية مثل هذه التعليمات، ولكن يضطر أصحاب هذه النزل إلى الخضوع لمثل هذه النشرات حتى لو شفهية، نظرا لضغوط يتعرضون لها من تلك الجهات.

ويبين رؤوف ايضا أن المسار القانوني لمثل هذه الدعاوي، يتم عبر الطعن بالسلب على القرار، موضحا أن رغم عدم وجود قرار رسمي ينص على منع المرأة من إتيان تلك النزل، إلا أن الدعوى ستجبر الداخلية على إيضاح موقفها، ويتم ذلك عبر إنذار الجهات المدعو بحقها، ثم إمهالها فترة 15 يوم، حتى الوصول إلى ساحات القضاء.

أما بالنسبة لتوجيه الدعوى ضد كل مجلسي المرأة، وحقوق الإنسان، فيشرح رؤوف بالقول “بالعادة تواجه تلك الجهات مثل هذه الدعوات، على اعتبار أن استمرار مثل هذه الممارسات غير القانونية، أو الحقوقية نابع عن تقصير من قبلها، في مجابهة تلك القضايا، التي تدخل في دائرة مسؤولياتهم بالأساس”.

 التمييز ضد النساء والبعد الطبقي في تعليمات الداخلية

تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبًا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا.

المادة 11 من الدستور

اعتبرت الباحثة بالنوع الاجتماعي إلهام عيداروس أن الخطوة فرصة لتفعيل المادة 11 من دستور 2014، وهي من المكتسبات الدستورية غير المفعلة رغم تقدمية صياغتها عن كل ما سبق بحسب ماترى.

إلهام عيداروس

في الوقت نفسه، أشارت عيداروس إلى الطبيعة الطبقية للتعليمات الأمنية، التي تحرم المرأة من الطبقة الفقيرة، أو حتى المتوسطة، من حرية التنقل، وممارسة حرياتهن الشخصية، في حين أن النساء في الطبقات الأعلى يسمح لهن بالنزول في فنادق الخمس نجوم، دون قيود تذكر.

 

وذكرت عيداروس بأن اللجوء إلى مرفق القضاء يتم بعد مواجهة عشرات الآلاف للظرف نفسه، مشيرة إلى ممارسات شبيهة

 تخص محاولات التدخل في حياة المرأة الشخصية، أو حتى رفض الاستئجار لها في بعض المناطق الفقيرة، والمتوسطة، بمفردها، وحتى في حال وجود أطفال، ضربت إلهام بحادثة ضحية السلام مثالا صارخا على هذا التمييز المجحف.

 

 

اقرأ أيضا:

جريمة طبيبة السلام.. ضحية جديدة للوصاية المجتمعية وقوانين “قيم الأسرة”

ومع ذلك، تعول عيداروس على النضالات القانونية فيما يخص حقوق المرأة، حيث إن التخلص من التمييز على المستوى القانوني، يجعل المهمة أسهل في مواجهة المعركة المجتمعية.

تلفت عيداروس أيضا إلى أن الدعوى القضائية اختبار جديد لقضاة مجلس الدولة، الذي طالما انحاز، للدعوات المحافظة كدعوى النقاب، والحجاب، في الجامعة الأمريكية، وبعض الأماكن العامة، والمدعومة بالأساس من تيارات الإسلام السياسي.

وذلك في حين تحظى الدعوات التحررية بدعم أقل في أغلب الأحوال، ويتم ممارستها عبر سنوات دون مجابهة لها، مثل إجبار جامعة الأزهر الطالبات على الحجاب، أو منع جامعة القاهرة لبعض الملابس المتحررة.

في الوقت نفسه أشارت إلهام إلى التباين في أداء مجلس الدولة أحيانا كموقفه من تولي المرأة المناصب القضائية عبر سنوات، لاعتبارات تخص الملاءمة والعملية من وجهة نظره، معقبة “نتمنى أن يختلف الوضع هذه المرة لصالح المرأة”.