هيثم محمدين صاحب الابتسامة الدافئة، على طول رحلته وصعوبتها، هو أحد ضحايا “سياسة التدوير” التي يخضع لها سجناء الرأي. المحامي الحقوقي والناشط السياسي وهو واحد من المتهمين بـ”الأمل” قضى سنوات عمره الأخيرة بين أقسام الشرطة وطرقات الزنازين.
هيثم محمدين.. خرج ولم يعد
منذ العام 2019، ويستمر تدوير هيثم في قضية بعد الأخرى، عندما تلقى اتصالا هاتفيًا من قسم شرطة الصف. وقتها أبلغوه بأن هناك محضرًا محررًا ضده، وأن عليه الحضور للقسم، وبالفعل ذهب ليعرف طبيعة المحضر، ولكنه لم يعد.
وفي أعقاب تحرير محضر بادعاء تهربه من التدابير، جرى اقتياده إلى وجهة غير معلومة. ثم ظهر بعدها بثلاثة أيام في نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية رقم 741 حصر أمن الدولة لسنة 2019. وصدر قرار بحبسه احتياطياً لمدة 15 يومًا.
وبحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، فإنه بمجرد دخول محمدين مركز شرطة الصف. قام ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي وضباط أمن وطني بزي مدني باعتقاله وعصب عينيه وإخفائه.
كما أفادت مجموعة الحقوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن محمدين بقي داخل قسم شرطة الصف بين 13 و16 مايو عام 2019.
وبعد إنكار وجوده في البداية، اعترف قسم شرطة الصف بأن محمدين كان محتجزا لديهم. لكن لم يسمحوا لأسرته أو محاميه بالتواصل معه.
ومنذ سنوات ومع تعدد القضايا الموجهة ضده والاتهامات المتشابهة، لم يعد يذكر اسم محمدين إلا مرفقا بالمطالبة بحريته. وعودته إلى الحياة الطبيعية.
نفسي أسمع منك أي حاجة حتى لو كان شكوى يا هيثم، كتير أوي كده من 2016 واحنا بنقول #الحرية_لهيثم_محمدين. (عايدة سيف الدولة)
ومنذ ثورة يناير 2011، فإن احتجاز هيثم بشكل تعسفي أصبح روتينًا. في اليوم الأول للثورة كان محمدين على موعد مع احتجازه لعدة أيام، وأفرج عنه قبل جمعة الغضب، بتاريخ 28 يناير.
الحالم.. متهم بالإرهاب
ورغم أنه من طلائع المعارضين للتيارات الإسلامية بما فيها الإخوان المسلمين، وسلمية نشاطاته. فقد وصف مرارًا من قبل القضاء بالملتحق بالجماعات الإرهابية.
تكررت تلك الاتهامات بعد 30 يونيو خصوصًا كونه أحد المعارضين لنتائجه، ومعها بدأت الملاحقات الأمنية لمحمدين. ففي سبتمبر 2013، وبينما كان في طريقه لدعم إضراب العمال في مصنع للأسمنت، تم اتهامه بالاعتداء على ضابط بالجيش. ولكن وتم إطلاق سراحه بعد 48 ساعة، بدون تهمة.
وفي يناير 2015، أصدر النائب العام هشام بركات أمرًا بمصادرة أصول 112 شخصًا بزعم أنهم أعضاء أو مؤيدون لجماعة الإخوان. كان محمدين المعروف -بتواضع أحواله المادية- على هذه القائمة. رغم عدم وجود دليل على دعمه أو عضويته في جماعة الإخوان، أو حتى أموال يتم الحجز عليها.
أما في 22 أبريل 2016، فهو التاريخ الذي خرج فيه محمدين للدفاع عن مصرية جزيرة تيران وصنافير ولم يعد. إذ جرى احتجازه في نيابة أمن الدولة العليا، واتهامه بالتحريض على الاحتجاجات والانضمام إلى منظمة إرهابية. مكث محمدين لمدة ستة أشهر في سجن الجيزة المركزي قبل الإفراج عنه في أكتوبر 2016.
تدوير محمدين.. لا يستطيع أن يتنفس
لم يهنأ محمدين بحريته طويلاً فسرعان ما تم إلقاء القبض عليه في مايو 2018. وفي خضم معركة المترو، الذي تضاعفت أسعاره بين ليلة وضحاها، جرى اعتقال هيثم ضمن عدد من النشطاء. إذ داهمت قوات الأمن منزل محمدين بمديرية الصف بمحافظة الجيزة، وتم اقتياده إلى مكان مجهول.
ظهر محمدين في اليوم التالي بنيابة أمن الدولة العليا. وجرى توجيه اتهامات له بمساعدة منظمة إرهابية لتحقيق أغراضها والتحريض على احتجاجات مترو المعادي.
وضعت النيابة محمدين في الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق في القضية رقم 718/2018، المشار إليها إعلاميًا بقضية “معتقلي المترو“.
وفي 28 سبتمبر 2018، أدانت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة “الاستهداف المنهجي” الذي تمارسه السلطات المصرية ضد محمدين وغيره من المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
وفي أكتوبر 2018، جرى استبدال حبس محمدين الاحتياطي بتدابير احترازية. وخلال سبعة شهور، عاد هيثم أدراجه خلف الأسوار.
وهيثم هو عضو قيادي في الاشتراكيين الثوريين، ومؤسس مشارك لجبهة طريق الثورة. عمل محمدين مع مؤسسة الهلالي للحقوق والحريات، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب.
قام هيثم في أبريل 2017 بتلخيص خبراته في أروقة المحاكم والسجون عبر كتاب “سجنك ومطرحك”. وهو دليل حول القبض، والتحقيق، والسجون بالاشتراك مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.
كما ركز نشاطه وعمله المهني على تعزيز حقوق العمال، لا سيما حقهم في إنشاء نقابات عمالية مستقلة يقودها العمال. ولازال هيثم يحلم بدنيا جديدة.