ما هو الزواج؟ هل هو مودة وسكينة؟ أم وسيلة للإنجاب وطريق للأمومة؟ أم ممارسة آمنة نظيفة مضمونة للجنس بلا عواقب ولا محاسبة؟ أم هي شراكة ومناصفة؟ أم قوامة وضل راجل؟ أم بيت سعيد بينما يُخفي حربًا بين طرفين وعائلتين في سبيل الحصول على حقوق أكثر وإتمام الزواج بأقل الخسائر.
لماذا هناك صراع على قيمة الشبكة، وتأثيث البيت، وقاعة الاحتفال، وقائمة الزواج وما محتواها؟ السؤال الأهم: هل يستحق أيّ هدف من أهداف الزواج أن يتشاحن طرفان وأن يتفاوضان على البنود، في حين أنَّ في أول لقاء يقول طرف مبتسمًا “احنا بنشتري راجل يا بني” والآخر يجزم في خضوع أنه “أؤمرني.. إيه طلباتك يا عمي”، فيما بعد تختفي هذه المودة المصطنعة، ويحاول كل طرف أن ينهي الاتفاق بأقل خسائر، وفيما بعد يذهب أكثر ما يزيد على 40% من الأزواج للمأذون أو لمحكمة الأسرة للطلاق.. فتنتهي المفاوضات وإجراءات الزواج والعيشة إلى طرح سؤال: هل قيمة مؤخر الصداق أو القيمة الإجمالية لقائمة منقولات الزواج تنفع المطلقة حينها؟ هل كانت تستحق المحاولة منذ البداية أن نضمن حق أو نؤمّن مستقبل الفتاة والأبناء؟ أم أنّ فشل الزواج لا يترك إلا المرارة والحزن لا يمحيها أيّ تأمين للحياة ولو بسيطة بعدها؟
قائمة منقولات الزواج هي عادة وليست من الدين، بل يقال إنها عادة يهودية، فأقدم قائمة منقولات في التاريخ وفي مصر موجودة في دار جنيزة التابع للمعبد اليهودي بالقاهرة
قائمة منقولات الزواج، من أكثر العادات المصرية انتشارًا بين جميع الفئات، البعض يرى أنها ليست من الشرع والدين، وكثيرون يرون أنَّها ضمانٌ لحق البنت، وأحيانًا تتحول لأداة ضغط على الزوج أو تتحول لكومة عفش بالية تلقى على الرصيف.
هي عادة وليست من الدين، بل يقال إنها عادة يهودية، فأقدم قائمة منقولات في التاريخ وفي مصر موجودة في دار جنيزة التابع للمعبد اليهودي بالقاهرة منذ 850 عامًا، ويرجع تاريخها إلى عام 1160 ميلاديًا، مكتوبة فيها تفاصيل جهاز العروس من ملابس ومفروشات.
ويقال إن الأسر اليهودية اخترعتها لضمان حق بناتها في حالة زواجها من رجل مسلم؛ لأنه كان يتزوج من يهودية ثم يتركها أو يتزوج عليها فتاة مسلمة لينجب منها، فكان الأب اليهودي يوثق عفش البيت في ورقة ليضمن حق ابنته في حالة الطلاق أو الزواج عليها، وأعجبت الأسر المسلمة المصرية بهذه الفكرة، وصارت تفعل مثل الأسر اليهودية فأصبحت من وقتها عادة مصرية صميمة.
إذن؛ فالدافع كان ضمان حق الفتاة في حالة الطلاق أو الهجر أو الزواج الثاني، فلماذا يعترض البعض عليها؟ يعترض بعض العرسان على كتابة تفاصيل غير موجودة في الحقيقة، حيث يزوّد الأب بعض قطع الأثاث أو الأجهزة أو مقدار جرامات الذهب، والبعض يعتبرها أصلاً ضد الشرع، حسنًا.. الشرع يقول إن الفتاة يحق لها مهرًا وبيتًا مفروشًا بالكامل وإن استطاع الزوج أن يؤمِّن خادمة لها فليفعل، فهل يستطيع الرجل المعترض بحجة أن هذا ليس من الدين أن يفرش بيته كاملاً وليس مناصفة مع أهل عروسه؟ هل يستطيع أن يدفع لها مهرًا في حساب خاص بها بالبنك؟ إذا استطاع ذلك فلا حاجة للقائمة.. ولكن إذا أراد أن يصبح تأثيث شقة الزواج مناصفةً وبلا مهر، فيجب أن يسجل ذلك في القائمة؛ لأنه ببساطة حقها أن تسجل ما اشترته، وليس هناك داعٍ، كما أن هناك بعض الفتيات يعترضن عليها، لأنهم يشعرن أنها ثمن يُدفع في مقابل نقل ملكيتهن وكأنها أصبحت سلعة، بعضهن ينجح في إقناع أهلها بعدم كتابتها، والبعض يرضخن حتى يتم الزواج.
هل يستطيع الرجل المعترض بحجة أن هذا ليس من الدين أن يفرش بيته كاملاً وليس مناصفة مع أهل عروسه؟ هل يستطيع أن يدفع لها مهرًا في حساب خاص بها بالبنك؟ إذا استطاع ذلك فلا حاجة للقائمة
حين تحدثت مع صديقاتي، سواء اللاتي تزوجن أو اللاتي غير مخطوبات أجمع أغلبيهن، ومن بينهن فتيات نسويات، على أن القائمة مهمة.
أميرة أيمن قالت إنها حين يقترب ميعاد زواجها ستكتب قائمة بالمنقولات “حتى لو كان شريكي يعاملني بشكلٍ رائع، فهي ضمان للحق ولن أتزوج بدونها”. آية طلبة توافقها الرأي واخبرتني: “هي ضمان حق، خاصة أن قلة الأصل تظهر وقت الخلافات، حين كان هناك خلاف بيني وبين زوجي قام بطردي من البيت، وعندما عدت لأجلب ملابسي وجدت أن أهله أخذوا آلات كهربائية كانت مكتوبة في القائمة”. تزيد على كلامها سلسبيل صلاح: “في عائلتي يكتبون فيها ما اشترته العروس فقط، ومعظم الذين يقولون إن وجود قائمة منقولات لا يوقف حالات الطلاق وأن التي تريد الطلاق ستتنازل أو أن الزوج حين لا يريد استكمال الحياة مع زوجته فلن يعبأ، هذا كلام غير صحيح، فالرجل في أحيانٍ كثيرة يريد الطلاق ويريد الزواج مرة أخرى، ولكنه يريد الأثاث والأدوات الكهربائية حتى لا يتكبد أموالاً حال تزوج في المرة التالية بعد الطلاق، ويستغل نفس الأثاث القديم”.
تختلف معهن ميريهان محمد:”ليس لها قيمة عندي ولن اعد قائمة منقولات حين أتزوج وفي حالة الانفصال سأخذ ما شاركت به فقط” وتؤيدها في ذلك آية محمد:” ليس لها قيمة، وحين تزوجت لم أكتبها، في رأي أننا حين نريد الأنفصال ليس مؤخر الصداق ولا الذهب هدية العروس ولا تلك الورقة هي التي ستجعله يُكمل الزواج” وتقول هبه إبراهيم” حين خلعت زوجي تنازلت عنها ولكن حين سأزوج ابنتي ساكتب لها قائمة منقولات أيضا”.
دينا طارق مخطوبة وقالت لي: “كيف لا أكتبها ونصف ما في البيت ملكي؟ خاصة أن ليس هناك قوانين مدنية قوية تحميني، وفي ظل هذا الوضع التي لا تكتبها عند زواجها هي فتاة بلهاء”، يبدو أن نقطة قانون الأحوال الشخصية الذي لا يأتي في صف المرأة غالبًا يدفع كثيرات لكتابتها، مثل دينا، وميار زكريا التي قالت: “طالما أن القانون يمنحه امتيازات أكثر عني فيجب أن أستغل هذه التعويضات، ولكن حين نتساوى في الحقوق وبنود الأحوال الشخصية، ويصبح الزواج مدنيًا سنتقسم كل شيء”.
قانون الأحوال الشخصية ليس منصفًا للمرأة، بل هو ذكوري، يرتكز ظاهريًا على الشرع والدين، على الرغم من أن الكثير من بنوده ليست من الشرع
قانون الأحوال الشخصية ليس منصفًا للمرأة، بل هو ذكوري، يرتكز ظاهريًا على الشرع والدين، على الرغم من أن الكثير من بنوده ليست من الشرع، فليس من الشرع ألا يُوثق الطلاق الشفهي، فلا تستطيع المطلقة الزواج مرة أخرى؛ لأنه غير موثَّق ولا تستطيع الاستمرار في الزواج؛ لأنها -شرعًا- باتت محرمة، أو أن يرجع الزواج في قرار الطلاق استنادًا لحالته النفسية أو العصبية وقتها، حيث إنه “كان متعصب شوية” أو “ساعة شيطان”، وكذلك يمنح الرجال امتيازًا بلا مبرر، وهو الطلاق الغيابي الذي يجعل من الزوجة لعبة في يد زوجها، يطلقها متى أراد ويرجعها لعصمته دون أن تعرف أو يؤخذ رأيها في الرجعة، وكذلك في حالة الطلاق؛ فالولاية على الأطفال في يد الزوج، وهي أيضًا ورقة ضغط في يد الأب، ويكون ضحيتها الأبناء ومستقبلهم ودرجة ومستوى تعليمهم، أيضا حين تتزوج المطلقة مرة أخرى تذهب عنها حضانة الأبناء، بلا اعتبار لنفسية الأطفال، وكأنَّ الأم تُعاقب؛ لأنها تزوجت مرة أخرى.
أمام كل هذه البنود غير المنصفة بقانون الأحوال الشخصية لماذا يجب أن تتخلى المرأة عن كتابة قائمة منقولات للأثاث والمفروشات والأجهزة والذهب؟ حتى وإن بالت قطع الأثاث
الزوجة لا تستطيع السفر إلا بإذن زوجها ولا تستطيع أصطحاب أحد أبنائها معها في السفر إلا بإذن الأب، وكأنها بلا أهلية قانونية لنفسها أو لأبنائها، أمام كل هذه البنود غير المنصفة لماذا يجب أن تتخلى المرأة عن كتابة قائمة منقولات للأثاث والمفروشات والأجهزة والذهب؟ حتى وإن بالت قطع الأثاث، فهي بالتأكيد في حالة الطلاق ستكون بداية وحاجة تتسند عليها الست المطلقة، وتبدأ بها حياتها المستقلة، حتى لو كان العفش ملخلخ، كيف يطالب العديد من أسر العرسان بعدم كتابة هذه الورقات؟
في النهاية الزواج يجب أن يتم كما يرى الطرفان، هل سيكون مشاركة ومناصفة في التأثيث والعمل ورعاية الأبناء؟ أم أنّ هناك طرفًا سيعمل وينفق، والآخر يرتضي برعاية الأبناء؟ هل سيكتب الطرفان قائمة منقولات؟ أم سيقتسمان ثروتهما وبيتهما مناصفة بعد الزواج بعقد بينهما بشكلٍ مدني بعد التوثيق عند المأذون، وتتنازل الزوجة عن مؤخر صداق وكتابة قائمة الزواج؟ ما دام قانون الأحوال الشخصية لا يزال يحتاج الكثير من التعديلات ليعدل بين الطرفين، وحتى يتم ذلك يجب أن نضمن حياة كريمة للزوجة والأبناء في حالة الطلاق؛ سواء بكتابة قائمة منقولات ومؤخر صداق أو بعقد اقتسام ثروة ما بعد الزواج بين الطرفين، في حال الطلاق، وتحديد طريقة الإنفاق على الأبناء.
يجب ألا تخجل الفتاة، وتشعر أنها سلعة، ويجب ألا يفكر الأب أنه حين يتنازل عن حق ابنته فهو رجل نبيل، ليس هناك ما يعيب في هذه الإجراءات وتدوين الحقوق، فنحن جميعًا نتغير، ومن كان يؤتمن اليوم قد يخون غدًا، والأرقام تقول إن هناك 40% أؤتمنوا فخانوا وتركوا وأساؤوا لمن كانت قرة أعينهم وعين أبيهم.