41 سنة مرت على تأسيس أسقفية الشباب التي كانت حلمًا راود البابا شنودة الثالث في نهايات السبعينيات. حين لاحظ توغل التيارات الإسلامية في الشارع المصري الأمر الذي أشعره بالقلق على مستقبل الشباب المسيحي وسط الاستقطاب. تفتق ذهنه إلى تأسيس أسقفية للشباب المسيحي يضمن بها تسليم العقيدة الأرثوذكسية من جيل إلى جيل. كذلك يضم مستقبل الكنيسة تحت جناحه، فما كان منه إلا أن اختار القمص أنجيلوس البراموسي الذي كان يخدم بنشاط كبير في قطاعات الشباب ببني سويف والمنيا. بتلك الابتسامة الحانية والمحبة التي ينشرها إينما حل.
وبالفعل في نهاية مايو من العام 1980 رسم (عين) البابا شنودة، البراموسي أسقفًا للشباب باسم الأنبا موسى. وحمل الرجل على عاتقه تأسيس الأسقفية. إلا أن ما جرى في السنوات الأخيرة من سيطرة التيار المتشدد كنسيًا على الأسقفية المهمة يتناقض مع السبب الرئيسي وراء تأسيسها.
أسقفية الشباب وحماة الإيمان
في السنوات الأخيرة، سيطر خدام جماعة كنسية تلقب نفسها بـ”حماة الإيمان”. عرف عنها التشدد ومهاجمة تعاليم الكنائس الأخرى بل وقرارات البابا الحالي. على لجان مفصلية في أسقفية الشباب من بينها لجان العقيدة التي تعقدت مؤتمرات سنوية خارج القاهرة في بيوت الشباب التابعة للكنيسة. الأمر الذي دفع البابا تواضروس الثاني إلى قرار إبعاد أسقفية الشباب عن العقيدة والاكتفاء بدورها الرعوي في مهرجان الكرازة.
قرار البابا الذي اتخذه قبل عامين دفع أسقفية الشباب لحذف مهرجان العقيدة من جدولها السنوي بعد تغيير اسمه العام الماضي. لمؤتمر الدراسات اللاهوتية في محاولة لتلاشي غضب البطريرك.
سيطرة تلك الجماعة ظهرت واضحة في كتاب مهرجان الكرازة لعام 2019. إذ تضمن في صفحاته الأولى كلمة بعنوان “لمسة وفاء” للأساقفة الذين رحلوا. ضم كافة الذين توفوا العام الماضي من آباء الكنيسة فيما عدا الأنبا إبفانيوس. الذي كان خدام تلك الجماعة يصفونه صراحة بالمهرطق والخارج عن الإيمان.
قصة التأسيس
أسقفية الشباب التي تغير حالها كانت فيما مضى رمزًا وعلامة. إذ عملت مع بدايات تأسيسها على تطوير أساليب الوعظ ومن مناهج التربية الكنسية. ضم الأنبا موسى كهنة للخدمة جواره ثم طلب من البابا شنودة أن يعين له مساعدًا مرجحًا كفة الأنبا رافائيل. وهو الشاب الذي تربى على آيدي الأنبا موسى في تلك الإيبراشية مقررًا اتخاذ كل المسالك التي سلكها أستاذه. بداية من دخول كلية الطب مرورًا بالرهبنة في دير البراموس نفسه الذي خرج منه أبيه الأنبا موسى. حتى الخدمة جواره.
استفادت أسقفية الشباب من تجارب الكنائس الأخرى في رعاية الشباب. فتأسس مهرجان الكرازة أسوة بمهرجانات الكنيسة الإنجيلية التي كانت تستقطب قطاعات واسعة من الشباب الأرثوذكسي. وهو الأمر الذي أزعج الكنيسة القبطية ودفعها لتطوير أساليبها التعليمية. كما دخلت أنشطة كثيرة في الكنائس من بوابة أسقفية الشباب وصارت مؤتمراتها ومهرجاناتها متنفسًا للشباب المسيحي. يحقق معادلة الخدمة الكنسية والأنشطة الشبابية في آن واحد.
إلا أن السنوات الأخيرة ومنذ أن تقدم عمر الأنبا موسى الملقب بـ”حبيب الشباب” بدأت تيارات متشددة كنسيًا تسيطر على الإيبراشية. ومع الوقت صارت تاسونى “فيبي” مساعدة الأنبا موسى المتحكمة في مقاليد الإيبراشية وقراراتها أكثر من أي وقت آخر.
ما هي طبيعة الخدمة في أسقفية الشباب؟
في تقرير كتبه الباحث ماجد كامل عن الخدمة بأسقفية الشباب، ذكر أنه في يناير 1984 صدر العدد الأول من رسالة الشباب الكنسي. إذ استقطب عددًا كبيرًا من خدام الشباب للكتابة فيها. واهتمت المجلة بقضايا الشباب ومشكلاتهم. كما خصصت المجلة أعدادًا كاملة لمناقشة بعض القضايا والمشكلات الشبابية مثل البطالة والزواج والأسرة والشباب والتكنولوجيا. كذلك أصدرت الأسقفية عام 1985 مجلة أخرى خاصة بخدام الشباب بعنوان “الكلمة” وهي موجهّة أساسًا إلى الخدام. وحرصت الكلمة على بحث ودراسة مشكلات الخدمة المتنوعة، بالإضافة إلى أنها أصدرت دورية خاصة بالمراهقين تحمل اسم أغصان وصدرت في يناير 1999. وأصدرت الأسقفية أيضًا أول دورية إلكترونية بعنوان “آنجليوس” في يناير 2000.
عام 1987 دخلت أسقفية الشباب في مجال المهرجانات الصيفية وكانت البداية مع مهرجان شباب الذي بدأ اعتبارًا من يونيو 1987. ثم انقسم بعدها إلى مهرجان جامعة ثاني اعتبارًا من عام 1988 ومهرجان خريجين اعتبارًا من صيف 1990. وأخيرًا مهرجان إعدادي اعتبارًا من صيف عام 1993. واكتملت الفكرة بمسابقة الكأس لمين؟ اعتبارًا من عام 1996.
بالتوازي عملت أسقفية الشباب على تنظيم مؤتمرات لخدام الشباب ببيت مارمرقس بالعجمي. وكان أول مؤتمر عقد لخدام الخريجين عام 1987 عن الخريج. وفي نفس العام “1987” عقد مؤتمر لخدام ثانوي، أما أول مؤتمر لخدام جامعة فكان عام 1985 بعنوان “الخدمة”. أما خدام إعدادي فكان أول مؤتمر لهم عام 1996.
مؤتمرات الأسقفية
ولم تقتصر المؤتمرات على الخدام فقط بل امتدت إلى الشباب أنفسهم. “فكان أول مؤتمر لشباب جامعة عام 1993 بعنوان “الشباب والوعي” وتبعه أول مؤتمر لشباب وشابات ثانوي عام 1987.
كذلك فإن الأسقفية انتبهت إلى خدمة الشباب من رقيقي الحال فأسست ما يعرف بـ”خدمة الطلبة المحتاجين” عام 2003. ومن بين أهدافها تقديم المساعدات المادية والعينية. وتأسست أولًا خدمة القاهرة، ثم توالى ظهور فروع أخرى مثل (فرع الأسرة بسوهاج- فرع الأسرة بأسيوط – فرع الأسرة بقنا).
في عام 1988 أسست أسقفية الشباب ما يعرف باسم “الحضانة” أو “حضانة الملائكة”. بهدف توفير مكان آمن للأطفال، وتحفيزهم من خلال الألعاب والأنشطة المناسبة لأعمارهم. وتعليمهم بعض المهارات البسيطة. كما توجد لجنة استشارية للحضانة تضم مجموعة من المتخصصين في علم نفس الطفولة والتربية. ويقام لهم قداس أسبوعي مناسب لسنهم واستيعابهم.
كل هذه الأنشطة وأكثر تسيطر عليها أسقفية الشباب المفصلية في الكنيسة القبطية. بينما حاول البابا تواضروس من جانبه، سحب البساط منها بتأسيس خدمات موازية أبرزها ملتقى شباب الكنيسة. بعد أن تحولت الأسقفية في السنوات الأخيرة إلى منصة لإطلاق التهم والشائعات ضد البطريرك. في أعقاب خلافه الشهير مع الأنبا موسى أسقف الشباب عام 2018. حين حاول البطريرك إسناد خدمة الشباب في المهجر إلى الأنبا بافلي نائب البابا بالإسكندرية. الأمر الذي تسبب في صدمة للأنبا موسى دخل على إثرها المستشفى، وفقًا لما ترويه مصادر مقربة من أسقف الشباب.