عدم وصول كميات كافية للدول الأكثر احتياجًا والأقل قدرة على تمويل شراء لقاح كورونا، مقابل اقتراب الدول الغنية من تغطية كامل احتياجاتها، هل يحمي العالم والدول الغنية، على وجه التحديد، من الجائحة؟
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال إن الدول الغنية قامت بتوزيع 44% من الجرعات. بينما الدول الفقيرة لم توزع سوى 0.4%، وذلك بعد ستة أشهر من بدء عملية التطعيم ضد الفيروس.
وفي حين أنّ 60% من الأمريكان على الأقل حصلوا على اللقاح، فإنّ 2% فقط في القارة الأفريقية تلقوا اللقاح. لذلك يعتبر غيبريسوس أن الشيء الأكثر إحباطًا هو أن هذه الإحصائية لم تتغير منذ أشهر. ومع انتشار متحورات كورونا حول العالم، أكد أن قرار رفع القيود قد يكون له نتائج كارثية على الأشخاص غير المطعمين.
وشدد على أن هناك سبع دول لديها القوة اللازمة للوصول إلى أهداف التطعيم العالمية، داعيا إياها للتبرع باللقاحات. هنا يتحدث مدير منظمة الصحة العالمية عن تفاوت كبير في وفرة لقاحات كوفيد-19، وهو ما أدى إلى ظهور جائحة بحدّين. فالدول الغنية أصبحت محمية من الفيروس بينما الدول الفقيرة لا تزال معرَّضة لخطره، وفق قوله.
إمدادات متتابعة
أعلنت الولايات المتحدة عن دعم مؤقت لرفع براءة الاختراع عن اللقاحات. في مقابل دول أخرى ترفض التوجه منها اليابان وألمانيا. كما حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من إهدار ملايين اللقاحات إذا أرسلت الدول الغنية كميات كبيرة من الجرعات المتبقية إلى الدول الفقيرة دفعة واحدة.
لذلك تنادي المنظمة بوجود إمداد مطرد على مدار العام، لأن الدول الفقيرة لا تملك الموارد لاستخدام اللقاحات مرة واحدة. ووعدت بريطانيا ودول أخرى بالتبرع بالجرعات الفائضة لديها.
كما حث رئيس منظمة الصحة العالمية، دول مجموعة السبع الغنية ودول مجموعة العشرين، على تقاسم فائض لقاح كورونا المخزن لديها. وذلك في حل فوري لاحتواء الوباء، والمساعدة على فتح الحدود عبر العالم.
المختصون يقولون إن السيطرة على جائحة عالمية يتطلب توزيعًا عادلاً للقاحات. وذلك لتحقيق نتيجتين، الأولى صحية بالسيطرة المتساوية على الجائحة في أسرع وقت، والثانية اقتصادية تضمن نمو الاقتصادات العالمية. وتجنب خسائر فادحة في حال انحسار اللقاحات في أسواق بعينها.
قومية اللقاح وخسائر اقتصادية
ياسمين أيمن، الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ترى أن الدول الغنية لا تريد أن تصنع الدول النامية اللقاحات. وقالت: “تميل الحكومات الوطنية لاتباع مصالحها الخاصة استجابة للأوبئة بدلاً من اتباع نهج أكثر تنسيقاً مع دول العالم. وهنا يظهر مصطلح يمكن تسميته بقومية اللقاح، ومن خلاله تضغط الدول للوصول إلى إمدادات اللقاحات، أو تخزين المكونات الرئيسية لإنتاج اللقاح دون النظر لغيرها من الدول”.
ووفق دراسة أعدها المركز، فعند توفير اللقاحات على نطاق محدود للدول المنتجة، سيتكبد الاقتصاد العالمي نحو 1.2 تريليون دولار سنوياً. وأرجعت ذلك إلى تحصين جزء فقط من سكان العالم ضد الفيروس، وهو لا يضمن السيطرة على الوباء.
وعند عجز الدول الفقيرة في الحصول على اللقاحات، فمن الممكن أن يخسر العالم 153 مليار دولار سنوياً من الناتج المحلي. وأيضًا يمكن أن تتكبد البلدان ذات الدخل المرتفع خسائر تصل لـ119 مليار دولار سنوياً.
تعليق حقوق الملكية
الدكتور علاء عوض، أستاذ أمراض الكبد، يرى أن حل الأزمة يكمن في اتباع العالم سياسة عادلة فى توزيع اللقاحات. وهناك ضرورة ملحة لتفعيل بند تعليق حقوق الملكية فى زمن الوباء. وهو ما يتيح لكل دول العالم الحق في إنتاج لقاح كورونا والحصول على حقوق المعرفة والتكنولوجيا اللازمين لهذه العملي.
لذلك يرى ضرورة أن تقوم الدول بتوفير العدد الكافي من اللقاحات لعموم السكان. بجانب حملات شاملة لتحفيز الجماهير على التلقيح وإنشاء مراكز كبيرة ومتعددة.
ويشير عوض، إلى أن غياب العدالة فى توزيع اللقاحات في العالم يؤدي لاستمرار الجائحة، فربما تنجح دول غرب أوروبا والولايات المتحدة وكندا فى احتواء الوباء على أراضيها بنهاية العام الحالي 2021 بعد اتساع حملات التلقيح الجمعية هناك، ولكن ستبقى دول بآسيا وأفريقيا في حالة العدوى الكثيفة، والحالة الهندية قابلة للتكرار في هذه المناطق مع وتيرة التلقيح شديدة البطء، مؤكدا أن استمرار العدوى في هذه المناطق بهذه الكثافة يعني أن الجائحة لن تنتهى قريبا، وربما تشكل تهديدات حتى للدول التي نجحت في احتواء الوباء، وربما تمتد الأزمة لسنوات.
اللقاحات والمساعدات
هل يمكن أن تستبدل الدول الغنية المنح المالية التي تقدمها للدول الفقيرة بشحنات من لقاحات كورونا؟. سؤال طرحه البعض خلال النقاشات الحوارية المفتوحة. لكن ذلك يطرح تساؤلاً آخر في حال كانت تلك المنح موجهة في الأساس للاحتياجات الأسياسية والغذائية، هل الدول الفقيرة تحتاج للدواء أم الغذاء كأولوية؟
في أبريل 2020، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين إن الاتحاد الأوروبي سيقدم مساعدات مالية بقيمة 15 مليار يورو للدول الفقيرة في إطار سعيها لمكافحة كورونا.
وقتها قالت أورسولا: “لن نربح هذه المعركة إلا عبر استجابة دولية منسّقة”، لكن الأشهر اللاحقة لم تشهد تعاونًا بين الدول الغنية والأخرى الفقيرة، في معركة الجائحة، حيث وضعت الأولى مصلحتها على قائمة أهدافها المرحلية والمستقبلية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتقدم مساعدات بقيمة 47.2 مليار دولار، استنادًا إلى بيانات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. التي تقول إن المساعدات العسكرية تستحوذ على قرابة ربع هذه التمويلات.
مبادرة أمريكية
ربما جال بخاطر الرئيس الأمريكي بعضًا من تلك النقاشات، فنقلت وسائل إعلام أمريكية أن إدارة جو بايدن ستوفر 500 مليون جرعة من لقاح فايزر المضاد لفيروس كورونا لنحو 100 دولة خلال العامين المقبلين.
وبعدما تعرضت الولايات المتحدة لضغوط لرفع معدلات التلقيح في البلدان الفقيرة، تحدث وسائل الإعلام اليوم الخميس أن واشنطن ستوزع حوالى 200 مليون جرعة هذا العام، والباقي في عام 2022.
ولم يعلق البيت الأبيض رسميًا بعد على خطة طرح 500 مليون جرعة في جميع أنحاء العالم.
لكن عندما سئل جو بادين عما إذا كانت الحكومة الأمريكية لديها استراتيجية تلقيح للعالم، قال قبل ركوب طائرة الرئاسة متجها إلى المملكة المتحدة: “لدي واحدة، وسأعلن عنها”.
وذكرت “رويترز” أن الحكومة الأمريكية ستتبرع باللقاحات إلى 92 دولة من الدول ذات الدخل المنخفض والاتحاد الأفريقي. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن أشخاص مطلعين على الصفقة أن الولايات المتحدة ستدفع ثمن الجرعات بسعر “غير هادف للربح”.