اتجهت الحكومة لإصلاح منظومة السكك الحديدة عبر حزمة جديدة من خطط التنمية، على رأسها إشراك القطاع الخاص في تطوير المرفق. تلك السياسات أعقبت سلسلة حوادث القطارات التي وقعت الشهرين الماضيين، ودون جدوى برامج التنمية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة.
الخطة التي تعوِّل عليها الحكومة لتفادي تلك الحوادث تستند إلى إشراك القطاع الخاص وشركات عالمية في إدارة المنظومة المتهالكة. فما هي سيناريوهات إشراك القطاع الخاص في عمليات التطوير.
3 سيناريوهات.. شراكات في الإدارة والتشغيل
تدرس الحكومة إقامة شراكة مع شركات عالمية لإدارة وتشغيل خطوط السكك الحديدية، مع احتفاظ الهيئة بملكية الأصول. وفق مصادر بوزارة النقل لـ “مصر 360”.
سيناريوهات التطوير بالشراكة مع القطاع الخاص، تتضمن أولًا: قيام الحكومة الحالية بتأسيس 3 شركات بالتعاون مع كيانات عالمية متخصصة. تتولى الشركة الأولى إدارة خطوط الوجه القبلي، والشركة الثانية خطوط الوجه البحري، والثالثة إدارة خطوط الضواحي والمسافات القصيرة، حسب المصادر.
ثاني السيناريوهات يتعلق بالتعاقد مع شركة عالمية لإدارة الخطوط أو عدد محدد منها، اعتمادا على القدرات الفنية للشركة. ويشمل هذا أن تكون الشركة ملزمة بتطوير مستوى الخدمة وتقليل الخسائر التي تقع داخل أروقة هذا القطاع الحيوي.
السيناريو الأخير يتعلق بإسناد إدارة القطارات المكيفة الجديدة والقطارات التابعة لشركة ترانسماش هولدنج الروسية (1300 عربة) إلى كيان خارجي ذي خبرة عالية. على أن تظل الهيئة القومية لسكك حديد مصر مسؤولة عن إدارة القطارات غير المكيفة لحين خروجها من الخدمة، وفق المصادر.
لا تطوير قبل 2022
حتى الآن لم تحدد وزارة النقل سيناريو محدد سيتم الاعتماد عليه لتطوير وإصلاح المنظومة. وأياً كان السيناريو المفترض، فلن تنتهي عملية التطوير قبل عام 2022. باعتبار أن الشركات العاملة في مجال تطوير منظومة السكك الحديدية لن توافق على تحمل مسؤولية البنية التحتية للقطارات بوضعها الحالي، وفق مصدر مسئولة بالنقل.
وأضاف المصدر، لـ”مصر 360″، أن تطوير أنظمة الإشارات الخاصة بخطوط القطارات، واستلام العربات الروسية الجديدة خلال العام المقبل، سيحفز شركات القطاع الخاص سواء الداخلية أو الأجنبية على تحمل مسئولية التطوير والتعاون مع الحكومة في إعادة هيكلة تطوير القطاع.
وتابع: “لا خصخصة داخل قطاع النقل وبالتحديد فيما يتعلق بالسكك الحديدية. وإنما إشراك القطاع الخاص سيكون مقتصرا فقط على التطوير والإدارة لتطوير المنظومة في أسرع مدة زمنية”.
وفي نوفمبر 2020، وقع صندوق مصر السيادي، عقدًا لتأسيس الشركة الوطنية لصناعة السكك الحديدية “نيرك”. وذلك بالتعاون مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وشركات خاصة.
وتقدر الاستثمارات المتوقعة للشركة خلال السنوات المقبلة بنحو 10 مليارات دولار، بحسب بيان وزارة التخطيط. ويساهم في رأسمالها كل من شركة سامكريت للاستثمار، وشركة حسن علام القابضة، وشركة أوراسكوم للإنشاءات، وشركة كونيكت للتكنولوجيا والمعلومات.
حوادث القطارات عجّلت التغيير
دفع حادث تصادم قطاري سوهاج، الذي راح ضحيته 32 شخصًا وخلّف عشرات المصابين، المسؤولين إلى تعجيل تطبيق التحكم الآلي في توقف ومسير القطارات. في خطوة طالب بها المتخصصون كثيرًا من أجل وقف نزيف القضبان.
ووجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتعزيز معايير السلامة والأمان للركاب وتحقيق التوازن بين مخطط تحديث مرفق السكة الحديد وتطبيق النظم الإلكترونية. وأعلن وزير النقل تشغيل جهاز التحكم الآلي في مسير القطارات. ولفت إلى أن الانتهاء من تنفيذ مشروع كهربة الإشارات سيكون بنهاية يونيو 2022، لتكون السكك الحديدية جاهزة لانتظام رحلاتها.
وكانت الحكومة تسير في هذا المسار، وفق خطة زمنية طويلة المدى تنتهي في 2024، لكن الحادث أجبرها على تعجيل الخطوات. وهو ما اتضح في حديث الدكتور مصطفى مدبولي عن حاجة الحكومة إلى الوقت من أجل إنجاز ملف تطوير السكك الحديدية. مع احتمالية سقوط ضحايا جدد لحين الانتهاء من هذا الملف، وهو ما كرره وزير النقل كامل الوزير، بشكل واضح.
وقال الوزير في مؤتمره الذي أعقب اجتماعه مع رئيس الجمهورية بعد حادث قطار سوهاج: “أمامنا إما أن نغلق السكة الحديد لفترة للانتهاء من التطوير وهذا أمر صعب تقبله، أو أن يتم التوافق على أن تعمل كل القطارات بوسائل الأمان للتسيير للسيطرة على القطار بوقف القطار عند اعتراضه بأي شيء، وهذا سيؤخر مواعيد القطارات لمدة ٢٥ دقيقة، ولكن هذا الإجراء مهم لحماية الأرواح”.
انتهاء عصر القطارات القديمة
في حديثه يوم 23 يناير الماضي، لخَّص الرئيس عبدالفتاح السيسي مسألة تطوير مرفق السكك الحديدة، بأنه بنهاية العام 2021 لن تكون هناك قطارات قديمة. وقال السيسي حينها: “نعمل على رفع كفاءة السكك الحديدية وميكنتها ورفع كفاءة المحطات والمنشآت المدنية والمعدات”. بينما أشار إلى ظروف كورونا التي أجلت الأمر الذي اعتذر عن عدم تمكن الدولة من الوفاء به في وقت سابق.
وأكد وزير النقل أن الهيئة تستعد لتطوير السكك الحديدية بالكامل، سواء على صعيد البنية الأساسية والإشارات والوحدات المتحركة. في الوقت الذي تتم فيه عمليات تجديد العربات القديمة ورفع كفاءتها بالكامل، تزامنًا مع صفقات الاستيراد الخارجية المنتظرة.
البنك الدولي وتقديرات إنقاذ الوضع
وفقًا لتقديرات البنك الدولي في ديسمبر 2018، تحتاج مصر إلى إنفاق ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (ما يزيد عن 150 مليار جنيه) لإصلاح السكك الحديدية في الفترة بين 2019 و2029. وكانت من بين التوصيات التي تطرق إليها البنك الدولي، أن النقل بحاجة إلى دعوة القطاع الخاص للمشاركة في عملية التطوير.
الخبير الاقتصادي إبراهيم زهران، يقول إن هناك ضرورة لاستبدال الجرارات المتهالكة، التي انتهى عمرها الافتراضي بجرارات جديدة. بالإضافة إلى تشغيل أجهزة التتبع “G.B.S” المعطلة، والتي كانت سببًا في وقوع العديد من الحوادث خلال السنوات الماضية.
واستشهد زهران، في تصريح لـ”مصر 360″، بعدد من الدول التي تعتمد في منظومة السكك الحديدية على نظام الأمان بجهاز “ATC”. إلى جانب التطوير المستمر لأجهزة ووحدات الإشارة، وتطبيق اشتراطات السلامة في صيانة القضبان. وهو ما يسمح بالقضاء تدريجيًا على أخطاء عمال الإشارة وقائدي القطارات، ومن ثم منع وقوع مزيد من الحوادث.
ويوضح أن الاعتماد على الجرارات الألمانية القديمة المستوردة بداية سبعينيات القرن الماضي يعد أحد أسباب تكرار حوادث القطارات. ويرى أن الاستعانة بالقطاع الخاص هو أحد العوامل الرئيسية الواجب أخذها بالاعتبار ضمن خطة التطوير الحالية. وذلك عبر اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتسمح التعديلات التي أدخلت على القانون الخاص بإنشاء الهيئة القومية لسكك حديد مصر وأقرها البرلمان في مارس 2018، للحكومة بالتشارك مع القطاع الخاص، والتعاقد مع الشركات؛ لإنشاء وإدارة وتشغيل صيانة مرافق السكك الحديدية.
مراحل التطوير
وفق خطة الحكومة، فإن هناك عدة مسارات لإنهاء مشروع تطوير وإعادة هيكلة السكك الحديدية. ويشمل المسار الأول إنشاء خطوط سكك حديدية جديدة مثل القطار المكهرب -الذي يربط العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، مرورًا بمدينة 6 أكتوبر. وكذلك إنشاء خطوط تربط بين أجزاء مختلفة من المحافظات.
وتسعى الحكومة في مسار جديد نحو إنشاء 3 خطوط سكك حديدية: (خط القاهرة – الأقصر بطول 700 كم، وخط الأقصر – الغردقة بطول 300 كم، وخط الإسكندرية – القاهرة بطول 210 كم). وكذلك التخطيط لإنشاء خطين (خط أسوان – مرسى مطروح، وخط سفاجا – أبو طرطور).
بينما يشمل مسار آخر تطوير البنية التحتية. سواء على مستوى المحطات أو أنظمة الإشارات أو السكك الحديدة أو التحويلات أو إقامة المزلقانات إلكترونية. هذا فضلاً عن شراء قاطرات وعربات سكك حديدية جديدة، سواء للخطوط الجديدة أو القائمة. بحيث تصب كل هذه المسارات في النهاية في مصلحة التطوير المستهدف للسكك الحديدية.