تتشبع الأحاديث النسائية بكثير من سب الرجال، تتربع السخرية على عرش الأحاديث النسائية والاتهامات المتبادلة بين الجنسين، يتهم كثير من الرجال النساء بالنكد، في حين تتعدد وتتنوع اتهامات النساء للرجال، الأكثر ملاحظة في الاتهامات أيا كانت جديتها، أو تُطلق من قبيل السخرية، إلا أن غالبيتها تنزع عن الرجال صفة الرجولة.
الصور الذهنية الثابتة
لظروف اجتماعية في فترة زمنية بعيدة حيث عدد السكان قليل، النساء لا يخرجن، المجتمع واضح في تقسيماته، الرجال يقومون بالعمل، صنعت هذه الظروف صورًا ذهنية عن الرجال، فالرجولة تعني المسئولية، الالتزام بالكلمة والوعود، حماية وكفالة نساء العائلة، والنساء في دائرته، سواء الجيران أو الأقارب، تفترض تلك الصورة المعتادة نمطًا أبويًا وسلطويًا، كون النساء غير قادرات على حماية أنفسهن، لا يمتلكن المقدرة الجسدية أو النفسية أو العقلية ليقومن بالأعمال واتخاذ القرارات.
واستمر المجتمع في إنتاج تلك الصور حتى وقتنا هذا بوضع مواصفات للرجولة، وكأن تلك الصفات حِكرًا على نوع/جندر بعينه، وليست صفات إنسانية، وانطلاقًا من هذا التصور أصبحت وحدة قياس تلك الصفات هي الرجل، ومن هنا بات يتم وصف المرأة التي تتسم بالمسئولية أو الانضباط أو القوة بأنها بمئة رجل.
التغيرات الاجتماعية والمعرفية لم تنسحب للأسف على الصور والتنميطات الخاصة بمفاهيم المجتمع عن طرفيه الرجل والمرأة، بل تمادى النوعان في تعميقها، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين حيث يخلع كل طرف عن الآخر الصورة المُشاعة عنه.
تمكنت المرأة منذ ما يزيد عن القرن من الانخراط في التعليم والعمل، والمشاركة السياسية، ومع التقدم في الزمن تحدث تغيرات أكبر، حتى باتت كثيرات من النساء يعولن أسرهن حتى في وجود الزوج، لكن الصور الذهنية متحجرة لا تتعدل أو تتغير، رغم تفتتها على مستوى الأفعال.
النساء اللواتي اضطلعن بمسئوليات أكبر لإثبات قدرتهن على المواجهة والحياة، أخذن في القيام بأغلب مسئوليات الرجل المتوارثة، وبرغم ذلك يظل الاتهام نحو البعض بأنه مش راجل.
ماذا فعل الرجال بالنساء حتى يريْنَ فيما فعله حسن الرداد سندًا؟
ماذا نريد وماذا نملك؟
ظهر مفهوم (التستيت) مع بعض الفتيات الصغيرات الباحثات عن رجل يتكفل باحتياجاتها المادية، لتبتعد عن زحام الحياة وضغوطاتها، يُصبح المفهوم بمن يروج له بمثابة انتكاسة لكل الذي جاهدوا لحصول المرأة على حقوقها كإنسان وشريك في المجتمع، إذا يدفع هذا المفهوم وأصحابه مجددًا نحو تشييء وتسليع المرأة، وهو ردة حقيقية فيما يخص قضايا النسوية، لكن هؤلاء المدافعات عن إعادة المرأة لركن الممتلكات يبحثن عن الرجل بصورته الذهنية القديمة، دون أن تنتبهن أن تلك المعايير تغيرت تمامًا.
الاتهامات الموجهة نحو الرجال لا محل لها من الإعراب، فتلك السلطة الأبوية آخذة في الزوال والتفتت، في وقت تراجع فيه كثير من الرجال عن القيام بمسئولياتهم التقليدية، هذا التراجع الذي نبت مع تطوع/اضطرار كثير من النساء بمهام ومسئوليات أكبر من دورهن، في سعيهن الدؤوب لحفر مكانة مميزة للمرأة في المجتمع، وبرغم هذا السعي، والتطوع بأدوار متعددة إلا أن كثيرات من النساء يقفن ليوجهن الاتهامات للرجل بأنه منزوع الرجولة.
أي رجولة تريدها النساء؟
وفى تلك اللحظة نحتاج نحن النساء أن نسأل ماذا نريد؟ حقوق كاملة كشركاء وأنداد، أم عودة إلى البيت ودور أبوى وسلطوي؟ رجل يُشارك؟ أم رجل يُنفق ويسيطر ؟
هذا الارتباك يعطل الكثيرات للحصول على حقوقهن، فأنا لست مع تثبيت صورة ونمط، الصفات والأخلاق سمات إنسانية لا تختص بجندر، إنما صفات يتصف بها بعض البشر نساء ورجال، وليست مظلة تظلل الرجال فقط.
يمكن تمرير الاتهامات المتبادلة بين الرجال والنساء من قبيل ملء الفراغ وشهوة الحكي، وصناعة مظلومية خاصة بكل نوع على حساب الطرف الآخر، لكن اعتماد صفات بعينها كإشارة لنوع هو خطأ نرتكبه جميعًا، فإذا كان اتهام النساء بالنكد ماذا عن الرجال المهرة في صناعة النكد؟ وبالمثل الجدعنة والمسئولية إذا احتكرها الرجال ماذا عن آلاف النساء اللواتي يضاهين الرجال في تحمل المسئولية؟
نحن بحاجة لإعادة ترسيم الصور الذهنية، ومحو الصور القديمة أو تعديلها خاصة تلك التي لا تتوافق مع طبيعة الظروف المجتمعية والتغيرات الأخلاقية والسلوكية التي طرأت على المجتمع، أما فيما يتعلق بفقرة الاتهامات المتبادلة فسوف تخرج اتهامات أخرى تليق بوقتها.