أحمد دومة صائد الفراشات وسجين كل العصور، دخل متاهة القضايا والاحتجاز منذ 8 سنوات، ولم يخرج منها حتى الساعة، وصفته الجهات الرسمية بالإثاري، وتمسك هو بـ “الأمل كمفتاح للجنة”.
“قصرك لن يتسع لحلمي و الزنزانة..عبث محض”
توقفت قصة دومة خلف الأبواب المصمتة مكبلا بالقيود، التي لم تفلح مناجاة جيل يناير في تخليصه منها، ولكنها بدأت منذ زمن عميق حين عرف كعضو مؤسس بأغلب الحركات السياسية المصرية التي مهدت للثورة بدءا من حركة كفاية، و 6 أبريل، وائتلاف شباب الثورة فيما بعد يناير، وحتى الوقوف في وجه الإخوان وإعلان التمرد، تم سجنه في عهد جميع الأنظمة المتعاقبة.
لُقب دومة، بـ”صائد الفراشات”، لكثرة عدد القنابل المسيلة للدموع التي تصيدها لإلقائها بعيداً عن المتظاهرين خلال ثورة يناير، ألف الزنازين ومنذ عهد المخلوع حسني مبارك، مروراً بفترة حكم المجلس العسكري، والرئيس السابق محمد مرسي، وصولاً للفترة الحالية.
“لم ننهزم رغم فداحة الخسارة. ستنهزم الثورة حين نكفّ السعي”
ألقي القبض على دومة للمرة الأولى عام 2009، على الحدود المصرية مع غزة، بعدما انضم لمجموعة ناشطين مناهضين للعدوان الاسرائيلي على القطاع، محاولين بعبور الحدود التعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.
لكنه حُوكم أمام محكمة عسكرية بتهمة عبور الحدود بطريقة غير شرعية، وصدر حكم بسجنه لمدة سنة، تعرض خلالها للتعذيب لانتزاع أقوال بالقوة.
حتى جاءت الثورة وكان من طلائع المشاركين فيها، ولكن سريعا ما وجدت القيود طريقها إليه، حيث ألقي القبض عليه للمرة الثانية، في يناير عام 2012 عقب أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر عام 2011، وفي عهد المجلس العسكري.
وجاء عهد مرسي وأعلن دومة الخروج عليه مبكرا، فطارته القيود مرة أخرى، بعدما حوكم للمرة الثالثة، حيث قضت المحكمة بحبسه ستة أشهر بعد إدانته بإهانة الرئيس، على خلفية مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية.
وصف فيها الرئيس المعزول بأنه فاقد الشرعية ومتهم ومجرم وقاتل وهارب من العدالة.
ولكن في نوفمبر عام 2012، أصدر الرئيس السابق محمد مرسي عفوًا رئاسيًا عن المتورطين في كل الأحداث التي وقعت خلال عام 2011، ولكن تكمن العقدة في أن النيابة العامة استبعدت وقتها المتورطين في أحداث مجلس الوزراء وحرق المجمع العلمي، وظلت القضية مفتوحة.
اقرأ أيضا:
(1/2) حريق المجمع العلمى والمتهم 194
(2/2) هل يستحق دومة إطلاق سراحه فى أغسطس القادم
“لسنا أحراراً..فاعترفوا ؤلكنّا نتشبث بالغد”
لم تثن الزنازين دومة عن هدفه، إذ شارك في التظاهر ضد حكم مرسي، في احتجاجات 30 يونيو عام 2013، وحتى مع نهاية عهد مرسي وبدأ النظام الحالي تقلد منصبه، لم يفلت دومة من عمليات الزج به خلف الأسوار. ولم يشفع له المشاركة في التمرد على النظام السابق فألقي القبض عليه رابعاً وأخيراً في عهد الرئيس السيسي، وتحديدا في 3 ديسمبر عام 2013 من منزله.
وهي القضية التيه التي ظل دومة مُلقى في جُبها حتى الآن، وذلك في أعقاب مظاهرات الاعتراض على محاكمة المدنيين عسكريا. آنذاك حوكم دومة في العام نفسه وبرفقة مجموعة من الناشطين السياسيين مثل أحمد ماهر ومحمد عادل، بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة وغرامة مالية لمشاركتهم في تظاهرة رفض قانون التظاهر.
خرج ماهر من السجن بعد قضاء العقوبة، وتم تدوير عادل في قضية ثانية، أما دومة فواجه قضيته التالية وهي أحداث مجلس الوزراء، وأثناء ذلك واجه دومة فى ديسمبر 2014، محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، المستشار محمد ناجى شحاتة، الذي لم يكتف بالحكم المؤبد عليه، فأضاف له السجن 3 سنوات وتغريمه 10 آلاف جنيه، لإهانته له.
آنداك، قال المحامي عمرو إمام المحتجز حاليا أيضا، عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية مجلس الوزراء إن دومه صفق بعد نطق القاضي ناجي شحاتة بالحكم بسجنه بالمؤبد وتغريمه 17 مليون جنيه، فرد عليه القاضي قائلا “وكمان بتصقف طيب 3 سنين كمان”.
وخلال جلسة المحاكمة، ترافع عن نفسة وقال للقاضي ناجي شحاتة: “لو هتحكموا عليا عندي طلب من الهيئة وهو التحقيق في قتل الشيخ عماد عفت، أحمد عبد الهادي وكل اللي اتقتلوا في أحداث مجلس الوزراء ، فقاطعه شحاتة وقال له “وانت مالك انت وكيل عنهم”.
“كل المنتصرين انهزموا أما نحن: اخترنا الهامش”
تعتمد الاتهامات الموجهة لدومة على حوار أجراه مع المذيع وائل الإبراشي في برنامج «الحقيقة» المذاع على قناة دريم، اعترف فيه دومة إنه قام بإلقاء المولوتوف على العسكريين المتواجدين دفاعًا عن النفس، قائلاً: «أنا أحمد دومة بعترف إني كنت بمسك إزازة مولوتوف وبحدفها على ده، لأ مش على المجمع.
وقال حينها “أنا مبرميش على مجلس الشعب كمبنى، أنا لا استهدف الحجارة أو تاريخ أو تراث، أنا بستهدف مجموعة ممن يرتدون زيًا عسكريًا وبيطلقوا علينا الرصاص، مش منطقي أقولهم تعالوا اقتلوني أصل أنتوا قاعدين في مبنى مقدس”.
وخلال المحاكمة تم استدعاء الإبراشي للشهادة أمام المحكمة للتعليق على ما قاله دومة في هذه الحلقة، إلا أن الإبراشي، الذي كرر أكثر من مرة عدم تذكره لما قاله دومة تحديدًا نظرًا لمرور سنوات على عرض الحلقة، واصفا حديث دومة بالانفعال اللحظي.
وخلال هذه السنوات خاض دومة معركة البطون الخاوية، بمشاركة رفاق السجن، وعائلة سيف المعروفة، ووصل إلى مرحلة من الوهن، نتيجة الإضراب عن الطعام، أوصلته إلى حضور الجلسات على كرسي متحرك، إلا أن ذلك لم يثنيه عن الدفاع عن نفسه، ومواجهة الأمر بكل شجاعة يقتضيها الوضع، متمسكا بابتسامته المعهودة.
“هل شاهدت “سحاباً” مرة في سفر ٍ يحتاج لإذن؟!”
تجدد الأمل في القضية “التيه” فى 12 أكتوبر عام 2017، حين قبلت محكمة النقض، الطعن المقدم من أحمد دومة على الحكم الصادر ضده بالسجن المؤبد”، وقررت المحكمة نقض الحكم وإعادة محاكمة دومة أمام دائرة أخرى بمحكمة الجنايات.
وفى 28 ديسمبر 2017 حددت محكمة استئناف القاهرة برئاسة المستشار عادل بعبش، جلسة 3 يناير 2018، لإعادة محاكمة الناشط السياسى أحمد دومة فى القضية، وذلك أمام دائرة المستشار محمد شيرين فهمى بمحكمة جنايات القاهرة.
وفى نهاية الجلسة التى عقدتها المحكمة بتاريخ 25 يوليو 2018، أمرت المحكمة بتعديل الموقف القانوني لدومة في الاتهام الموجه إليه بالبند الثالث في أمر الإحالة من جعله فاعل أصلى إلى مشارك بالواقعة.
وفي جلسة 9 يناير 2019 قضت الدائرة 11 بمحكمة جنايات جنوب القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة، بالحكم على دومة ، بالسجن المشدد 15 عامًا وغرامة 6 ملايين جنيه، ومصادرة المضبوطات، فيما شهدت قاعة المحكمة حضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، وعدد من النشطاء السياسيين.
“إنّا بشريون..ولكن..في الظلمة..نتمنى النور”
خلال العام الماضي قضت محكمة النقض على أي أمل لدومة بالحرية، وذلك برفض الطعن المقدم من قبله، وأيدت حكم السجن المشدّد 15 عامًا عليه، وتغريمه 6 ملايين جنيه، بالقضية المعروفة إعلاميًا بقضية “أحداث مجلس الوزراء”.
كما تعرض للاعتداء البدني من قبل منتمين لتنظيمات متطرفة أثناء المحاكمة. وبحسب أسرته يعاني دومة الحياة بين زنزانة انفرادية منذ سبع سنوات ونصف، ومنعه من كافة أشكال التواصل، وتدهور حالته الصحية ومعاناته من أمراض مزمنة بالقلب والأعصاب والمفاصل، كما يحتاج لفراش طبي منذ أكثر من سنتين بتوصية من طبيب، لكن مُنع إدخاله له، كذلك مُنع من إدخال عكاز، سبق أن طلبه ، ليسير عليه لأنه غير قادر على التريض بسبب إصابته بتآكل حاد في ركبته يستلزم جراحة تغيير مفصل، إلى جانب منعه من الحصول على أدوية مضادات الاكتئاب ونوبات الهلع ومذيبات الجلطة، منذ نحو عام، وأخيرا وليس آخرا منعه من استكمال الدراسات العليا فى القانون.
ومع ذلك، أوصى أسرته بإبلاغ المحامين باتخاذ كافة الإجراءات القانونية المفروض عملها للإفراج الشرطي عنه لقضاء نصف المدة، في الوقت الذي يشعر أنه لن يفرج عنه، والتقدم بأوراقه لنقابة المحامين للحصول على عضويتها، ورفع دعوى في القضاء الإداري لتمكينه من دراسة الماجستير داخل السجن.