اضطر السودان إلى تجرع الدواء المر، لحل أزمة الوقود المتفشية منذ سنوات، برفع أسعار المحروقات بنسبة تقترب من ١٠٠٪، ضمن خطة إصلاح اقتصادي مرحلية مع صندوق النقد الدولي، وهي القرارت التي يعارضها تجمع المهنيين السودانيين الذي دعا للخروج للشوارع، لإسقاط ومقاومة ما وصفها بـ”سياسات السلطة الفاسدة”.
ورفع السودان أسعار البنزين والديزل بنسبة 93% ليرتفع سعر البنزين من 150 إلى 290 جنيهًا سودانيا للتر، والديزل من 125 إلى 285 جنيهًا سودانيا للتر.
وقالت الوزارة المالية السودانية، في بيان لها، إن إلغاء كل أسعار الوقود يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح تشوهات الاقتصاد، فدعم المحروقات يكبد الموازنة حوالي المليار دولار سنويًا.
وتراهن الخرطوم على التخلص من دعم الوقود في حل مشكلات معقدة منذ عامين، وطالما تكررت مشكلات في توفير السلع الأساسية، مثل الوقود والأدوية والخبز.
يمثل الخبز بالذات مشكلة ممتدة مستمرة منذ عام ونصف بطوابير طويلة أمام المخابز ونقص في المعروض، فالاستهلاك اليومي للدقيق يعادل 50 ألف جوال زنة 50 كيلو جرام، وما يتم توفيره للمخابز التي تبيع الرغيف المدعم لا تزيد عن 47 ألفًا.
وتدخلت دول كبرى لحل المشكلة في مقدمتها الولايات المتحدة أحد أكبر منتجي القمح في العالم التي وقعت اتفاقية في مارس الماضي لتزويد الخرطوم بنحو 300 ألف طن من القمح الأمريكي في عام 2021، يتم زيادتها إلى زيادة 420 ألف طن سنوياً للأعوام الثلاثة القادمة.
أزمات قديمة
يعاني السودان من أزمة مزمنة منذ انفصال الجنوب، قبل عقد، بعد تراجع إنتاجه من 450 ألف برميل يوميًا إلى 70 ألفًا حاليًا، وتلجأ الحكومة لاستيراد أكثر من 60% من المواد البترولية، وتبلغ فجوة البنزين المحلي 46.3٪ والديزل 53٪، والفجوة في الإنتاج تصل إلى 70 ألف برميل، والوصول الاكتفاء الذاتي يتطلب 140 ألف برميل.
لا تكفى الموارد الدولارية للسودان في تغطية حجم الاستيراد المطلوب، فاحتياطي النقد الأجنبي يبلغ 234 مليون دولار، يمكنها فقط تغطية ١٥ يومًا من احتياجات البلاد الخارجية.
وتأتي خطوة التخلي عن دعم الوقود، بعد ثلاثة أشهر من تحرير الخرطوم الجنيه السوداني، لوقف المزيد من الانفلات في أسعار الصرف، بعد وصلت العملة الأمريكية إلى مستوى 400 جنيه في السوق الموازية.
وسمح البنك المركزي بانخفاض العملة رسميًا من 55 جنيهًا للدولار إلى 375 جنيهًا سودانيًا، من أجل تحجيم السوق الموازية، وعلى أمل جذب تحويلات العاملين بالخارج للسوق الرسمية، بدلاً من الموازية والتي تقدر بنحو 2.9 مليار دولار.
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ختام مؤتمر لدعم المرحلة الانتقالية بالسودان، أخيرًا، إسقاط ديون مستحقة عليه بقيمة 5 مليارات دولار بعد أن أوفى بكل الشروط اللازمة للانضمام إلى مبادرة دعم الدول المثقلة بالديون، مضيفًا أن فرنسا قدمت قرضا طارئا للسودان بقيمة 1.5 مليار دولار لمساعدته في سداد التزاماته المتأخرة لصندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضا:
مؤتمر باريس.. هل سيكون فرصة لانطلاق “السودان الجديد”؟
ديون متراكمة
وقبل مبادرة إسقاط الديون الأخيرة، كانت ديون السودان المتراكمة تصل إلى أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي بما يعادل نحو 60 مليار دولار تعادل ما يزيد على عشرة أضعاف حجم صادراته التي لا تزيد عن 4 مليارات دولار سنويًا.
وتتوقع الحكومة السودانية شطب نحو 45 مليار دولار من ديونه الخارجية في إطار مبادرات تخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة في العالم، ما يعطي فرصة للاقتراض من مؤسسات دولية لدعم برنامج إصلاحي.
ومن المقرر، أن يقدم البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد للسودان 700 مليون دولار في تمويل لدعم قطاعي الطاقة والاتصالات، والأخير يعاني كثيرا منذ إسقاط عمر البشير، وشهد انقطاعات متكررة للانترنت في بلد تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث أسوأ سرعة للشبكة العنكبوتية.
مخاوف التضخم
تحتاج خطوة رفع الدعم عن الوقود في السودان إلى إجراءات حمائية لمنع ارتفاع مستوى التضخم ورفع المصنعين أسعار السلع وكذلك تعريفة خدمات الركوب، بجانب السلع الأساسية كالخبز فسعر الخبز خارج الدعم زنة 90 جراماً يعادل 7 جنيهات قبل رفع دعم الوقود.
وسجل السودان عام 2021 أعلى معدل تضخم في أفريقيا بما يعادل 129.7%، يليه جنوب السودان بنسبة 33.1%، وفقًا لبيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي بينما يقدر معدل البطالة بأكثر من 16%من إجمالي القوة العاملة في العام 2020.
وكان التضخم في السودان قد سجل مستويات قياسية بلغت في بعض الأحيان 269% نتيجة العجز الكبير في المالية العامة، وتفاقم الأمر بسبب نقص الغذاء والوقود وإجراء التصحيحات اللازمة في الأسعار الجبرية.
كما يفترض أن تتخذ الحكومة خطوات لمنع ارتفاع معدلات الفقر الذي يشهد تضاربا في تحديد نسبته فبينما تقول مفوضية الضمان الاجتماعي أن ٧٧% من تعداد السودانيين البالغ ٣٠ مليون يقبعون تحت خط الفقر، وأن دخل الفرد لا يتجاوز دولار وربع الدولار يوميًا، تقول دراسات حكومية رسمية تقول إن الفقر تراجع إلى 28%
لكن وزارة الاستثمار التي تم تشكيلها في التعديل الوزاري الأخير، تراهن على تدفق الاستثمارات لحل مشكلة البطالة وبالتالي السيطرة على الفقر، فالبلاد تلقت طلبات ضخمة من شركات عالمية للاستثمار في مجالات مختلفة كالطاقة والتعدين وغيرها لكنها ستركز في بادئ الأمر على الاستثمار في مشروعات البنى التحتية والزراعة.
ووفقا للبيانات المحلية، فإن السودان يملك ما يقارب 800 مليون كيلو متر مربع صالحة للزراعة، يستغل منها 30% فقط، وأكثر من 108 ملايين رأس ماشية وتنوع في مصادر المياه الجوفية والأنهار والأمطار والمناخ يؤدي إلى تنوع المحاصيل، كما يعد أكبر منتج للصمغ العربي بنحو 80% من الإنتاج العالمي وساحل بحري يمتد إلى 700 كيلومتر يمكن استغلاله في الصيد.