كعادته تبعًا لوظيفته المعروفة، محام، ذهب محمد الباقر للدفاع عن موكله علاء عبدالفتاح في 29 سبتمبر 2019، ومع طلوع نهار اليوم التالي تحول إلى متهم.
أكثر من عامين ونصف العام، مرت على احتجاز الباقر، بعيدًا عن أروقة المحاكم التي كان يترافع فيها. بعدما توجه إلى نيابة أمن الدولة العليا لحضور التحقيقات مع الناشط علاء عبدالفتاح. قبل أن يتفاجئ باحتجازه داخل النيابة، ليتم إبلاغه بعد ذلك بصدور أمر ضبط وإحضار له.
في مايو الماضي، طالبت 11 منظمة حقوقية السلطات المصرية بالإفراج عن محمد الباقر. المحامي والحقوقي مدير مركز “عدالة” للحقوق والحريات.
وقالت المنظمات، وهي: (الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكومتي فور جستس، ومبادرة الحرية. والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والمركز الإقليمي للحقوق والحريات، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، ومعهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط. والمفوضية المصرية للحقوق والحريات. ومؤسسة حرية الفكر والتعبير) في بيان لها إنه بالتزامن مع مرور 20 شهرًا على القبض على الباقر. فأنه لازال يتعرض للمزيد من الانتهاكات التي نالت عددًا كبيرًا من حقوقه الإنسانية. وسط تجاهل متعمد من السلطات في مصر للدعوات الحقوقية والدولية المطالبة بالإفراج عنه ووقف تلك الانتهاكات بحقه.
إدراج الباقر على نفس قضية موكله
بدأ تحول الباقر من محامي يقدم الدعم القانوني إلى متهم، في نفس القضية التي كان يترافع بها منذ عام ونصف. والتي أدرج فيها موكله علاء عبدالفتاح برقم 1356 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.
ويواجه الباقر في القضية اتهامات بث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة. وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. كذلك مشاركة جماعة إرهابية مع العلم والترويج لأغراضها.
“الباقر نزل الصبح ببدلة المحامي بقى متهم”
وصل الخبر إلى زوجته نعمة هشام، والتي لم تنس تفاصيل ذلك اليوم. “من سنة بالضبط نزل الصبح بالبدلة للنيابة. بعدها بكام ساعة عرفت الخبر. فجأة أنا تحولت من حد يقرأ عن المعتقلين لزوجة معتقل.. والسمع غير الشوف”.
أكمل الباقر تحديدًا 20 شهرًا بعيدًا عن أسرته وعمله، وسط مطالبات كثيرة من المدافعين عنه لإخلاء سبيله. حتى نشرت الزوجة فيديو تعبر فيه عن آلامها والتي إن ظهرت فإن ما خفي كان أعظم.
تقول الزوجة: “أنا عايزة أي حد يطلعلي محمد”، وتروي ملابسات الواقعة التي غيرت مجرى حياتها، على مدار 20 شهرًا وسط ذهول مستمر.
“واحد كان سايب والده في العناية المركزة رايح يحضر كمحامي لعلاء عبدالفتاح يتفاجئ إنه معاه في نفس القضية”، تضيف نعمة.
فقدان والده
تخللت فترة احتجاز الباقر أوقات عصيبة، خاصة بعد فقدانه لوالده بعد اسبوعين من احتجازة وهو الذي تركه في العناية المركزة. يوم القبض عليه للذهاب لموكله لتقديم واجبه الدفاعي. وسمحت إدارة السجون للباقر بالخروج وتوديعه بالزي الأبيض المخصص للحبس الاحتياطي وسط حراسة أمنية مشددة. فعن ذلك تقول الزوجة: “مقدرش يطمن علينا ومقدرش يعيط لحد انهاردة”.
تدوير وقوائم إرهاب
في 31 أغسطس 2020، تم تدوير الباقر على ذمة قضية جديدة، حيث تم إحضاره من محبسه إلى مقر نيابة أمن الدولة. والتحقيق معه على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020. كذلك وجهت له نفس التهم بالقضية القديمة وبسؤاله عن اسم هذه الجماعة الإرهابية أو أدلة الاتهامات، لم يتلق أي رد. كما أنه في 19 نوفمبر 2020، تم إدراجه على قوائم الكيانات والأشخاص الإرهابية.
“كل ما يكون عندي أمل إن محمد هيخرج ألاقيه ادور على قضية جديدة ويدور ثم يتم إدراجه على قوائم الإرهاب”، تقول الزوجة.
بينما أكدت المنظمات أنه على مدار 20 شهرًا من الاحتجاز تقدمت هيئة الدفاع عن الباقر بمذكرة لطلب إخلاء سبيله وإثبات بطلان استمرار حبسه. إلى جانب تقديم طعن على إدراجه على قوائم الكيانات الإرهابية. فضلًا عن عدد من الطلبات والشكاوى من أسرته. وأيضًا إقامة دعوى قضائية لتمكينه من تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا داخل محبسه، وهو ما لم يتم حتى الآن.
حرمانه من التريض والقراءة
وأوضحت المنظمات أن الباقر تعرض لعدد من الانتهاكات، بدأت بالترهيب المعنوي والاعتداء البدني في لحظة وصوله لسجن (طرة 2) شديد الحراسة. فضلًا عن تردي أوضاع احتجازه وإصرار إدارة السجن على حرمانه من التريض والقراءة حتى الآن. في مخالفة صريحة لقانون تنظيم السجون، ما تسبب في تعريض صحته للخطر.
ترى الزوجة أن تهمة زوجها “هي حب الناس ومساعدتهم وحب العدل والخير”، وتتسائل: “هي دي حاجة يستاهل يقعد عليها 20 شهرًا في سجن بدون تريض ومن غير قراءة. وأشوفه على بعد 3 أمتار مرة واحدة في الشهر من وراء قضبان لمدة 20 دقيقة”.
أسس الباقر مركز “عدالة للحقوق والحريات” في عام 2014، بوصفه مركزًا حقوقيًا مصريًا غير حكومي. وركز فيه على ثلاثة برامج رئيسية؛ برنامج التعليم والطلاب، فيما يخص ملفات التعليم العالي. والحقوق والحريات الطلابية، وبرنامج العدالة الجنائية، فيما يخص ملفات أوضاع أماكن الاحتجاز وضمانات المحاكمة العادلة والمعاملة الجنائية للأطفال. والبرنامج الثالث يخص اللاجئين والمهاجرين.
يفصل الحجز بين محمد وبين احلامه التي تتمثل في انجابه لأطفال وتكوين أسرة صغيرة من زوجته، وانتهاءه من الماجستير. ومساندة والدته بعد وفاة الأب فهو الأبن الوحيد، توضح الزوجة.
الباقر يحصل على جائزة حقوقية
وخلال فترة حبس الباقر، رشحته الجمعية القانونية في بريطانيا – وهي كيان قانوني يجمع بين نقابة المحامين والقضاة الإنجليز. مع 4 محامين مصريين آخرين من المعتقلين في السجون، لجائزتها السنوية لحقوق الإنسان.
وعقب مرور عام على احتجازه، فاز الباقر في أكتوبر 2020 بجائزة حقوق الإنسان المقدمة من اتحاد النقابات والجمعيات القانونية في أوروبا. بينما دعت منظمات وشخصيات دولية وخاطب بعضها السلطات المصرية للإفراج عن الباقر.
مطالبات للإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان
في أكتوبر 2019، أعرب المتحدث الرسمي باسم المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة. عن قلقه الشديد إزاء حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت عدد من الفاعلين في المجتمع المدني ومن بينهم الباقر. كذلك في الشهر نفسه أدان الاتحاد الأوروبي استخدام مصر للحبس الاحتياطي التعسفي بحق الباقر. وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان.
وتكرر ذلك في يوليو 2020، حيث قام 12 من المقررين الخواص بالأمم المتحدة بمخاطبة السلطات المصرية للإفراج عن الباقر. ضمن عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. وأيضًا في إشارة البرلمان الأوروبي لتدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر. طالب البرلمان في ديسمبر 2020 بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الباقر وآخرين، من المسجونين. على خلفية عملهم السلمي والمشروع في مجال حقوق الإنسان.
كما قالت المقررة الأممية الخاصة المعنية بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لاولر، في بيانها حول الاستبيان العالمي. الذي دعت فيه منظمات المجتمع المدني لإرسال معلومات بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لفترات طويلة. وكان من ضمنهم حالة “الباقر” إن المدافعون عن حقوق الإنسان يقومون بدورهم في تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها. في ظل إطار قانوني لا يتماشى دائمًا مع ميثاق الأمم المتحدة وقانون حقوق الإنسان الدولي.
وأضافت لاولر: وفي بعض الحالات، كما يتردد في العديد من اجتماعات مجلس حقوق الإنسان وقرارات الجمعية العامة. أسيء استخدام التشريعات الوطنية. ولاسيما التشريعات الأمنية والقوانين المناهضة للإرهاب. أو اللوائح الخاصة بالمجتمع المدني والحريات العامة بحيث تستهدف المدافعين على نحو يتنافى مع القانون الدولي. ومن شأنه التسبب في حرمانهم اعتباطيًا من حرياتهم لفترات طويلة”.
ودعت المنظمات الموقعة السلطات المصرية لوقف الانتهاكات ضد “الباقر”، وباقي المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين لديها فورًا. وتوفير أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية في محبسهم. كما شددت على أنه لا سبيل لإنصاف الباقر وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان إلا بالإفراج عنهم فورًا، وإسقاط التهم الموجهة إليهم. وتوفير المناخ المناسب لهم لأداء عملهم الحقوقي السلمي بشكل آمن وفعال.